اللواء أبو الشهيد يروي القصة الكاملة لدور الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 التحريرية
بقلم اللواء ( م) عبدالوهاب محمد الجبوري (*)
عام
بدأت حرب تشرين يوم 6 تشرين / أكتوبر عام 1973 بتنسيق مشترك بين مصر وسوريا حيث قامت القوات المسلحة المصرية بعبور خط بارليف الإسرائيلي فيما اجتاحت القوات المسلحة السورية هضبة الجولان، وقد قدم الجيش العراقي والجيوش العربية الأخرى التي شاركت في الحرب نجاحات عسكرية مشهودة عززت من صمود وانتصار القوات العربية على القوات الإسرائيلية فكانت هذه الحرب بحق معركة الأمة ومشروع امة خاصة على الصعيد العسكري ..
وفي يوم الحرب علم العراق بأنبائها من الإذاعات فاجتمعت الحكومة العراقية فورا ليلة 6-7 تشرين / أكتوبر 1973 لتقرر الاشتراك بحرب تشرين إلى جانب جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية..
وكان موقف القوات المصرية على الحدود الغربيه عشية صدور الأوامر العراقية بالاشتراك في الحرب كالآتي:-
كانت القوات المصرية الباسلة من عناصر الجيش الأول والثاني تتحرك بثبات شمال غرب سيناء وغرب سيناء مكبدة قوات العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ، وكانت طائرات القوات الجوية المصرية من طراز ميغ21وسوخوي7 مسندة من قبل طائرات هوكر هنتر العراقية تقوم بضربات مؤثرة لقوات العدو واستمرارها بالبحث عن المدفعية الإسرائيلية طراز 175 ملم وتدميرها في صحراء سيناء، وفي البحر كانت القطع البحرية المصرية والقطع ألمرافقة لها توجه ضربات حاسمة لبحرية العدو الإسرائيلي .. وعلى الجبهة الشمالية كانت القوات السورية البطلة تتقدم بعزيمة وشجاعة في هضبة الجولان بقوة إلا أن الموقف العسكري تعثر بتأخر إحدى فرق الجيش السوري الآلية / الميكانيكية تحت الضغط الإسرائيلي الشديد باتجاه دمشق مما أدى بالقيادتين المصرية والسورية إلى إعادة تقييم الموقف العسكري في ضوء الظروف المستجدة وذلك في 7 أكتوبر 1973 ..
في 7 تشرين / أكتوبر 1973 قررت القيادة العراقية استدعاء رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق الفريق ( المرحوم ) عبدالجبار شنشل إلى مقر العمليات والاستعلام عن موقف القوات العراقية وجاهزيتها للقتال ، وكانت أقرب الوحدات العراقية هما اللواء السادس المدرع العراقي واللواء المدرع الثاني عشر العراقي اللذان كانا يقومان بتدريبات في منطقة المشراق التابعة لمحافظة نينوى ( الموصل ) شمال غرب العراق إضافة للواء الثامن الآلي والقوات الخاصة العراقية ..
المقدمة
لغرض التوثيق التاريخي وكي لا تنسى الأجيال القادمة ، سنشير في هذه الوثيقة التاريخية المهمة إلى خلاصة قصة اشتراك الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 موثقة من مصادر مختلفة وشهود عيان شاركوا في الحرب ، ومنهم الباحث ، تم اللقاء بهم والاستماع إليهم وهم يروون ملحمة الحرب التي هزت الكيان الصهيوني من الأعماق حتى باتت هاجسهم الذي لن ينسوه أبدا ..
لقد شارك الجيش العراقي الباسل في كل الحروب العربية ضد إسرائيل بداية من حرب 1948 إلى حرب تشرين / أكتوبر 1973 فضلا عن عمليات قصف الأهداف الحيوية الإسرائيلية عام 1991 وكان دائما في مقدمة الجيوش العربية حاملا لواء الدفاع عن مقدرات هذه الأمة بكل بسالة وتضحية ، وقد نقش هذا الجيش اسمه بحروف من ذهب في آخر الحروب العربية الإسرائيلية حرب تشرين / أكتوبر وكما سنتحدث عنه لاحقا ..
من هنا فان مشاركة الجيش العراقي في حرب تشرين تعتبر حدثا مجيدا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ، فلقد تمت هذه المشاركة دون تخطيط مسبق على صعيد القتال أو الشؤون الإدارية ونفذت بشكل سريع ومفاجيء وبمبادرة عراقية بحتة .. وكانت أطراف عربية تتوقع أن تكون المشاركة في مثل هذه الظروف رمزية أو محدودة على الأقل ، ولكن العراق دفع إلى ساحة المعركة ، التي تبعد عن أراضيه أكثر من( 1000) كم ، ثلاثة أرباع قواته الجوية ، وبدأ يعمل على إرسال المزيد من القوات من مختلف الصنوف ، وكان تركيزه على الإسراع بإرسال الطيران والدروع نابعة من رغبة القيادة السورية في الحصول على هذين السلاحين قبل أي شيء آخر ، وبالإضافة إلى الحجم المادي الكبير للمشاركة العراقية ، فقد كان هناك عامل ثان يتعلق بجوهر العمل العسكري الذي يتأثر عادة بطبيعة التحالفات وشدتها (1).. ومن الواضح أن العراق لم يدخل الحرب كبلد حليف ذي مصالح خاصة متطابقة مع المصالح العامة لمجمل حلفائه ويقاتل لتحقيق المصالح الخاصة من خلال تحقيق المصالح العامة ، ويوازن بين الجهد والربح ، ولا يقدم إلى الحلف سوى الجهد الأدنى مقابل الربح الأقصى ... لكنه دخل الحرب كدولة معنية بالصراع العربي الإسرائيلي ومستعدة لتقديم كل شيء لإسناد الجهد العسكري والاقتصادي العربي ، ولذلك تجاهل كل الاعتبارات وتحديدات العمل وإسقاط الحسابات القطرية من اجل تحقيق الهدف العربي الاستراتيجي العام ، ولو لم يعتبر العراق نفسه طرفا معنيا لا طرفا حليفا فقط ، لما تمت حركة قواته بزخم وسرعة ولأختفت الطبيعة التصادمية التي اتسمت بها عملياتها(2) .. والعامل الثالث المهم الذي يميز المشاركة العراقية ، هو أن القوات البرية والجوية الكبيرة التي دخلت سورية لم تشكل قيادة ميدانية مستقلة ، بل وضعت نفسها تحت تصرف القيادة السورية مباشرة بغية تسهيل عمل هذه القيادة وإعطائها قدرة ومناورة على زجها في المعركة بأسرع وقت ممكن .. ولم يكتف العراق بمشاركته العسكرية فقط ، بل استخدم أيضا سلاحه الاقتصادي ضد كل من ساعد إسرائيل في حربها أو شارك فيها وقدم الشعب العراقي إلى الشعب السوري النفط والمساعدات الاقتصادية والاعتدة ودبابات التعويض ..
كما يكن على علم مسبق بالحرب الأمر الذي جعل القوات المسلحة العراقية تدخل الحرب وفق معطيات وشروط حددت من فعالياتها العسكرية في بداية الأمر وفي بعض المواقف رغم الاندفاع والقدرة القتالية العالية التي أظهرتها وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم ، وهناك مبدأ معروف في الحروب هو أن فعاليات القوات المسلحة في ساحة المعركة لا ترتبط فقط بقوتها وقدراتها وكفاءتها الذاتية ولكنها تتعلق أيضا والى حد كبير بالشروط المفروضة عليها خلال العمل .. و في هذا المجال نشير إلى التحديدات التي رافقت اشتراك الجيش العراقي في الحرب والتي تم تجاوز معظــمها من خلال التعاون والتنسيق بين الجانبين الســوري والعراقي(3) :
1. دخل الجيش العراقي الحرب في الجبهة السورية على ارض لم يستطلعها مسبقا ونفذ واجباته من الحركة في معركة تصادمية تعتبر من أصعب أشكال الحروب وأكثرها تعقيدا ، والحقيقة التي نؤكدها للتاريخ أن الأخوة في القيادة السورية قدموا تسهيلات ومعلومات سهلت كثيرا على الجيش العراقي مهماته وكان التعاون والتنسيق بين القوات العراقية والسورية في أروع أشكاله لان المعركة كانت واحدة والمصير كان واحدا ..
2. دخلت القوات العراقية المعركة بعد تنقل طويل تراوح بين 1200- 1500 كم وهذا بدوره يؤثر بالطبع على راحة الجندي واستعداده البدني ، ومع ذلك كانت معنويات الجندي العراقي مرتفعة لأنه كان متلهفا لمساندة أشقائه ولمواجهة الجندي الإسرائيلي وجها لوجه في ثاني معركة مباشرة وواســعة بينه وبين الجندي الإسرائيلي منذ حرب 1948 ..
3. كانت القوات العراقية المقاتلة في الجولان تؤمن شؤونها الإدارية عبر بغداد ودمشق ومعروف أن مثل هذه المسافة لها تأثير على وصول الإمدادات الإدارية .. ورغم هذه المعضلة إلا أن الإرادة والتصميم بالنسبة للقوات العراقية كانت تتخطى هذه المعضلة وتتجاوزها لأنها كانت تنظر للهدف الأسمى والأنبل وهو دحر العدو وإفشال مخططاته ..
4. دخلت القوات العراقية بسياق عمل يختلف عن ســياق عمل القوات السورية ، ولكن تعاون هيئات الركن في كلا الجانبين ذلل كثيرا من المصاعب وأوجد قواسم عمل مشتركة حققت انسيابية مشهودة خلال المعارك . .
5. تم زج القوات البرية العراقية على الجبهة السورية الضيقة ولم يسمح لها باستخدام مجال عملها الأوسع على الجبهة الأردنية العريضة الأمر الذي حرمها من حرية العمل واختيار مكان الهجمات المقابلة وبالطبع كان هذا التحديد خاضعا لظروف خاصة لا دخل لها فيها ..
6. كما أثرت ظروف دخول الجيش العراقي إلى سوريا على حركة القوات المدرعة العراقية وجعلتها تصل إلى الجبهة تباعا وفرضت ظروف المعركة زجها بالتقـسيط ( بالألوية ) بدل زجها بكتلة ضاربة ( فرقة أو فيلق ) وفق ابسط مبادئ قتال الدبابات في الحرب الحديثة ..
حديث الذكريات
كنا مجموعة من الضباط العراقيين ، من الذين شاركوا في حرب تشرين ، نتحدث عن هذه الحرب ومشاركة الجيش العراقي الباسل فيها بثقل كبير تلبية لنداء الواجب القومي.. قادنا حديث الذكريات إلى ظهر ذلك اليوم (6/ 10 /1973) الذي بدأت فيه القوات السورية والمصرية تعرضها الواسع ضد القوات الإسرائيلية على الجبهتين الغربية والشمالية.. فبعد سماع نبأ الحرب من الإذاعات صدرت الأوامر إلى الجيش العراقي بدخول الإنذار من الدرجة ( ج) وهي أعلى درجــــات الإنذار ، وفي صباح اليوم التالي كانت القطعات العسكرية العراقية ، وخاصة القوات المدرعة تتحرك من مواقعها العسكرية ومنها معسكر التاجي شمال بغداد ومعسكر الورار في الرمادي ومنطقة العمارة جنوب العراق ومن المعـــسكرات في شمال العراق ... الخ باتجاه الحدود الســـورية على السرفات .. وفي وقت لاحق ذكر لي أحد ضباط الارتباط العراقيين ، أن الحكومة السورية كانت تؤكد على أهمية وصول القطعات العسكرية العراقية بأسرع وقت وبأكبر حجم ممكن ، على الأقل فرقتين مدرعتين بكامل دروعهما..
وفي سياق حديثنا هذا تم استعراض سريع لتاريخ الجيش العراقي والأسباب التي أدت بالنتيجة إلى مشاركته في الحرب واتفق الحاضرون على أن الجيش العراقي يعد من أقدم الجيوش العربية بعد الجيش المصري ، فقد تأسس في 6/ ك2 / 1921 عند انبثاق الحكومة الوطنية نتيجة ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني ، ومنذ تأسيسه وهو يتطلع إلى المهام الوطنية والقومية ، وقد نشا نشأة قومية حيث أن معظم ضباطه وعناصره كانوا قد شاركوا في الثورة العربية التي قادها الشريف ( حســـين بن علي ) في الحجاز عام 1916 ضد الحكم العثماني (4) .. لقد تشبع هذا الجيش وتشكيلاته بالروح الوطنية من خلال أبطال ثورة العشرين الذين قاتلوا الإنكليز المســتعمرين طبلة ( 6) اشهر على ثرى هذه الأرض الطاهرة ، ومعارك الفرات الأوسط والناصرية والسماوة خير شــــاهد على ذلك .. ولا زالت أرضـنا في ( الرارنجية ) و( الرميثة ) شاهدا على قتلى الجيش البريطاني من إنكليز وهنود .. بعد ذلك انتقل معظم الضباط العراقيين في جيش الثورة العربية إلى الشام عندما تم تعيين الملك ( فيصل الأول ) ملكا على سوريا وعينوا في الجيش السوري ، والتحق بعضهم بعد انبثاق ثورة العشرين في العراق لقيادة الثورة واخص بالذكر منهم ( جميل المدفعي ) ورفاقه (5) حيث كانوا من المخططين العسكريين لقيادة الثورة .. وبعد تعيين الملك ( فيصل الأول ) ملكا على العراق استصحب معه معظم الضباط العراقيين الذين كانوا معه في سوريا وتسلموا المناصب الرئيسة في هذا الجيش الفتي وعملوا خلال مدة قصيرة على توسيع تشكيلاته وزيادة قدراته القتالية ورفع مستوياته التدريبية ، كما التحق به أيضا عدد من الضباط العراقيين الذين كانوا في الجيش العثماني ..
وفي لقاء سابق مع المرحوم الفريق ( سعيد حمو ) احد قادة الجيش العراقي ، ذكر أن حماس هذا الجيش وتطلعاته القومية ازدادا في عهد الملك ( غازي ) الذي ألهب حماسه بدعوته القومية وتوحيد نضال الشعب العربي ضد المستعمرين الإنكليز ، وبرز منهم قادة كبار منهم العـقـــــيد ( صلاح الدين الصباغ ) والعقيد الركن ( كامل شبيب ) والعقيد الطيار ( محمود سلمان ) والعقيد الركن ( فهمي سعيد ) الذين ساندوا التوجه القومي للعراق ووقفوا إلى جانب الحركة الوطنية ، وكان لهم دور بارز في ثورة مايس عام 1941 التحررية وإسناد حكومة الدفاع الوطني بعد تولي (رشيد عالي الكيلاني ) رئاسـتها خلال الحرب البريطانية العراقية .. وفي عام 1948 نشأت حركة الضباط الأحرار عندما كان الجيش العراقي يقاتل في فلسطين .. وقد تحدث العقيد ( علي خيون ) عن هذا الموضوع فذكر أن أول من أنشا خلايا الضباط الأحرار الشهيد ( رفعت الحاج سري ) والمرحوم الفريق الركن ( نجيب الربيعي )(6) ..
وبعد عودة قطعات الجيش العراقي من فلسطين اتسع تنظيم الضباط الأحرار في عام 1952 وتشكلت الهيئة العليا لحركة الضبــــــــاط الأحرار واللجنة البديلة أو ( القيادة البديلة ) لتكون بديلا عن الهيئة العليا في حالة انكشافها أو إلقاء القبض عليها ، وكان من بين أعضائها ( خالد مكي الهاشمي ) و( جاسم كاظم العزاوي ) و( علاء الجنابي ) ..وجرت عدة محاولات ضد النظام الملكي في الأعوام 1954 و1956 و1957 وكانـــت أخرها في 14/ 7/ 1958 .. حيث أصبح نظام الحكم في العراق جمهوريا ..
الدور العربي للجيش العراقي
ويستمر حديث الذكريات عن المراحل اللاحقة من تطور الجيش العراقي ودوره القومي ، فقد ذكر اللواء الركن ( خليل سعيد ) أن الجيش العراقي شارك بصورة فعالة في حروب تحرير فلسطين في عامي 1948- 1949 على الجبهتين الأردنية والمصرية (7)وفي حرب حزيران على الجبهة الأردنية وفي حرب تشرين 1973 (8) حيث ذكر الحاضرون تفاصيل عن هذه الحرب سنــــــــــشير إليها في سياق الحديث لاحقا .. وفي حديث للفريق الركن الدكتور ( يونس الذرب )ذكر انه بين الأعوام 1976 – 1978، اشتدت الهجمات الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية قام الجيش العراقي على أثرها بإرسال متطوعين من القوات الخاصة العراقية إلى لبنان عبر مصر وليبيا ، ومن هناك تم نقلهم بحرا إلى السواحل اللبنانية حيث شاركوا في القتال إلى جانب الفدائيين الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية ضد القوات الإسرائيلية وابلوا بلاءً حسنا واستشهد بعضهم في تلك المعارك ودفنوا على الأرض العربية(9) ..
كذلك ساهمت وحدات من الجيش العراقي في القتال إلى جانب الصومال في حربها ضد إثيوبيا لتحرير إقليم ( اوغادين ) في السبعينات من القرن الماضي ، والى جانب حركة التحرير الارتيرية في حربها ضد إثيوبيا لتحرير إرتريا ، والى جانب الجيش السوداني في حربه لتحرير الجنوب السوداني (10) ..
أما في مجال التدريب فقد ساهم الجيش العراقي ، كما ذكر بعض الضباط من شهود العيان ، في إرسال بعثاته التدريبية إلى العديد من الدول العربية ، فقد أرسل إلى اليمن ( 7) سبع بعثات أولها كانت في عام 1940 ومنهم الشـــــــهيد النقيب ( جمال جميل ) الذي اعدم في اليمن بتهمة التآمر على الإمام ( يحيى ) مع مجموعة من الضباط اليمنيين ، وأخرها ي عام 1990 .. ويستمر الفريق الركن ( يونس الذرب ) يتحدث عن هذا الموضوع أيضا فيذكر انه تم إرسال (5) خمس بعثات إلى ليبيا خلال الأعوام ( 1953 – 1964 ) وقد كلف اللواء الركن ( عادل احمد راغب ) برئاسة أركان الجيش الليبي وتم تشكيل وحدات الجيش الليبي من قبل البعثات العسكرية العراقية (11) ..والى الأردن تم إرسال (3) ثلاث بعثات خلال عامي 1957 – 1958 ، وقد تم تأسيس كلية الأركان الأردنية في عام 1957 (12)..والى موريتانيا تم إرسال (2) بعثتين في عام 1980/ 1981 وتم تأسيس معظم وحدات الجيش الموريتاني ومدارسه العسكرية ، كما تم إرسال (16) ستة عشرة بعثة إلى السودان خلال الأعوام 1976 – 1999 وقد تم تأســس كلية القوة الجوية والبحرية وكلية الحرب والجناح الجوي في كلية الأركان ..
وهناك بعثات أخرى تم إرسالها إلى ( مصر وسوريا والجزائر وتونس والمغرب وعمان والســـــــعودية والصومال وارتيريا ولبنان وفلسطين ) منذ الأعوام 1948 وحتى عام 1990(13) ..والى جانب البعثات العسكرية التي أرسلها العراق إلى الدول العربية المذكورة فقد استقبل العراق العشرات من البعثات العسكرية في مجال التعاون العسكري واستقبلت كلياته ومدارسه ومعاهده العسكرية الآلاف من الضباط والعسكريين العرب الذين شاركوا في الدورات والدراسات داخل العراق وتخرجوا بعد أن اكتسبوا العلم والمعرفة العسكرية وعادوا إلى بلدانهم ليساهموا في تدريب وقيادة وحداتهم العسكرية وفق أحدث العلوم العسكرية التي درسوها في العراق ..
بعد هذا الاستعراض السريع عما دار في حديث الذكريات عن الدور العربي للقوات المسلحة العراقية تطرق الحاضرون إلى الأبعاد السياسية لهذه الحرب ، لكن الباحث يرى أن لا مجال للإشارة إلى تفصيلاتها هنا خاصة ما يتعلق منها باختلاف وجهات النظر بين القيادات السياسية العربية حول مسالة الحرب والموقف من التطورات السياسية العربية والإقليمية والدولية التي رافقتها وسيكتفي بالإشارة إلى ابرز ما ورد فيها وبما له علاقة فقط بخلفيات مشاركة الجيش العراقي في الحرب ..
خلفيات الموقف السياسي لحرب تشرين
كان العراق لغاية احتلاله عام 2003 يؤمن بأن العمل على تحرير الأراضي الفلسطينية المغتصبة، هو هدف قومي لا ينبغي إسقاطه من أجل هدف قطري، وأن تحرير الجولان والعريش ونابلس سيفقد قدسيته إذا كان الثمن التخلي عن حيفا ويافا وعكا للمستوطنين الإسرائيليين (14) ..كما كان تقدير القيادة العراقية أن طبيعة العدو الإسرائيلي وتحالفا ته تحتم توحيد الجهد العربي في كافة مجالاته السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية ، وعلى هذا الأساس بدأ التحرك العراقي فتم إعداد مشروع لعرضه على القمة الثلاثية التي كان مقررا لها أن تعقد في طرابلس في شهر تموز 1970 ، بين الرؤساء احمد حسن البكر وجمال عبدالناصر ومعمر القذافي ، وكان هذا المشروع يؤكد على ضرورة جعل ميدان المعركة ميدانا قوميا والعمل لتحرير جميع الأراضي المحتلة بما فيها ارض فلسطين العربية .. كان تقدير الرؤساء الثلاثة ينطلق من اعتبار أن الظروف الدولية لا تستطيع إيقاف هذا التحرير إذا كانت هناك قيادة واحدة وإرادة واحدة تملك حرية التخطيط وحرية العمل في الميدان ، وقبل انعقاد المؤتمر قدم ( ويليام روجرز ) وزير الخارجية الأمريكي مشروعه المعروف برسالة وجهها إلى وزير الخارجية المصري محمود رياض في 19 / 6 / 1970 ..
وتمت أولى جلسات مؤتمر القمة قبل إعلان موافقة مصر على المبادرة الأمريكية وطرح الرئيس البكر المشروع الوحدوي التحريري العراقي ولكنه فقد امكانات تطبيقه عندما وافقت الأردن ومصر على المبادرة الأمريكية واضطر العراق إلى
سحب قوات صلاح الدين من الأردن حتى لا يكون طرفا في مثل هذه التسويات خاصة بعد إلغاء الجبهة الشرقية (15) ..
في آذار 1972 جرت محادثات بين مسئولين عراقيين ومصريين وسوريين في دمشق والقاهرة وعرض مشروع وحدة مقاتلة وكان محور هذا المشروع تحرير فلسطين لكن هذه المحادثات لم تسفر عن نتيجة ايجابية بسبب خلافات في وجهات النظر بين الأقطـار الثلاثة حول هذا الموضوع ..
في كانون الثاني عام 1973 عرض العراق أمام وزراء الخارجية والدفاع العرب مشروعاً اقتصادياً وسياسياً ذا نتائج عسكرية وكان المشروع يتعلق باستخدام البترول كسلاح لإيجاد أرضية سياسية ونفسية للحرب ، وكانت وجهة النظر العراقية تتلخص في ضرورة إعداد الجماهير العربية عن طريق تأميم الحصص الأمريكية في شركات النفط وتهديد الدول الغربية بالتأميم وقطع النفط إذا ما وقفت هذه الدول إلى جانب إسرائيل ، لكن هذا المشروع لم يلق آذاناً عربية صاغية لأسباب معروفة تتعلق بطبيعة بعض الأنظمة العربية وسياساتها المرتبطة بالقوى الأجنبية .. إضافة لما ذكر فقد تقدم العراق بعدة مشاريع وقام باتصالات مستمرّة لاستقطاب الدول العربية حول وضع قواعد عمل عسكرية عربية مشتركة تحدث تبدلا نوعيا في القدرات العربية وتخلق أسسا مادية واقتصادية ومعنوية يمكن الانطلاق منها نحو التحرير .. ، وعلى التوازي مع هذا الجهد العراقي ، كانت مصر وسوريا تعدّان العدّة لخوض الحرب بصـــــــــــورة مشتركة مستـــــبعدتين العراق عن خططهما (16) ..
كان التصوّر المصري السوري للمعركة مبنيّاً على أن مصر ستعمل على اجتياز قناة السويس بصورة مباغتة بقوّة هجوميّة ونيران كثيفة وبإسناد واسع من سلاح الجو المصري وبمشاركة أعداد من الطائرات العراقية التي كانت موضوعة بإمرة قيادة سلاح الجو المصري لتدمير خط بارليف والتحرك شرقا لتفرض على القوات الإسرائيلية حرب استنزاف متحركة ، وفي نفس الوقت يقوم السوريون بهجوم يحررون من خلاله هضبة الجولان ويدمرون قوات العدو المتحركة فيه، ثم يقيمون خطا دفاعيا عند حدود نهر الأردن لصد هجمات القوات الإسرائيلية المقابلة التي ستقوم بها قوات الاحتياط بعد استكمال تعبئتها خلال 72 ساعة ..
ويذكر كتاب ( حرب رمضان ) الذي قدم له الرئيس الراحل أنور السادات هدف الحرب بقوله : كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعملية هجوميّة إستراتيجية مشتركة تنفذ بالتعاون مع القوّات السورية وتقوم مصر باقتحام مدبّر لقناة السويس وتدمير (خط بارليف) والاستيلاء على رؤوس جسور بعمق 10 – 15 كم على الضفة الشرقية وتكبيد الإسرائيليين أكبر خسارة ممكنة وصد وتدمير هجمات وضربات قواتهم المقابلة والاستعداد لتنفيذ أية مهمات قتالية تكلف بها القوات المصرية فيما بعد ، أما سوريا فتشن الهجوم وتخترق دفاعات العدو في الجولان، وتقوم بتشتيت قواته ، وتدميرها إلى الخط - نهر الأردن ، الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا – (17)..
وكان من المنتظر بعد ذلك أن يتدخل مجلس الأمن لإيقاف القتال ، بعد أن تخلق القوات العربية حقائق جديدة تعيد ألازمة إلى بؤرة الاهتمام العالمي (18)..ولما كان العراق غير موافق على هذا الهدف الاستراتيجي للحرب ، ولا يعتبر تطبيق قرار مجلس الأمن في الأساس صالحا لتسوية النزاع ، فقد حجبت القيادتان المصرية والسورية عن القيادة السياسية العراقية جميع المعلومات الخاصة بالأعداد للمعركة (19) ..
وفي السياق نفسه اعتقد المصريون والسوريون أن ظروف العراق لن تسمح له بالمشاركة في القتال ، لوجود التهديد الإيراني للحدود الشرقية ، وعدم استقرار الحل السلمي للمسألة الكردية وان هذين السببين سيمنعانه من القدرة على تحريك قواته إلى الجبهة إضافة إلى أن مدة إنجاز الواجب من قبل القوات السورية ستكون قصيرة إلى حد يجعل أية قوات يدفعها العراق إلى الجبهة ستصل بعد وقف القتال، أو بعد تصفية القوات المعادية في(الجولان) على الأقل ..
أما القيادة العراقية فكان لها رأي آخر ، فرغم تقييمها لطبيعة الحرب وهدفها كانت ترى أن هذا الهدف يختلف عن الهدف الذي يخطط العراق لتحقيقه ومع ذلك قررت المشاركة الفعلية في الحرب لأسباب تم دراستها وتحليلها كان في مقدمتها ، كما ذكر معاون رئيس أركان الجيش العراقي في حينه ، هو الأيمان المطلق بان المعركة قومية حتى لو لم يستدعى العراق للمشاركة فيها وان القوات المسلحة العراقية هي في خدمة الأمة العربية حيثما تعرضت للعدوان أو كان هناك قتال ضد أعدائها ، وان أخوة السلاح التي تنمو وتكبر تحت النار ستخلق بالتأكيد نوعا من الوحدة العفوية العملية بين المقاتلين العرب وربما تهيئ الأجواء مستقبلا لنوع من التوجه الوحدوي على الأقل في ظروف العدوان الأجنبي أيا كان مصدره ..
وما أن اتخذ العراق قراره بالمشاركة في الحرب حتى اتصل الرئيس احمد حسن البكر بالرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد هاتفيا واعلمهما أن العراق قرر إشراك جزء من طيرانه في المعركة إلى جانب سورية وان القوات الجوية العراقية مستعدة لتلبية كل طلبات جـــناح ال( هوكر هنتر ) الموجود في مصر منذ السادس من نيسان 1973 ، فأعرب الرئيسان المصري والسوري عن ارتياحهما وشكرهما (20) وصدرت الأوامر إلى قيادة القوة الجوية والدفاع الجوي العراقية بالعمل الفوري على تنفيذ أوامر القيــادة العراقية وبدأت آلة القوة الجـوية بالدوران ..
في ليلة 6-7 /10/ 1973 وضعت القوات البرية العراقية بالإنذار وصدر الأمر إلى آمر اللواء الآلي الثامن بالحركة نحو الحدود السورية في صباح 7/10 كتدبير استباقي للدخول فورا إلى ساحة المعركة بعد حصول موافقة الحكومة السورية ، في اجتماع يوم 7/ 10 اتخذت الحكومة العراقية أربعة قرارات مهمة هي :
1. تأميم حصة أمريكا في شركة نفط البصرة واعتبار ذلك شرارة المعركة السياسية النفطية ضد الولايات المتحدة كونها شريك فعلي في الحرب ضد الأقطار العربية وداعم رئيس لإسرائيل بالأسلحة ، ويأتي هذا الأجراء تطبيقا لشعار استخدام النفط كسلاح في المعركة القومية ..
2. إرسال مزيد من القوات الجوية على وجه السرعة إلى الجبهة الشمالية لدعم القوات السورية وإسنادها ..
3. إرسال اكبر ما يمكن من القوات البرية ، وخاصة المدرعة منها ، إلى سوريا على وجه السرعة ..
4. إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران ، ودعوتها إلى حل المشاكل بين العراق وبينها بالطرق السلمية ، وعن طريق المفاوضات ، لتامين الجبهة الشرقية للعراق(21) وفي السياق نفسه ذكر تقرير عن حرب تشرين (22) أن العراق سارع إلى الاتصال بالاتحاد السوفيتي طالبا منه الضغط على إيران لكي لا تستغل سحب قطعات من القوات العراقية وإرسالها إلى سوريا ، وبالفعل وجه الاتحاد السوفيتي تحذيرا إلى إيران من مغبة استغلال الظروف والاعتداء على العراق وحرك السوفيت بعض قطعاتهم العسكرية نحو الحدود الإيرانية ..
ويضيف التقرير : وهكذا تسنى للعراق إرسال المزيد من القوات العراقية إلى سوريا ولعبت دورا مشهودا في إيقاف زحف المدرعات الإسرائيلية نحو دمشق (23) ..
وفي صباح يوم 7/10 ، وعندما كانت كتائب اللواء الآلي الثامن في طريقها إلى سوريا ، أرسلت الحكومة العراقية إلى الحكومة السورية برقية تعلمها فيها عن قرار العراق بوضع كل ثقله العسكري البري والجوي في خدمة المعركة ، وقابل السفير العراقي نائب رئيس الحكومة السورية في صبيحة نفس اليوم وابلغه مضمون البرقية .. وكان جواب الحكومة السورية في اليوم نفـــــــسه : ( أنها تلقت النبأ بشكر واعتزاز وأنها ترجو معرفة موعد التحرك وحجم القوات ونوعيتها ) (24) ..وفي مساء نفس اليوم قابل السفير العراقي الرئيس الراحل حافظ أسد الذي ( أبدى شكره واعتزازه بقرار الرئيس والقيادة في العراق بشان القرار القومي التاريخي بمشاركة العراق بكل ثقله في المعركة .. وأعرب عن أمله في وصول القوات العراقية بأسرع وقت ممكن وبأكبر حجم ممكن .. ورجا معرفة موعد تحركها وتعدادها ونوعيتها .. وأشار بان سوريا بحاجة لدبابات تي 54 وتي 55 إضافية )(25) .. وبينما كان السفير العراقي يقابل المسئولين السوريين ويتلقى تحيات الشكر ، كان جنود الجيش العراقي يحزمون أمتعتهم ويملئون خزانات الدبابات والعربات المدرعة بالوقود ويحملون صناديق القنابل في الشاحنات وينظفون أسلـــــــــــحتهم ويتهياون للحركة عند صدور الأمر بذلك ..ومرة أخرى قابل السفير العراقي في اليوم نفسه وزير الخارجية السوري بناء على طلبه وأكد له الوزير : ( على أهمية وصول القطعات العسكرية العراقية بأسرع وقت ممكن وبأكبر حجم ممكن ورجا أن لا تقل عن فرقتين بكامل دروعهما ) (26) ..
تحشد القوات العراقية
عندما اتخذت القيادة العراقية قرار المشاركة الفعلية في حرب تشرين والتحول من دولة مشاركة إلى دولة مواجهة ، وجدت القيادة العسكرية نفسها أمام معضلة إستراتيجية تتمثل في نقل قواتها من العمق السوقي ( ألاستراتيجيي ) إلى العمق ألعملياتي والتعبوي وتامين الحشد المطلوب في ساحة المعركة تحت ضغط عامل الزمن .. وكانت هذه القيادة تعرف أن الحروب العربية الإسرائيلية تدور ضمن مهلة زمنية محدودة تفرضها طبيعة الصراع وحساسية المنطقة التي تدور فيها المعارك وتأثير القتال على الأمن والاقتصاد العالميين وتعي جيدا أن المشاركة العسكرية في القتال لن تكون فعالة إلا إذا تمت بحجم مناســب وفي الوقت المناسب (27 ) ..
وكان تحشيد القطعات العراقية من مقراتها ومعسكراتها الموزعة في عموم العراق ومن ثم انتقالها الاســتراتيجي السريع يشكل معضلة متعددة الوجه أبرزها :
1. انتشار القطعات البرية : من المعروف أن هذه القطعات لم تكن محتشدة أو قريبة من الحدود السورية العراقية قبيل اندلاع الحرب ، بل كانت منتشرة في مقرات ومعسكرات بعيدة وموزعة في معظمها قرب الحدود الشرقية للعراق بسبب الوضع المتوتر مع إيران وعدم حسم المسالة الكردية ، لذلك اتخذت القيادة العسكرية سلسلة من الإجراءات الفورية حول إعادة انتشار هذه القطعات وتنقل البعض منها من العمق السوقي إلى مناطق تجمع في وسط وغرب العراق ..
2. طول مسافة الحركة : لقد فرض انتشار القوات وبعد العراق عن جبهة القتال مع العدو الإسرائيلي عاملا مهما هو طول مسافة الحركة مما اضطر القيادة العسكرية العراقية إلى نقل بعض القطعات بالطائرات من معسكراتها البعيدة إلى قاعدة الوليد الجوية غرب العراق ونقل باقي القطعات على مراحل وتجميعها في أماكن قريبة من الطريق الدولي ( بغداد – الرمادي – الرطبة – أبو الشــامات – دمشق ) الذي يبـلغ طوله حوالي (1000) كم ، في حين تم تحريك ألوية المشــاة المتمركزة في شمــــال العراق إلى التنقل عبر مـــحور ( الموصل – حلب – دمشق ) ..
3. ضخامة القوة المتحركة : حرك العراق إلى سوريا منذ يوم 7/10/ 1973 وحتى يوم 24/10 قوات عسكرية ضخمة ، ولقد عبر اللواء الركن (إسماعيل تايه ألنعيمي ) معاون رئيس أركان الجيش العراقي لشؤون العمليات آنذاك ، والذي كان قد وصل إلى دمشق جوا في 8/ 10 لاستقبال القوات العراقية ، عن ضخامة القوة المتحركة من العراق إلى سورية بان قال لوزير الدفاع الســـوري اللواء ( مصطفى طلاس ) : ( لقد جاءك جيش بدايته في الشام ونهايته في بغداد ) (28)..والحقيقة التي تم معايشتها شخصيا في تلك الفترة هي أن الارتال العسكرية العراقية التي بدأت بالتنقل إلى سوريا ، كان قسم منها محمولا وقسم منها على السرفات ، وكانت ذيولها الإدارية تمتد من بغداد إلى معسكراتها في الرمادي والموصل والعمارة وشرق العراق وغيرها من ألاماكن على شكل أصابع الكف ..
4 . نقص وسائط الحركة : في ضوء توجه العراق بالتحول من دولة مشاركة إلى دولة مواجهة فقد عملت القيادة العراقية على إعطاء اهتمام اكبر لمسألة رفع مستوى حركية القوات المسلحة ، وهذا ما دفعها بالفعل إلى البدء بمكننة القوات البرية وتوسيع الاهتمام بالنقل الجوي وتعزيز شبكة المواصلات الداخلية ، ومع هذه الإجراءات إلا أن عدم وجود خط استراتيجي لسكة الحديد بين دمشق وبغداد ومحدودية استيعاب طرق الاتصال البري الجيدة المتوفرة بين العراق وسوريا حددت من عملية تنقل القطعات على هذه الطرق ، الأمر الذي أدى إلى تزاحم الارتال خاصة على الطريق الرئيس ( بغداد – أبو الشامات – دمشق ) وكان من الممكن أن يؤدي هذا إلى وقوع خسائر كبيرة لو أن الطيران الإسرائيلي كان محتفظا بفاعليته الأساسية وانهماكه بالقتال على الجبهتين السورية والمصرية بالإضافة إلى عامل آخر يعتقد الباحث بصحته وهو أن معلومات العدو الاستخبارية عن سرعة التحشد العسكري العراقي كانت قليلة أو غير دقيقة ..
5. حماية الارتال من الضربات الجوية : كان محور تقدم القطعات العراقية أرضا مكشوفة وكان القسم الواقع منه داخل الأراضي السورية يقع ضمن مدى عمل القوة الجوية الإسرائيلية ، كما لم يكن الجيش العراقي قد حصل بعد على صواريخ ارض - جو سام 6 المتحركة أو علــــــــى صواريخ الكتف ارض – جو / سام 7 ( ستريلا ) وكانت الحماية تعتمد على الرشاشات والمدافع المضادة للطائرات ، ومع ذلك فان الباحث ( كونه شاهد عيان ومشارك في الحرب ) لم تؤشر لديه معلومات بتعرض هذه القوات إلى هجمات جوية إسرائيلية مؤثرة ولا يستبعد أن تكون الطائرات الإسرائيلية قد قامت باستطلاع حركة القوات العراقية بعد وصولها إلى سوريا ..
6. الحماية من كمائن القوات المحمولة جوا : كانت لدى القوات الإسرائيلية إمكانية عسكرية للقيام بعمليات محمولة جوا أو بإجراء عمليات إنزال خلف خطوط القوات العربية من خلال لوائين محمولين جوا باستخدام طائــــرات ســـمتية نوع ( سوبر فرلون ) الفرنســـــــــــــــــية و( سيكوريسكي ) الأمريكية ، لذلك تحسبت القيادة العسكرية العراقية لهذا الاحتمال وزادت من اجراءات الحيطة والحذر ضد هذه العمليات ..
ورغم هذه المعضلات والعقبات التي اعترضت أو كان من المتوقع أن تعترض القوات العراقية خلال تنقلها فقد نفذت عملية التنقل الإستراتيجية بكفاءة وسرعة جيدتين واستطاعت التغلب على جميع المعضلات بسبب عوامل عديدة أبرزها وقوف القيادة السياسية وراء عملية التحشد ودعمها لها ماديا ومعنويا والتزام المقاتلين العراقيين بالتعليمات الصادرة بهذا الخصوص وتفانيهم في أداء واجبا تهم وحالة الاستعداد الجيدة التي اتسمت بها القوات العراقية والإعداد الإداري الجيد للمعركة وارتفاع مستوى التدريب للضباط والمراتب والكوادر الفنية وفهمهم الكامل لمشكلات التنقل وكيفية التغلب عليها وارتفاع مستوى الصيانة الفنية للآليات مما انقص الأعطال إلى الحد الأدنى ومنع تساقط الآليات أو تخلفها خلال الحركة الطويلة التي زادت عن ألف كيلو متر في ظروف بالغة الدقة والتعقيد (29)..
واستكمالا لعملية التحشد تم في يوم 8 تشرين أول 1973 فتح مقر للعمليات في ديوان وزارة الدفاع العراقية ، ثم نقل إلى مقر بديل آخر وتم حشد (5) خمسة أسراب من الطائرات في مطاري الضمير ودمشق الدوليين وأرسلت على الفور إلى العاصمة السورية أيضا ناقلات حوضية لمشتقات النفط وبدأت القطعات العسكرية بالحركة من مناطق تحشدها أو تدريبها إلى سوريا وكان أولها إرسال فوج حماية قاعدة ابن الوليد ثم تبعه لواء مشاه آلي ، وكان التنقل يجري على سرفات الدبابات وعجلات القتال المدرعة لكسب الوقت في الوصول بسرعة إلى الجبهة السورية لان الموقف العسكري ، كما اخبر بذلك ضابط الارتباط السوري،، كان يتطور بسرعة بعد يوم 8 تشرين الأول 1973..
وقد قامت ارتال عجلات الإدامة بنقل (50) خمسين ألف طن من مواد الإدامة المختلفة كالأرزاق والعتاد والوقود والمواد الاحتياطية والملابس والتجهيزات.. الخ وحسب معلوماتنا لم يحصل خلال عملية التحشد الكبيرة والسريعة هذه والتي جرت بحماية مظلة جوية عراقية ، أي حادث مهما كان نوعه بفضل الله تعالى ، ولم تتوقف أية عجلة لنقص الوقود ولم يفتقر أي سلاح للعتاد..
خلاصة القول أن معركة التحشد أنجزت بشكل رائع اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء ، حتى أن إذاعة لندن ذكرت ما يأتي : ( إن إحدى المفاجآت الكبرى في حرب الشرق الأوسط هي تمكن العراق من تحشيد فرقة مدرعة عبر مسافة ألف كيلومتر وزجها في المعركة في الأيام الأولى من الحرب ممَّ قلب خطط الإسرائيليين ومنعهم من تحقيق كل أهدافهم في هذه الجبهة)(30) وقد أكد هذا التحليل ، المعلق العسكري الإسرائيلي (زئيف شيف) الذي قدم تحليلاً لنتائج الحرب ألقى فيها مسؤولية الفشل على الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في إعطاء إنذار مبكر للهجوم على الجبهتين المصرية والسورية ، وأورد رأياً حول اشتراك القوات العراقية في الحرب ، قام الباحث بترجمته في حينه من العبرية إلى العربية وينقل للقارئ الكريم نصه بالحرف ، حيث قال: (لقد شكل اشتراك القوات العراقية في الحرب من جهة الشرق مفاجأة للقيادة العسكرية الإسرائيلية ، التي لم تكن تعرف ميدانيا قدرة القوات العراقية إلا من خلال ما ذكر عن كفاءتها وقدراتها القتالية في مصــادر المعلومات العلنية )(31) وأضـاف : ( وقد أجبرت هذه المفاجأة العراقية ، القوات الإسرائيلية على فرز قوات كبيرة لمواجهة القوات العراقية مما أحدث تحولا في مسيرة الحرب وابعد دمشق عن مطارق المدفعية الإسرائيلية) (32)..
حجم القوات العراقية
بلغ حجم القوات البرية والجوية العراقية التي تم حشدها لأغراض المشاركة في الحرب :
فيلق مدرع ، فرقة مشاة آلية ، لواء قوات خاصة ، خمسة أســــــراب جوية مقاتلة / قاصفة وأسراب من طائرات النقل الجوي وطائرات الهيلكوبتر ، وقد زاد مجموع هذه القوات عن (60)ستين ألف مقاتل و(700) سبعمائة دبابة ومئات العربات المدرعة وآلاف سيارات النقل و(12)اثنتي عشرة كتيبة مدفعية ، كانت موزعة على النحو الآتي(33) :
القوات البرية العراقية
1-الفرقة المدرعة الثالثة أو كما كانت تسمى ( قوات صلاح الدين ) : بقيادة العميد الركن محمد فتحي أمين الكواز وتألفت من :
أ . اللواء المدرع 12 ( لواء ابن الوليد) : بقيادة العقيد الركن سليم شاكر الإمام ، وقد شارك هذا اللواء في بداية المعارك بكتيبة دبابة المعتصم وكتيبة دبابات قتيبة والمشاة الآلي ثم أعقبها بكتيبة دبابات القادسية ..
ب. اللواء المدرع السادس : بقيادة المقدم الركن غازي محمود العمر حيث كانت وحدات اللواء متواجدة في مناطق التدريب بالورار غرب الفرات ضمن محافظة الانبار العراقية ، وعند صدور الأمر إليها بالتحرك إلى الجبهة بدأت وعلى الفور تحركها على سرف الدبابات والناقلات إلى الكيلو 160 بسبب قلة ناقلات الدبابات ومن ثم واصلت تقدمها باتجاه الحدود السورية فجبهة القتال ..
ج . لواء المشاة الآلي الثامن : بقيادة العقيد الركن محمود وهيب وشاركت جميع وحدات اللواء في المعارك بالرغم من تأخر وصول فوج ناقـص ســــــرية يوم 16 / 10 / 1973 .. 2 . الفرقة المدرعة السادسة : وتألفت من ( اللواء المدرع الثلاثين واللواء المدرع الـــسادس عشر ولواء المشاة الآلي الخامس عشر ) ..
3 . فرقة المشاة الآلية الخامسة : وكان من بين وحداتها ، لواء المشاة الآلي العشرون بقيادة العقيد الركن سلمان باقر ، وكان هذا اللواء يتواجد في مدينة العمارة جنوبي العراق وتحرك على السرفات مدة ثمانية عشرة ساعة بدون توقف ، ووصل(الغوطة) يوم 15 / 10 / 73 ، وقد شارك اللواء في معظم المعارك وبلغت تضحياته 15 شهيدا و 40 جريحا ..
4 . فرقة المشاة الرابعة : وكان من ابرز ألويتها التي شاركت بشكل مشرف في الحرب هو لواء المشاة الخامس الجبلي بقيادة المقدم الركن عبدالجواد ذنون وكانت معاركه مشهودة في هضبة الجولان وجبل الشيخ ، كما شاركت مع الفرقة وحدات أخرى ساندة ألحـــقت بها في وقت لاحق ..
القوة الجوية العراقية
أما بالنسبة لمشاركة القوة الجوية العراقية في الحرب فقد تم إدخالها بالإنذار الفوري فور سماع أخبار الحرب من الإذاعات و خصصت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية جهدا جويا كبيرا لإسناد وخدمة القوات المشاركة في العمليات العسكرية وكما يأتي (34) :
90 مطاردة معترضة ميك 21
60 قاذفة مقاتلة هجوم ارض سوخوي/7
30 قاذفة للهجوم الأرضي ميك17
36 قاذفة مقاتلة هجوم ارضي هوكر هنتر
24 طائرة قوامها (2) سرب كانت موجودة في مصر قبل بدا الحرب وشاركت في الضربة الجوية الأولى ضد الأهداف الإسرائيلية في سيناء .
8 قاذفات متوسطة / تي يو 16
أما بالنسبة لطيران النقل فقد كان عدد طائراته 31 طائرة موزعة على النـحو الآتي
4 طائرات خفيفة انتو نوف 2
7 طائرات نقل ثقيلة انتو نوف 12
10 طائرات خفيفة انتو نوف 24
8 طائرات نقل اليوشن 14
2 طائرة نقل خفيفة هيروف 16 (بريطانية)
وقد بلغت ساعات طيران النقل الجوي لصالح العمـــــــــــليات من 7/ 10 لغاية 3 / 11 /1973 ، (862) ساعة منها (121) ساعة على الجانب المصري و (394) ساعة على الجانب السوري والجهد الجوي الآخر كان مخصصا لأغراض الإدامة والارتباط والواجبات الأخرى حيث تم نقل(1800) شخص وحمولات بزنة(671) طن موزعة على (219 ) طن لإسناد الجناح العراقي في مصر و(452) لإسناد الأسراب العاملة في سورية ..
وكان العراق يمتلك( 8 ) قاذفات قنابل( تي يو 16) حمولة كل منها( 72 )طن بالطلعة الواحدة ولم يشترك سرب القاذفات( تي يو22) في الحرب بسبب عدم استلام أجهزتها من الاتحاد السوفيتي السابق إلا بعد انتهاء الحرب ..
أما الطائرات السمتية التي تم وضعها بالإنذار أو التي شاركت فعلا بالحرب من خلال تنفيذها لمهمات قتالية أو لوجستية فكانت :
83 طائرة خفيفة مي / 1
35 طائرة مهمات مي / 4
29 طائرة نقل متوسط مي / 8
10 طائرة بركس(بريطانية الصنع)
5 طائرات ألويت (فرنسية الصنع) .
القوات الإسرائيلية في الجولان
قبل التطرق إلى خلاصة عمليات القوات العراقية على الجبهة السورية نشير باختصار شديد أيضا إلى ما جرى في هذه الجبهة من فعاليات عربية وإسرائيلية ، وهذ المعلومات مستقاة من مصادر عربية وخاصة لذلك اقتضى هذا التنويه ..
كانت القوات السورية تواجه القوات الإسرائيلية عبر خط متعرج طوله (70) كم ، تتخلله سلسلة جبال وعرة ، صخرية ، حادة الارتفاع ، وهي ما يعرف باسم (هضبة الجولان ) ..
وبعد عام 1967، ركز الإسرائيليون على تحصين مواقعهم في القطاع الشمالي من الجبهة لما يمثله من أهمية استراتيجية بالنسبة للجبهة السورية ، لأنه لو احتلتها سوريا سيمكنها ذلك من الانحدار جنوباً لتلتف حول خطوط الدفاع الإسرائيلية في القطاعين الجنوبي والأوسط مع ما سيترتب عليه من مضاعفات أخرى ستشمل تهديد شمال فلسطين المحتلة ، وسهل الحولة ، والجليل الأعلى إضافة للسيطرة على مصادر المياه التي تصب في نهر الأردن، كما أنه من الناحية التعبوية ( التكتيكية ) منح هذا القطاع القوات الإسرائيلية القدرة على الحركة والمناورة ، فإذا أرادت إتباع مبدأ الهجوم تكون الأوضاع مهيأة لها، وإن أرادت الدفاع سيكون بمقدورها ذلك لأن الوضع في هذا القطاع يعطيها نوعاً من السيطرة على القوات السورية العاملة في مواجهتها ويمكن للصهاينة تهديد دمشق.
وهكذا اندفعت القوّات السورية خلال هجومها في الجولان على ثلاثة محاور رئيسية :
1- المحور الشمالي . 2- المحور الأوسط . 3- المحور الجنوبي ..
الهجوم السوري
للعلم نود الإشارة إلى أن ما نقدمه هنا من معلومات وأحداث عن المعارك التي دارت في الجبهة السورية هو خلاصة موجزة بقدر ما تم الحصول عليه من معلومات من شهود العيان العراقيين الذين شاركوا في القتال والمراجع العربية التي قامت بنشر بعض من هذه المعارك لكن تفاصيل العمليات وسير المعارك تحتفظ بها القيادة السورية لذلك وددنا التنويه إلى هذا الأمر كما أننا نعتذر عن أي خطا قد يكون ورد في المعلومات أو تسلسل الأحداث وطبيعتها للسبب المذكور ..
في يوم 6 / 10 / 1973 وبعد قصف تمهيدي بالمدفعية والطيران دام حوالي 90 دقيقة اشتركت فيه حوالي (140) بطارية مدفعية ميدانية، ومدفعية صاروخية ، (كاتيوشا) ، وحوالي (100) طائرة ميغ 21 و سوخوي 70 اندفعت القوات السورية لسحق دفاعات (خط ألون) الممتدة على طول الجبهة الشرقية لهضبة الجولان من (مجدل شمس) شمالاً وحتى (وادي اليرموك) جنوباً . وبعد ساعة من بدء الهجوم استطاعت فرق المشاة الآلية / الميكانيكية اجتياز الخندق المضاد للدبابات بمساعدة البلدوزرات، وجسور الاقتحام (دبابات حاملة جسور)، وبأسلوب الحرب الخاطفة وبقيت يوم 6 / 10 / 73 وليلة 6 – 7 / 10 / 73 وفي صباح يوم 7 / 10 /73 كانت القوات السورية قد اخترقت الجبهة في أكثر من موقع واحتلت (الجوخدار) و(الخشنيّة) ودمرت اللواء (37) الإسرائيلي بشكلٍ كامل، كما دمّرت جزءاً من اللواء المدرّع السابع ولواء (غولاني) ..
في الساعة 830. من صباح يوم 8/10 بدأ الإسرائيليون هجومهم المعاكس بـ (3) ألوية مع تركيز الجهد الرئيسي على المحورين الأوسط والجنوبي، ودارت في الفترة من 8 إلى 10 تشرين أول معارك عنيفة قرب (القنيطرة)، و (سنديانة) و (كفرنفاخ)، و (الخشنية)، و (الجوخدار)، و (تل الفرس)، و (تل عكاشة)، وكان السوريون يتمتعون خلال هذه المعارك بتفوق في المدفعية والمشاة، في حين كان العدو متفوقاً بعدد الدبابات المستخدمة نظراً للخسائر التي أصابت الدبابات السورية ، وانضمت إلى الطيران السوري أسراب من الطائرات العراقية وبدأت تنفيذ واجباتها منذ صباح يوم 7/10/73 لتقوم بدعم وإسناد القوات البرية ..
ومنذ صباح يوم 8/120/73 تحوّل ميزان القوى بالدبابات لصالح العدو، لأن القوات السورية لم تعد تملك قطعات دبابات سليمة ولم تشترك في القتال العنيف من قبل سوى (3) ألوية في حين دفعت القوات الإسرائيلية قواتها الاحتياطية والتي قدرت بـ (6) ألوية مدرعة سليمة لم تشترك في القتال.
وفي مساء يوم 10/10/73 ظهر أمام القيادة الإسرائيلية وضع جديد يتطلب قراراً سياسياً على أعلى المستويات، فقد وصلت قواتها في معظم أجزاء الجبهة السورية، ولم يعد أمامها لاحتلال (الجولان)، سوى الضغط باتجاه منطقة (القنيطرة)، لدفع القوات السورية إلى ما وراء خط وقف إطلاق النار .
واتخذت ( جولدا مائير)، قراراً باحتلال دمشق، حيث عارض هذا القرار (موشى دايان) وصدر الأمر ً باستئناف الهجوم . وفي صباح يوم 11/10/73 استؤنف الهجوم والتقدم باتجاه (دمشق) وتهديدها في محاولة لإجبار السوريين على طلب وقف القتال ..
الاستعداد الإسرائيلي للهجوم المقابل
في صباح يوم 11/10/73، كان قادة العدو الإسرائيلي يعتقدون أن نجاح قواتهم في (خرق) الخط الدفاعي السوري الأول سيؤدي إلى انهيار الجبهة كاملة، ويرجع هذا الاعتقاد إلى خبرة حرب (حزيران 67) التي رسّخت في أذهانهم الواهمة وغرورهم أن (خرق) أي جبهة عربية في نقطة من النقاط سيؤدي إلى انهيار الجبـهة بشكل آلي ، ومع فشل هذا الوهم لاحقا كما أثبتته معارك الجيشين العراقي والسوري لكننا نشير إلى أن (الخرق) الإسرائيلي للجبهة في القطاع الشمالي من الجبهة يوم 11/10/73، وتعميق هذا الخرق، في يوم 12/10 كان يمكن أن يؤديا إلى تغيير التوازن الاستراتيجي للجيش السوري لولا خمسة عوامل مهمة هي :
1- صمود الفرقتين الآليتين السوريتين ( 7 و 9)، والقوات المدرعة السورية التي دعمتها على محور(سعسع) ..
2- صمود الفرقة الآلية السورية الخامسة عند الرفيد، على المحور الجنوبي ..
3- وصول اللواء المدرع العراقي (12) إلى منطقة (الفجوة) ليلة 10/10/73، وانطلاقه مع جزء من اللواء الآلي العراقي (8) لمهاجمة مجموع ألوية (لانر) في يوم 12/10/73، رغم عدم تكافؤ القوى، الأمر الذي جعل الإسرائيليون يقدرون القوى العراقية بأكبر من حجمها ويلجئون للدفاع بدلاً من الهجوم عبر الفجوة ..
4- اقتراب خط الاشتباك من شبكة الصواريخ (أرض – أرض) السورية المنتشرة جنوبي دمشق بشكل حد من عمل الطيران لدعم الهجوم، أو إيقاف ألأرتال العراقية المتقدمة نحو خطوط الاشتباك ..
5- صعوبة الأرض على محور (القنيطرة)، (سعسع - دمشق) وعدم صلاحيتها لحركة قوات مدرعة كبيرة ، ورغم هذه العوامل فقد بقي الوضع في يومي 13و14/10/73 حرجاً إلى حدٍ ما ، خاصّة بعد أن بدأ العدو إخراج مجموعة ألوية (بيليد) وزجها في الجبهة، واستـخدام اللواء المدرع (20) في دعم ألوية (لانر) ..
قامت مجموعتا ألوية (لانر) و(رفول)، بعدة محاولات لخرق الدفاع على المحور الشمالي دون جدوى، وفي يوم 14/10 وقع تطور مهم على الجبهة المصرية ، فقد طلب السوريون من القيادة المصرية مواصلة الهجوم العزوم ضد العدو من الجنوب لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وبدأت معارك عنيفة بالدبابات على الضفة الشرقية لقناة السويس، الأمر الذي أجبر العدو على نقل مركز ثقل جهده الجوي إلى الجبهة المصرية، وتخفيف الضغط على جبهة الجولان .
ميزان القوى العسكري
كان ميزان القوى على النحو التالي :
1- بالدبابات على الجبهة السورية في تلك الفترة يعادل 5 إلى 1 تقريباً لصالح القوات العربية ..
2- ميزان القوى بالمشاة يعادل 3 إلى 1 لصالح القوات العربية .
3- أما ميزان القوى بالمدفعية فكان مائلاً لصالح القوات العربية بفارق 4 إلى 1
4- تحديد حرية عمل الطيران المعادي وعدم قدرته على دعم القوات البرية إلا بخسائر كبيرة نظراً لاستعمال شبكة الصواريخ (أرض جو) السورية وقربها من مسرح العمليات ..
في حين كان العامل السلبي الرئيس في ميزان القوى، هو حصول العدو الإسرائيلي على صواريخ (تاو)، الموجهة ضد الدبابات من أميركا وارتفاع مستوى التشويش الإلكتروني المعادي لصواريخ (أرض جو) أيضا ، ًكما كان العدو قد حصل من أميركا على صواريخ (جو أرض) من طراز (مافريك) و (هوير) و (والي) و (روكي) وجميعها دقيقة الإصابة والفعالية مما اثر على فعاليات القوات العربية في مسرع العمليات ..
وفي يوم 16/10/73 ركز العدو جل اهتمامه على جبهة سيناء لإنجاح الثغرة واستغلال التقدم الذي حققه هناك من أجل قلب التوازن الاستراتيجي للجيشين المصري الثاني والثالث، وحصلت الجبهة السورية على فترة هدوء نسبي، تم استغلالها عملياتيا وتعبويا من قبل قيادة القوات العاملة في هذه الجبهة .
وإذا كانت القوات السورية قد استفادت من عامل الزمن خلال معارك العدو لاستيعاب الأسلحة الروسية المتدفقة عبر الجسور البحرية البرية والجوبة، وإكمال النقص في القوات المدرعة بـ (200) دبابة عراقية ، كان العراق قد اشتراها من روسيا في وقتٍ سابق، وتعويض خسائر الدبابات التي أصابت اللوائين 12 و 6 بدبابات سحبت من القوات الاحتياطية المجودة في العراق، وحشد الجزء الأكبر من الفرقة (6)، وحشد اللواء الجبلي (12)، من القوات العراقية، وقد ساعد عامل الزمن على دخول اللواء المدرع / 40 الأردني إلى سوريا يوم 13/10/73، وكان هذا اللواء من خيرة الألوية المدرعة الأردنية وقد اشترك في القتال يوم 16/10، كما وصل اللواء المدرع /92 مع قيادة الفرقة المدرعة /3 الملكية الأردنية إلى منطقة (الشيخ مسكين)، يوم 22/10/73 .
كان الإسرائيليون يشعرون بالنقص في الرجال والكوادر القتالية بسبب الخسائر الضخمة التي لحقت بهم ، وقد حاولوا إكمال هذا النقص بمتطوعين مرتزقة، ويهود أميركيين مزدوجي الجنسية والولاء ، في حين كانت القوات العربية تمتاز بالتفوّق في هذا المجال بسببين :-
1- العامل البشري الهائل الذي تمتلكه ، والذي سمح لها الطول النسبي لمدة الحرب بتعبئة الجزء الأكبر اللازم ..
2- وجود قوات عربية نظامية كاملة في العمق العربي الاستراتيجي، واستعداد هذه القوات للتحرك تجاه مسرح العمليات في الجولان .
وبفضل الصمود في معركة الصد، وتدفق القوات العربية إلى الجولان (القوات العراقية بشكلٍ أساسي)، ووصول المعدات والأسلحة الروسية، وخطأ العدو الاستراتيجي في تطبيق أسس القتال على (الخطوط الداخلة)، فقد ظهر وضع جديد يسمح بالانتقال من الصّد إلى الرّد، ولهذا قررت القيادة السورية العُليا شن هجوم استراتيجي مقابل ضد ألوية العدو العشرة التي كانت متوغلة في جيب (سعسع)، كما قررت أن تستخدم في هذا الهجوم :-
(فرقتين مدرعتين سوريتين)، غير كاملتين .
لواءين سوريين .
فرقتين مدرعتين عراقيتين (ناقص لواء).
لواءين مدرعين أردنيين .
ثلاث فرق آلية سورية مع لواء مشاة مستقل .
لواء مشاة عراقي .
لواء جبلي عراقي .
لواء قوات خاصة عراقي ..
وحدات مغربية وسعودية محدودة، ووحدات من جيش التحرير الفلسطيني (قوات حطين والقادسية) .
كان الهدف من الهجوم المقابل تصفية جيب (سعسع)، في القفزة العملياتية الأولى، ثم تليها القفزة العملياتية الثانية لتحرير (الجولان) .
عندما كانت تدور معارك طاحنة قرب (سعسع)، وفي قطاع عمل الفرقة المدرعة /3 العراقية واللواء المدرع /40 الأردني، حددت القوات السورية العليا خطة للهجوم الاستراتيجي المقابل يوم 23/10/73، وتم تحديد المهمات العملياتية للهجوم وتحرير الأرض .
وفي يوم 22/10/73، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (338)، القاضي بوقف إطلاق النار، وفوجئ السوريون والعراقيون بهذا القرار وبموافقة مصر، عليه، وأرجئ الهجوم الاستراتيجي على الجبهة السورية حتى يوم 24/10/ 73، وكان أمام القيادة السورية خياران لا ثالث لهما وهما :-
1- التمسك بالهجوم المعاكس وشنه لتحرير الأرض ..
2- إلغاء الهجوم والقبول بقرار وقف إطلاق النار ..
كان أنصار شن الهجوم المقابل يؤكدون أن القوات المحتشدة قادرة على حسم المعركة وتطهير الجيب الإسرائيلي خلال يومين على أبعد تقدير، الأمر الذي يزيل الأثر المعنوي الذي سببه وجود هذا الجيب، ويدمر جزءاً كبيراً من قوات العدو المدرعة، ويقصر طول الجبهة بنسبة 30%، ويمنع العدو من المساومة على ورقة جيب (سعسع)، بعد وقف القتال، كما أنه سيجبر المصريين على متابعة القتال حتى لا يتركوا الجبهة السورية وحدها في مواجهة العدو، و في حالة جمود الجبهة المصرية ، فإن العدو بحاجة إلى وقتٍ طويل قبل نقل قواته من الجبهة المصرية إلى الشمال، الأمر الذي سيسمح للقوات السورية والعراقية بأخذ مواقع جديدة في الجولان لصد أي هجوم إسرائيلي محتمل ، علماً أن هذا الوقت سيعطي الروس الوقت لفرض وقف إطلاق النار بعد أن يكون السوريون والعراقيون قد حرروا هذا الجيب ، على الأقل ، وكان أصحاب هذا القرار يؤكدون أن عملية الجذب وغرور الإسرائيليين واندفاعهم على طريق (سعسع)، قد قدما للقوات العربية هدفاً ثميناً يسهل القضاء عليه، وأن عملية (الجذب) ستفقد كل معناها الاستراتيجي إذا لم تعقبها عملية (ضرب) لا بد من تنفيذها حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء الجبهة السورية وحيدة أمام العدو ..
أما أنصار وقف الهجوم المقابل والقبول بالقرار، فقد ركزوا على العلاقة الجدلية المتبادلة بين الجبهتين السورية والمصرية ، ورأوا أن الاستمرار في القتال على جبهة الجولان سيعطي الإسرائيليين مبرراً لمتابعة القتال على الضفة الغربية لقناة السويس، وهذا لن يكون في مصلحة العرب، لأنه في الوقت الذي ستقوم به القوات السورية والعراقية بسحق العدو داخل (الجيب)، ستقوم قواته بالرد في الجنوب بتسديد ضربة تهدد وجود الجيش المصري الثالث الذي قطعت طرق إمداداته وحرم من التغطية الجوية ..
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان أنصار وقف الهجوم لا يأملون بأية مساعدة مصرية إذا ما بقيت الجبهة الشمالية وحيدة، لأن الإسرائيليين لن ينقلوا قواتهم إلى الجولان إلا بعد أن يحسموا معركة السويس والجيش الثالث، ويجبروا مصر على قبول وقف إطلاق النار بالقوة لتنفيذ قرار مجلس الأمن، وأن ميزان القوى سيميل في هذه الحالة إلى جانب العدو بشكلٍ يسمح له بتطوير هجومه في الشمال واحتلال أراضٍ سورية جديدة، وربما التقدم باتجاه دمشق مرة أخرى في وقتٍ لاحق أو تدميرها بالمدفعية والطيران وتدمير المدن والمنشآت الاقتصادية السورية بغارات كثيفة ..
وبعد جدلٍ طويل بين أنصار الاتجاهين ، نجح أنصار الطرف الثاني في إقرار رأيهم ، وتقرر عدم القيام بالهجوم المقابل ، وفي ليلة 23-24/10/1973، وافقت سوريا على وقف القتال ، وأصدرت أمراً بإلغاء الهجوم المقابل ، وصمتت أصوات المدافع في الجولان ..
خلاصة عمليات القوات البرية العراقية
في صباح السابع من تشرين الأول قررت القيادة العراقية دفع القطعات العراقية إلى جبهة الجولان وكانت أولى الفرق هي الفرقة المدرعة الثالثة .. وكانت هذه الفرقة تشكل جزءا من القبضة الفولاذية الضاربة للقوات المسلحة العراقية التي كانت مؤلفة في تلك الفترة من الفرقتين المدرعتين الثالثة والسادسة وفرقة مدرعة أخرى قيد التشكيل ، ويعتبر اللواء المدرع الثاني عشر أوفر القطعات حظا ، فلقد تم اختياره ليكون أول الألوية المدرعة يصل الجبهة السورية فمنح بذلك الشرف ليكون أول لواء مدرع عراقي يصطدم مع القوات الإسرائيلية على ارض الجولان العربية .. وفي يوم 8/ 10 بدأت حركة جحفل هذا اللواء المؤلف من كتيبتي دبابات المعتصم وقتيبة وكتيبة مشاة آلي وكتيبة مدفعية ومعدات ساندة ووحدات إدارية .. كان حجم القوة المتحركة لا يتناســب وقدرة الناقلات على الرفع ، لذلك تركت كتيبة دبابات القادسية ( حديثة التشكيل ) لترفعها الناقلات فيما بعد ، وقد وصل اللواء إلى جبهة القتال بعد أن قطع مسافة 1350 كم في يوم واحد .. أما اللواء المدرع السادس مع اللواء المشاة الآلي المنقول على عجلات مسرفة فقد قطعا مسـافة 1100 كم في يوم واحد أيضا ، وفي يوم 10 /10 بدأت طلائع هذه القوات بالوصول إلى دمشق و توجهت إلى الجبهة مباشرة ، بعدها توالى وصول باقي القطعات وإشراكها فورا في العمليات القتالية (35)..
بعد لقاء القادة العراقيين والسوريين وبدء عمليات الاستطلاع وتنسيق الجهود وتوزيع المهام والواجبات حسب الخطط التي أعدتها القيادة السورية بدأت المعارك في مواجهة القوات الإسرائيلية وكانت أولى معارك الجيش العراقي هي معركة اللواء المدرع 12 ، فقد كان الإسرائيليون قد خططوا لاحتلال مجموعة التلال المتممة لهضبة الجولان والقيام بعملية التفاف حول دمشق .. وكانت الفترة الحرجة قد بدأت يوم 11/ 10 ( وهو يوم تكامل جحفل اللواء المدرع 12 ) وفي 12 /10 شرع اللواء بعملياته العسكرية ونجح في إيقاف اندفاع الإسرائيليين نحو دمشق(36) ..
معركة اللواء المدرع 12 ( لواء ابن الوليد )
شرع الرتل الأيمن للواء بالتقدم نحو أهدافه في الساعة 1400 يوم 12 / 10 وفي الساعة 1630 اجتاز ( تل عنتر ) واســتأنف اللواء تقدمه واحتل ( كفر ناسج ) وفي الساعة 1515 يوم 12 / 10 كان الرتل الأيسر للواء قد احتل قرية ( عقربا ) وتقدم نحو ( تل المال ) و( تل الشعار ) ..
في صباح 13 / 10 انسحب العدو باتجاه ( ماعص ) واستأنفت مجموعات اللواء تقدمها رغم شدة نيران المدفعية والصواريخ الموجهة والهاونات الإسرائيلية التي كانت تطلق من سفوح ( تل الشعار ) ..
وبعد قتال ثلاث ساعات اجتاز الرتل الأيسر ( تل البزاق ) وســـيطر على السفح الأيــــسر لتل ( الشعار ) ، وتقدمت مجــموعة أخرى واحتلت ( تل ابويه) ووصلت طريق ( دمشق – القنيطرة ) العام ..
حشد العدو دباباته ومدافعه ووصلت قواته خط ( تل قرين – كفر ناسج – قرية المال ) وراحت تصب نيرانها على قوات اللواء المدرع 12 في ( كفر شمس ) واستمر القتال ثلاثة أيام تكبد فيها الإسرائيليون خسائر في الدبابات والتجهيزات والأشخاص ..
في الساعة 0520 من يوم 14 / 10 / 1973 شرع اللواء بتطبيق منهج الإسناد الناري وفي الساعة 0900 تمت السيطرة على ( تل حمد ) بالنار ..ولكن العدو فتح نيران مدفعيته من الساعة 1600 حتى الساعة 1700 ..
في الساعة 0630 من يوم 15 / 10 بدأ العدو قصفه المدفعي لمدة نصف ساعة وشوهدت دباباته تتقدم باتجاه ( تل قرين – كفر ناسج – تل المال ) وفي الساعة 1300 عزز قواته الهاجمة بدبابات إضافية واندفع من ( كفر ناسج وتل المال ) واستمرت الاشتباكات العنيفة حتى الساعة 0250 من يوم 16 / 10 / 1973 ..
معركة ( كفر ناسج )
بلغت حشود الإسرائيليين استعدادا لهذه المعركة ( 2 لواء مدرع – 2 لواء مشاة – 1 كتيبة دبابات مستقلة – كتيبة مظليين مستقلة – فوج مشاة آلي مستقل – 2 كتيبة دبابات تم إيقاع خسائر كبيرة فيهما في المعارك السابقة ) وكان قد وضع في الاحتياط 100 دبابة . . أما القوات العراقية فكانت مؤلفة من خمسة ألوية(37) ..
استمرت المعركة من الساعة 0030 من يوم 16 / 10 / 1973 حتى الساعة 1700 من يوم 17 / 10 تمكنت القوات العراقية من مهاجمة القوات الإسرائيلية قبل أن تنهي استحضاراتها للهجوم على طريق ( دمشق – الشيخ مسكين وقطعه لعزل سوريا عن الأردن ) ..
كان في إسناد القوات العراقية ( 3) كتائب مدفعية عراقية و( 6) كتائب مدفعية سورية ثم ساهمت كتيبة مدفعية عراقية أخرى تكاملت في اليوم الأول للمعركة ..
كانت دروع العدو الإسرائيلي متحشدة على طول الجبهة على شــكل قوس من ( بيت جن – سفح جبل الشيخ – إلى سعسع – كناكر – تل مرعي – دير العدس – تل المال – قرية أم باطنة ) وانتهت المعركة بوقوع إصابات كبيرة بالقوات الإسرائيلية واستنزفت طاقتها الهجومية وأحبطت مـساعيها في الوصول إلى طريق ( دمشق – الشيخ مسكين ) ..
معركة ( تل عنتر )
حشد العدو القوات التالية :
لواء آلي في ( تل شمس – مزرعة بيت جن – حرفا )
لواء مدرع في ( تل المال – تل الشعار – خان ارينبة – جبا )
لواء مدرع في ( تل عنتر – كفر ناسج – ماعص – تل مرعي )
لواء مشاة وبقايا كتيبتي دبابات ( على خط وقف إطلاق النار السابق )
أما القوات العراقية فبلغ مجموعها ( لواءً مدرع – لواءً آلي / ميكانيكي – ولواء مشاة ) أما الاحتياط فهو لواء مدرع يقوم بإعادة التنظيم (38)..
كانت قد تحددت ساعة الصفر الساعة 0600 من يوم 18 / 10 / 1973 إلا أن القيادة السورية طلبت تأجيله إلى الساعة 0900 من يوم 19 / 10 الأمر الذي أدى إلى انكشاف الخطة وفقدان عامل المباغتة مما عرض أخيرا القطعات العراقية إلى خسائر لا موجب لها وحرمها من تحقيق النصر المنتظر ..
معركة جبل الشيخ
في 19 / 10 / 1973 وصلت إلى سوريا وحدات جبلية من الجيش العراقي ووضعت بإمرة القيادة السورية ثم جعلت بإمرة قيادة منطقة( دمشق ) ..
في 12/ 10 / 1973 كلف احد الأفواج الجبلية العراقية باحتلال موضع دفاعي في قاطع الحدود السورية – اللبنانية ثم في الساعة 1900 صدر الأمر بتخصيص فوج جبلي آخر لتعزيز القوات الخاصة السورية ..
وفي نفس اليوم بدأ العدو بالتركيز على القوات السورية في ( جبل الشيخ ) وانزل قوات خاصة بالهليوكوبتر ثم قدم رتلا ارضيا في منطقة ( العقبات ) كما قامت القوات السورية من جانبها بإنزال قوات خاصة في ( جبل الشيخ ) ..
كلفت القوات الجبلية باحتلال منطقة ( عرتة – ريما ) بقصد التقدم نحو( العقبات ) والاشتراك في عملية دفع العدو بالتعاون مع القوات السورية ..
ولما أكملت الوحدات انفتاحها بالساعة 0430 من يوم 23/ 10 / 1973 ركز العدو قوته النارية على القوات العراقية في الوقت الذي ظلت بقية الجبهة هادئة بسبب وقف اطلاق النار الذي أعلن عنه يوم 22 / 10 / 1973 ..
الهجوم الذي لم يتم
عن هذا الموضوع يحدثنا العميد المتقاعد عبد الرزاق اسود في ( الموسوعة الفلسطينية ) الجزء الثالث فيقول :
ما إن تكاملت تشكيلات الفيلق المدرع العراقي حتى قررت القيادة العراقية القيام بهجوم شامل يوم 23/ 10 / 1973 ولكن في هذا اليوم طلبت القيادة السورية من القوات العراقية بإرجاء تنفيذ الهجــوم يوما واحدا ، ولما حل يوم 24 / 10 /1973 أعلنت القيادة السورية قبولها وقف إطلاق النار اعتبارا من نفس اليوم المذكور ..
وبقبول سوريا قرار وقف إطلاق النار أصبح موقف القوات العراقية محرجا لعدم إقرار العراق للهدنة ، كما فعل في حرب 1948 ، وعلى هذا الأساس قرر العراق سحب القوات البرية والجوية بعد أن آدت واجبها القومي على أفضل ما يكون ، وللعلم وللتاريخ نقول أن القوات العراقية التي شاركت في حرب 1948 لم توافق على الهدنة التي وقعتها الجيوش العربية في تلك الحرب مما جعل الإسرائيليون يعتبرون العراق في حالة حرب مع إسرائيل حتى يومنا هذا ..
فعاليات القوة الجوية العراقية
إن تشــكيلات القوة العراقية ( التي كانت تعمل بإمرة قيــادة القوة الجوية المصرية ) هي أولى القوات العراقية التي نالت شرف مقاتلة العدو الإسرائيلي ، وقد شاركت منذ اللحظة الأولى لنشوب القتال ونفذت المهام التي كلفت بها ، وتسنى لها إسقاط ( 12 ) طائرة إسرائيلية في القتال الجوي فوق سيناء ..
أما بالنسبة إلى الجبهة الشمالية فقد أرسلت الطائرات القاصفة والمقاتلة إلى سوريا يوم 7 / 10 / 1973 واستمرت التشكيلات الجوية العراقية بتنفيذ واجباتها منذ يوم 8/ 10 / 1973 حتى يوم وقف إطلاق النار في 22/10/1973 وقد استـــطاع الطيارون العراقيون إسقاط ( 29) طائرة إسرائيلية ..
تضحيات الجيش العراقي في الحرب
بلغت خسائر وتضحيات الجيش العراقي خلال الحرب : (835) شهيداً من بينهم (11) ضابطاً و(73) مفقودا من بينـــهم (36) ضابطاً و( 271 ) جريحا ، (26) طائرة مقاتلة قاصفة ، (111) دبابة وناقلة أشخاص مدرعة ، (294) عجلة ، (738) قطعة سلاح من مختلف الأنواع ..
الخاتمة
إن هذا السفر الخالد للضباط والجنود العراقيين الذين وقفوا إلى جانب إخوانهم في الجيوش العربية الأخرى في حرب تشرين 1973 سوف تذكره الأجيال بفخر المآثر التي سطروها وتلك الدماء التي سالت في كفر ناسج وتل عنتر وجبل الشيخ وصحراء سيناء دفاعاً عن قضيتهم القومية وعن شرف الماجدات العربيات. وسوف لن تغيب عن البال أيضا تلك الملحمة الوطنية العراقية عندما مرت (24) طائرة عراقية مقاتلة مع أسراب الطائرات المصرية فوق قناة السويس على ارتفاع منخفض وبسرعة هائلة لتقوم بتدمير المطارات الإسرائيلية في سيناء وهي (المليز، ثمادة، راس نصراني) وتضرب عشرة مواقع إسرائيلية ارض- جو من نوع هوك والمقر المتقدم لقيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية في (أم خشــب) ومقرها الرئيسي في (العريش)(39) ..
كما لا ننسى أيضا ذلك الاستقبال الرائع الذي كان يستقبل به أهلنا في سوريا إخوانهم وأبناءهم من أبطال الجيش العراقي وهم يتوجهون إلى جبهات القتال وبالزغاريد بعد عودتهم منها وهم يحملون أكاليل الغار والنصر ..
إن ما حصل في حرب تشرين يجسد الإرادة العربية الواحدة في مواجهة الخطر المحدق بالأمة العربية وان مشاركة الجندي العراقي في هذه الحرب إلى جانب إخوانه في الجيوش العربية يدل ، بما لا يقبل الشك ، أن الخطر الذي يتعرض له أي عضو في الجسد العربي إنما هو خطر يهدد كل الجسد وان تضحيات الجيش العراقي الباسل في هذه الحرب وكل الحروب العربية الإسرائيلية إنما هي تأكيد للمصير المشترك الذي يربط أبناء الأمة الواحدة ، فضلا عن كونه جيشا له خبرات طويلة في الدفاع عن قضاياها ، مما ساعد على تحقيق النصر في الحرب على العدو الإسرائيلي وكان له شرف المساهمة في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وزعزعة أركان نظرية الأمن الإسرائيلي واثبات فشلها التام عندما أخطأت القيادة الإسرائيلية في حساباتها تجاه قدرات الجـيوش العربية وإمكانياتها وعقيـــــدة قتالها بإبعادها السـوقية ( الإستراتيجية ) والعملياتية والتعبوية وفن استخدامها لمنظومات الأسلحة البرية والجوية والبحرية بشكل علمي وحديث ومتطور نال إعجاب العالم وراحت معاهده وكلياته العسكرية ومراكز دراساته البحثية تدرّس فن وأساليب القتال العربية وتأخذ منها العبر والدروس .. والدرس الآخر الذي نستخلصه من الحرب هو أن الجندي العربي ، من أي جيش أو بلد عربي كان ، هو ذاته الجندي العربي المؤمن بقضيته ، المتمرس في استخدام سلاحه والمتقن لعقيدته القتالية إذا ما توفرت له كل المقومات والإمكانيات المطلوبة لخوض حرب حديثة مهما كانت ظروف المعركة صعبة ..
لقد كانت حرب تشرين معركة امة ومشروع امة فما أروع هذه الحرب عندما تستنهض فينا معاني العزة والإباء، الممزوجة بعبق الشهادة وأريج الشهداء... ما أروعها وهي توقظ فينا كل عام، ثورةً ما كان لها أن تنطفئ، ونحن نتفيأ ظلال فلسطين من بين سطور ( الإسراء) ...
عقود تتوالى على هذه الحرب الخالدة منذ فجر السادس من تشرين الثاني/ أكتوبر1973 ودم انتصار الروح على الجسد يظل هو العنوان، بخلاف ما خطط له القتلة والمجرمون الذين كانوا كما قال تعالى فيهم ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(40) ..
الهوامش
(*) الباحث شارك في حرب تشرين برتبة ملازم أول وأحيل على التقاعد برتبة لواء ( فريق بالراتب ) حسب القرار الذي أصدره الحاكم المدني الأمريكي للعراق بعد احتلاله عام 2003 .. وهذه الدراسة خاصة بالجيش العراقي اما تفاصيل دور الجيشين المصري والسوري فقد كتب عنها الكثير من الباحثين وشهود العيان وساتي عليها لاحقا ان شاء الله
1. دور الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 ، إعداد المركز العربي للدراسات الإستراتيجية ، إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1975 ، ص5
2. المصدر السايق ، ص 5
3. دور الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 ، كراس من إعداد كلية القيادة العراقية ، 1985 ، ص 2
4. جزء من حديث الفريق الركن يونس محمد الذرب ، والمنشور في المجلة العسكرية العراقية ، العدد الثاني ، إصدار مديرية التدريب العسكري والتطوير القتالي في دائرة التدريب / وزارة الدفاع العراقية ، بغداد ، 2002 ، ص 162
5. المصدر السابق ، ص 162 – 163
6. على خيون – ثورة 8/ شباط / 1963 في العراق – دار الشؤون الثقافية – بغداد ، 1990
7. لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى دراسة اللواء الركن ( خليل سعيد ) ، تاريخ حرب الجيش العراقي بفلسطين 1948- 1949 ، هدية المجلة العسكرية ، مديرية التدريب العسكري / 1967
8. حرب تشرين عام 1973 ، دراسة أعدتها ( جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا ) ، بغداد ، 2002
9. للمزيد انظر : الفريق الركن الدكتور ( يونس الذرب ) ، دور وتاريخ البعثات العسكرية العراقية ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2000
10. للمزيد انظر : المصدر السابق
11. الفريق الركن الدكتور ( يونس الذرب ) مصدر سابق ، ص 166
12. المصدر السابق ، ص 166
13. المصدر نفسه ، ص 167
14. دور الجيش العراقي في حرب تشرين ، المؤسسة العربية ، مصدر سابق ، ص 38
15. المصدر السابق ، ص 38
16. المصدر نفسه ، ص 41
17. اللواء حسن البدري وآخرون ، حرب رمضان ، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1974 ، ص 34
18. المصدر السابق ، ص 41
19. كما حجبت المعلومات عن الرئيس معمر القذافي للسبب نفسه ..
20. أيد هذه المعلومات ضابط استخبارات عراقي اخبره بها احد ضباط رئاسة أركان الجيش العراقي ..
21. دور الجيش العراقي ، المؤسسة العربية ، مصدر سابق ، ص 46
22. موقع www.safahat.cim
23. المصدر السابق
24. من برقيات الخارجية العراقية ليوم 7/10 / 1973
25. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ 7 /10 1973 ، انظر أيضا : دور الجيش العراقي ، مصدر سابق ، ص 47
26. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 8/ 10 / 1973
27 . فؤاد الحاج ، الحركة الإستراتيجية في تنقل الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 ، تقرير خاص أرسل للباحث من الكاتب ..
28. من حديث للواء الركن ( إسماعيل تايه ألنعيمي ) ..
29. من حديث مع اللواء الركن المرحوم ( فاروق الحريري ) الذي كان مكلفا برئاسة لجنة السيطرة على السابلة ..
30. ذكرت ذلك يوم 20/ 10 /1973 نقلا عن احد المعلقين العســـــــــــكريين لصـــــحيفة( تايمس) اللندنية ..
31. صحيفة هاارتس الإسرائيلية يوم 29 /10/ 1973
32. المصدر السابق ..
33. مصدر خاص..
34. مصدر خاص ..
35. من أرشيف تاريخ الجيش العراقي ..
36. العميد الركن عبدالرزاق اسود ، الموسوعة الفلسطينية ، المجلد الثالث ، العسكرية الصهيونية والحروب العربية الإسرائيلية ، نشر وتوزيع الدار العربية للموسوعات ، ص 905 – 908
37. المصدر السابق ، ص 906
38. المصدر نفسه ، ص 906
39. من أرشيف تاريخ الجيش العراقي ..
40 . سورة الصف – الآيتان 8 و9