لماذا الإخوان المسلمون؟
د. فايز أبو شمالة
اتصل هاتفياً، ودعاني لحضور اجتماع سيعقده أحد قادة حركة حماس مع عدد من الكتاب، لقد اعتذرت، ورفضت الدعوة، حتى لا يتأثر موقفي السياسي برأي أي تنظيم كان، فأنا لا أكتب كي ترضي عني حركة حماس، أو تغضب علي حركة فتح، أنا أكتب كي أعبر عن قناعتي السياسية، والتي قد تلتقي مع هذا التنظيم، وقد تختلف مع ذاك.
رفضت اللقاء كي لا يحسبني أحد على تنظيم بعينه، ولاسيما أنني صاحب أعدل قضية سياسية على وجه الأرض، فقضيتي هي وطن اسمه فلسطين، تم اغتصابه من قبل الصهاينة قبل ستين عاماً ونيف، نجح خلالها الإعلام الصهيوني، والتآمر العربي، نجحوا في تشويه وجه الحقيقة، فصارت قضيتي إنسانية، وبدلاً من استرداد الوطن المغتصب ضحكوا علينا، فصرنا نفتش عن هوية، وبدل شعار تحرير أرض فلسطين بالكامل، اكتفى الجمع السياسي العربي بعد هزيمة 1967، اكتفوا بالبحث عن الحل العادل للقضية الفلسطينية، فكانت اتفاقية كامب ديفيد، التي أضاعت الحل العادل، وطرحت التعايش مع الجار، ليصير السلام هو الشعار، وتصير الواقعية هي الخيار، فصار التوقيع على اتفاقية "أوسلو"، والبحث عن الحل الممكن، فأين هو الممكن أيها القادة؟ قالوا: الممكن هو الصمود، والبقاء حيث نحن منغرسين فوق تراب فلسطين، منغرسين غير مقاومين، منتظرين مفاوضين، متفرجين على المستوطنين اليهود الذين استثمروا الوضع، فراحوا يغتصبون ما تبقى من أرض فلسطين.
قضيتي الفلسطينية قضية سياسية لا تنهض إلا بنهوض الأمة، وأرضي الفلسطينية المغتصبة لا تسترد إلا بعد استرداد الوحدة للأراضي العربية التي مزقتها اتفاقيات سايكس بيكو، ولما كانت الحركة السياسية الوحيدة التي تطرح فكرة توحيد الصف العربي تحت راية واحدة؛ هي حركة الإخوان المسلمين، وجدت نفسي مؤيداً لهم، وأنا أدرك حجم المؤامرة التي تستهدفهم، وذلك لأنهم الجهة الوحيدة القادرة على قلب المعادلة السياسية القائمة على فن الممكن.
لقد أيدت الإخوان المسلمين لأنهم أصحاب مشروع نهضة الأمة، ولديهم القاسم المشترك الذي يلتقي عليه العراقي والمغربي والسوداني والشامي والحجازي واليمني والمصري، وما عدا حركة الإخوان المسلمين ـ التي لا انتمي إليها ـ فلا يوجد حزب قومي أو اشتراكي أبو بعثي أو رأس مالي بقادر على خلق أمة واحدة.
لقد أيدت الإخوان المسلمين لأنهم يقولون بحتمية اقتلاع الصهاينة، ولا ينادون بالتعايش معهم، فالبعد العقائدي يفرض عليهم ذلك، رغم التكيتك السياسي في هذا الشأن.
لقد أيدت الإخوان المسلمين لأنهم الجهة الوحيدة القادرة على تسليح النفس البشرية بالقوة، وشحنها بإرادة التغيير، وطاقة التفجير.
لقد أيدت الإخوان المسلمين كفكرة سياسية، وأنا أعرف أنهم مطاردون من كل القوى العالمية التي ترفض المنافس، وهم مطرودون من رحمة النظام العربي الذي يرفض الشريك.
لقد أيدت الإخوان المسلمين لأنهم بارعون في التنظير والتأثير والتعبئة وحشد الجماهير، ولكنهم للأسف؛ لا يحسنون قطف الثمر، ولا يتقنون الألاعيب السياسة الخبيثة، ولا يعرفون فن الكذب الجميل، لذلك وقعوا في فخ العلمانيين، وصاروا طعاما ًللجوارح، بل صار الإخوان المسلمون متهمين بالكبائر، متهمون بالتعامل مع أعدائهم العقائديين؛ أمريكا وإسرائيل، ونحج الإعلام الصهيوني ـ رغم إسلامهم، ورغم مسارهم السلمي ــ نجح في تصوريهم إرهابيين.
أدعو الله أن تتعلم من أخطائها حركة الإخوان المسلمين، فما زال الأمل معقود على تصدرهم المشهد السياسي من أجل تحرير كامل تراب فلسطين.