منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    (سلسلة) رسائل التطمينات الرّبانيّة (1)

    رسائل التطمينات الرّبانيّة (1)

    ممّا يزيد المرءَ شرفاً وتيها ، ويكاد بأخمصه يطأ الثريّا ، حصولُه على رزمة ضمانات ، وحزمة تطمينات ، من لدن ذوي الطّوْل والحوْل والكيانات ، تطمينات واعدة بديمومة سُؤددهم ، واستقرار طيب حالهم ، وظفرهم في ميدان مراغمة عدوّهم ، وحياطتهم بالرعاية مِن كلّ ما يكاد لهم ويُحاك ضدّهم ، ودرء ما ينغّص أحوالهم ، وينكّد عليهم رغد عيشهم ، وتبديلهم من بعد خوفهم أمنا ، ومن بعد غُرْمهم غُنما ، فتلك آمال تظلّ تخالج القلوب ، ولطالما ضرعت الأكفّ تطلبها من علاّم الغيوب !
    فكيف إذا ما أجيبت دعوة الناس فنالوا طِلبتهم وحقّقوا بغيتهم تلك ، ليس من ذوي الكيانات الأرضية الزائلة وإنما من لدن مالك المُلْك ؟! ربّ الأرباب ، مُسبّب الأسباب ، الذي قال عن نفسه { والله غالب على أمره ولكنّ الناس لايعلمون } ( يوسف21) أي : (أي لا يغلب اللهَ شيءٌ ، بل هو الغالب على أمْر نفسِه فيما يريده أن يقول له : كن فيكون ) (تفسير القرطبي 9/106) والقائل : { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم }(فاطر2) أي أنّ ( مَفَاتِيح الْخَيْر وَمَغَالِقه كُلّهَا بِيَدِهِ ، فَمَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ خَيْر فَلَا مُغْلِق لَهُ ، وَلَا مُمْسِك عَنْهُمْ ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْره لَا يَسْتَطِيع أَمْره أَحَد ، وَكَذَلِكَ مَا يُغْلِق مِنْ خَيْر عَنْهُمْ فَلَا يَبْسُطهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَا يَفْتَحهُ لَهُمْ ، فَلَا فَاتِحَ لَهُ سِوَاهُ ، لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلّهَا إِلَيْهِ وَلَهُ ) (تفسير الطبري12/115 )
    إذا كان ذلك كذلك فستكونُ التطمينات القادمة من لدنه عز وجل تطميناتٍ بهيّة ، وضماناتٍ عليّة ، ورسائلَ بشاراتٍ سَنيّة ، لأنها عصارة من الصدق المحض ، التي لا يعكّر صفوَها تخرّصات ، ولا تشوبها شائبة شك وارتياب ! بل وتوحي بأنّ لصاحبها عند ربّه لزلفى وحسن مآب !
    في ضوء ذلك : فقد حفل القرآن الكريم برسائل التطمينات الربّانية لجموع المؤمنين ،التي تؤتي أكلها في كلّ زمان وحين ، وتنوّعت هذه الرسائل فكان منها : رسائل تطمينات فكرية ، وأخرى نفسيّة ، وسياسية ، وعسكريّة ، واجتماعية ، واقتصادية ... كلّها تعِد أهل الإيمان وتهديهم إلى نهج أقوم ، ومواقف أحكم ، تدرأ عنهم كلّ مَغرم ! وتُسلمهم إلى كلّ مغنم ، وتئول بهم إلى مآلٍ حسن وعاقبة أسلم !
    وقد تنوّعت أفانين القرآن الكريم في عرض هذه التطمينات :
    فتارة تعرَض في سياق وعود ربانيّة إن بلفظ جليّ أو خفيّ وذلك من باب التأكيد على قطعيتها إذ الوعد الربانيّ لا يُخلف { وعْدَ الله لا يُخلف الله وعده ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون } (الروم6)
    وتارة تعرض في سياق بشارات إلهيّة تبهج النفس ، وتشيع في جنباتها أجواء السكينة والأنس ، { فبشّر عباد } (الزمر17)، { وبشر المؤمنين }(التوبة112) ، { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }(يونس64)
    وتارة تعرض بأسلوب النهي المفسَّر : { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا } ( آل عمران176 )
    وتارة تعرَض في سياق سنن ربانية إيحاء بأنه لا تبديل لها ولا تحويل ، إذ هذا ديدن السنن الربانية وسمتها ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا } (فاطر 43 )
    والسنة في اللغة : الطريقة ( لسان العرب 13/225) وفي الاصطلاح القرآنيّ : (عادة الله في خلقه ) ( التحرير والتنوير لابن عاشور 4/97)
    وغيرها من الأساليب القرآنيّة الحكيمة ، التي تشق إلى العقول سُبُلا حصيفة مستقيمة ، وإلى القلوب مداخلَ نفسيّة لطيفة قويمة !
    أمّا ما كان من رسائل تطمينات فكريّة ، فتتمثل في تلكم الآيات التي تؤسس لقناعات في النفس راسخات ، ويقينيات مستقرّات ، من شأنها أن تنوّر الجَنان ، وتلقي بظلالها الخيّر على الوجدان ، فتكون باكورة انطلاقة سلوكية فاعلة واعدة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
    تلكم الرسالة التي انطوت عليها الآية القرآنية { الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب } (الشورى 13) أفادت هذه الآية الكريمة أنه مَنْ أقبل على الله بالتوبة ، وسلك إليه مسلك الأوْبة ، أكرمه ربّه بالهداية وانتشله من وهاد الغواية ، وفي هذا قال مجاهد – رحمه الله تعالى –: ( ويوفق للعمل بطاعته واتباع ما بعث به نبيّه – صلى الله عليه وسلم – من الحق ، مَن أقبل إلى طاعته ، وراجع التوبة عن معاصيه ) ( تفسير الطبري25/16)
    ومنها الرسالة التي جاءت في ثنايا قوله تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربّه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } (البقرة112) لتفيد أنه : من تذلّل لله بطاعته ، وانقياده لأمره ، واتباعه لهديه ، أمّنه ربّه مما يخافه من المحذور ، وحباه بجزاء من عنده موفور، وعنى بإسلام الوجه : التذلّل لطاعته ، والإذعان لأمره ، وخصّ جلّ ثناؤه إسلام الوجه دون سائر الجوارح لأنه أكرم أعضاء ابن آدم جوارحه ، وهو أعظم عليه ، فغيره من أجزاء جسده أحرى أن يكون أخضع له !
    وقوله { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - : ( ضمن لهم بذلك تحصيل الأجور ، وأمّنهم ممّا يخافونه من المحذور ، ( ولا خوف عليهم ) : فيما يستقبلونه ( ولا هم يحزنون ) : على ما مضى ممّا يتركونه ) ( تفسير ابن كثير 1/285،286)
    وعلى شاكلة الآية السابقة قوله تعالى : { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ( البقرة27)
    ومن رسائل التطمينات والبشارات الرّبانية في هذا السياق قوله تعالى : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } ( المائدة 15،16) قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – في تفسيره لهذ الاية { يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام } : ( أي طرق النجاة والسلامة ، ومناهج الاستقامة ، { ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} أي : ينجيهم من المهالك ، ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور ، ويحصّل لهم أنجب الأمور ، وينفي عنهم ، ويرشدهم إلى أقوم حالة ) ( تفسير ابن كثير 3/68)
    كما يطالعك في هذا السياق ، سياق رسائل التطمينات والبشارات الفكرية قوله تعالى : { فمن اتبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى } (طه173) قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : ( فقد أجار الله تابع القرآن من أن يضلّ في الدنيا أو يشقى في الآخرة ) ( الثعالبي : الجواهر الحسان 4/72)
    وثمّ ضمانة ماضية من ربّ العالمين ، أنّ العاقبة المحمودة هي دوماً من حظ المؤمنين ، فقال عزّ من قائل : { والعاقبة للمتقين } (الأعراف 128) قال الطبري – رحمه الله تعالى - : ( العاقبة المحمودة لمن اتقى الله وراقبه ، فخافه باجتناب معاصيه ، وأدّى فرائضه ) (تفسير الطبري 9/27)

    ومنخول القول في هذه التطمينات : أنّ هناك ذخيرة فكريّة نيّرة ، ذات حصادات خيّرة ، ضمّنها الله تعالى كتابَه ، مَن تعاطى أسبابَها حازها ، فغنم وظفر وهُدي في ميدان الخير إلى كلّ حُلّة، ووُقي من كلّ مُزلّة ومُضلّة ، فهل من مدّكر ؟!!

  2. #2
    سلمت يداك دكتور هل يوجد كتاب بهذا الخصوص عن التطمينات بكل انواعها

  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    كل التقدير والوئام والاحترام ... أزجيه لك أخي الحبيب ماجد البسام

    سرّني مرورك على مقالي وأبهجني حرصك على المتابعة ، وبالنسبة لسؤالك عن كتاب يحوي هذه التطمينات ، فيسرّني إحاطتك علماً بأن هذه السلسلة من (
    التطمينات ) هي نُتاج دراسة قمت بها ولمّا أنتهِ منها بعد ! وقد شرفتُُ بأنني عرضت هذه السلسلة على نخبة من أهل الرسوخ في العلم فأجازوها وأوصوْا بنشرها ، غير أني عاكف الآن على تهذيبها وتبسيط عرضها على نحو يسهل الاستفادة منها ، ذلك بأني كتبتها أول مرّة بمنهجيّة علميّة قد يعسر فهمها على عموم القرّاء ، فاحتاج الأمر إلى تبسيطها ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه السلسة تحوي عشرات المقالات ، التي سيكون أول عرض لها على صفحات هذا المنتدى العامر !
    تحيّتي ومودّتي

المواضيع المتشابهه

  1. التطميناتُ الرّبانيّة النفسيّة (1)
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-10-2012, 02:47 AM
  2. رسائل التطمينات الربانية (2)
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-03-2012, 08:38 AM
  3. رسائل حبّ
    بواسطة المحامي منير العباس في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-12-2010, 09:17 PM
  4. رسائل لن تصل اليه
    بواسطة ذيبان في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-18-2009, 06:52 AM
  5. رسائل الأشجان / 6 / رسائل شخصية جدا
    بواسطة حسن سلامة في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-04-2007, 06:46 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •