الشيخ جلال
( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
منذ وطأت قدماه القرية لأول مرة و الناس على خلاف ، منهم من يقول : إنه "عبيط " وآخرون يقولون: لم نرى أذكى منه لكنه " يدعي العبط " ..
وبين هذا وذاك يتنقل الشيخ جلال بين أزقة القرية ، حافي القدمين ، رث الثياب ، فاغر الفم .. تتلقفه الصبية تارة بالحجارة ، وأخرى بالكلمات المؤذية وهو يراوغهم ويسبهم بكلمات صعبة الخروج ، عسيرة الفهم ..
تسوقه قدماه إلى أي من بيوت القرية ـ فكل البيوت متاحة له ـ يأكل ويشرب ما قدر الله له ، ثم يغادر لا يدري إلى أين .. وعندما يجن الليل يحط الرحال وينام حيث هو ، إلى أن يأتي أهله من قريتهم المجاورة يبحثون عنه..
ورغم أن كل البيوت متاحة له إلا أنه كان يطيب له المقام في بيت " نبوية " تلك الأجيرة التي تقتات من عملها في الحقول ، والتي تعدت الرابعة والثلاثين من عمرها دون أن يتقدم أحد لخطبتها ’فانطفأت أنوثتها ، وذبلت نضارتها ، حتى تخطاها قطار الزواج .. فانكفأت على نفسها ، تعيش بمفردها وحيدة في بيتها لا يؤنس وحدتها سوى الحسرة على سعادة زوجية كانت تمني نفسها بها..
كان كثيرا ما يقضي وقتا طويلا لديها ، حتى أن الألسن بدأت تهمس : لماذا لا تتزوج الشيخ جلال ؟ وعندما تواجه صراحة بهذا التساؤل ’ تتصنع الثبات وترد مبتسمة : يا ليت .. إنه بركة .
وذات يوم ساقته قدماه إلى منزلها .. وعلى غير عادتها لم تكن بمفردها هذه المرة .. ارتبكت قليلا ’ ثم ما لبثت أن رحبت به بعد أن رأت ضيفاتها ترحبن به .. ولأنه اعتاد على فعل أشياء تجلب له المتعة ’ فقد راح يفعل ما اعتاد عليه .... انقض عليها كذئب يلتهم فريسته .. لم تجد مقاومتها ولا صراخ من معها ، تجمع الجيران وحملوه عنها بصعوبة بالغة ثم انهالوا عليه ضربا ..لم ينقذه من بين أيديهم إلا بعضا من كبار شخصيات القرية والذين راحوا يذكرونهم بأنه عبيط .. يعني فاقد العقل .. يعني مجنون .. وليس على المجنون حرج ..
ورغم أن الناس انصاعوا وانفض الجمع إلا أن الخلاف بينهم لا زال مستمرا ..منهم من يقول إنه"عبيط " وآخرون يصرون على إنه " يدعي العبط " ...