صانعي الخوف !
--------------------------------------------------------------------------------
قال لي (وقد كنت أعتبره مثلي الأعلى) أنّ هناك رجالاً يتجسسون عليك، ويحفظون عليك كل ما تقول وتفعل!
أرعبني قوله كثيراً، خصوصاً وأنّي وقتها مازلت طالباً في أول المرحلة المتوسّطة!
تساءلت لمّا رجعت إلى البيت، من هم هؤلاء الرجال؟ وماذا فعلت حتى أكون مهمّاً إلى هذه الدرجة، وأين من الممكن أن يكونوا؟ حتى يعرفوا عنّي كل شيء؟ هل هم ملائكة مثلاً لديهم القدرة على تسجيل كل ما ألفظ من قول؟ أم أنّهم من جنود إبليس، الذي يراني هو وقبيله من حيث لا أراهم؟
أستاذي الفاضل، وبدون أن يعلم، خلق في نفسي شعوراً فظيعاً بالخوف والرهبة، لأنّه عندي لا يُسأل عمّا يقول، كنت صغيراً وكنت أظن أنّه لا يقول الكلمة إلا بعد أن يدرسها ويتأمّلها في نفسه، لم أكن أتوقّع أن يوجد أناس يلقون بالكلمات هكذا، ثم لا يهتمّون بما يعتمل في صدور الصغار من حولهم..
نقدي له في هذه الجزئيّة لا يعني أنّي أنقده في بقيّة الجزئيّات، كان وبحق أستاذاً فاضلاً تعلّمت منه الكثير الكثير من الخير، ولكن هذه الكلمة بالذات غرست خوفاً خاصّاً في نفسي..
أصبحت أتأمّل الناس من حولي، وأتساءل: من يا ترى من هؤلاء غريمي؟ من هو الموكل برصد أعمالي؟ والذي يرفع التقارير اليوميّة أو الأسبوعيّة عنّي..
وكبرنا..
وافتضحت تلك الأكذوبة، وعلمت أنّ المسألة لا تخلو من استعراض معلومات أمام تلميذ صغير الحجم والعقل والعمر!! فقط لا غير..
لا يهم أن يعيش هذا التلميذ الخوف، والرعب قبل أن يكون مؤهلاً لذلك.. المهم هنا هو أن يبدو المعلّم خبيراً بخفايا الأمور، ويعلم أشياء كثيرة وكبيرة ومهولة..
يا أساتذة اليوم.. كفّوا أيديكم عن بعض الممارسات الخاطئة، لا تحاولوا أن تصنعوا الوهم في قلوب تلاميذكم، لا تصعدون على سلالم من القش، فتهوي بكم وبتلاميذكم في واد سحيق..
التلميذ _ وهذه معلومة مهمّة_ كائن حي، ينمو ويكبر مثله مثل بقيّة الكائنات ( كدودة القز مثلاً)، فلماذا تتعاملون معه وكأنّه سيتحنّط إلى الأبد، ويبقى صغيراً إلى ما لا نهاية؟
المسألة خمس سنوات فقط، ويصبح التلميذ في عمر يخوّله للتفريق بين الصدق والكذب، وبين الحقيقة والمبالغة، فلا داعي من تكوين جيل كلّهم ينظر إليك على أنّك استغفلتهم في يوم الأيام..
أعط تلاميذك كامل الحب وكامل العلم الذي تحمله ( وإن كان بسيطا).. وسيعطونك كل شيء..صدّقني كل شيء..
لا داعي أن تضخّم نفسك أمامهم، وكأنّك سوبرمان التعليم! فسوف يكبرون ويعلمون أنّك كنت معلّماً تتقاضى مرتّباً في نهاية الشهر، ويقيّمك المدير، وإذا غبت أتتك ورقة مساءلة!! يعني المسألة ما تستاهل أبداً.. فلست شيخ الإسلام ابن تيميّة، ولا حتى تلميذه ابن القيّم..
باختصار، عش واقعك كمعلّم بشري ( لا ملائكي) وكف عن تزييف الحقائق، ليقال، هذا أعجوبة الزمن..
تحياتي
قصة العلوم
Crazy boy