الجود من الموجود في الرد على الدكتورالـ"مسعود"
كتبت هذه الأسطر يوم الاثنين الماضي،وبعثت بها إلى صحيفة (الاقتصادية) .. وكتبتُ في السطر الأول – بعد السلام – رجاء بإعلامي حالة عدم إمكانية نشر هذا التعقيب،وأعقبت ذلك برقم جوالي ..
فلا نشروا ولا اعتذروا .. ومع ذلك ربما يكون الأمر في سياق : لعل له عذرا وأنت تلوم.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله .. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
وبعد .. لا أقول إلا سامح الله أخي الأستاذ جميل فارسي،والذي غرد بقوله :
(قول في قيادة المرأة من أراد أن يرد عليه فليكن في نفس مستوى المنطق لديه).
لثقتي – وحبي الذي لا أخفيه – بالأستاذ "جميل" هرعت لأقرأ،فعثرت على مقالة عنوانها (حرية اختيار)،بقلم الدكتور محمد بن سعود المسعود،والمقالة منشورة في صحيفة"الاقتصادية".
أستطيع أن أقول أنني صدمت بمقالة الدكتور "محمد"ولا يتعلق الأمر بقناعته الشخصية بأهمية بل وبضرورة أن تقود المرأة السعودية سيارتها بنفسها .. فتلك حرية شخصية لا ينازع فيها أحد ...
لكن الذي صدمني هو (الحجج) التي قدمها الدكتور .. ومن هنا أقول أن هذه الأسطر ليست عن قيادة المرأة للسيارة – فقد قلت وجهة نظري في الموضوع – ولكنها حول (الحجج) فقط ..
يقول سعادة الدكتور :
(أن العفة في تمكين المرأة المسلمة من خصوصيتها وعدم فرض رجل يُستجلب من أقاصي الأرض ليكون في خلوة بغيضة معها).
هذا أحد وجهي العملة وقد تجاهل الدكتور وجه العملة الآخر .. وهو اضطرار المرأة السائقة للتعامل مع رجل أجنبي مستجلب من أقاصي الأرض ليصلح لها سيارتها .. والتي قد تتعطل في أية لحظة .. هذا الاحتمال وارد أم غير وارد؟
هذا أولا أما ثانيا : فقد قلنا من قبل أننا لم نقرأ لامرأة واحدة مطالبتها بأن تكون بديلة لـ(سائق) الأسرة .. و الذي يحضر الأغراض من الأسواق .. ويذهب بالأبناء والبنات للمدارس والجامعات ... هل هذا صحيح أم أن معلوماتي ناقصة؟ وإذا كانت المرأة لن تكون (البديل الجاهز) للسائق الأجنبي .. فمعنى ذلك أن السائق المستجلب من أقاصي الأرض سيظل موجودا .. وسيظل احتمال خلوته البغيضة بالمرأة واردة!!
من العجائب قول الدكتور الفاضل :
(بسبب هذا المنع،وظهر بسببه فساد عظيم،وفرض الفقر والعوز على عدد غير قليل منهن وتعرضهن للتحرش،والخطف والغواية من قبل سائقي سيارات الأجرة)
سبحان الله! هل قالت المرأة أنها تريد أن تعمل سائقة أجرة حتى يأتيها دخل من وراء ذلك؟
وهل قيادة السيارة تزيد المال .. أم أن من لا يملك المال لا يستطيع أن يمتلك سيارة أصلا؟!
وهل قيادة امرأة بمفردها لسيارتها سيحول بينها وبين التحرش .. وما قد يعقبه؟!
هنا وقفة صغيرة وتذكير بـ"جوستين الحقيبة".. وهو عبارة عن"دمية"رجل .. (مصنوع من بالون بلاستيكي على هيئة رجل بكل ملامحه،ومعه قميص وربطة عنق وجاكيت،ونظارة حتى،لإعطاء مزيد من الواقعية للتركيبة كلها.المخترعتان إنكليزيتان،برنيدا(..) انطلقتا من تجربتهما الخاصة عندما كانتا تتجولان منفردتين في سيارتيهما لظروف العمل.كان السفر الليلي وعلى الطرقات النائية يشعرهما بالتوتر الشديد والخوف سواء من حدوث عطل طارئ في السيارة فيطمع بهما الطامعون،أو وجود سائقين يلاحقون السائقات المنفردات (..) إذ لاحقها شابان بسيارتهما لمسافة طويلة وعندما لم يتمكنا من إجبارها على التوقف صدما سيارتها بقوة ففقدت السيطرة عليها وخرجت من الحطام ببعض الجروح،واكتشفت بعد ذلك أنها ليست الوحيدة،بل كثيرات من معارفها تعرضن لـ"حوادث مماثلة"){ جريدة الحياة العدد 12403 في 12/2/1997م}.
لو افترضنا جدلا .. أن كل السعوديات قادرات على شراء سيارات خاصة .. والاستغناء عن سيارة الأجرة .. فهل السيدة التي تكون برفقة "سائق حقيقي" – هي كفيلته وتعطيه راتبه،أو سيارة أجرة المفترض أن تكون تابعة لشركة معروفة،إذا كنا صادقين في حماية النساء – أم تلك التي برفقة"دمية"؟!
تحدث الدكتور مطولا عن (الفقه) والولاية الخاصة .. أما الجانب الفقهي،فلست – مع شديد الأسف من أهله،فأتركه لهم – ويبقى جانب آخر يتعلق بالثقافة بمعناها الواسع .. وهذه نستطيع الحوار حولها،يقول سعادة الدكتور :
(وحين يقرر صاحب الولاية الخاصة – الأب،الزوج – السماح لمن هم تحت ولايته بقيادة السيارة لا يملك أحد الحق في منعه طالما أنه حلال لا ضرر منه ولا يملك أحد الحق أن يفرض هذا المنع عليه).
هذا الكلام يصلح لعصر غير عصر"الدولة"التي تنظم جميع شؤون الحياة.
وسأكتفي بمثال واحد : صديقي الذي أعطى مفتاح سيارته لابنه – تبقت له سبعة أشهر تقريبا حتى يسمح له النظام بالقيادة – وطلب منه أن يوصل الأسرة.
هذا (ولي) ومالك السيارة .. ومع ذلك لو أوقف المرور الابن لعاقبه بالعقوبة المقررة .. رغم أن وليه سمح له بذلك. فهل نستطيع أن نقول هنا : وحين يقرر صاحب الولاية – الأب – السماح لابنه الذي هو تحت ولايته بقيادة السيارة لا يملك أحد الحق في منعه؟!!
هل تقول بهذا يا دكتور؟ أم أن هذه الحرية خاصة بالنساء فقط؟!
أما خاتمة مقالة سعادة الدكتور فقد جاءت هكذا :
(في عشر سنوات فقط نكون قد صدرنا من ثروتنا الوطنية 350 مليار للخارج فاتورة قرار المنع هذا،وستم رفعه في وقت ما.
والسؤال الأهم متى وبعد أن نكون قد خسرنا كما{هكذا - محمود} من المليارات؟ بما لا يمكن استرجاعها ولا ردها.).
أعترف أن موجة من الحزن – على نفسي – اجتاحتني!! هل تغطي رغبتي في إثبات قضية ما على تصوري للأمور؟!!
دعكم مني.
دكتورنا الكريم : هل سيزيد عدد السيارات في المملكة إذا قادت النساء السيارات أم سينقص أم سيظل كما هو؟
قلنا من قبل :
أولا : لم نقرأ لامرأة واحدة تعهدا بأنها ستكون بديلا للسائق الخاص.
ثانيا : من تجارب الدول الخليجية المجاورة .. لم تغن قيادة المرأة هناك لسيارتها بنفسها – ولا حتى وجود وسائل نقل عامة مريحة ومنتظمة ونظيفة وآمنة،كالتي في الإمارات - عن وجود السائقين الخاصين = إذا سيظل السائقون الخاصون في أماكنهم وبسياراتهم .. في الغالب.
وعليه فإن المرجح أن عدد السيارات سوف يزيد .. إذا لم يتضاعف .. وذلك يعني :
مليارات من الثروة الوطنية ستصدر للخارج : قيمة السيارات الجديدة .. إذا لا أعلم أن لدينا مصانع وطنية أو سيارات وطنية – باستثناء "غزال"!!-
ليست أثمان السيارات الجديدة هي التي ستصدر من ثروتنا الوطنية فقط .. بل أثمان قطع الغيار .. وربما احتاج الأمر – حسب أعداد السائقات الجديدات – إلى مزيد من محلات صيانة السيارات .. أي عمالة جديدة مستقدمة من أقاصي الأرض .. ستتقاضى رواتب من الثروة الوطنية .. تصدر إلى الخارج أيضا!!! إضافة إلى اكسسوارات السيارات وزينة السيارات .. وتنظيف السيارات .. وكلها خدمات – أو خامات – تستورد من الخارج ..أو تقوم بها عمالة وافدة .. أي المزيد من ثروتنا الوطنية .. يطير إلى الخارج.
وبعد .. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني.