ترجمات مهمة
الاتجاهات الإقليمية المتوقعة في الربع الأخير من عام 2009
مؤسسة ستراتفور
أولاً: جنوب شرق آسيا
الاتجاه الإقليمي: الحرب الأمريكية ـ الجهادية
واضح أن الساحة الأفغانية/ الباكستانية أصبحت مركز نشاط الصراع بين الولايات المتحدة والجهاديين.
كانت سياسة كسب القلوب والعقول، وما تزال، مماثلة للعملية التي تمت بنجاح كبير في العراق: تهيئة بيئة أمنية تحرم (طالبان) إيجاد ملاذ، وتقطع علاقة طالبان بالقاعدة، وتجزئ مجال عمل الجهاديين بما يكفي إرغام أجزاء من طالبان على الجلوس الى طاولة المفاوضات.
لكن تطبيق الإستراتيجية تطبيقاً ناجحاً يتطلب من الوقت والرجال والمعدات، أكثر مما هو لدى الولايات المتحدة. فأفغانستان هي ببساطة صعبة المراس سياسيا وجغرافياً واقتصادياً وعسكرياً. وطالبان تدرك هذا فكان ردها ليس فقط مضاعفة هجماتها بالمتفجرات محلية الصنع في الأشهر الأربعة المنصرمة، وإنما توسيع نطاق عملياتها أيضاً ليشمل مناطق البلاد الشمالية والغربية.
هذا هو الفصل الذي ستعض الحقيقة فيه بنابها في أفغانستان، ناقلة (المعركة) من جنوب آسيا الى واشنطن. وإدارة أوباما لا تريد أن تُعرَف بهذه الحرب، غير أن التنفيذ الموفق سيتطلب على الأقل مزيداً من القوات ومزيداً من الوقت، وحتى لو سلمنا بذلك جدلاً، فربما أحسن ما يُمكن أن يُؤمل به هو مجرد الوصول الى جمود تام.
الأوروبيون يعون ذلك بصورة، ولهذا نراهم قد بدءوا العد العكسي وتثبيت إستراتيجياتهم المعنية بالخروج [من أفغانستان]. هكذا فإن الإستراتيجية برمتها ـ في الواقع، الالتزام الأساسي بالحرب ـ تخضع للمناقشات في الإدارة الأمريكية. هذه المناقشات، الى جانب شعور بعدم جدوى في المجهود الحربي، ستهيمن على الاتجاه في الربع الأخير.
طبعاً، إن المناقشة الأمريكية بشأن الإستراتيجية المعنية بأفغانستان، تشنف آذان طالبان، حيث إن أي شيء ما عدا زيادة كبيرة في التزام الناتو المشترك يصب في مصلحتها، ويقضي الى حدٍ بعيد على أي اهتمام بالمصالحة السياسية. وليس من شأن واقع أن الانتخابات الأفغانية أسفرت عن نتيجة معلقة ومتنازع فيها سوى أن تعمق ثقة طالبان بنفسها.
ليست القيادة السياسية ولا العسكرية في باكستان محيطة تماما بجدية النقاش الدائر في الولايات المتحدة في ما يخص الحرب في أفغانستان. ولطالما توجست إسلام أباد خيفة من أن تقدم الولايات المتحدة على المغادرة فجأة، ملقية أثقال الفوضى كلها على عاتق باكستان. من منطلق هذه الخشية ـ ومما يثير سخط واشنطن ونيودلهي حقاً ـ كانت باكستان حتى أواخر نيسان/أبريل 2009، مترددة بصورة غير عادية في مواجهة مشكلتها مع الجهاديين، متعامية عن معظم نشاط الجهاديين على أرضها، ومفسحة للمحاربين المرابطين في باكستان ـ لكن المُرَكِزين عملهم على أفغانستان ـ مجالاً أوسع للمناورة.
بيد أن شيئاً من التقدم قد تحقق هنا. فقد قتلت غارة جوية أمريكية قائد (طالبان/باكستان) بيت الله محسود. وأفسح الصراع على السلطة الذي تلا مقتل محسود فرصة لباكستان كي تزرع الشقاق في الحركة وتستثمر النشاطات العسكرية الباكستانية التي تحققت في سوات ووزيرستان. وعليه فإن الحركة أمتن من أن تنال منها مثل تلك الإنجازات.
هناك مجموعات قتالية أخرى ناشطة في باكستان. وقد كان لإسلام أباد حظ محدود في كبح وكلائها الكشميريين الذين تحولوا الى محاربين إسلاميين موطنين أنفسهم على شن هجمات داخل الهند. صحيح أن باكستان تقدم بعض المعلومات للهند (عن طريق طرف ثالث)، لكن ليس هناك ما يؤكد أن هذا التعاون الخجول سيكون كافياً للحيلولة دون نشوب أزمة حدود أخرى، ناهيك عن الحيلولة دون شن هجمات كالهجوم الذي استهدف مومباي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008.
أما الهند فستكون من جهتها منهمكة فعلاً بمحاولة تدبر أمر تمرد(الناكساليزم)*1 الذي يزداد بأساً في الهند.
سيكون الحديث عن (الشرق الأوسط) في المرة القادمة
يتبع
* الناكساليزم: تمرد ثوري يساري يقوم به الشيوعيون داخل الهند (من تصريح لرئيس وزراء الهند ماتموهان سينغ لوكالة شينخوا الصينية في 11/10/ 2009)