الصفعة
- من أجلك يا حبيبتي ... فلسطين -
في انتظار ما يأتي و ما لايأتي..
يجلس إلى مكتبه الخشبي المتهالك.. يتصفح مخطوطا دون أن يقرأ كلمة…
خمسيني ، وحيد، منسي في حجرة عفنة ، مهلهلة أركانها.. في بيت واطئ ، تساقط ملاط جدرانه.. أغلب قاطناته با ئعات هوى… يعرفن أنه يعاشر المجانين، السكارى والمنبوذين… ويحترمن عزلته الباذخة !
تناهى إلى مسامعه صوت إحداهن : “هذه حجرته سيدي”… كان واقفا قبالة المرآة المهشمة ، يستمتع بالغوص في شروخه الداخلية… يرى إلى رجل أربعيني ، طويل القامة ، خمري الطلعة، أنيق الهندام .. تسبقه رائحة عطره.. قرأ في عينيه ما يشبه الازدراء.. سأله الضيف بعربية مكسرة :
- أ في هكذا مكان حقير يعيش كاتب مشهور ؟؟
قلد صوته باسما ، وهو يضغط على مخارج الحروف :
- نعم ،يا سيدي الفاضل.. وأحيانا ، لا أجد ثمن قهوة الصباح.. فيسدد ثمنها معجب لا يهتم بما أكتب!!
- سؤال سخيف أستاذ.. ألا تغضب حين يصف بقية المثقفين ( المرضي عنهم ) كتاباتك بأدب المراحيض؟؟ ..
- بعد موتي ، سيختارون إما أن يتبولوا على قبري أو يصنعوا لي تمثالا من ذهب… روايتي ” بلاغة الصمت” تمت مصادرتها أكثر من مرة.. بعد نشرها على نفقتي الخاصة.. ونادرا ما يرفع أحد الناشرين سماعة هاتفه ويعتذر - بلباقة دبلوماسية - عن المخاطرة بطبع كتبي …(يزفر) الأغبياء يظنونني بغلا سيقومون باخصائه حتى لا يغتصب أتان الجيران بوحشية. (يضحك حتى تدمع عيناه ) ..هل تعرف كيف تتم عملية إخصاء البغال ؟ !ولماذا.. ؟!
- كلا…لا أعرف ، كل ما أعرف أنك تتمتع بسخرية لاذعة سيدي الفاضل .. ألا يهمك أن تعرف الجهات الممولة لدار النشر التي ستترجم روايتك الشهيرة .. ؟!
- لا يهم مادامت ستطبع منها ما مليون نسخة…
- لم لا تطلب اللجوء السياسي إلى تل أبيب .. ؟؟
جاءه السؤال كصفعة غير متوقعة ، خزر إليه بنظرة نارية ، وقد احتقن وجهه.. اتجه نحو باب حجرته صامتا ، مقاوما هيجانا داخليا هادرا.. فتح الباب، أشار إليه بيده أن يخرج… حاول الضيف أن يوضح له أن سلوكه غير حضاري… صرخ في وجهه : ” اغرب عن وجهي ،أيها الخنزير.. قبل أن أرتكب جناية.” [overline]
الجديدة 1998 [/overline]