مطبوخ الأرمن و طالب يعقوب

كان لتقويم " الهاشمي " حضور لافت على جدران أغلب البيوت الدمشقية و فيه التواريخ و مواقيت الصلاة و تذكير بالأعياد و على الوجه الآخر من الورقة حكمة أو مأثورا شعريا
غير أن هناك مفردات غريبة كانت توضع في ذيل الورقة مثل سقوط الجمرة الأولى و الثانية و الثالثة و سعد بلع وسعد الدابح و سعد السعود و سعد الخبايا و أربعينية و خمسينية الشتاء ... الخ
و كانت جدتي تبتسم ابتسامة العارف و تقوم بشرحها لنا
و لكن عرفت اسم المصطلح الدال على هذه المعلومات فيما بعد بطريق الصدفة عن طريق برنامج مسابقات يبث على الهواء في إذاعة دمشق يقدمه الإعلامي القدير طالب يعقوب حين سأل عن ماهية " مطبوخ الأرمن " .
في ذلك الوقت كان عليك أن تعتمد على معلوماتك أو موسوعة تحتفظ بها في البيت و لم يكن صديقنا العم " جوجل " الذي يأتيك من كل شيء بنبأ قبل أن يرتد إليك طرفك قد ولد بعد .
جدتي في ذلك الوقت كانت قد رحلت و اكتشفت ان ما لقنتنا إياه عن مواقيت الطقس و الطبيعة هو مطبوخ الأرمن نفسه فلم تكن سوى روزنامة سنوية تعتمد على ما دونه الرهبان في البندقية عن دورة الطقس و المناخ و تقول ان المناخ يتكرر بنفس الترتيب كل 33 سنة
و كانت خمسينية الشتاء مثلا أربعة أجزاء كل منها يدعى " سعد " و يتكون من اثني عشر يوما و نصف
تقول جدتي :
سعد الدابح ما بخلي سراج قادح و لا كلب نابح " كناية عن البرد الشديد "
سعد بلع السما تشتي و الارض تبلع
سعد السعود كله أهوية " هواء" و رعود لكن بيدفى فيه كل مبرود و تدب الماوية " الماء" بالعود
سعد الخبايا يتفتلو فيه الحيايا " كناية عن انتهاء السبات الشتوي
و سقوط الجمرات الثلاث بفارق أيام معدودة بينها فواحدة لتدفىء الهواء وواحدة لتدفىء الماء و أخرى لتدفىء الأرض
وضعني مطبوخ الأرمن أمام سؤال أراه مهما جدا : هل كان أجدادنا أكثر قدرة على فهم كنه الحياة منا نحن جيل التطور و القرية الكونية الكبيرة ؟ هل كانت علاقتهم بالطبيعة هي من منحتهم سلاما داخليا لا يمكننا الحصول عليه رغم كل الرفاهية التي نعيشها ؟