أم كامل شاركت في أسبوع القدس السابع بالكويت (الجزيرة نت)
جهاد أبو العيس-الكويت
تختصر قصة الحاجة فوزية الشهيرة باسم "أم كامل الكرد" فصول معاناة كثيرين من أمثالها الذين صادرت إسرائيل منازلهم في القدس الشرقية، فقد أخرجت من منزلها في حي الشيخ جراح عنوة، لكنها قاومت ذلك ونصبت خيمتها أمام دارها المصادرة، ومن هنا بدأت قصة صمودها.
لم تأبه أم كامل لاقتلاع وطرد المستوطنين لها ولعائلتها من بيتها الذي قضت فيه ذكريات عمرها، بل انصب جل جهدها على كيفية جعل قضيتها حية من خلال هذه الخيمة الصغيرة.
فهي لا تحمل في تاريخها من الشهادات سوى شهادة الحق أن هذه أرضها سلبها مستوطنون جاؤوا من كل بقاع الأرض تحت مسمى "أرض الميعاد".
اليوم أضحت خيمة أم كامل مزارا لآلاف المتضامنين الأجانب الذين تروي لهم قصتها دون كلل، فتحدثهم عن ذكرياتها في بيتها وبين أولادها وحكايات البلدة القديمة وغدوها ورواحها إلى المسجد الأقصى وأماكن سجودها في هذه الأرض المقدسة.
سفيرة الصمود
سماها بعض الكتاب "سفيرة الصمود والتحدي" بعد هدم الاحتلال لخيمتها سبع مرات، وأطلق عليها البعض الآخر "حارسة عروبة القدس والمسجد الأقصى"، أما القنصل البلجيكي فسماها "المرأة الفلسطينية التي تقود الرجال" لتختارها الهيئة الإعلامية العالمية من أجل الدفاع عن القدس شخصية العام 2008.
أم كامل تروي قصتها لكل من يزورها بخيمتها (الجزيرة نت)
يزورها القناصل الأوروبيون معبرين عن اندهاشهم لصبرها، ويستمع إليها بإنصات المسؤولون والإعلاميون ليتعلموا منها حينا قصص ثبات فلسطينية في أرضها، وليكتبوا عنها حينا آخر قصص معاناتها والوجه الأسود لمن تقدم نفسها على أنها دولة الديمقراطية الأولى في المنطقة.
حكاية أم كامل كما روتها للجزيرة نت على هامش مشاركتها في أسبوع القدس السابع الذي نظمه الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، بدأت عام 2001 عندما أغلق الاحتلال الإسرائيلي جزءا من البيت الواقع بحي الشيخ جراح في مدينة القدس، بزعم مزور أن أرض البيت يهودية.
تقول أم كامل "جرت مصادرة نصف بيتي ابتداء عندما طلب منا القاضي التفاهم مع جيراننا اليهود الجدد لتقسيم البيت نصفين بهدوء ودون محاكم، ولما رفض أبنائي أمر التفاهم صدر بحقنا قرار مجحف يقضي بإغلاق البيت وتغريمنا 120 ألف شيكل.. دفعنا الغرامة وأغلقنا القسم الثاني من بيتنا، بينما صادرت دائرة الإجراء محتوياته كاملا".
وتضيف "سكنت في جزء البيت المصادر عائلة يهودية مارست كل أشكال الحيل والألاعيب بهدف طردنا نهائيا من الشق الثاني للبيت أنا وزوجي شبه المقعد بعد ترحيل أبنائنا، فنحن عائلة مكونة من أب وأم وخمسة من الأبناء و16 حفيدا".
"كان أبناء المستوطنين يقومون دوريا بتخريب منظر الساحة الجميل لبيتي.. كانوا يسكبون الماء القذر ويقذفون بالأوساخ أمام باب غرفتي" تضيف الحاجة فوزية.
وتزيد بتحسر "كانت زوجة اليهودي الذي اغتصب نصف بيتي تضع على باب بيتها صورة الفلسطيني الذي يرتدي الكوفية وبدأت تعلّم أولادها كيف يقتلون العربي: فإصابة اللون الأصفر تعني اقتلاع عينه والأحمر تستقر في فمه والأخضر تستقر في أعماقه.. وهكذا تخرج الفلسطينية من البيت (تقصدني بكلامها)".
وقد ادعت مجموعة من المستوطنين المتطرفين ملكية بيت أم كامل الكرد و25 بيتا آخر في نفس الحي على أساس ورقة تعود إلى العام 1880 وتحوم الشكوك حولها، وحتى الولايات المتحدة لا تعترف بها. وتسعى الجمعيات اليهودية لبناء 200 وحدة استيطانية لتحل محل البيوت الفلسطينية.
أم كامل تقف أمام خيمتها التي اعتصمت فيها أمام منزلها الذي طردت منه (الجزيرة نت-أرشيف)
إغراء مالي
وأمام إصرارها على التحدي، تروي قصتها مع وزير السياحة الإسرائيلي السابق "أمام رفضي كل التهديدات جاء إلى منزلي وزير السياحة السابق وعرض عليّ شيكا مفتوحا، وقال لي: أم كامل نحن نريد هذا المنزل، ضعي الرقم الذي تريدينه، وإذا أردت فسنعطيك عشرة ملايين، لكن المهم أن تخرجي.. عندها ضحكت وقلت له: كل أرقام الدنيا ما بتخليني أبيع وطني وذكرياتي".
نفذ الاحتلال بعد رسوب في امتحان الصمود مع أم كامل مخطط اقتلاعها قسرا من جزء بيتها المتبقي يوم 16 يوليو/تموز 2008، حين "عمد نحو خمسين جنديا إلى بيتها بينما تفرّق ثلاثة آلاف جندي في المنطقة.. انتشار وسلاح وسيارات عسكرية وتطويق للمداخل، كل ذلك لمنع مقاومة سيدة لا حول لها ولا قوة ورجل مقعد".
وهنا تروي كيف نشرت الصحف العبرية عام 2008 تصريحا بارزا لوزيرة الخارجية السابقة تسيبي لفني بسبب كثرة الوفود الزائرة لخيمتها بالقول "هددتني ليفني بالإبعاد، وقالت أخرجوا أم كامل من خيمتها فورا، بل أخرجوها من القدس كلها.. ما زادني قوة أن خيمتي أضحت أكبر من احتلالهم".
اليوم يدخل الزائرون خيمة صمود أم كامل وهم في كامل الحيرة والعجب، ليخرجوا بعد ساعة لقاء يتحدثون عن المرأة المقدسية التي صمدت في وجه آلة الاحتلال في زمن تنازل فيه مفاوضون ودعاة سلام عما لا يملكون لمن لا يستحقون