تفسير ظاهرة تحضير أرواح الأموات في ضوء العلوم الإسلامية
قرأت مقال الصحفي السيد ياس عن تحضير الأرواح؛ فأثار في نفسي عدة اسئلة وخصوصاً مايتعلق بهذه الفقرة: يتم تحضير الأرواح لتوجيه الأسئلة لها والأستماع لأجاباتها وخاصة المتوفية التي قضى عليها الموت لأنها تجيب بصدق لمعرفة كل اسرار الكون.. فكيف يمكن له أن يُحَضِّر أرواح الأحياء؟ بغض النظر عما هنالك من شك كبيرفي تحضير أرواح الأموات. وما الدليل على جزمه بصدق إجاباتها وأنها تعرف كل أسرار الكون؟
من واقع تجربتي في حياتي في هذا الموضوع، فأنا لا أتكلم عن جهل به فأنا حَضَرْتُ جلسة من جلسات ما يُزعم بتحضير الأرواح، وسأذكرها بالتفصيل إنشاء الله، وشاهدت أيضاً على القنوات الأجنبية كثيراً من البرامج عن ذلك الموضوع والتي تنطق بها الروح، وسمعت كلام المحللين الأجانب بتلك الجلسات، والتي لا تتطابق مع الدين الإسلامي إلا في نقاط نادرة الوقوع. وكانت تحليلاتهم لها إنما تنطلق من تخمينات شخصية غير متأكدين منها أنفسهم، وتفهم ذلك بسبب سماعك لما يكررونه دائماً من أحكام مثل : لعل.. وربما.. وأعتقد!! لا أكثر من ذلك ولا أقل، وثبت أنه ليس لديهم أي جزم في تفسير هذه الظاهرة.
ولكني بعد أن دخلت في دين الإسلام؛ لم أترك تلك الظاهرة تمر في حياتي مرورالكرام دون دراسة وبحث للتأكد من حقيقتها، ووزنها بميزان الإسلام لمعرفة قيمتها ومدى النفع أو الضرر منها. لأن أي عمل يقوم به الإنسان ولايعود عليه بأي نفع هو مضيعة للوقت، فكيف به وهو يقوم بعمل خطير ممكن أن يدمر حياته كلها.
سأكتب تجربتي مع (جلسة تحضير الأرواح) أولاً لعل الناس تستفيد منها، ولاتقع في الفخ الذي وقع فيه السيد ياس. ثم سأضع بين يدي القراء ما فتح الله عليَّ من الإطلاع على الآيات والأحاديث وأقوال كبار علمائنا في تفسير هذه الظاهرة.
كنت في السابعة عشرة من عمري حين جاءت صديقة لزيارتي، كانت زميلة دراسة لي في المدرسة، وأخذت تحدثني كيف أنها كانت للتو تزور صديقة لها؛ فوجدت عندها مجموعة من الصديقات يجلسن لتحضير الأرواح، وكيف جلست معهن ورأت بأم عينها كيف أن الروح قد حضرت وأيضاً كتبت بالقلم! كانت في حالة غريبة من الإثارة لم أعهدها بها من قبل. كنا دائماً كلما التقينا نتجادل بأمورالدين، وكانت طيبة جداً تحبني وتخاف عليَّ لذلك كانت تحاول إقناعي بالإسلام وعالم الغيب وكل هذه الأمور؛ وأنا كنت دائماً أجيبها أن كل ذلك أساطير وخرافات لا أصدقها لأنه لا يوجد دليل عليها؛ لذلك جاءت في ذلك اليوم وكلها قناعة أنها قد جاءت بالدليل الذي سيقنعني بوجود العالم الآخر، عالم الأرواح!
كنت يومها غير مؤمنة ولا حتى مسلمة وكنت من المولعين بدراسة علم النفس، وكنت
قد أمضيت ثلاث سنوات في دراسة ذلك العلم. وبناء عليه وللوهلة الأولى فسرت تلك الظاهرة كما يفسر كل إنسان أي ظاهرة على حسب ما يحمله من ثقافة؛ فكان تفسيري لها بأنها حالة نفسية محددة "أنت تؤمن بشيء فتوحي لأعضائك فتقوم بالعمل دون إرادة منك" أي بالإيحاء النفسي.
لذلك صرنا نتجادل أنا وهي وتحديتها أن تُحَضِّر الروح أمامي فوافقت وقالت ماجئت إلا لذلك. لتنفيذ العملية طلبت مني سلة، ولم أكن أملك سوى سلة البصل الموجودة في البيت فأفرغتها من محتوياتها وأحضرتها لها، ثم طلبت مني ورقة وقلم، وخشبتين صغيرتين بحجم القلم فلم أجد طلبها؛ فطلبتْ قلمين وخيط لتثبتهما على شكل صليب ثم وضعت ذلك الصليب في السلة، وطلبت قطعة قماش لتغطي السلة؛ فناولتها بشكير البيت الذي كنا نستخدمه منذ أيام لتنشيف أيدينا!!! أدخلت القلم عنوة في فتحات السلة الضيقة المصنوعة من القنب من الأسفل، ثم وضعت السلة على كفيها المفتوحتين إلى الأعلى دون إمساكها، ووضعت رأس القلم النازل من أسفل السلة على الورقة الموضوعة على الطاولة؛ ثم التفتت إليَّ قائلة: إن لم نُحَضِّر روح رجل صالح، وحضَّرنا روح شريرة فلن تنصرف وستبقى في البيت لتؤذينا، فابتسمت إبتسامة ساخرة وأنا أتابع مراقبة ماذا تفعل.
بدأت تقول: ياروح الشهيد يوسف العظمة إحضري، وإذا حضرتِ فاكتبي نعم، أخذت تكرر قولها عدة مرات، وبدأت السلة تتحرك ببطء، كتب القلم على الورقة: نعم! لكن بلا تنقيط! بدأت تصيح بحماس: أرأيت؟ ألم أقل لك أن هناك شيء إسمه تحضير أرواح؟! وأخذت تسأل تلك الروح المزعومة عدة أسئلة وأنا أراقب الوضع. كان من ضمن الأسئلة التي سألتها إحدى الحاضرات في الجلسة للروح المزعومة: هل سأنجح في إمتحان الثانوية العامة التي ستظهر نتائجه بعد إسبوع؟ فكتبت السلة: نعم! (ولكن لما ظهرت النتائج بعد أيام، كان إسم المذكورة في قائمة الراسبين في الثانوية العامة ياسيد ياس!!!). صبرتُ فترة من الوقت على تلك الأسئلة والأجوبة، ثم قلت لها بعد أن نفذ صبري: أنا لا أصدق، إنها ظاهرة نفسية فأنت تؤمنين أنك ستُحَضِّري روح؛ فتوحي ليديك بذلك من بؤرة اللاشعور وبالتالي تحرك يديك السلة، فتكتبين دون إرادة منك! وأخذنا نتجادل أنا أكرر ما أؤمن به وهي تكرر ماتؤمن به. فجأة صاحت وهي خائفة: يا أيتها الروح إنصرفي. وبعد إنصرافها بزعمها، قالت لي: إياك أن تسخري من الروح مرة ثانية وإلا ستؤذيكي وستلطمك في وجهك بالسلة. فسخرت منها وتحديتها التحدي الثاني؛ سأحمل السلة بنفسي وسأتحداكي أنه لا يوجد روح، وأن القلم لن يكتب! وقبلت هي التحدي. وبدأت التجربة.... وضعتُ السلة على كفيَّ المبسوطتين إلى الأعلى، وطلبتُ مني أن أقول: أيتها الروح إذا حضرتِ فاكتبي نعم. أخذتُ أقول وأكرر ماقالته لي، ولكن السلة لم تتحرك! دام ذلك الوضع أكثر من خمس دقائق، وأنا أقول لها باستمرار: هل تصدقيني الآن، لماذا لم تتحرك السلة معي؟ ألا ترين أن النظرية التي تقول بأن الإنسان الذي يؤمن بشيء يوحي إلى يديه فتحركان السلة، وأن الذي لا يؤمن بشيء فلا يوحيه إلى أعضائه فلا تفعله، أرأيت صِدق كلامي، أرأيت؟ أرأيت؟ وبينما أنا أكرر كلمة أرأيت؛ شعرت فجأة بثقل لعله يفوق المائة كيلو وكأنه قذف في السلة بقوة وأخذ يحركها بسرعة لتكتب: نعم! لم أعد أستطيع أن أسيطر على السلة، شعرت أن كفاي وكأنهما سيُكسران من ثقل السلة، وتذكرت تحذيرها أن الروح ستلطمني بالسلة في وجهي، فوقع الأمرعليَّ كالصاعقة من هول المفاجأة، تلك المفاجأة وضعتني في حالة شعور شديد بالفزع! وبدأت أصرخ مستنجدة: خذي السلة ستقع من يدي، فأخذت مني السلة بسرعة، وأخذت تقول: أيتها الروح إنصرفي.. وبدأت أصرخ معها: أيتها الروح إنصرفي!!!
