لأنكم بقيّة الحكاية
سوسن البرغوتي
يقال عندما ترى أسيراً مؤمناً بقضيته يحلم، لا توقظه، لأنه يحلم بالحرية، فلها سحر يفك قيود العقل قبل أصفاد الأغلال.. نظام لا جهل فيه ولا تجاهل لتفاصيل لا تُرى، مهما خيمت الظلمة بحور القنوط، فهي القانون الأبدي الذي يحكم علاقة الضمائر الحية مع الآخرين، وعلاقة المرء بالكون في رحلة خواتمها الإيمان المطلق بالله فهو العدل المطلق والحرية المطلقة.وعندما تقترن النظرية والأفكار بالواقع الملموس والمحسوس، لا يمل صاحبها من الاستزادة بالإرادة والهمة للإبحار إلى شطآنها، فتكون زاده وسلاحه الذي ينطق بالحق، مصدره دواخلنا، وثماره أعمالنا.الحرية فطرة مزروعة تقاوم عتمة المكان، وظلم الزمن، ومهما اتسعت وأبعدتنا المسافات عن ذاك الأفق الرحيب، يُولد منهل الحياة، ويرتدي أزهى الألوان، ليمنح قيمة ديمومة الحياة على كوكب لا تخبو جذوة الحياة فيه إلا بفناء الروح، لأنها الروح التي ترقى بمسؤولية كفاح لا يركن للرتابة والخمول، ولا إلى الترف والتواكل، وتصون المرء من متاهات وضياع، يقذف به إلى أماكن يجهل توصيفها، ومعان متلونة خادعة، فيتناقض الفكر مع السلوك، والجوهر مع المظهر، وما بينهما، يقف الإنسان عارٍ على حافة الهلاك والرحيل.. إنها مسألة وقت. حوّمت فراشات نحو النور وما احترقت، فصارت شعاعاً قزحيّاً، يلقي بظلاله على بساتين تفتحت أزهارها، وحشود زحفت تنشد فداء ذلك الحب الخالد لثرى ما بخل عن العطاء، وسواعد ما تخلت عن القبض على قيمة الحياة. نحن نعيش صحوة الحلم، وقد تجلى واقعاً، فالحرية لم تعد مجرد حلم، إنما خطّتها سواعد الأحرار، بإرادة وهمة، فقد صحت الجماهير من الحلم ونزلت إلى ميدان العمل.. ساحة الشرف.. قاهرة الظلاّم، تصرُّ أن لا شيء مستحيل، وأن طريق الخلاص يبدأ بخطوة تتبعها خطوات. لم يعد النوم ملجأ أمانينا، بل نقاومه بانطلاقة الصحوة، حتى لا نغفو ونحن نرى بأعيننا ما حلمنا به بالأمس. لقد تجسدت لوحة الحياة.. الحب والحرية، بسموّ وإشراق كينونة إنسان خلع روتين بلادة الحياة، فولدت نبراساً ينير الدروب وتقطف ثماراً رويت بذورها بالدماء، وعرق المخلصين العاشقين لتلك الأيقونة الساحرة، فتتعانق مع المعنى ويلتحم مع العمل.شبابنا، ربيعنا العربي المورق في مصر الحرة الأبيّة، أزاح الغشاوة والتمني، وفاجأنا بمذهب العمل وأدبيات العشق للانتماء والهوية..هكذا ببساطة صحا الأسير في دواخلنا، وصارت الكلمة فعلاً هدّاراً وصوتاً جباراً، وها هو العالم الحر الأبيّ يهتز طرباً وافتخاراً بكم يا أحبتنا وفلذات أكبادنا فأنتم المستقبل، الذي راهنا عليه، ولا رهان إلا على تدفق الدم في مجرى الشرايين الحيّة. فأنتم بقية حكاية بدأت منذ الأزل، وستبقى حتى الفناء..أنتم الحلم، وقد تحقق بكم.. وبكم أشهرت ساحاتنا سيوفاً تنشد النصر، وتنتصر، ولن تعود لأغمادها أبداً.