منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    علـّموا أولادكم لامية العرب , فأنها تعلمهم مكارم الأخلاق

    علـّموا أولادكم لامية العرب , فأنها تعلمهم مكارم الأخلاق

    ما لفت نظري في هذا البحث ... الدعوة الضمنية للتفكير الناقد الذي يضع
    المعلومة على طاولة التمحيص والاتيان بالقرائن والحجة والخروج من ثوب
    المسلمات ...
    ولذا ارتأيت ان انقل لكم بعض ما كتب وبحث الشاعر والكاتب العراقي الاستاذ كريم الأسدي ...

    إذا كان قد طـُعِن دعبل بنسبه لتمرده وتجرأه على مقام الخلافة , ومعالي الوزارة , وأبو نؤاس لمجونه وشعوبيته , وبشار لعبثه وزندقته - كما قيل ظلماً أو حقاً في هذا وذاك - والمتنبي لشموخه واعتداده ...!! وابن الرومي قد لصقت به روميته دون الاهتمام بثقافته وبيئته ولغته ,وهو بغدادي المولد والنشأة والمدفن ,ولم يغادر بغداد طيلة حياته سوى ثلاثة أشهر , لقد وقع الرواة والأخباريون القدماء بخلط كبير ,دفعتهم إليه دوافع عديدة , ولم يكن الصراع الحضاري قائماً حينئذٍ , وكان أفقهم يتسع للعالم الإسلامي , وأينما تمطرالسماء فالخراج لهم ! ومن ثم طلّ كتاب معاصرون معروفون , ونقاد أدب متميزون وساروا على النهج القديم , وتأثر بعضهم بآراء وأجندة ثلة من المستشرقين , فشكّّكوا ورموا وقذفوا تحت ستار النهجالعلمي , والحقائق الموضوعية - وسنأتي على الأمر فيما بعد - فما بال الشنفرى الذي سبقت وفاته ( 525 م) (1) ولادة النبي الكريم (ص) ( 570 م) (1) , وكنيت لاميته بـ (لامية العرب), والتي تعدُّ من أروع و أقدم القصائد في التراث العربي , بل هنالك مقولة متواترة للخليفة عمر بن الخطاب ( ت 23 هـ / 644 م ) - وتروى بسند ضعيف كحديث للنبي ( ص ) (ت 11 هـ / 632 م) - يخصها بنعت فريد , ويلحق العرب بها كمضاف إليه , ويحث على تعلمها , لأنها تمثل مكارم الأخلاق , قائلاً : " علـّموا أولادكم لامية العرب , فأنها تعلمهم مكارم الأخلاق " , والخليفة الراشدي - بالرغم من منزلته الإسلامية الرفيعة - هو الأقرب لعصر الشاعر وأحداثه ممن نقل إلينا أخباره أمثال حمّاد الراوية (ت 156 هـ/772 م) , والمفضل الضبي ( 178 هـ /794 ) وخلف الأحمر (ت 180 هـ/796 م) , والنسابة محمد بن حبيب (ت 245 هـ / 859م) , والأصفهاني صاحب الأغاني (ت 359 هـ /967 م ) , وبالتالي تعتبر المقولة أكثر صدقاً , وأقرب واقعاً , وأحسن أثراً , والشعر يمثل الشاعر , فهو جزء من شخصيته , ويعكس أخلاقيته , وما يعتلج من أحاسيس في شعوره ومشاعره , والا كيف نتعلم الأخلاق ممن لا أخلاق عنده ؟! وكيف نتكرم بمن لا كرامة له ؟ وكيف نعتزُّ بغير العزيز ؟ّ! دلـّوني بربّكم على شاعر أو إنسان , يعقد مثل هذا العقد الفريد , أو يتفوّه بمثل هذا الكلام السديد , إذا لم يكن ذا عزّة وجذور عميقة عتيدة , وحكمة وأخلاق رفيعة حميدة , إقرأ رجاء بشموخ وتعقل :
    أقيموا بني أمّي صـــــــــدورّ مطيـــــكمْ فأنـّي إلى قوم ٍ ســـــواكمْ لأميلُ
    فقدْ حُمّتِ الحـــــــــاجاتُ والليــــــلُ مقمرٌ وشـُدّتْ لطيّــــاتٍ مطايا وأرحلُ
    خاطب بدايةً ًأهله , وخصّ بالنداء بني أمّه من أخوانه الأشقاء آوغير الأشقاء , وتعدُّ رابطة الأمومة أقوى الصلات الإنسانية عاطفة ً , وأكثرها مودةً وقرباً , مبتعداً عن النزعة القبلية والعشائرية الذكورية , وشدَّ رحال مطاياه لمبتغاه مسافرا بليل سافر, ومن الجدير ذكره أنّ الشاعر الأموي المقنع الكندي ( ت 70 هـ / 689 م), قد وجّه لبني أبيه أبياتاً موجعة متشحة بخيبة الأمل والقنوط في قصيدته الدالية الأطول لديه:
    إنَّ الذي بيني وبيــــن بني أبي وبيــــــن بني عمي لمختلفٌ جدا
    إذا أكلوا لحمي وفرتُ لحومهمْ وإنْ هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
    أما المسكين المخمور طرفة بن العبد وقد ولد بعد وفاة شاعرنا الشنفرى بما يقارب العقدين , وتوفي شاباً صغيرا (543 - 569 م) , قد ذكر عشيرته بعد أنْ تحامته منبوذاً طريدا , فتلاقفه بنو غبراء شفقة وعطفا :
    وما زالَ تشرابي الخمور َ ولذتي وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
    إلى أن تحامتني العشـــيرة كلـّها وأفردتُ إفـــرادَ البعير ِ المعبّدِ
    رأيتُ بني الغبراء لا ينكرونني ولا أهل هذاك الطرافِ الممــدّدِ
    ما كان هكذا العداء البارع , الشنفرى الرائع - رغم أنّ كلّ قصيدة تؤخذ حسب ظروفها الذاتية والموضوعية لحظة إبداعها - بل شجاعاً حكيما , أبياً عزيزا , صبوراً جميلا ,وإنّ الجمال جمال الروح لا الجسد , نواصل معه لاميته :
    وفي الأرضِ منأ ًى للكريم عــــــن الأذى وفيها لمنْ خــــافَ القِلى مُتعزّلُ
    لعمركَ ما في الأرضِ ضيقٌ على أمرىءٍ سرى راغباً أو راهباً وهو يعِقلُ
    ولي دونكمْ أهلونَ ســـــــــــــــيدٌ عملـّسٌ وأرقط ُ ذهلولٌ وعرفــــاءُ جيألُ
    همْ الرهط ُ لا مستودعُ الســــــــــرِّّ ذائعٌ لديهمْ و لا الجاني بما جرَّ يُخذلُ
    وإنْ مُدّتِ الأيدي إلى الزّادِ لــــــــــمْ أكنْ بأعجلهمْ إذْ أجشـعُ القوم ِ أعجلُ
    وما ذاكَ إلاّ بسطة ٌ عـــــــــــــــنْ تفضل ٍ عليهمْ وكـــانَ الأفضلَِ المُتفضّلُ
    ولستُ بمهيافٍ يُعشي ســـــــــــــــــوامهُ مجدّعةً ً ســـــــــقبانها وهي بهّلُ(2)
    أديم مطــــــــــــــــالَ الجوع ِحتى أميتهُ وأضربُ عنهُ الذكرَ صفحاً فأذهلُ
    وأطوي على الخُمص الحوايا كماانطوتْ خيوطة ُ ماريٍّ تغــــــــارُ وتفتلُ(3)
    واستفُ تربَ الأرضِ كيلا يـــرى لــــهُ عليَّ من الطـــولِ أمرءٌ متطولُ
    ولولا اجتنابُ الذام ِ لــــــمْ يلفَ مشربٌ يٌعـــــــــــاش ُ بهِ إلاّ لديّ ومآكلُ
    وإنـّي كفاني فقدَ مَـــــــــــــنْ ليسَ جازياً بحُسنى ولا فـــــــي قربهِ متعلـّلُ
    ثلاثة ُأصـــــــــــــــــــــحابٍ فؤادٌ مشيعٌ وأبيضُ إصليتٌ وصفراءُ عيطلُ
    هتوفٌ مــــــــــن الملس ٍ المتون ِيزينها رصائعُ قـــد نيطتْ إليها ومحملُ
    إذا زلَّ عنها السّــــــــــــهم حنـّتْ كأنـّها مُرزّأة ٌ عجلى تُرنٌّ وتـٌعـــــــولُ
    إذا الأمعزُ الصوانٌ لاقى مناســـــــــمي تطايرَ منهُ قـــــــــــــادحٌ ومُفلـّلُ(4)
    الرجل كما أرى - وربما ترى معي - يشعر بالتمايز الطبقي والقبلي والعنصري - لفقره وربما لجذوره الحبشية , ولقب بالشنفرى لغلظ في شفته - , إنّّه لشعورٌ قاس ٍ مرير يأباه الحر الأبي , فيرفض الضيم طبعاً , ومن مثله لا يُسام الخسف , وفي الأرض متسع لكلّ عزيز نفس , آلا تتذكر قول المتنبي أبان ثورته في غربته , ونفوره من ثلـّته :
    رأيتكم لا يصون العرضَ جاركمُ ولا يدرُّ علـى مرعاكمُ اللبنُ
    جزاءُ كلّ قريـــب ٍ منكـــــــمُ مللٌ وحظُ ُكـلّ محبٍّ منكمُ ضغنُ
    وتغضبون علـــــى من نال رفدكمُ حتى يعاقبهُ التنغيصُ والمننُ
    أما أنا فيذكرني هذا أيضاً بدعبل حين داهمته الهموم , ونغصت حياته الأحقاد والبغضاء , ففرّ منها الى معتزله قائلاً :
    ويكَ أن القعود يلعب بالقعـــ ــددِ لعب الرياحِ بالبوغاءِ (5)
    ما دواء الهموم ِ الا المهارى تـُعتلى في التنوفةِ الملساءِ (6)
    الشنفرى شدَّ رحاله شدَّ الفقير الجريء المتعقل , والمتنبي شدّه بشدة الثائر المتمرد المتطلع , أمّا دعبل فاعتلى مهرته إعتلاء النافر المجرب و الهميم المهموم , والناس أجناس !
    لست أنا بصدد شرح القصيدة ونقدها , الآ بما ألطـّف جوّ مقالتي , وأبثّ الروح فيها عندما توشك على الملل الرتيب ,فسأشرع الآن بالبيت الثالث , الذي يتضمن كلمة (أهلون) وهو جمع شاذ ملحق بجمع المذكر السالم , لأن (أهل) اسم جنس جامد لا يستوفي شروط هذا الجمع , ومن هؤلاء ( الأهلون ) ؟ الذئب السريع الأرقط الخفيف , والضبع الطويلة العرف (7) , وعاملهم الشاعر معاملة العقلاء الذين لا يذاع سرّه عندهم , ولا يخذلونه على جريرته , وهذا يذكرني بالأحيمر بن فلان السعدي ( ت 170 هـ / 787 م) , والقصيدة التي مرت بمقالة سابقة لمخاطبكم ,ومطلعها :
    عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبَ إذعوى وصوّتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
    فلا غرابة إذن أن يستأنس شاعرنا بالحيونات الكاسرة والأليفة نكاية بالإنسان المتعالي المتغطرس المنافق , فهي خير صديق في البيت والطريق , آلا ترى ابناءالأمم المتحضرة شرقاً وغرباً في أيامنا الحاضرة , كيف يألفون حيوانتهم من قطط وكلاب ... ويصاحبونها دون ناسهم وأهلهم !! ويزيد هو عليهم , بأنه يعشي سوامه خيراً , كي يقتات من حليبها حرّا , ومع كل هذا هو( صعلوك) بالدلالة السلبية للكلمة ! ( ربما فرضت عليه هذه الصعلكة المزعومة كوسيلة للدفاع عن النفس والكرامة الإنسانية , فأين الغرابة يا هذا وذاك ؟! ولا تتخيل هذا العداء الجاهلي المشنفر يستغل هذه المخلوقات الضعيفة , وإنما هو ليس بالمهياف الذي يبعد أبله على غير هدى , فيجعل مواشيه جائعة , وبالتالي سقبانها ( أولادها) من غير رضاعة , بل هو لا يشاركها شرب الحليب حتى تشبع رواء , لأنه درّ لأجلها , لا لأجله , ولا بأس من الجوع الكافر
    فهو يطيل أمده حتى يميته , فيضرب عنه صفحاً ,وعندما تُمدّ الأيدي , لم يكن عجولا ولا جشعاً , ولا يؤمن (عند البطون تُعمى العيون) ! ولا ينطبق عليه القول :" لا تسأل رجلا عن حاجة , وهو موعود على غداء ) ! إسأله ولا تبالي ,فهو قادر على أن يطوي حواياه ( أمعاءه) جوعاً , وإن فتلت وغارت فتل الخيوط , وأحياناً الرجل الرجل يستاف التراب لكي لا يتطاول عليه متطاول لئيم , ليس كل هذا عجزا أو ضعفا أو خوفاً في عصر لا يسود فيه قانون الا قانون القوي المقدام , وأعراف القبيلة , وشيوخها الضخام ! وأنت تعرفه من هو؟ ! ولكن الأخلاقيات الإنسانية الفطرية الخالصة تردعه , وحتى لا يذمه ذام , ويُرمى بالسحت الحرام :
    ولولا اجتنابُ الذام ِ لــــــمْ يلفَ مشربٌ يٌعـــــــــــاش ُ بهِ إلاّ لديّ ومآكلُ
    أعود لأقول , ومع كل هذا يُرمى صاحبنا بالصعلكة بدلالتها السلبية , فمن هو الصعلوك ؟الصعلوك لغة هو الفقير الذي لا يملك المال كي يساعده على العيش , وتحمل أعباء الحياة , واطلقت - بصيغة الجمع - على الخلعاء الشداد, وهم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائل , أو على أبناء الحبشيات السود ممن نبذهم أباؤهم , ولم يلحقونهم بأنسابهم , أو على من احترف الصعلكة احترافاً , وحولها الى ما يفوق الفروسية , كل ما سبق ينطبق على شاعرنا الشنفرى تماماً , ولا بأس في ذلك مطلقاً , ولكن تجاوزت الكلمة من بعد دلالتها,وأخذت معاني أخرى , فاطلقت على قطاع الطرق , أو للذين يقومون بعمليات السلب
    وهذا ما نـُبرىء الشنفرى منه , ولا نميل للإتهامات التي وردت حوله في هذا الشأن في كتب التاريخ والأدب , فمثلا يذكر حنا فاخوري , كان الشنفرى "يغير , وحده أو بقوم من أصحابه العدائين , متنقلاًمن حيٍ الى حيٍ, مروعاً التساء والأطفال, باعثاً الرعب والأضطراب في الرجال.." ( هذا الكلام نـُقل من كتب التاريخ للرواة والاخباريين , ولم يخضع للتمحيص والتحليل والتدقيق , لذلك لا أميل إليه كثيراً , وأنا في شك كبير من قبوله ,لأن ببساطة قصائد الشاعر وهي تعكس شخصيته بصدق ,تقول عكس هذا تماماً , ولا يمكن للشاعر أن يكذب لحظة ابداعه الشعري , وللرواة أن يخترعوا ما يشاءوا من قصص وأقوايل , وأن يجعلوا من الحبة قبة !
    ولك أن تقرأها كاملة في ديوانه (10), وتتفكر في مدى احترامه لحقوق المرأة وعفتها, القصيدة التي عدّها الأصمعي أحسن ما قيل في خفر النساء وعفتهن :
    ألا أم عمرو أجمعتْ فاســـتقلتِ وما ودّعتْ جيرانها إذ ْ تولـّتِ
    وقد سبقتنا أم عمرو بأمــــرهـا وكانتْ بأعنــــاق المطي أظلـّتِ
    بعيني ما أمستْ فباتتْ فأصبحتْ فقضّتْ أموراً فاســــتقلتْ فولّتِ
    فوا كبدا على أميمةَ َبعدمــــــــا طمعتُ فهبها نعمةَ َالعيشِ زلّتِ
    لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعهــا إذا مـــــا مشت ولا بذاتِ تلفّتِ
    زوجه (أميمة) هجرته ورحلت دون أن تخبر أي أحد حتى جيرانها ,الرجل لم يغضب , ولم يسخط , ولم تأخذه الحمية الجاهلية أبان جاهليتها , بل كافأها بأروع رائعة , وأرق الكلمات ..(بعيني)...( فواكبدا ) , ثم (لقدأعجبتني) ...أعجبته بماذا؟ إنها لا تسقط قناعها تعمداً لإبداء حسنها , ولاتتلفت لكي لا تجلب الريبة لعفتها وخدرها , يقول الأصمعي معقباً: وقد تلقي المرأة خمارها لحسنها وهي على عفة
    فغايتي التعقيب على قول المستشرق الأسباني هنري بيريس ,كمثال على بعض العقليات الإستشراقية المتعصبة - بعد مروري على هاتين القصيدتين الإنسانيتين بكل ما للكلمة من معنى لشاعر يعد من أوائل الشعراء العرب , إن لم يكن أولهم , - يقول السيد هنري : " وعبثاً تبحث في أدب المشرق عن فكرة إنسانية واحدة كتلك التي عبر عنها الزبيدي , أبو بكر محمد بن الحسن (ت 379هـ / 989م) , وهو شاعر نحوي أسباني , وكان مؤدب الحاكم الثاني :
    والأرض شيءٌ كلـّها واحدٌ والناس اخوانٌ وجيرانُ
    وهذه الفكرة نفسها تجدها عند تيرنس ,وهو كاتب لاتيني من القرن الثاني قبل الميلاد , فهو يقول في بيت له :
    كلُ ما هو إنساني ليس غريباً عليّ " (11)
    المستشرق الأسباني ما أراد بأدب المشرق الا أدب العرب , ونسى أن الزبيدي نفسه هو عربي الثقافة واللغة والجذور , وإن عاش في الأندلس , ومنحه الهوية الأسبانية غصباً , وقارنه بشاعر لاتيني من القرن الثاني قبل الميلاد نكاية بهذا المشرق , وتكلم عن أدب المشرق كأنه عرف جميع أسراره , وغاص كلّ أعماقه , ولم يجد حتى لؤلؤة إنسانية واحدة في محاره ! وكأنما الإنسان يكون إنساناً إنسانياً بجسده وشكله , لا بمعانيه السامية , وسلوكه الأخلاقي الرفيع , مع جلّ أحترامي , وعمق تفهمي لبيتي الزبيدي العربي وتيرنس اللاتيني .
    .الحقيقة الشنفرى ذنبه وجريرته قد خرج على تقاليد القبيلة , وسلطتها الجائرة , وأعرافها السائدة ,ثم أنه ضعيف النسب أو دخيل , ومن أم حبشية , فلا فصل ولا أصل , ولامية العرب الى الجحيم ! وهل تعقل أنها تعلق عل أستار الكعبة , رموه على الأزد قاتلي أأبيه , وحاضني نشأته , وقدموه لنا باسم (ثابت بن أوس الأزدي)على أغلب الروايات , وجعلوه صعلوكاً قاتلاً , قرر أن يقتل مائة من بني سلامان , ثأراً لمقتل أبيه , أولأبي زوجته , وربما لاستعباده وإخفاء السر , لان الأصفهاني يذكر في (أغانيه) عنه : " .. ثم قدم منى وبها حرام بن جابر , فقيل له : هذا قاتل أبيك , فشد عليه فقتله.." (16).
    لم يذكرلنا أحد من النابهين كيف تعلم ؟ وأين تثقف ليتفلسف ؟ وما سرّ الأخلاق الرفيعة التي كان يتحلى بها ؟ المهم عندهم قتل تسعة وتسعين رجلاً , وعجز عن اتمام المائة حتى قتله أسيد بن جابر السلاماني , ومن بعد سنتين على وفاته , عثر أحدهم بجمجمته فمات , وتم بحمد الله اكمال العدد , هل تصدق هذه الرواية العجيبة الغريبة , وهل تعقل يمر عليها
    الباحثون دون تعليق أو تفنيد, إنا لله وإنا إليه راجعون , وعلى ما يبدو لي أن العرب مغرمون بالتسعة والتسعين , لأنها أكبر من المائة , أما أنا فاتعب في لفظها , وأعجزعن كتابتها ,لا أعلم كيف طرقت على ذهن امرىء القيس ,
    لقد وقع الرواة والأخباريون والمؤرخون في خلط كبير ,ونقلوا إلينا الأخبار دون تمحيص دقيق , أو تحكيم لعقل سليم , سوى الأعتماد على سند يحسبونه ثقة , وعلى الحقيقة العفاء ,وقد تدخل الوجاهة والكسب المادى والمباهاة والخيال لاختلاق أو تحوير الأخبار, وركزوا على النسب كثيراً لرفع شأن رجال , أو الحط من أقدار آخرين , ولو على حساب العبقرية العربية , ولابد أن يخطر على بالك وبالي , لا يعقل لم يكن هنالك شعراء قد سبقوا هذاالعملاق الشنفرى , ولم توجد ثقافة واعية , وربما دراسة منهجية ...ضاعت كلها في ذمة التاريخ .
    وقبل أن أختم موضوع التعصب للنسب , وأخذت الشنفرى أنموذجاً للعصر الجاهلي , وتوسعت قليلا في البحث عنه , لأنه من أوائل الشعراء العرب الذين وصل شعرهم إلينا , ولأهمية لاميته , واختلاف الرويات حوله حتى اختلطت الحقائق بالأساطير
    مقتبس من ... الشعراء العرب والتعصب للنسب
    الحلقة الثانية
    الشنفرى بين نسبه وأخلاقياته.... عرض وفاء الزاغة

  2. #2
    محاضر ومسؤول دراسات عليا في جامعة القاضي عياض، المغرب
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,497
    دراسة نقدية قيمة
    من أحسن ما يميزها الواقعية والإنصاف والغيرة على الذات في الرؤية والمنهج
    لا سيما ما يتعلق بنقد الصورة النمطية السالبة لعناصر القوة والإشراق في تراثنا وحضارتنا
    ووقوع الكثيرين ممن أرخوا لتاريخ الشعر العربي من بني جلدتنا في مهلك التقليد ، وتهيب النظرة السائدة ..
    لك الشكر والتقدير دوما أستاذة وفاء
    أَسْرِي سَقَى شِعْرِي الْعُلا فَتَحَرَّرَا = وَرَقَى بِتَالِيهِ الْمُنَى فَتَجَاسَرَا

المواضيع المتشابهه

  1. وزير مالية السلطة شكري بشارة يرفض صرف مستحقات مالية لي
    بواسطة عبد الستار قاسم في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-28-2015, 06:25 PM
  2. من مكارم الأخلاق .
    بواسطة غالب الغول في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-28-2014, 09:41 AM
  3. أولادكم ليسوا لكم أولادكم
    بواسطة شذى ميداني في المنتدى جميل الخواطر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-19-2012, 09:10 AM
  4. وكنت مع مكارم الأخلاق على ميقات .
    بواسطة يعقوب القاسمي في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-04-2011, 11:54 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •