منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16
  1. #1

    مقالات في أدب السيرة الذاتية ...

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سلام الله عليكم أهل هذه الواحة الثقافية ورحمته جل جلاله وبركاته
    وبعد ...
    أحييكم في البدء بتحية الإسلام الخالدة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها في كل وقت وحين بإذن ربها الغني الحميد، فلا تظلم منه شيئا كثيرا أو يسيرا، ثم إني أهدي إليكم جميعا هذه الباقة من مقالاتي النقدية حول أدب السيرة الذاتية، وأسأل الله الحكيم العليم أن يرزقنا التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يهدينا سبيل الرشاد في كل حرف عربي أصيل نخطه باليمين ...
    ***
    مقالات في أدب السيرة الذاتية
    ***
    أدب السيرة الذاتية بين الشعر وبين النثر
    (المقالة الأولى)
    كثيرون استبعدوا إمكانية تحقيق وإنتاج سير ذاتية شعرية، وزعموا أن أدب السيرة الذاتية يعتمد الحقيقة والصدق في نقل تجارب الحياة الفردية، وأن الشعر يقوم بخلاف ذلك على التصور، والتخيل، والمبالغة، وعلى الصدق الفني إن لم نقل الكذب، شأنه في هذا المنحى أقوى من شأن الرواية والقصة، وطائفة ثانية تجاهلت أمر تلك الإمكانية، ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مسألة السيرة الذاتية الشعرية، في حين تنبهت ونبهت طائفة ثالثة إلى وجود نماذج وجذور للسيرة الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي.
    وقد أثيرت مسألة السيرة الذاتية الشعرية كذلك داخل الأوساط الأدبية والنقدية الغربية، بحيث أبدى فيليب لوجون (Philippe Lejeune) في هذا الشأن ملاحظة خلاصتها أن أدب السير الذاتية النثرية يعرف كثرة في الإنتاج بخلاف أدب السيرة الذاتية الشعرية الذي لا تتجاوز الأعمال المنضوية تحته عدد الأصابع، وبالعودة إلى كتابات الناقد الفرنسي (Lejeune) في موضوع تعريف السيرة الذاتية، سنجد أنه قد حاول واجتهد مرتين في وضع حد أو تعريف لهذا الجنس الأدبي، لكنه خلص في النهاية إلى صياغة حدود تعريفية تتجاهل الحد الشعري في هوية أدب السيرة الذاتية وتعريفه، مع أنه أدرك عدم وجود أي مانع يحول دون توظيف وإدراج أبيات شعرية في السيرة الذاتية.
    والملاحظ أن معظم النقاد والباحثين العرب اعتمدوا في كتاباتهم ما وضعه الناقد الفرنسي من تعريف للسيرة الذاتية واكتفوا به، واعتبروه، على ما يبدو، معيارا وتعريفا شبه ثابت خاص بأدب السيرة الذاتية، يستند إلى ثلاثة مرتكزات تقيم بناءه، أما جورج ماي ( Georges May ) فيناقش مسألة السيرة الذاتية الشعرية بقسط من الحذر، بحيث إذا ما تفحصنا ما جاء به في هذا الشأن، فإننا نلمس لديه نزوعا إلى إقرار الحد الشعري في تعريف السيرة الذاتية، وإن كان ميل الكتاب إلى النثر في تأليف سيرهم الذاتية أقوى من ميلهم إلى إنشائها شعرا.
    وإن كان جورج ماي ( Georges May ) لم يضع حدودا تعريفية دقيقة لأدب السيرة الذاتية ، كما حاول ذلك فيليب لوجون
    (Philippe Lejeune)، فذلك لأنه أدرك بأن حدود التعريف النثرية عاجزة عن الإحاطة بجوهر وهوية السيرة الذاتية، ورأى من الأحسن أن يتخذ مفهوم النزوع المتسم بالمرونة عوضا عن مفهوم التعريف في شأن تحديد ماهية هذا الجنس الأدبي، وذلك تفاديا لما ينطوي عليه التعريف من تصلب وجزم، فهل نسلم بالتعريف الذي وضعه لوجون (Lejeune) للسيرة الذاتية، المتمثل في كون هذا الجنس الأدبي، تبعا لحد من حدوده التعريفية، حكي أو سرد استعادي نثري؟ وأنه أدب ينتمي إلى النثر الخالص ولا علاقة له بالشعر؟
    هل الحد الشعري الذي غيبه لوجون (Lejeune) أثناء تنظيره لأدب السيرة الذاتية قد أفقد التعريف الذي وضعه لهذا الأدب الكثير من مصداقيته؟
    ثم لو تم إدراج هذا الحد والإقرار به في دائرة تحديد هوية السيرة الذاتية، أكان سيكسب تعريف هذا اللون الأدبي مصداقية كبيرة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نتحرى عن حقيقة "السرد" أهو بالفعل قاسم مشترك بين مختلف الأجناس الأدبية النثرية فقط؟ وإلى أي مدى يمكن أن نوظف "الشعر" في تأليف السيرة الذاتية؟
    صحيح أن "السرد" أداة مخالفة لعنصر "الوصف"، وخطاب يعتمد الحكي و القص الأدبي، لكن حدوده مفتوحة على الشعر، بقدر ما هي مفتوحة على النثر، مما يدل على أن العملية السردية هي قاسم مشترك بين جميع الفنون الأدبية، فليس كل الشعر وصفا حتى يتعارض مع السرد؛ بل إن فيه من أثر هذه الأداة الحكائية والقصصية ما لا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وليس كذلك كل النثر سردا حتى يتعارض مع الوصف.
    ثم ليس كل الشعر العربي سردا حتى يتجرد من الوصف، فلا الشعر ولا النثر بإمكانهما الاستغناء أو التجرد عن أداتي: السرد والوصف، والشعر لا ينطوي فقط على التخييل، والمبالغة، والصدق الفني، وإنما فيه من صدق الحديث، وحرارة العاطفة والوجدان فيضا خالصا من كل زيف أو كذب، قد لا نعثر عليه في بعض الكتابات النثرية.
    لا شيء، حسبما نرى، يمنع السرد من الاقتران بالشعر، إذ لا يحق لنا أن نحكم على عنصر السرد بأحادية انتمائه إلى النثر، ولا أن نزعم وندعي انعدام العلاقة التي تجمعه بالشعر عموما، أو بالقصص الشعري الذاتي بوجه خاص، فما قانون "السرد" إلا كل ما هو محكوم بمنطق الحكي والقص الأدبي، ثم إنه من العسير علينا أن نبرهن أو نجزم بصفاء السير الذاتية النثرية وبراءتها من التخييل، والتمويه، والمبالغة، والكذب، لأن من يكتب سيرته الذاتية غير معصوم من الانحراف و الميل إلى مثل هذه العوارض والعثرات، سواء عن قصد أم عن غير قصد ، فقد يلجأ إلى مخيلته ليصل بين أجزاء و تفاصيل ذكرى معينة خلت وعفا عليها الزمن، ثم إن الحياة الإنسانية هي أصلا مزيج من الحلم والحقيقة، والواقع والخيال.
    إننا نعثر في الشعر الجاهلي مثلا على حس ذاتي عميق، انطوت عليه معلقات عدد من الشعراء، ويكفي أن نقرأ معلقة طرفة بن العبد المتوفى عام 70 قبل الهجرة/ 550 للميلاد، أو معلقة امرئ القيس المتوفى عام 80 قبل الهجرة / 565 للميلاد، أو معلقة عنترة بن شداد المتوفى عام 22 قبل الهجرة / 600 للميلاد ن لنقف بجلاء على تجارب ذاتية في الحياة صاغها أصحابها شعرا، ولقد أتاح الشعر لهؤلاء الشعراء إنشاء سيرهم الذاتية تبعا للتقليد الأدبي السائد في عصرهم، فهم بالفعل قد خلفوا للأجيال التي جاءت من بعدهم تواريخ فردية خاصة تعكس تفردهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، وقناعات، وانشغالات.
    ثم إن بإمكان الشاعر أن لا يسكب تجاربه الذاتية أو قصة حياته في فضاء تخييلي مغرق في المبالغة وإسراف القول، على الرغم من كونه يدرك جيدا بأنه في مقام شعر، يسمح له بنسج ما شاء من الصور الشعرية المنحوتة بالخيال، وهذا يعني أن الأنا الشاعرة بإمكانها أن تلتزم مبدأي:"الصدق" و" الحقيقة"، وعنصر الواقعية في سرد تاريخ حياتها شعرا، ونحن من هذا المنطلق نتساءل مع نبيل سليمان قائلين: هل بالإمكان التحدث عن شعر سردي، أو عن سردية شعرية، خاصة عندما يتم تشخيص معالم سردية في قصيدة معينة.
    إن هذه الملاحظة تزكي ما تناولناه بالحديث سلفا، في مسألة أدب السيرة الذاتية الشعرية، عندما أقررنا إمكانية توظيف الشعر في تأليف السيرة الذاتية، ومن نماذج السيرة الذاتية الشعرية في الأدب العربي الإسلامي القديم ، نذكر التائية الكبرى لصاحبها شرف الدين بن الفارض (576 - 632 هـ / 1181 - 1235 م)، وهي قصيدة سماها: (نظم السلوك)، قص فيها تجربته الروحية، وما لقيه من شدائد ومعاناة في هذه التجربة، ولا شك أن الكم القليل من السير الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي، قد يعود من جهة إلى قوة الجموح الشعري، أو إلى الصعوبة التي تكمن في صياغة السيرة الذاتية شعرا من جهة ثانية، لأن على من يختار هذه الصياغة الأدبية أن يبذل جهدا مضاعفا لسرد تاريخه الخاص، بالمقارنة مع ما تتطلبه الصياغة النثرية في تأليف هذا التاريخ، مما دفع بكثير من الشعراء إلى كتابة سيرهم الذاتية نثرا، لكن هذا لا يعني في شيء أن الشعر غير مؤهل لاحتضان السيرة الذاتية.
    وإذا كانت ميزة النثر كامنة في طاقته الاستيعابية لأدق تفاصيل التجارب الإنسانية، وفي بعض الحرية والسرد المتسلسل، الذي يطمئن إليه مؤلف السيرة الذاتية، فإن الشعر بدوره يستطيع أن يعكس التاريخ الخاص، وقد سبق له قديما أن أدى وظيفة السيرة الذاتية، وللباحث أن يلاحظ ما قد انطوى عليه الشعر العربي القديم من ملامح كثيرة لأدب السيرة الذاتية قبل أن يصير هذا الأدب لونا مستقلا من التعبير.
    فهل سنكون محقين وعلى صواب إن بادرنا إلى إعادة تعريف أدب السيرة الذاتية بقولنا: السيرة الذاتية جنس أدبي سردي، استرجاعي نثري أو شعري، يتولى الكاتب من خلاله تدوين تاريخه الخاص؟
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  2. #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أدب السيرة الذاتية وأدب الترجمة الذاتية
    (المقالة الثانية)
    نرى في البداية أن نعرض جملة من الأسئلة والتساؤلات التي نصادفها في متن النصوص النقدية التي عالجت جنس السيرة الذاتية، والتي تتخذ مسألة تعريف هذا الجنس الأدبي محورا لها، وهي كالآتي:
    هل صحيح أن محاولة إعطاء تعريف واضح لجنس السيرة الذاتية مآلها الفشل؟ وهل صحيح أن السيرة الذاتية جنـس أدبي محير؟ وأن ما يظهر على أنه تقـدم في النفاذ إلى جوهر هذا الجنس الأدبي، بقصد وضع حدود تعريفية له ما هـو إلا تجريد وإبهام؟ وأن الإشكالية الرئيسة الخاصة بالسيرة الذاتية منحصرة في تعريف هذا الجنس من الكتابة؟
    ثم أمن الصواب أن ننطلق من موقف القارئ و منظوره حتى نضع تعريفا للسيرة الذاتية؟ أم أن الوصول إلى تعريف شامل للسيرة الذاتية يعد من قبيل المستحيل؟
    هل السيرة الذاتية غير مرشحة لحمل سمات الجنس الأدبي المستقل، وأن تعريفها جزء من تعريف جنس الرواية، باعتبار أن القارئ يتلقاها كعمل أدبي متخيل؟ أم أن جوهر جنس السيرة الذاتية كامن في المؤلف صاحب التاريخ الفردي الخاص، وفي القارئ المتلقي لهذا التاريخ؟
    لقد انتهى فيليب لوجون (Philippe Lejeune)في دراسته جنس السيرة الذاتية إلى أنه لم يكن يسعى منذ البداية سوى إلى عقلنة وتوضيح معايير قراءته، على الرغم من التعريف الذي خص به هذا الجنس الأدبي في مرحلتين، أنفهم من هذه الخلاصة أن كل محاولة جادة لتعريف أدب السيرة الذاتية مآلها الفشل حتما؟ وأن تعريف هذا اللون من الأدب رهين بموقف قارئه، بحكم أن ليس هناك تعريف واحد يجمع عليه القراء، سواء كانوا متلقين عاديين أم نقادا متخصصين؛ بل ثمة تعريفات عددها بعدد قراء السيرة الذاتية، وأنه إن كان لا بد من الوصول إلى تعريف دقيق لها، فيجب أن يكون نابعا من تاريخ مواثيق القراءة، التي يتعاقد عليها كتاب السيرة الذاتية مع قراء هذا اللون من التعبير الأدبي.
    أما جورج ماي (Georges may ) فيرى أن العائق الذي يمنع إجماع الدارسين على تعريف محدد لأدب السيرة الذاتية كامن في كون هذا اللون من التعبير حديث الوجود، ودرجة حداثته لا تمكنه من اكتساب صفة "الجنس الأدبي"، لأنه ليس على درجة من العراقة كباقي الأجناس الأدبية، وأن الأوان لم يحن بعد لتعريفه، ما دام في مرحلة التكون، ونحن إن كنا نتفق إلى حد معين مع فيليب لوجون (Philippe Lejeune)، في ما ذهب إليه من طرح حول تعريف السيرة الذاتية، باعتبار أنه رهين بما ينعقد من مواثيق للكتابة والتلقي بين أصحاب السير الذاتية وقراء هذا اللون من الأدب، فإننا ننظر بكثير من الحذر إلى ما جاء به جورج ماي من طرح حول نفس المسألة، إذ هل بالفعل أن أدب السيرة الذاتية حديث العهد؟ وأن مكمن الصعوبة في وضع تعريف له متمثل في هذه الحداثة؟
    ثم إننا نتفق مع عبد القادر الشاوي، لكـن ليس من باب الافتراض؛ بل من باب القنـاعة الراسخة، خاصة وأن الإشكالية الأساسية لأدب السيرة الذاتية منطوية في تعريفه من خلال النصوص الممثلة له؛ فهل نحن حقا أمام مشروع بحث لا غنى لباحثي ودارسي جنس السيرة الذاتية عنه؟
    إننا نرى على وجه اليقين أن دراسة مختلف السير الذاتية بعمق نظري و منهجي كفيلة بوضع تعريف عام لهذا الجنس من الكتابة الأدبية، ومن باب اليقين كذلك لا من باب الافتراض نستطيع أن نخلص إلى تعريف السيرة الذاتية العربية والإسلامية إن نحن اعتمدنا في دراسة ما يمثلها من نصوص عمقا نظريا ومنهجيا سليما.
    فهل السيرة الذاتية جنس أدبي يروي الإنسان من خلاله ذكرياته الشخصية، متحدثا عن حياته أكثر مما يتحدث، بالقدر الضروري لفهم جملة من الأحداث، عن حياة غيره من الناس؟ أم أنها حياة إنسان يكتبها بنفسه؟
    ثم هل بلغ تحديد ماهية السيرة الذاتية هذه الدرجة من الصعوبة، حتى صار تعريف هذا اللون من الأدب من قبيل المستحيل؟
    هل السيرة الذاتية حكي استرجاعي نثري، يتولى إنجازه شخص واقعي، مركزا على وجوده الخاص وحياته الفردية؟ أم هي كل نص مكتوب، سواء أكان عملا أدبيا أم دراسة فلسفية، يعبر من خلاله الكاتب عن حياته الفردية؟ أم أن السيرة الذاتية عملية إعادة بناء أدبية لحياة إنسان، يتولى نفسه القيام بها، أم إنها المسار الحيوي الذي عاشه الفرد الكاتب في سياق تسلسلي من التنوع الوجودي والحياتي المختزن؟
    ثم هل يمكن أن نعتبر أدب السيرة الذاتية الفن الأول للذاكرة، تكشف من خلاله الذات حياتها مسترجعة ماضيها على نحو مباشر وبشكل صريح؟ وأنه سيرة يكتبها الإنسان عن نفسه، ساردا أصداء ما انطوت عليه مختلف أدوار حياته الفردية؟
    أم أنه مؤلف، مختلف من حيث المادة و المنهج عن المذكرات واليوميات، يروي الكاتب في ثناياه حياته بقلمه، أم أنه أدب يضم رأي صاحبه في الحياة وأبرز الأحداث التي عاشها، ويرسم الكاتب، الذي يمثل محور هذا الأدب، في تضاعيفه صورة البيئة الأولى وتحولاته من طور حياتي إلى آخر؟
    وهل تمثل السيرة الذاتية ذلك الأدب الذي ينحصر في تجارب صاحبه، ولا يضاف إليه أي تجربة أو حادثة من الخارج قد تحجب عنا حقائق الذات الكاتبة؟ أم أن هذا اللون من الأدب هو عبارة عن كتابة الإنسان تاريخه الذاتي الشامل والمستوعب لأيام طفولته، وشبابه، وكهولته؟ وهو حديث ذكي عن النفس وليس حديثا ساذجا عنها، ولا هو عملية تدوين لمآثرها و مفاخرها؟ أم أن هذا الأدب تعبير عن أهم تجليات الحياة الفردية لمنشئه، ونتاج لا ينسلخ باطنه عن ظاهره؟ ووعاء لأصدق حياة ذاتية يستطيع أن يكتبها الإنسان؟
    ثم هل يمثل أدب السيرة الذاتية فن الحديث عـن الذات بحسناتها وسيئاتها، وتفاعلها مع البيئة والوسط الاجتماع؟ وهل يصح النظر إلى هذا الأدب على أنه محكي ذاتي معاش، تتولى الشخصية المعنية به إنجازه عن ذاتها دون وسيط؟ وعلى أنه يعتمد في أساسه الفني على الانتقاء والترتيب لإعادة بناء أدبية خاصة بالذات الفردية لصاحب السيرة، مع مراعاة نمو وتطور هذه الذات؟ أم أن السيرة الذاتية تجسيد لما يكتبه الإنسان من تاريخ حياته من خلال تسجيل حوادثها ووقائعها المؤثرة في مسار الحياة، مع تتبع تطورها الطبيعي من الطفولة، مرورا بطور الشباب، ثم انتهاء بمرحلة الكهولة؟ ثم هل السيرة الذاتية شكل أدبي للتاريخ؟
    وهل هذا اللون من الأدب يندرج ضمن الفنون الأدبية الأكثر حرصا على النقل الأمين لحقيقة الإنسان، وعلى تحري الصدق في ما يعكسه من حياته الفردية الخاصة؟ أم أنه تركيب أدبي مستحدث للذات، وعملية بناء جديدة لشخصية تتجاوز صاحبها؟ ثم هل من المنهجية العلمية أن نتفادى أي حديث بشأن شكل معين أو أسلوب محدد وحيد ينفرد به جنس السيرة الذاتية؟
    هل السيرة الذاتية هي الأوراق الشخصية والسرية لمؤلفها؟ وأن هذه السمة هي التي مكنتها من تحقيق التميز بين مختلف أجناس الأدب ؟أم أنها تسجيل استعادي صادق ومقصود لعمر من الخبرات، والأفعال، والتفاعلات، وتأثيراتها الفورية والبعيدة المدى على الشخص؟ ثم هل صحيح أن المنطلق الأساس في دراسة أدب السيرة الذاتية، يتمثل في البحث عن المنظور الذي يتم به استرجاع الوقائع، وتتبين في ضوئه الأحداث الغنية بدلالاتها، ومن خلاله تتعين مواطن الصمت ذات الصلة الوثيقة بما هو مسكوت عنه من الخطاب المقموع، وتتميز فضاءات الحديث بالمباح من الخطاب.
    هذه جملة من الأسئلة والتساؤلات التي تجري في فلك جنس السيرة الذاتية، والتي تحمل في طياتها الكثير من الإجابات والعديد من صفات وملامح هذا الجنس الأدبي بوجه عام، ومما لا شك فيه أن ما ينجز من الأبحاث والدراسات النقدية حول جنس السيرة الذاتية سيؤدي حتما إلى إعادة النظر في ما يحكم هذا الجنس الأدبي من قوانين، بقدر ما سيرتقي به، خاصة وقد غدا جنس السيرة الذاتية ساحة للنقاش النظري الأدبي حول موضوعات لا يخلو أحدها من أهمية.
    لقد سقط عدد من الباحثين و نقاد أدب السيرة الذاتية في خطأ كبير عندما جعلوا "السيرة الذاتية" اصطلاحا مرادفا ومطابقا لمصطلح "الترجمة الذاتية"، ولم يميزوا بين الاصطلاحين، وهذا خلط اصطلاحي واضح لم يعرفه العرب المسلمون قديما، ونحن نتساءل باستغراب عما إذا كان العرب المسلمين القدماء حقا لا يميزون بين لفظ "السيرة " ولفظ "الترجمة" وأنهم كانوا يوظفون كلا اللفظين بمعنى واحد، هو: (حياة الشخص بصفة عامة)؟!
    إن هذا الاعتقاد الذي لا يقوم على أساس سليم ثغرة في منظومة المفاهيم الخاصة بجنس السيرة الذاتية لا سبيل إلى تجاهلها، لهذا نرى من الضروري في البداية التذكير بما أورده ابن منظور في معجمه الكبــير (لسان العرب) بخصوص لفظ "السيرة" ولفظ "الترجمة" أما "السيرة" فهي السنة، والطريقة، والهيئة، وأحاديث الأوائل، وهي الميرة، وفي التنزيل العزيز قول الله عز وجل: "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولىَ"، أي هيئتها الأولى، وأما "الترجمة" فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة.
    ثم إن لفظ "الترجمة" دخيل على اللغة العربية، وهو أصلا من اللغة الآرامية، ولم يكن لفظ "الترجمة" من بين الاصطلاحات الأدبية القديمة، المرتبطة بتاريخ الحياة الفردية، إلا في بداية القرن السابع الهجري، وذلك مع أبي عبد الله ياقوت الحموي
    (574 - 626 للهجرة )، في مؤلفه: (معجم الأدباء)، والذي وظفه بمعنى مختصر حياة الفرد وكان أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 للهجرة قد استعمل لفظ "الخبر" بصيغتي الإفراد والجمع.
    إن المعاجم العربية القديمة لم تتخذ لفظ "الترجمة" مرادفا للفظ "السيرة"، في حين عمدت المعاجم الحديثة، بما فيها المعاصرة، إلى توظيفهما مترادفين وبنفس المعنى، أما القول بأن الذي فصل قديما بين مفهوميهما وحمولتهما الاصطلاحية هو مجرد توظيف اعتباطي حسبما يرى ماهر حسن فهمي، ومحمد عبد الغني حسن، على سبيل المثال، فهو استنتاج نرده على أصحابه، لأن التمييز بين الاصطلاحين لم يأت دون مراعاة الحمولة الدلالية لكل مصطلح على حدة، أو دون قصد و غاية؛ بل إن ثمة فوارق بينة ومحددة بين لفظي "الترجمة" و"السيرة"، تتجاوز منطق الاستعمال الاعتباطي أو ما جرت عليه العادة، وهي فوارق تم إغفالها من قبل معظم الباحثين ونقاد أدب السيرة الذاتية.
    وإذا كانت هذه المسألة الاصطلاحية في الوقت الراهن قد تبدو لأول وهلة قضية جزئية متجاوزة، فإننا نعتقد، على العكس من ذلك تماما، بأنها مسألة تستدعي إعادة النظر والمراجعة، والظاهر أن العرب المسلمين القدماء قد حسموا في هذا الأمر، وذلك عندما استقر رأيهم على ضرورة التمييز بين مفهوم "السيرة" وما تعنيه "الترجمة"، أو بالأحرى بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة"، سواء كانا للذات أم للغير، مع أن المتقدمين من أهل الأدب والنقد العربي الإسلامي، لم يكونوا يلحقون صفة "الذاتية" أو "الموضوعية" بهذين الاصطلاحين.
    صحيح أن لفظ "الترجمة" لم يعرف بمعنى أو بمفهوم (المختصر من حياة الفرد) إلا عند المؤلفين المتأخرين، لكنه لم يكن يدل عند القدماء من الأدباء والنقاد العرب المسلمين على "السيرة الذاتية"، أو "السيرة الموضوعية/ الغيرية "، وإنما قصدوا به "الترجمة الذاتية "، وعنوا به من جهة ثانية "الترجمة الموضوعية/ الغيرية "، وذلك باعتبار من يقوم بعملية الترجمة بطبيعة الحال.
    وحتى نبرهن بقسط من الملاحظة والاستنتاج على ما نعتقده في شأن تمايز وتباين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" لغة واصطلاحا، نقول: إن انتقال دلالة لفظ "الترجمة" مجازا من أصل معناها، الذي ارتبط قديما بعالم التأليف والآثار الأدبية وغيرها، إلى معنى التعريف بالأعلام ، مع احتفاظ اللفظ الدال طبعا بمدلولاته الأصلية، هو التحول الذي يفيدنا في تمييز حد "الترجمة" عن حد "السيرة"، باعتبار أن مدار الحد الأول (حد الترجمة) هو الاختصار أو الإيجاز، بخلاف مدار الحد الثاني (حد السيرة) وهو الإسهاب.
    لقد كانت ترجمة الكتاب تعني: التعريف به من خلال عنوان، أو فقرات قصيرة، أو من خلال فاتحة خاصة بالكتاب، وقد جعل المؤلفون القدماء، على سبيل المثال، لفظ "الترجمة" مصطلحا دالا على معنى العنوان إبتداء من القرن الثالث الهجري.
    ولا شك أن القصد من وضع لفظ "الترجمة" اصطلاحا هو الدلالة على: التقديم، والتعريف، والشرح، والتفسير، وإيضاح المبهم، والتعيين، والتسمية، والإفصاح كذلك، وجميع هذه المعاني والمدلولات نصادفها في تراث الأدب العربي الإسلامي ضمن سياقات مختلفة.
    ثم إن ترجمة الكتاب وترجمة الكاتب تعني: التعريف بهما، وتقديمهما إلى جمهور القراء دون إطالة أو إسهاب، أو ترك أي معلومة مبهمة وغامضة تشوب هوية الأثر الأدبي أو الشخص، ومن ثم فإن لفظ "الترجمة" قد تمت استعارته من عالم الكتب والمصنفات، حتى يدل كذلك على التعريف بالأحياء والمتوفين من أعلام الأدب، والتاريخ، والطب، والفكر، والفلسفة، وغيرهم.
    ومن مقاصد اصطلاح "الترجمة"، سواء كانت ذاتية أم موضوعية، التاريخ المقتضب للأعلام.
    وبالإضافة إلى عناية المترجم بذكر اسم، وكنية، ولقب، ونسب الذي يترجم له، نجده يعتني كذلك بذكر عقيدته، ويثبت تاريخ ومكان ولادته، ثم يذكر من أخذ عنهم العلم، ويسرد أهم مراحل حياته، ثم ينتهي إلى ضبط تاريخ وفاته إن كان من المتوفين.
    فهذا ابن أبي أصيبعة في ترجمته لعدد غير قليل من قدماء الأطباء في مؤلفهعيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ينهج الخطوات التالية:
    أولا: يذكر اسم المترجم له و نسبه.
    ثانيا: يوجز الحديث عن المجال الذي نبغ فيه.
    ثالثا: يسرد الأسماء التي أخذ عنها المترجم له صناعة الطب، والأماكن التي تلقن فيها هذه الصناعة.
    رابعا: يسرد مزايا المترجم له و صفاته.
    خامسا: يعرض أسماء الذين عاصرهم من ذوي السلطان، والمكانة، والصيت الذائع.
    سادسا: يثبت تاريخ و مكان وفاته.
    سابعا: يذكر بعض أقواله المأثورة.
    ثامنا: يعرض جملة من الآثار التي خلفها المترجم له.
    ونهج ياقوت الحموي مسلكا في ترجمته لقدماء النحويين والأدباء العرب لا يختلف كثيرا عما التزم به ابن أبي أصيبعة من خطوات في تراجمه، بحيث آثر كل من ابن أبي أصيبعة، وياقوت الحموي مبدأ الاختصار والإيجاز في ترجمتهما لكثير من الأعلام، وكان قصدهما من وراء التزام هذا المبدأ، هو أن تجمع كل ترجمة موضوعية بين صغر الحجم وكبر النفع، مما يدل على أن الإيجاز وصغر الحجم هو السمة والقاعدة في كتابة تراجم الأعلام؛ بل هو شرط ملازم في الغالب للترجمة، ذاتية كانت أم موضوعية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كل ترجمة لا بد أن تنطوي على نفع وفائدة كبيرة، وهذا شرط ثاني لا يقل أهمية عن الشرط الأول.
    فجميع هذه الملامح والمعالم تساعد بدون شك على الاقتراب أكثر من مفهوم "الترجمة الموضوعية"، بقدر ما تفيد ضمنا في إيضاح المقصود بالترجمة الذاتية، ونحن لا نتفق مع من يرى بأن من الممكن أن تشغل السيرة الذاتية صفحات معدودة! أو أنها قد تكون أشبه بشهادة ميلاد صاحبها! فهذه ليست صفة "السيرة الذاتية" على الإطلاق، وإنما هي صفة "الترجمة الذاتية"، ذلك لأن السيرة، سواء أكانت ذاتية أم موضوعية، فإنها من غير الممكن تماما أن تأتي في صفحات معدودة، بحكم أن الإسهاب في السرد يعد من خصائصها الأصلية، بحيث إن وضع الترجمة الذاتية بالنسبة إلى السيرة الذاتية شبيه بوضع الأقصوصة أو القصة بالنسبة إلى الرواية.
    ومما يثير الاستغراب أكثر لدى القارئ الباحث - خاصة لدى ذلك المتلقي الذي قد يلتبس عليه المقصود بلفظي: "الترجمة" و"السيرة" - تلك المصادفة التي تحدث بينه وبين توظيف المصطلحين في غير محلهما، أثناء قراءته بعض الأبحاث أو الدراسات، أو المقالات النقدية حول أدب السيرة الذاتية.
    وكان من الأجدر لتلافي هذا اللبس وسد هذه الثغرة الاصطلاحية، أن تحكم بدلا من ذلك التوظيف الاعتباطي قاعدة دلالية واضحة، وأما الأمثلة الشاهدة على سوء توظيف المصطلحين فكثيرة جدا، بدءا من عناوين الأبحاث، والدراسات، والمؤلفات، والمقالات النقدية، وانتهاء بالمتون الواصفة لأدب السيرة الذاتية، وجميع تلك التوظيفات يخلط فيها أصحابها بين "الترجمة الذاتية" و"السيرة الذاتية"، وشتان بين ما تعنيه الأولى وما يراد بالثانية.
    وجميع النماذج التي نستطيع أن نعثر عليها دون عناء في العديد من الكتابات تكشف بجلاء عن مظاهر الخلل على مستوى الاصطلاح، وعن مدى الخلط الحاصل في الذهنية الأدبية والنقدية العربية، وإذا كان أكثر الباحثين الدارسين في مجال أدب السيرة الذاتية قد نظروا إلى مسألة الخلط بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" وكأنها قضية مسلم بها، ووقفوا منها موقف الحياد السلبي، فإننا نجد من النقاد من آثروا توظيف لفظ "السيرة" عند تحدثهم عن تاريخ الفرد المسهب، واستعملوا لفظ "الترجمة" عند تناولهم بالحديث التاريخ الموجز للفرد، كما نلمس عند بعضهم قدرا من الحذر في تعاملهم مع الاصطلاحين معا ، وعيا منهم بأن ثمة تمايزا بينا وفرقا جليا بينهما.
    لا يوجد إذن أي مبرر لدمج الاصطلاحين معا في معنى واحد، وقد حان الوقت لنضع كل مصطلح في سياقه الطبيعي والمناسب، وليتخذا وضعهما الأصلي في الحقلين: الأدبي والنقدي العربي الإسلامي، لأن الترادف المزعوم بينهما، كما ذكرنا، في الدلالة الاصطلاحية لا يستند إلى دعامة صلبة أو ركن شديد، ومن ثم فنحن لا نتفق مع من يرى بأن التمييز بين اصطلاحي: "السيرة" و"الترجمة" ما هو إلا تفريق سطحي، سرعان ما يتلاشى عند تعريضه لأدنى تمحيص.
    ثم لأن ثمة شواهد ومعالم تبرز ضرورته، ثم إن "الترجمة الذاتية" أدب نثري له من الشروط، والخصائص، والأغراض ما يميزه عن "السيرة الذاتية"، وكلا اللونين ينتميان إلى الأدب الذاتي أو الخاص، ويكتبان من طرف المعني بهما، كذلك "الترجمة الموضوعية" ليست هي "السيرة الموضوعية"، إذ لكل منهما شروط و مبادئ خاصة، على الرغم من كونهما ينتسبان إلى الأدب الموضوعي أو الغيري، ويؤلفان من قبل شخص آخر غير معني بهما.
    أما "الترجمة الذاتية"، فستظل على الدوام غير مؤهلة إطلاقا لتقوم بدلا عن "السيرة الذاتية" أو لتحل وتشغل مكانها، ذلك لأن كاتب السيرة الذاتية ملزم بأن يعكس للقراء وجه حياته الشخصية بتفاصيلها ودقائقها، قدر الإمكان طبعا، على مرآة التعبير الأدبي، مع العلم بأن السيرة الذاتية تهدف إلى الاشتمال على جزء من حياة صاحبها، إذ يتعذر عليها أن تحيط بسائر ما مضى من حياته الشخصية، ومؤلفها مطالب بالاقتراب أكثر من ذاته بالوصف، والتفسير، والتحليل، والتعليق، والنقد أيضا، وجميع هذه الأفعال الخطابية يجب أن يمارسها بإسهاب وليس باقتضاب، وإن كان من غير الهين على الإطلاق أن يتخذ الكاتب من ذاته وذاكرته موضوعا للسرد.
