الدكتور احمد عثمان ابو بكر والبواكير الاولى لتدوين تأريخ حركة التحرر للشعب الكوردي
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
جامعة الموصل
منذ أن كنت طالبا في قسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة بغداد أواسط السبعينيات من القرن الماضي وأنا أعد أطروحتي للدكتوراه عرفت الأستاذ الدكتور احمد عثمان أبو بكر، فقد كان حينذاك مدرسا في هذا القسم. وقد حرص على التقرب من طلبة الدراسات العليا والدخول معهم في حوارات ومناقشات حول قضايا التاريخ الحديث والمعاصر.. ومع الأيام ازدادت الصلة بيني وبينه عندما عرف أنني قد كتبت رسالتي للماجستير عن ( ولاية الموصل : دراسة في تطوراتها السياسية 1908 ـ1922 ) بإشراف الأستاذ الدكتور عبد القادر احمد اليوسف، وكما هو معروف فان ولاية الموصل التي اقصدها في رسالتي، كانت ولاية عثمانية عراقية تضم الموصل واربيل وكركوك والسليمانية وقد اخبرني أنه كتب أطروحته للدكتوراه في جامعة موسكو في موضوع مشابه لكنه ركز على ( حركة التحرر الوطني للشعب الكوردي بين 1908 ـ1924 ) المهم ان الأستاذ الدكتور احمد عثمان أبو بكر، كان واحدا من ثلاثة أساتذة كورد في قسم التاريخ، لكن انتماءاتهم الفكرية والايدولوجية لم تكن واحدة، وكثيرا ما نشبت مساجلات فكرية وشخصية بينهم، واقصد بهم الأستاذ الدكتور محمد محمد صالح، والأستاذ الدكتور كمال مظهر احمد، والأستاذ الدكتور احمد عثمان أبو بكر.. ومن حسن الحظ أن علاقتي بهم كانت وثيقة وقد حظيت باحترامهم وتقديرهم.
ولد المؤرخ الدكتور احمد عثمان أبو بكر عبد الله في مدينة اربيل ( هه ولير) عاصمة كوردستان العراق سنة 1930.
وقد تيسرت له الفرصة، بعد إكماله الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، للالتحاق بكلية العلوم والآداب في الجامعة الأمريكية ببيروت وقد فضل دراسة التاريخ مع انه كان في الفرع العلمي إبان دراسته الثانوية. وفي سنة 1955 حصل على شهادة البكالوريوس ( كانت مدة الدراسة خمس سنوات بعد الثانوية ).
عاد إلى العراق وعمل مدرسا في بعض المدارس المتوسطة والثانوية ومنها على سبيل المثال إعدادية النضال في بغداد بين سنتي 1959 و1960 نقل إلى وزارة المعارف (التربية) ليعمل ملاحظا للقبول في مديرية البعثات وبعد بضع سنوات ذهب إلى الاتحاد السوفييتي ( السابق) لكي يكمل دراسته. وقد التحق بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية في موسكو، وحصل على الدكتوراه في التاريخ وكتب أطروحته باللغة الإنكليزية وكانت بعنوان : حركة التحرر الوطني للشعب الكوردي 1925-1905
National liberation Movement of Kurdish People 1905- 1925
ومع أنني لم اطلع على الأطروحة ومضامينها في حينه إلا أن أستاذي المشرف المرحوم الدكتور عبد القادر احمد اليوسف قد كتب ملخصا عنها وأورد كل تفاصيل مباحثها، وأعطاني ذلك الملخص ويبدو انه كان خبيرا لترقية الدكتور احمد عثمان أبو بكر لمرتبة الأستاذ المساعد وعادة ترسل الأطروحة إلى الخبير لأغراض إكمال التقييم. وقد استفدت من اطروحة الدكتور احمد عثمان أبو بكر وأتذكر أنني أشرت إليها وأشدت بالجهد العلمي المبذول في إنجازها.
لم يبق الدكتور أبو بكر في موسكو طويلا، فما أن انتهى من مناقشة اطروحته حتى عاد إلى وطنه، ليعين مدرسا في قسم التاريخ بكلية الآداب ـ جامعة بغداد وقد تحمل مسؤولية تدريس مواد كثيرة أبرزها مادة التاريخ الأوربي الحديث وذلك باللغة الإنكليزية. وقد رقي إلى مرتبة أستاذ مساعد سنة 1986 وفي سنة 1993 انتقل إلى جامعة صلاح الدين في اربيل وما يزال يعمل في قسم التاريخ بكلية الآداب فيها حتى كتابة هذه السطور.
لم يكتب الكثير عن المؤرخ الدكتور احمد عثمان أبو بكر مع انه ألف كتبا عديدة ونشر الكثير من المقالات في الصحف والمجلات منذ سنة 1959 ومن الصحف التي كتب فيها ( جريدة هيوا / الأمل) وجريدة شفق (الفجر) الكورديتين.
وقد تابعت نشاطه منذ سنوات بعيدة وكنت اسأل عنه تلاميذه في جامعة صلاح الدين وابعث إليه التحيات وكان يرد عليها بأحسن منها.. ويعد صديقنا الأستاذ حميد المطبعي من ابرز الذين كتبوا عنه بضعة اسطر وذلك في الجزء الثالث من موسوعته،، موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين والذي طبع سنة 1998 ببغداد وقال عنه أن الدكتور احمد عثمان أبو بكر أوضح في كل كتاباته بعض الأوجه الجديدة في المسالة الكوردية )). كما انه أسهم في وضع معادلة بسيطة تنظم العلاقة بين التاريخين الهجري والميلادي. والحقيقة أنني كنت واحدا من الذين علمهم الدكتور أبو بكر هذه المعادلة وكنا نستفيد منها ومانزال في تحويل التاريخ الهجري إلى التاريخ الميلادي وبالعكس.
كان الدكتور احمد عثمان أبو بكر أستاذا جيدا، وباحثا متمكنا، وإنسانا طيبا ،.. أسهم في نشاطات علمية كثيرة وحضر مؤتمرات تاريخية داخل العراق وخارجه. وقد درس في الكلية الوطنية بلبنان وفي المدارس الثانوية بسوريا وله مئات البحوث والدراسات والمقالات في عدد من الصحف والمجلات العربية والكوردية ومن كتبه التي ألفها باللغة العربية :
1. كورد الملي وإبراهيم باشا ( دار الجاحظ، بغداد 1973).
2. كوردستان في عهد السلام (بعد الحرب العالمية الأولى)، وقد نشرته رابطة كاوا للثقافة الكوردية ( اربيل ـ بيروت 2002).
3. عشائر كوردستان، وقد نشرته رابطة كاوا للثقافة الكوردية، اربيل 2001.
ومن الكتب التي ترجمها عن الروسية، كتاب الصراع على كوردستان، لخالفين وطبع سنة 1969. كما وترجم عن الإنكليزية كتابين اولهما ( عن الإنسان الجديد الموحد ). وثانيهما عن ( الواحد والنقاط اللامتناهية).
كان يحب الرياضيات والفلسفة ويحاول ربطهما بالتاريخ وقد نشر العديد من المتابعات العلمية منها على سبيل المثال متابعته لمسألة الهندسة الو راثية وذلك في مقال واسع بعنوان : ((عن الإنسان الجديد والهندسة الو راثية )). نشرته مجلة الثقافة (البغدادية) بعددها (6) و (7)، السنة (12)، حزيران ـ تموز 1982.
واعتقد أن الدكتور احمد عثمان أبو بكر كان يجد من الآخرين صعوبة في فهمه، إن على المستوى الشخصي أو على المستوى العلمي ولا اعرف تفسيرا لذلك سوى انه يبدو في بعض الأحيان سريع الانفعال لا يقبل بالخطأ مهما كانت الأعذار.
من كتبه التي نشرها بالكوردية كتاب :
(( نه خوشي ته ده رون له جه ند ديركدا))، وطبع في مطبعة زانكو بالسليمانية سنة 1981.
أما ابرز دراساته التي نشرها باللغة الكوردية فيمكن الإشارة إلى ما يأتي :
1. كوردستان له به يما ني سايكس ـ بيكو سازانوف ـ باليولوك دا، كوفاري كوردستان، به غدا، زماره (8)، مايس1972.
2. داستاني حه سه ن به كر هه كارى، كوفاري نووسه رى كورد، زماره (5) به غدا، 1980.
ومن مقالاته وبحوثه ودراساته التي نشرها باللغة العربية :
1. ((حركة الشيخ محمود والعلاقات الدولية ))، مجلة المجمع العلمي الكوردي، المجلد (1) بغداد، 1976.
2. ((ذكر الكورد : أصولهم في كتابات المسلمين الأوائل ))، مجلة المجمع العلمي العراقي، الهيئة الكوردية، المجلد (17)، 1985.
3. ((الكورد في كتابات المسلمين الأوائل : ذكر مواطن وطوائف الكورد ))، مجلة كلية الاداب، جامعة بغداد، العدد (24)، كانون الثاني 1979.
4. كوردستان في وثائق لجنة كينغ ـ كرين، مجلة شمس كوردستان، العدد (7) ن بغداد، آذار 1972.
5. ((نظرة في وضعية المنطقة الكوردية بعد الحرب العالمية الأولى ))، مجلة كار وان، اربيل، العدد (22)، مايس 1985.
6. ((محمد ابن آدم العالم الكوردي الكبير ))، مجلة شمس كوردستان، العدد (6)، بغداد، 1973.
7. ((هل التاريخ الكوردي مكتوب حقا ))، مجلة الدفاتر الكوردية، العدد (1)، بغداد 1970.
نشر معظم فصول كتابه كوردستان في عهد السلام، في بعض المجلات ولسنوات عديدة، وعلى شكل حلقات، فبين تموز 1989 وآب 1987 نشرت له مجلة الثقافة ( البغدادية) لصاحبها الأستاذ الدكتور صلاح خالص (31) حلقة.. أما مجلة (كاروان) القسم العربي فقد نشرت له بين كانون الثاني 1985 وايلول 1986) ثلاث حلقات مهمة دارت حول ( وضعية المنطقة الكوردية بعد الحرب العالمية الأولى ) و ( مهمة شريف باشا في مؤتمر السلام بباريس 1919) , ( مقترحات لإدارة مناطق الكورد بعد الحرب العالمية الأولى ).. وكان الدكتور أبو بكر مولعا بعرض ومراجعة بعض الكتب التي تتناول التاريخ الكوردي المعاصر ونشر ذلك في بعض المجلات فعلى سبيل المثال علق على كتاب ( الشعب الكوردي وتطوره الاجتماعي) في مجلة شمس كوردستان، الاعداد 53، 54، 55، 56، بغداد 1979. كما علق على كتاب ( الكورد : دراسة تاريخية ـ سياسية) في المجلة نفسها، العددان 57 و 58.
الدكتور احمد عثمان أبو بكر من أوائل المؤرخين العراقيين الذين اهتموا بالقضية الكوردية، وكتبوا عن علاقاتها الخارجية، ويعد بحثه ( حركة الشيخ محمود والعلاقات الدولية ) من البحوث المتميزة التي تناولت (( علاقة الحركة الكوردية مع حكومات الشرق الأوسط المركزية : العراق وإيران وتركيا)) فضلا عن ((إن كفاح الشيخ محمود بعد الحرب العالمية الأولى اتسم بطابع سياسي خاص متميز، فلأول مرة في تاريخ كوردستان الحديث يجد الكفاح الكوردي الوطني نفسه وجها لوجه..مع قوة عالمية كبرى ألا وهي بريطانيا العظمى.. )).
وقد علق الدكتور أبو بكر على ذلك بقوله انه خلافا للظروف السابقة.. فبمجرد تماس الحركة الكوردية مع بريطانيا العظمى وتعاملها معها مباشرة انتقلت هذه الحركة من دائرة ضيقة وإقليمية الى آفاق دولية واسعة رحبة، وبالأخص بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية المعادية للاماني الكوردية، وذلك لان بريطانيا لم تكن دولة عظمى وحسب، وإنما كانت إمبراطورية عالمية وسلطة دولية عظمى وحسب، وإنما كانت إمبراطورية عالمية وسلطة دولية لا تبارى في قدرتها ونفوذها )). لكن الدكتور أبو بكر سرعان ما يصاب بخيبة أمل من هذه القوى العظمى التي كان كل همها هو الحفاظ على مصالحها، لذلك أصبح على الكورد واجب مهم وهو الاستمرار كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا، في ((رفع قضيتهم إلى أسماع الدوائر الدولية السياسية )). ((وقد تحتم على الحركة الكوردية لذلك ان تخوض تجارب الكفاح بأشكال متنوعة على امتداد سنين طويلة في المستقبل )).
بالرغم من أن الدكتور أبا بكر قد درس في الاتحاد السوفيتي ( السابق) إلا أن كتاباته لم تكن مؤدلجة في السياق المعروف عند بعض أقرانه.. كان مؤرخا موضوعيا، يعتمد المنهج العلمي التاريخي في الوصول إلى الحقيقة، وأكاد اجزم انه كان اقرب في منهجيته إلى من درسوا في الجامعات الغربية. فهو لم يكتف بنمط واحد من المصادر، بل وجدناه يغذ الخطى للوصول إلى الحقيقة عبر مصادر متنوعة. تأتي الوثائق غير المنشورة في مقدمتها. كما انه لم يهمل المصادر المحلية بل اعتمد على مصادر مختلفة باللغات العربية والكوردية والفارسية. وقد ادعى أكثر من مرة أنه حتى في المستوى الحالي من كتابة التاريخ الكوردي الحديث والمعاصر، فان ثمة حاجة للاعتماد على مصادر ووجهات نظر إضافية. لذلك استحق أن نعده من المؤرخين العراقيين البارزين الذين تركوا بصمة واضحة ليس في بنيان المدرسة التاريخية العراقية فحسب بل العربية والعالمية كذلك.