يستشهد بعض الكتّاب أحياناً هذا القول، أو ما يُماثله: (خير الكلام ماقلّ ودلّ)، وهم لا يقصدون معناه نفسه، وإنّما يسنعينون به لأمر آخر، أسمّيه ( حسن التخلّص، وأعتذر، فالمعنى الذي أريده هنا يوافق اللغة، ولكنه يخالف بعض المخالفة معنى المصطلح الأدبيّ المعروف).قد يكون الكاتب أحياناً في مزاج غير رائق للكتابة المسترسلة، وهو مضطر إلى كتابة شيء، فيعمد إلى تحلية كلماته القليلة بهذا القول الرائع لأهل البلاغة، فيتحفنا بعبارة حذّابة بهيّة.
يقول هذا وهو يعلم أن معنى ما يقوله أهل البلاغة لا يطابق ما فعل!
أرى أن أبحث الأمر في تشيعبين:
أولاً: موازنة عبارتين تتقاربان في المعنى:
ملحوظة: أقول: تتقاربان، لا ( تتطابقان ) لأنّ التطابق في المعنى، يفترض تطابقاً في اللفـــظ، فلا نكون أمام عبارتين، بل أمام عبارة واحدة.
يقول الله – تعالى -:
( ولكم في القصاص حياةٌ، ياأولي الألباب – البقرة ۱٧۹ ).
ويقول المثل العربيّ:
( القتل أنفى للقتل ).
ويقول المفسّرون: إنّ معنى الآية يزيد على معنى المثل، فكلمة( قصاص ) تزيد في جانبين:
- أنّ قتل القاتل هو قصاص عادل بمثل ما فعل، والمثل لا ينفي هذا، ولكنّه لم يأت بهذا الوضوح.
- أنّ القصاص أعمّ من القتل بالمثل، بل يتعدّاه إلى كلّ جريمة كالجروح، و قطع اليد...
ولكن حاشا أن ننسى جوانب أخرى في الآية الكريمة، سنشير إليها في التشعيب الثاني.
أي أنّ عبارة تُقدّم على أخرى إذا تضمّنت معنى أوسع مع قدْر مساوٍٍ من الألفاظ أو أقل، أو بمعنى مساو في ألفاظ أقلّ، أمّا إذا تضمّنت معنى أدنى في ألفاظ أقلّ، فلا مجال لتقديمها على الأخرى.
يصدق هذا الكلام مع العبارات الأدبيّة والعلميّة، وإن كان في العلم أكثر شيوعاً لأنّنا نُعنى فيه بالمعنى دون الخصائص الأدبيّة التي سنتحدّث عنها في الأسطر التالية.
ثانياً: موازنة العبارات الأدبيّة:
لا ننس أن الأدب غير العلم، ففيه خصائص أخرى كالتأثير في المشاعر والعواطف،ونسج الخيال البديع، فلوأدّى أديبان معنى واحداً في عبارتين متساوتين، علينا أن ننظر في العنصرين الآخرين المشاعر والخيال، ليكونا حََكماً في تقديم أحد الأديبين..
وفي هذين الجانبين كان إعجاز الآية الكريمة حين عبّرت عن معنى أوسع من المثل في تصوير أرقى، وتنفير أشدّ.