    كانت هذه إطلالة سريعة على ما تعنيه الترجمة الذاتية وما تدل عليه السيرة الذاتية، ونأمل أن نكون قد أسهمنا بهذه المقالة في دعوة الباحثين والمهتمين بأدب السيرة الذاتية إلى إيضاح قدر الإمكان ما يمكن إيضاحه في هذا الباب.
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  3. #3
    اشكرك على مقالك الهام والشامل واشكر جهدك الواضح به.
    اولا بالنسبة لادب السيرة الذاتيه اظنك قطعت شوطا عبر موقعك وقدمت ارشيفا محترما جدا.
    ثانيا رغم طول المقال الا انني وجدته وافيا كافيا ملما بكل جوانب الموضوع رغم ان عامل الترجمه لم اجده مهما فنحن نجد نشاطا لترجمة كتب الغرب على غرار مالدينا ونرى مترجمين كثر واستغرب جهل الغرب بادبنا وجهدنا اذن اين تذهب تلك الجهود؟
    اما بالنسبه لتعريف السيرة الذاتيه فربما ومهما قدم الكاتب من صدق يبقى هناك حيز للفخر او لتقديم السيرة ملونه ومنمقه .
    والاهم الا يقوم كاتتبها بشطط يبعدنا عن الشط الاساسي وليس هناك من احد يستطع كشف مااعتراها الا القريبون.
    الاهم :
    ان تقدم السيرة الذاتيه من يستاهل التصنيف فليس كل من كتب عنه او كتب هو من هؤلاء.
    ويبقى فارق جمهور القراء بين الغرب والشرق , هو من يحسم الامر اولا واخيرا.
    اشكرك من جديد
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4

    شكر وتقدير ...

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سلام الله عليك أختي الكريمة
    ريمة الخاني
    ورحمته جل وعلا وبركاته
    وبعد ...
    لك من أخيك أبي شامة المغربي الشكر الجزيل مكللاً بكل ما هو متألق جميل، ولك منه مسك التقدير الأصيل مرفوقاً بطيب غير قليل، على ما نثرته في هذه الرحاب النقدية من حروف مزهرة وغيث هطيل ...
    حياك الله
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  5. #5
    بسم الله الرحمن الرحيم
    جنس السيرة الذاتية بين الأدب وبين التاريخ
    (المقالة الثالثة)
    إن بين أدب السيرة الذاتية والتاريخ صلة وثيقة، ذلك لأنهما يشتركان في عرض الأحداث والمواقف، وفي تصوير مختلف البيئات والمآثر، والكشف عن الصور المادية والنفسية؛ وإذا كانت السيرة الذاتية تنبع من صلب الأدب بخلاف التاريخ الموسوم بالطابع العلمي، فهذا لا يعني أن الحس التاريخي منعدم في كتابة التاريخ الخاص الفردي؛ بل إنه على العكس حاضر بأبعاده الثلاثة المتمثلة في الماضي، والحاضر، والمستقبل، والظاهر لأول وهلة أن السيرة الذاتية تتخذ موقعا وسطا بين الأدب والتاريخ، لكننا إذا أمعنا النظر أكثر في طبيعة هذا الجنس الأدبي، خلصنا إلى تعبير دقيق عميق من حيث حمولته الدلالية، وهو أن هذا اللون من التعبير تتجاذبه سلطتان أو قوتان: سلطة الأدب وقوة التاريخ، لأن الكاتب يصوغ تاريخه الخاص صياغة أدبية.
    ونتيجة لواقع التجاوب بين الأدب والتاريخ، المتعارف عليه بين الأدباء بالحق الأدبي والحق التاريخي، تميز جنس السيرة الذاتية عن باقي جسد التاريخ العام، مع العلم بأن الأصل في التاريخ الإنساني هو مجموع التواريخ الخاصة، سواء الفردية منها أم الجماعية، وهذا يعني أن أي سيرة ذاتية هي واقع تاريخي في حد ذاتها، أما الاصطلاح على أن السيرة الذاتية جنس أدبي، فهو تعريف مبدئي لا ينفي حضور التاريخ في قلب أي أدب خاص، مهما بلغت فيه درجة الذاتية، فكاتب السيرة الذاتية يجد نفسه مشبعا بالحس التاريخي حين يسرد قصة حياته، وهذه حقيقة لا تعرف في قاعدتها استثناء أي جنس أدبي، ومن الصعب جدا، في غياب تعريف يحدد ماهية السيرة الذاتية، ويميز بين ما ينتمي إليها وما لا ينتمي، أن نتصور تاريخا خاصا بهذا الجنس الأدبي.
    إن للتاريخ مرونة تؤهله لأن يظل فضاء رحبا، يتسع لكل نشاط إبداعي، وكائنا نابضا في عمق الأدب بوجه عام، وأكثر إثارة في أجواء التاريخ الفردي، باعتباره نواة أدبية فاعلة، سواء في الكتابة النثرية أم في الكتابة الشعرية، ومما لاشك فيه هو أن أصداء التاريخ الخاص تتردد بدرجات متفاوتة في جميع الإنتاجات الأدبية، وهذا دليل على كون الذاتية قوة دافعة، وعلة باعثة على الانخراط في العملية الإبداعية، ثم إن الفصل والتمييز بين الحياة الخاصة الفردية والحياة العامة يظل أمرا نظريا، إذ يتعذر على الإنسان أن يعزل حياته بعيدا عن التاريخ العام، حتى وإن عمر مدة وجيزة على وجه الأرض.
    ثم إن السيرة الذاتية لا تسقط من فضائها أي بعد زمني، وإن كان الزمن في السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة يرتبط بالعودة إلى مرحلة أو عدة مراحل، وهي في ذات الوقت عودة إلى فضاءات وتاريخ يلتقي فيه ويتكامل التاريخ الفردي والجماعي؛ إنها عودة تجد في الكتابة حاضرها، وفي الذاكرة ماضيها، ولاشك أن المسافة بين الكتابة والذاكرة أو بين الحاضر والماضي تاريخية وسردية حكائية في آن واحد.
    ولا شك أن للحس التاريخي دورا كبيرا، وتأثيرا مباشرا في إدراج نص السيرة الذاتية و عرضها، وفي تحديد البناء العام لكل تاريخ فردي، ومن ابسط مظاهر هذا التأثير، إقدام الكاتب على تقسيم سيرته الذاتية إلى فصول نثرية تبعا لمراحل حياته.
    ثم إن الإحساس بالتاريخ والوعي بقيمته يمثلان في وحدتهما باعثا طبيعيا لصاحب السيرة الذاتية على ضبط أهم المنعطفات والتحولات الحاسمة والدالة في حياته.
    فالسيرة الذاتية أكثر نبضا من التاريخ بالحياة والتجارب الفردية، بحكم محورية الذات الفردية في هذا اللون من التعبير من جهة، وثانوية الأحداث من جهة ثانية، ومن السهل أن نتنبه إلى كون التاريخ أحد وجوه فتنة هذا الجنس الأدبي.
    ثم إن كاتب السيرة الذاتية يستدعي أحداثا وجملة وقائع سالفة بوعي ومهارة، يسمهما برؤاه وتصوراته في الزمن الحاضر، معتبرا في ذات الوقت الأهمية البالغة للماضي، وقد يكون من أهم أهداف صاحب السيرة الذاتية توثيق التاريخ؛ لكن الأهم لديه هو أن يترك أثرا أدبيا يخلد ذكره من بعد موته.
    وإذا كان التاريخ يجري وراء الحقيقة، باحثا وممحصا، ثم مبددا لأي غموض في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، فالسيرة الذاتية تقتفي اثر الحياة في ذات الإنسان، ولذلك كانت ولا تزال أكثر احتفالا بالأدب الذاتي من كل ألوان التاريخ، حتى إن التاريخ يعبر عن مدى غنى الحياة الداخلية للإنسان، أكثر مما يعبر عن المسافة الزمنية التي يقطعها من المهد إلى اللحد، وإن كان الكائن البشري يدرك جيدا أن ذاته اليوم ليست هي ذاته بالأمس، وأن مجرى تنامي وتطور إحساسه الداخلي غير قابل لأي تحديد.
    إذن ليس من الإسراف أو الخلط أن نتفق مع الرأي القائل بأن السيرة الذاتية هي ملتقى الحق الأدبي والحق التاريخي، لأن هذا اللون من التعبير الأدبي يعد بالفعل حاضنا لمادة تاريخية غنية، بإمكانها أن تسهم بحظ كبير في كتابة تاريخ مرحلة معينة، وفي نفس الوقت هو لون أدبي يستمد قوته من العناصر والمكونات الأدبية، حتى إن البعض أفصح عن ميله إلى جعل أدب السيرة الذاتية قسمين رئيسيين، هما: السيرة الذاتية الأدبية، والسيرة الذاتية التاريخية...
    هذه جملة من الأفكار المثارة في موضوع أدب السيرة الذاتية .. نأمل أن يبادر كل مهتم بهذا الجنس الأدبي إلى الإسهام بما يراه من قراءات جديرة في حقه، وتأملات تليق بمكانته بين الأجناس الأدبية ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  6. #6

    شكر وتقدير ...

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    أعود هنا أستاذنا بعد قراءة سريعة للسؤال من جديد:
    هل يستطيع الكاتب أن يكتب عن نفسه بموضوعية؟
    وإذن هل تؤيد من يطلب من المقربين أن يكتبوا عنه؟
    استفهام بسيط
    فراس

  8. #8

    شكر وتقدير ...

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    سلام الله عليك أخي الكريم
    فراس الحكيم
    ورحمته عز وجل وبركاته
    أما قبل ...
    لك شمس الشكر الساطعة في كبد السماء، ولك قمر التقدير المنير في العلياء على جميل اهتمامك وأصيل احتفالك بما نثرت في هذا المقام من كلمات، عسى أن تدل على بعض ما يسمُ أدب السيرة الذاتية، أو تضيف جديداً في شأنه، ثم لك ذات الشكر والتقدير على ما بادرت إليه من طرح للسؤال ...
    وبعد ...
    يشق على المرء أن يبلغ بما يكتب من سيرته الذاتية مقام الموضوعية الخالصة، لكن صاحب السيرة الذاتية الجادِّ في كتابته والمسؤول أمام خالقه جل وعلا يسعى إلى اقتفاء أثر الموضوعية ما استطاع إليها سبيلاً، والتزام الصدق والحرص على ذكر الحقيقة في ما يخط بيمينه ...
    أما عمن يطلب من المقربين الكتابة عنه، فهو يلتمس منهم أن يكتبوا سيرة موضوعية له، وليس سيرة ذاتية، لأنه سيصير موصوفاً في هذا المقام وهم الواصفون له، ومن ثمَّ سيصبح وجهاً وهم المرآة، لكن بشرط أن يتجردوا من المجاملة والنفاق في ما سيكتبون عنه ...
    *
    حياك الله
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com

  9. #9

    شكر وتقدير ...

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10

    إهداء إلى نقاد أدب السيرة الذاتية في رحاب منتديات فرسان الثقافة ...

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. السيرة الذاتية /منى الراعي
    بواسطة منى الراعي في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-09-2017, 02:53 PM
  2. د.محمد حبش/السيرة الذاتية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-22-2013, 07:13 AM
  3. مقالات في أدب السيرة الذاتية الإسلامية ...
    بواسطة عبد الفتاح أفكوح في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 08-30-2010, 09:24 AM
  4. السيرة الذاتية/د. مصطفى أبو سعد
    بواسطة ندى نحلاوي في المنتدى أسماء لامعة في سطور
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-26-2009, 04:33 AM
  5. مقالات في أدب السيرة الذاتية الإسلامية ...
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 05-05-2007, 07:05 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •