محمود ياسين: جيل الشباب لا يشعر بالأمان
أسامة صفار
محمود ياسين في مهمة انسانية في دارفور
الفنان محمود ياسين صاحب صورة متفردة بين نجوم الربع الأخير من القرن العشرين في الفن المصري سواء كان سينما أو مسرح، وبرغم رصيده الكبير الذي يصل إلى 171 فيلما و25 مسرحية فإن ذلك لم يمنعه من التفاعل مع مشكلات مجتمعه والقيام بدور إيجابي تجاهه.
ومحمود ياسين الذي يكرمه مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام يعترف بسعادته بالتكريم، لكنه يؤكد انشغاله باستعادة الروح لجمعية كتاب وإعلاميي وفناني الجيزة بعد توقفها لثلاثة أعوام بعد أن أنهى تصوير دوره في فيلم "الوعد" الذي كتبه السيناريست وحيد حامد ويخرجه محمد ياسين.
يقول محمود ياسين: في فيلم " الوعد" أواجه الشركات متعددة الجنسيات، حيث أقوم بدور مدير تنفيذي سابق لإحدى هذه الشركات انتهت علاقته بها على مستوى العمل، لكن الأسرار التي عرفها من خلال عمله تسبب قلقا للمسئولين فيها؛ لذلك يتم إرسال شخص إليه لتحذيره أو تصفيته، وهذا الشخص هو نفسه المسئول الجديد للشركة في المنطقة، لكن علاقة إنسانية تربط الشخصين معا، ويحاول الكبير تحذير الصغير من المصير الذي آل إليه في النهاية.
جمعية أهلية
* أعلنت عن عودة جمعية كتاب وفناني وإعلاميي الجيزة للعمل بعد توقف.. ما دورها ولماذا توقفت وعادت؟
- جمعية فناني وإعلاميي الجيزة تأسست منذ ربع قرن وتضم نحو 250 فنانا وإعلاميا وكاتبا ومن بين مؤسسيها فريد شوقي وأبو بكر عزت وعلي الشريف بالإضافة إلى حسين فهمي وفاروق الفيشاوي ويسرا وشهيرة وكريمة مختار، ونحن نقوم منذ سنوات طويلة بدور اجتماعي وإنساني كلما تيسر ذلك، ولكن منذ ثلاث سنوات صادفنا صعوبات في الاستمرار؛ بسبب تردي حالة المقر الخاص بالجمعية؛ فتوقفنا إلى أن يتم استبداله، واستمر التوقف حتى استطعنا منذ أسابيع تخصيص مكان لها.
ومن أهم ما نقوم به تكريم الطلاب المتفوقين من أوائل الكليات الفنية بكل أقسامها حتى إن أول جائزة حصل عليها الفنان أحمد السقا كانت من الجمعية وقدرها ألف جنيه (181 دولارا تقريبا) وغيره الكثيرون.
* هل اقتصر دور الجمعية على تكريم المتفوقين؟ وما الذي دفعكم لهذا؟
- الفنان ابن مجتمعه، ولا يمكن له أن ينعزل عن أزماته، خاصة أن النجومية والشهرة والمال منحة من هذا المجتمع، وما قمنا به هو مجرد "رد جميل" لهذا المجتمع، ولا أعتقد أن هناك فنانا في العالم كله يمكنه أن يمنح ويجند كل قدراته مثلما يفعل الفنان المصري والعربي، وأذكر أننا قمنا في جمعية كتاب وإعلاميي وفناني الجيزة بعمل عرض مسرحي ومعي كبار نجوم الفن المصري وبينهم حسين فهمي وأبو بكر عزت وكان مأخوذا عن رواية نجيب محفوظ "بداية ونهاية" وأخرجه المخرج المسرحي الراحل "عبد الغفار عودة"، وتم عرضه لأربعين ليلة قدمناها لوجه الله تعالى، وتم العرض على خشبة المسرح العائم المملوك للدولة في عام 1990، وتم تصويرها تليفزيونيا في اليومين الأخيرين للعرض، وتم توزيع الإيرادات بين شراء وحدات غسيل كلوي لمستشفى تابع للدولة وبين غرفة عمليات كاملة لمستشفى أقيم بالجهود الأهلية في منطقة "المنصورية" بالجيزة، وبعد زلزال 1992 الشهير قمنا بناء على إرشادات الطب النفسي بزيارة المدارس الواقعة في قرى الجيزة في أول أيام الدراسة ومعنا هدايا للتلاميذ لإزالة آثار صدمة الزلزال من نفوسهم.
