حَبَنْظَلْ بَظاظاْ، الفصلُ الأول
أيتها السيدات، أيها السادة:
أُقَدِّمُ لكم نفسي وبِلاْ فخر، أنا حَبَنْظَل بَظاظاْ.
إنكم جميعَكم تعرفوني، فأنا عَلَمٌ على رأسهِ نارُ.
أنا طَلَّاعُ الثَنايا، جوّادُ البرايا، للجيشِ جرّارُ.
أنا ابنُ دَليلة، سليلةُ الأكابر وصاحبةُ الجاهَ والسلطانَ والثراء.
وأبي هو علي الزئبق، زعيمُ العيّارين صاحبُ الفطنةَ والذكاءَ والدهاء.
وأنا تفوَّقْتُ عليهما وأصبحْتُ حَبَنْظَل بَظاظاْ.
أنا نِتاجُ نطفةً ذكية، مع بيضةٍ ثَرية، ولِيدُ المصلحة والشهوة.
أنا أذكى من الذكاء، وأعظمُ مِنَ العظمة، وأشهرُ من الشُهرة.
والدليلُ على عَظَمَتِي وَشُهرتِي، هو كثرَةُ الحُسّادُ حولي.
أيْأَسَهُم تفوُّقْي ونجاحي فَحاكوا الأباطيلَ خلفَ ظهرِي.
صحيحٌ أنِّي قصيرُ القامة، لكنَّ مُنجَزاتي تَطالُ النجوم.
وصحيحٌ أنِّي دميمُ الوجه، لكنَّ نظرَاتي تُبرِأُ المجذوم.
أنا من تَدِينُ له الدهور، وتُرفعُ القُبَّعات وتُحْنَى الظهور.
أنا حَبَنْظَل بَظاظاْ.
لا تضحكوا ايها السادة، أرجوكم لا تضحكوا، حتى لا تندموا بعدَ ذلك.
واعلموا أَنَّ وجودي بينكم، هو مَن يُنْجيكم مِنَ المَهالك.
نعم، فأنا أعلمُ ما لاَ تَعلمون، وأُدركُ ما لا تُدركون.
وأعرف من أين تؤكلُ الكتِف، وما يجب أن يكون أو لا يكون.
فأمّي تعلَمُ ما لاَ تعلَمُهُ أُمَّهاتُكم.
وأُمّي تفعلُ ما يستحيلُ أن تفعلَهُ أُمَّهاتُكم.
عَلَّمتني أُمّي، حينَ كنتُ يافعاً طرِيَّ العود.
وقتَها كانت تُجالِسُ السلطانَ الْمُعَظَّم، ترقصُ له وتضرِبُ على العُود.
أِفهَم يا حَبَنْظل وأِحفظْ عن أُمِّكَ هذه الأشياء.
إنَّ الدينَ والجنسَ والسياسة، هم الطريقُ إلى السلطةِ والمجدِ والثَّراء
ومِن يومِها، جعلْتُ نفسي، ببَّغاءً وخنزيراً وحِرباء.
لقد دأبَت أُمّي منذُ صِغري على جَعلي الرجلَ الأوَّلَ في القصرِ.
ولأجلِ هذا بَذلت الغاليَ والنفيس.
من هزِ كؤوسَ المُدام، إلى هزِ الأردافَ والخصْر.
هل صدَّقْتم الآنَ بأني أنا هو الرجلُ الوحيدُ القادرُ على قيادتِكم.
فأنا نِتاجُ تضحيةَ أُمّي،
وأنتم ضحايا أنانيةَ أُمَّهاتكم.
نعم، أنا هو الببَّغاءُ، وأنا الخِنزيرُ، وأنا الحِرباء.
أنا الأسدُ الهصور، والجملُ الصبور، والشاةُ العرجاء.
أنا المرجعيةُ والضميرُ والقضاء.
أنا السيفُ والرقاب، والرحمةُ والعِقاب، والسِجنُ والسجناء.
أنا الخيرُ والشر، والقبحُ والجمال، واليأسُ والرَجاء.
أنا خليطٌ متجانسٌ مِن كُلِّ هذه الأشياء، أنا حَبَنْظَل بَظاظاْ.
لا تستغرِبوا أيها السادة، فأنا مزيجٌ من أصنافكم أنتُم.
جعلَتني أُمي هَكذا لِأَتَفهَّمَ وأحترمَ وِجهاتِ نظرِكُم.
أنا أنتَ وأنتِ، وهوَ وهيَ، وهم وهَؤلاء.
أُفصِحُ عمّا تَخجَلونَ منه دونَ حِشْمَةٍ أو حياء.
أقولُ ما تخافُ منهُ ألسِنتكُم، وأُظهِرُ ما تَدفُنوه في صدوركم.
من غيرَ كذِبٍ ولا تملقٍ ولا رياء.
أنا أعرفُكُم أيها السادة أكثرَ ممّا تعرفونَ أنفسكم.
وأعلمُ نواياكم وخَبَاياكم وما تُضمِروه في أعماقكم.
أنا رجلٌ فريدٌ من نوعهِ، ورِثْتُ عنكم سِماتِكم وصِفاتِكم.
لأن أُمّي حينَ كانت حاملاً بي، دارت على كُلِّ رجالِكم.
أنا ابن أزواجِكم وزوجاتكم
أنا اَخٌ لأوْلادِكم وبناتكم، وحفيدٌ لآبائكم وأجدادِكم.
أنا الوريثُ الشرعيُ لأموالِكُم، وأنا الحاكمُ بأمرِ اللَّهِ على رقابِكم.
وأنا المتصرفُ بأمرِ أُمّي في شؤونِكم، أنا حَبَنْظَل بَظاظاْ.
أيتها السيدات، أيها السادة:
قد تنازلْتُ ورضيتُ الجلوسَ بينكم.
فإصرارُكم واستِجدائُكم وتوسُلاتُكُم جعلوا قلبي يرقُّ لحالكم.
فَشَنِّفُوا آذانَكُم ونظِّفوا أسنانكم وافتحوا عقولكم واقعدُوا صامتْين.
لأروي لكم قصتي وقِصةَ أبي وأُمِّي وجارِيَتي عسلُ الْتِين.
وللحديثِ تتِمَّه