المراهقات وفقدان الشهية العصبي
الحياة - 14/12/06//
تجلس الصبية الى مائدة الطعام وتأكل قليلاً، وأحياناً لا تأكل شيئاً. والداها قلقان جداً على ابنتهما الوحيدة، الواقفة على عتبة السادسة عشرة من عمرها. لماذا لا تأكلين جيداً؟ يسألها الأهل. فتجيبهم بأعذار وذرائع واهية. ولكن الصبية تعرف تماماً لماذا تجوّع نفسها، فهي تفعل ذلك لتكون على مثال إحدى العارضات التي علقت صورتها في غرفتها. والعارضة الشهيرة هي كايت موس التي تثير نحافتها استغراب بعضهم، الى حد وصفها بالهيكل العظمي، في حين لم يتردد آخرون بالقول إنها مصابة بمرض فقدان الشهية العصبي (انوروكسيا).
ولكي تحظى الصبية بقد مياس لا بد لها من ان تضبط شهيتها أو تكبحها كي ينقص وزنها، فهي تارة لا تأكل إلا ما يسد الرمق، وطوراً تمتنع عن الطعام كلياً. وتلجأ أيضاً الى أساليب ملتوية، مثل تناول عقاقير معينة مسهّلة لدفع بقايا الطعام عنوة من الأمعاء.
وفي بداية ممارستها «الحرمان»، يسير كل شيء على ما يرام، عدا عن قلة الأكل. ويطمئن الأهل إلى نتائج الفحوص الطبية التي جاءت سليمة. لكن الواقع مختلف تماماً، فمرض فقدان الشهية العصبي يمعن في نهش جسم الفتاة وعقلها، من دون إنذار. ويوماً بعد يوم، تبدأ معالم النحافة في الظهور، ولكن المصابة تحاول جاهدة إخفاء ذلك، فتلجأ الى التمويه بارتداء ثياب فضفاضة أو سميكة تغطي تضاريس جسدها، ولكن عاجلاً أم آجلاً تنكشف الحقيقة.
ونقص الوزن المفرط، يكون العلامة الرئيسة في مرض فقدان الشهية العصبي. والمدهش في الأمر، ان الفتاة المصابة به تنكر على نفسها انها نحيفة، وهي لا تتوانى عن زعم انها بدينة، على رغم ان مؤشر الميزان لا يكذب في تحديده نقص شديد في الوزن. وما يزيد الطين بلة، هو ان المريضة تحاول فعل المزيد لإنقاص وزنها، ولا تعي خطورة فعلتها.
وعندما يصل مرض فقدان الشهية العصبي الى مراحل متقدمة، تصبح حالة المصابة به كارثية. ويضعف جسمها وإرادتها، لدرجة انها قد لا تستطيع صعود السلالم أو المشي وحدها، وذلك بسبب الوهن العضلي الشديد الذي تعانيه أطرافها، بخاصة. ويصبح وجهها كوجه من يخرج من بين الأشباح، والسبب يعود الى غياب الكتلة العضلية التي تعزز معالم الوجه. وإضافة الى ذلك تبدأ آثار المرض والتغيرات الوظيفية في الظهور تباعاً، بحيث لا يسلم عضو من شرها. وما يزيد الأمر سوءاً هو غياب التوعية الوافية في شأن هذا المرض الرهيب الذي يقود الى مضاعفات خطيرة تفضي الى موت محقق.
وتشخيص مرض نقص الشهية العصبي باكراً أمر في غاية الأهمية، وما يبعث على الأمل هو ما توصل إليه الباحثون من جامعة بريغهام يونغ في ولاية يوتاه الأميركية. فقد استنبط هؤلاء اختباراً يسمح بقياس مستوى الكربون والنيتروجين في الشعر. وبناء على نتيجة القياس يستطيع الطبيب تشخيص 80 في المئة من المصابين بمرض فقدان الشهية العصبي.
ولكن يقع على الأهل العبء الأكبر في إطلاق صفارة الإنذار في ما يتعلق بمرض فقدان الشهية العصبي. فالبحث عن «الكمال الجسدي» قد يكون العلامة الأولى، وقد تظهر مؤشرات هنا وهناك من دون ان تثير الانتباه، ولكنها في الحقيقة ذات دلالة كبيرة، خصوصاً تلك التي تتعلق بالعادات الغذائية اليومية. وقد تشكل تلك المؤشرات طرف الخيط الذي ييسّر كشف مرض قاتل، قبل فوات الأوان.