الجيل الجديد
* هل ترى أن الجيل الجديد من النجوم يتفاعل مع مشاكل مجتمعه بنفس القدر؟
- علينا أن نعذر هؤلاء؛ لأن خصخصة السينما في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات أدت إلى فقدان النجوم الإحساس بالأمان المادي، فبعد أن كانت الدولة تملك أصول السينما وتصنع أفلاما يصل عددها سنويا إلى نحو مائة وعشرين فيلما.. تضاءلت حتى أننا كنا نتندر بأننا نسينا الطريق إلى الاستوديوهات، ولكننا كنا قد صنعنا أفلامنا كنجوم، وأغلقت السينما أبوابها في وجوه الممثلين الجدد حين تولاها القطاع الخاص وتوقفت الصناعة تقريبا.. وبعد ما يقرب من عقد من الزمان بدأت تلتقط أنفاسها ووصل عدد الأفلام التي يتم إنتاجها سنويا إلى ما يقرب من خمسين فيلما، وبالتالي علينا أن ننتظر قليلا حتى يشعر هؤلاء النجوم بالأمان ويساهموا في حل مشكلات مجتمعهم.
* المعروف أن أجور النجوم الشباب حاليا تقدر بالملايين ألا يدفعهم هذا للمشاركة في حل أزمات مجتمعهم؟
هم يحتاجون للاطمئنان –كما أتصور- وبالمناسبة فإن أعلى أجر تقاضاه أي نجم من جيلنا لم يتجاوز العشرين ألف جنيه (3600 دولار تقريبا)، ولكننا كنا نقدم أعمالا كثيرة في العام الواحد؛ بسبب كثافة الإنتاج، لكن النجم اليوم لا يقدم سوى فيلم أو فيلمين في العام.
* طلبت إعفاءك أكثر من مرة من تولي رئاسة الجمعية.. لماذا؟
- نعم لكن ليس لأني أريد الانسحاب من العمل الخيري والاجتماعي، ولكن لأنه ليس من المعقول أن أظل رئيسا كل هذه السنوات.. لابد من التغيير إذا أردنا أن تظل أي مؤسسة تتمتع بقدر معقول من الحيوية والقدرة على الاستمرار، ومعي عناصر قادرة على القيادة؛ لذلك ليس من المعقول أن أحتكر الأمر.
حريق العمر
* قدمت 25 عرضا مسرحيا وكنت مديرًا للمسرح القومي.. كيف كان شعورك يوم احترق؟
- المسرح القومي كان بالنسبة لي أكثر من بيتي.. تخيل كنت أقود سيارتي، وأجد نفسي هناك دون أن يكون لدي عمل أو موعد.. هذا المكان يحمل تفاصيل عمري وأعمار زملائي ورفاقي وذكريات ما كان يجب أن تحترق بنار الإهمال، وأنا كنت مديرا للمسرح القومي لفترة بسيطة، لكن الطريف أنه تم إجباري على الاستقالة، ومعي نور الشريف من قبل وكيل وزارة الثقافة أيامها وهو محمد دسوقي ابن شقيقة أم كلثوم؛ نظرا لامتلاكنا شركات إنتاج، ثم عدت بعد ذلك مديرا له، والمدهش أيضا أننا لم نكن المقصودين في الأمر لكن المقصود كان الراحل سعد الدين وهبة الذي كان على خلاف شديد مع وزير الثقافة في تلك الفترة، وكانت هناك نوايا لإقالته، وهو ما حدث، ولكن ضمن مجموعة.
أما أبرز ما يذكرني بإدارتي للمسرح القومي فهو العرض الشهير "أهلا يا بكوات" وهو العرض الوحيد في تاريخ المسرح العربي الذي استمر خمسة عشر عاما متواصلة، وهو بطولة عزت العلايلي وحسين فهمي.
* لكنك شاركت في العرض لفترة.. لماذا؟
- نعم شاركت لمائة وستين ليلة بدلا من عزت العلايلي، ثم عاد، وهذا العرض أثار في البداية -وقبل أن يحقق كل هذا النجاح- جدلا وأقاويل واستغاثات من البعض وصرخات تؤكد أن محمود ياسين سوف يحول مسرح الدولة إلى قطاع خاص؛ لأنني استعنت بالكاتب المسرحي لينين الرملي الذي كان يطلعني على ما يكتب بانتظام حتى انتهى، ونتيجة لذلك تصور فريق العمل أنني سوف أقوم بدور البطولة، وتعاملوا على هذا الأساس وفوجئوا برفضي وسألوا: "لماذا" فقلت إني مدير المسرح القومي فقط، وهناك من الزملاء من يستطيع تقديم الدور أفضل مني وبالفعل أسند للفنان عزت العلايلي.