مرَّعلى نزول الثقل في السلة وأخذها لها مني ثواني فقط ... ولكني خلتها ساعات! ولما توقفت السلة عن الحركة، كانت القشعريرة تسري في كل أنحاء جسدي وكنت أنتفض، وتملكني الرعب الشديد لساعات من تأثير المفاجأة؛ وبدأت آلاف الأسئلة تدور في عقلي: من الذي حرك السلة؟ إذا لم يكن هناك أرواح فمن الذي حرك السلة إذن؟ ووصلت لنتيجة: إذن؛ إن الذي تتحدث عنه الأديان صحيح، بأن هناك عالم للغيب موجود ونحن لا نراه! الحمد لله صحيح أن الرعب تملكني ومازلت أشعر به كلما أتذكر تلك الحادثة، حتى وأنا أكتب هذه الكلمات يقشعر جسمي كله؛ ولكن تلك الحادثة والحمد لله غيرت مجرى حياتي بعد ذلك من السلبية المطلقة إلى الإيجابية المثمرة بفضل ربي.
وكما ظن السيد ياس أن قراءة القرآن بالآيات التي حددها هي التي أحضرت الروح، كذلك ظننت أنا بأن وضع الصليب في السلة هو الذي أتى بالروح. لذلك فكرت في ذلك الوقت أن دين النصرانية هو الدين الصحيح الذي من عند الله؛ فأحضرت الإنجيل وقرأته. إنظروا إلى أي طريق أخذتني عملية تحضير الأرواح، وممكن أن تأخذ أمثالي الجاهلين. ولكن والحمد لله حين لفت نظري تناقضات الإنجيل و خصوصاً لما قرأت أن الإنجيل يقول أن الأرض مربعة، والعلم يقول إنها كروية! انصرفت عنه. ثم التفت إلى كتب اليهودية ثم إلى الهندوسية ثم إلى الديانة السيخية فلم أجد دين يقنعني أنه من عند خالق هذا الكون، وشعرت بأن كتَّابُها ليسوا إلا بشراً؛ بسبب ما وجدت بها من أخطاء تتناقض مع العلم! كل ذلك؛ ولم يخطر ببالي ولم أفكر حتى للحظة واحدة بقراءة القرآن؛ لأنني كنت أظن أن المعلومات والأفكار والعادات والتقاليد التي يمارسها المجتمع؛ والتي نشأتُ عليها وكنت أكره معظمها، أنها هي "دين الإسلام".
ولكن الله الكريم حين يرى إنساناً يبحث عنه؛ لا يمكن أن يتركه بلا هداية، فيسر لي قراءة كتاب موريس بوكاي "الكتب المقدسة في ضوء العلوم الحديثة"؛ ذلك الكتاب الذي قادني إلى الطريق الصحيح لمعرفة الحقيقة. كان في الكتاب براهين علمية على صدق القرآن كانت كافية لتقنعني بقوة؛ أن القرآن هو كلام خالق هذا الكون؛ لذلك قررت أن أقرأ القرآن.... وأيقنت بعد قراءتي له أنه الحق ولا حق سواه.
وبدأت أَدْرُس هذا الدين العظيم، وكنت وأنا أبحث عن أجوبة للأسئلة الكثيرة التي كانت
تتزاحم في رأسي لمعرفة الحقيقة، كنت دائماً أتساءل: من الذي حرك السلة؟
بعد دراستي للروح في الإسلام أيقنت إن الذي حرك السلة؛ بالتأكيد ليست روح يوسف العظمة ولا حتى روح أي إنسان غيره، لا حي ولا ميت. لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم في سورة الزمر 39 "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)" . قال ابن عباس وغيره من المفسرين : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها , فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده , وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها . وقال سعيد بن جبير : إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا , وأرواح الأحياء إذا ناموا , فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف " فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى " أي يعيدها . قال علي رضي الله عنه : فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة , وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين , وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة . وقال ابن زيد : النوم وفاة والموت وفاة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون) .
وقال تعالى في سورة الإسراء 17: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)".
فإذا كانت الروح تتحرك بأمر ربها فقط، وهو وحده من يمسكها وهو وحده من يرسلها، وليس لأي إنسان أي سلطة عليها، فكيف يدَّعي الذين يحضِّرون الأرواح أنهم يستطيعوا أن يأتوا بها متى أرادوا ويصرفونها متى شاؤوا. لقد أحسن الشاعر والناقد عبد الرحيم محمود في رده على السيد ياس تماماً، أما رد الداعية الدكتور عيد دحادحة فكان رداً إسلامياً صحيحاً مائة بالمائة، إلا أن إختصاره الشديد في رده وعدم توضيحه لكلامه الذي قال فيه: (و قد خاطب الله النفس بالرجوع والدخول والخروج، ودلت النصوص الصريحة على أنها تصعد وتنزل وتقبَض وتمسَك وترسَل وتنفتح لها أبواب السماء وتسجد وتتكلم ... إلخ ما ورد، وفي حديث البراء المشهور برهان ساطع ودليل قاطع ) عدم تفصيل الدكتورعيد لهذا الكلام الذي أؤيده كله، ممكن أن يجعل البعض الذين لم يقرؤوا تلك الأحاديث، يفهمون هذا الكلام فهماً خاطئاً.
ولتوضيح ذلك اقول: أن كل ماقاله الدكتور دحادحة عن تحركات الروح بعد الموت صحيح؛ ولكن هذه التحركات تحدث في زمن واحد فقط، هو الزمن الذي يلي موت الإنسان مباشرة حتى يُدفن. تحمل الملائكة الروح بعد خروجها من الجسد إلى السماء؛ فأما الصالحة فتدخلها وترى ربها، وأما الروح الخبيثة فلا تفتح لها أبواب السماء ولايسمح لها بالدخول؛ ثم تعود كلا الروحين بعد ذلك لتبقى في البرزخ الذي هو القبر، ولاتخرج منه أبداً إلى يوم القيامة... كل هذا تثبته مجموعة أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كل مسلم تقريباً يعرفها. وبناء على تلك الأحاديث فالأموات لا يسمعون الأحياء ولا يشعرون بهم إلا قبل الدفن أو بعده في المقبرة فقط.... ويسمعونهم أيضاً حين زيارة الأحياء لهم في المقبرة فيما بعد... والأموات لا يسمعون الزائر ولا يشعرون به أبداً بعد خروجه من باب المقبرة إلا في الرؤيا، حين تتلاقى الأرواح. ولا يستطيع حي أن يسمع كلام الميت إلا بالرؤيا أيضاً. لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأورده الدكتور عيد دحادحة في مقاله:
[وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى بدر من المشركين فألقوا في قليب – بئر - فجاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم : (يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟! فقال له عمر – رضي الله عنه - : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : ( والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جواباً] فإذا كانت هذه الأرواح لم تستجب لنداء خير البرية ، فأنّى لها أن تستجيب لنداء أشرار من البشرية!].
إذن الإدعاء بتحضيرأرواح الأموات إدعاء غير صحيح على الإطلاق؛ لأنه لايملك أي إنسان على وجه الأرض السلطة ليستدعي أو يُحضر روحاً أمسكها الله في البرزخ، ثم يصرفها متى شاء بعد أن يسألها ما يريد كما يدَّعي السيد ياس في قوله: ( ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك ( ربكي) راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي_ قرآن مقدس... أنصرفي ايتها الروح الطيبة والحمد لله رب العالمين)ولورجع السيد ياس إلى سورة الفجر؛ لوجد أن هذه الآية التي ذكرها قد جاءت في سياق كلام يُخاطِبْ فيه الله تعالى الروح الصالحة عند مجيئه يوم القيامة للحكم بين الناس، ويظهر ذلك واضحاً في عبارتي إدخلي في عبادي وادخلي جنتي، فكيف يأمر"مُحضِّر الأرواح" الروح، كأنه رب أو إله ذي سلطة؛ ويقول للروح: إنصرفي!! كما قال الله لها: ارجعي!!!:
[ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27). ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)].
فمن هو الذي حرَّك السلة إذن؟ ومن هو الذي حرَّك الإصبعان والفنجان في طريقة السيد ياس إن لم تكن روح بشر؟ الجواب هو: إن من حركهم هو الجن الشياطين! وهل هناك دليل على ذلك في القرآن؟ الجواب: نعم. ولكي نفهم الأمر بوضوح؛ علينا أن نفهم معنى الجن ومعنى الشيطان أولاً.
معنى الجن في اللغة: ما لا يُرى في العين المجردة وتطلق على الجني المؤمن والجني الكافر لأن الإنسان لايستطيع رؤيتهما. ومعنى الشيطان في اللغة: هو إسم لكل من شطن عن طريق الحق، أي ابتعد عنه، وصار يعطى لكل فاسق وشرير سواء كان من الجن أو الإنس.
قال تعالى في سورة الأعراف:[ يا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)].وروى بن أبي الدنيا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر أحد ثقات الشاميين من صغار التابعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ ما من أهل بيت إلا وفي سقف بيتهم من الجن، وإذا وضع الغداء نزلوا فتغدوا معهم والعشاء كذلك]. وفي حديث رواه مسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإن دخل ، فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء ).
إذن الجن الشياطين معنا في كل بيت، طبعاً البيت الذي لا يذكر فيه إسم الله ولا تقرأ فيه سورة البقرة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله سحر ولا شيطان].
فإن لم نكن من القارئين لسورة البقرة ولا نسمي بالله حين ندخل بيوتنا، فلن نحتاج لا لقراءة قرآن ولا لصليب ليُحَضِّرهم، لأنهم معنا ومن سكان بيتنا، وبمجرد أن نطلب منهم الحضور، ينزلون من الأعلى ليتواصلوا معنا ويسخروا منَّا ويصيبوننا بأذاهم! بدليل ما قال الله تعالى في سورة الجن: [ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا 6].
السيد ياس وللأسف اعتنق فكرة تحضير الأرواح وآمن بها، ولم يكتفي بذلك فهو يحاول نشرها على الناس ليمارسوها أيضاً، مع علمه بخطرها في بعض الأحيان كما يقول:[ و هناك طريقة لمنحها لسان تتحدث به، لكنها أحترافية وخطرة السيطرة عليها من أي شخص ]. وأنا من تجربتي وكما رأيتم مما جاء في الحديث والقرآن أقول: أن كل طرقها خطره! وآثم من يقوم بها لأنه يعرض نفسه للتهلكة والأذى. بالإضافة إلى أن تصديق مايذكره الجن من معلومات هو نوع من السحر والكهانة نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: ففي صحيح مسلم رواه مسلم : 4/1751 . ورقمه : 2230 .عن بعض أزواج النبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة] [ من أتى عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم]. ففي السنن ومسند أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً:[من أتى كاهناً ، فصدقه بما يقول ، فقد برئ مما أنزل على محمد] مشكاة المصابيح : 2/525 . ورقمه : 4599.
فكيف بمن أتى عرافي الجن ليسألهم المعلومات وهم لايعلمون من الغيب شيئاً؛ كما قال تعالى في سورة سبأ: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ14].
أما موضوع إخبارهم عن كل أسرار مايدور حولنا في الكون كما قال السيد ياس: يتم تحضير الأرواح لتوجيه الأسئلة لها والأستماع لأجاباتهاوخاصة المتوفية التي قضى عليها الموت لأنها تجيب بصدق لمعرفة كل اسرار الكون.... فكيف يحدث هذا، وهي لم تجبنا بصدق في موضوع النجاح في البكالوريا قبل ظهور النتائج بأيام فقط؟ فإن صدقت معك ياسيد ياس في خبر ما؛ فتفسير ذلك جاء في حديث رواه البخاري : 6/338 .ورقمه : 3288 وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان ؟ فقال : ( ليسوا بشيء ) . قالوا : يا رسول الله ، إنهم يحدثوننا بالشيء فيكون حقاً ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني ، فيقذفها في أذن وليه ، فيخلطون معها مائة كذبة ) جامع الأصول لإبن كثير.
بعدك ياسيد ياس عن سؤال أهل العلم عن شرعية هذه الظاهرة التي أثبتنا بالآيات والأحاديث أنها تحضير للجن؛ جعلتك تضل نفسك ومن يسمعك أو يقرأ لك من الجاهلين؛ وصرت تقترح على الناس أن يحضِّروا الجن التي ظننتها أرواح لتسألها و..و.. و بينما يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نستعيذ به من الجن أن يحضروا بيننا! إنظر كيف باتباعك سبل غير الإسلام كيف تفرقت بك وأبعدتك عن طاعة الله الذي قال في سورة المؤمنين:
[وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ 98 ] ذكرالقرطبي في تفسيره لهذه الآية أن:
وفي كتاب أبي داود قال عمر : وهمزه الموتة ; قال ابن ماجه : الموتة يعني الجنون . والتعوذ أيضا من الجنون وكيد . وفي قراءة أبي " رب عائذا بك من همزات الشياطين , وعائذا بك أن يحضرون " ; أي يكونوا معي في أموري , فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز , وإذا لم يكن حضور فلا همز .
فماذا لو بقي الشيطان الذي نناديه معنا ولم ينصرف؟ ماذا سيحدث لنا وهل سيؤذينا وكيف؟ دعونا نستعرض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخصوص. ذكر إبن كثير المجلد الثاني صفحة 273 حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
[ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تجلى لابن آدم كل سهل وحزن لرأى لكل شيء من ذلك شيئاً يقيه، ولولا أن الله وكل بكم ملائكة يذوبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذاً لتُخُطِفْتُم.]
إذن إن من الملائكة من هم حفظة وحراس للمؤمن؛ وكلهم الله بالمؤمنين حين يستعيذون بالله لتحفظهم كما قال تعالى في سورة الرعد [ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ 11]
يحفظونه من أمر الله
اختلف في هذا الحفظ ; فقيل : يحتمل أن يكون توكيل الملائكة بهم لحفظهم من الوحوش والهوام والأشياء المضرة , لطفا منه به , فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه ; قاله ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. قال أبو مجلز : جاء رجل من مراد إلى علي فقال : احترس فإن ناسا من مراد يريدون قتلك ; فقال : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر , فإذا جاء القدر خليا بينه وبين قدر الله , وإن الأجل حصن حصينة ; وعلى هذا , " يحفظونه من أمر الله " أي بأمر الله وبإذنه ; ف " من " بمعنى الباء ; وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض . وقيل : " من " بمعنى عن ; أي يحفظونه عن أمر الله , وهذا قريب من الأول ; أي حفظهم عن أمر الله لا من عند أنفسهم ; وهذا قول الحسن ; تقول : كسوته عن عري ومن عري ; ومنه قوله عز وجل : " أطعمهم من جوع " [ قريش : 4 ] أي عن جوع . وقيل : يحفظونه من ملائكة العذاب , حتى لا تحل به عقوبة ; لأن الله لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر , فإن أصروا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة , وتزول عنهم الحفظة المعقبات . وقيل : يحفظونه من الجن ; قال كعب : لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن وملائكة العذاب من أمر الله ; وخصهم بأن قال : " من أمر الله " لأنهم غير معاينين ; كما قال : " قل الروح من أمر ربي " [ الإسراء : 85 ] أي ليس مما تشاهدونه أنتم . وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير , تقديره , له معقبات من أمر الله من بين يديه ومن خلفه يحفظونه , وهو مروي عن مجاهد وابن جريج والنخعي ; وعلى أن ملائكة العذاب والجن من أمر الله لا تقديم فيه ولا تأخير . وقال ابن جريج : إن المعنى يحفظون عليه عمله ; فحذف المضاف . وقال قتادة : يكتبون أقواله وأفعاله . ويجوز إذا كانت المعقبات الملائكة أن تكون الهاء في " له " لله عز وجل , كما ذكرنا ; ويجوز أن تكون للمستخفي , فهذا قول . وقيل : " له معقبات من بين يديه ومن خلفه " يعني به النبي صلى الله عليه وسلم ; أي أن الملائكة تحفظه من أعدائه ; وقد جرى ذكر الرسول في قوله : " لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر " [ الرعد : 7 ] أي سواء منكم من أسر القول ومن جهر به في أنه لا يضر النبي صلى الله عليه وسلم , بل له معقبات يحفظونه عليه السلام ; ويجوز أن يرجع هذا إلى جميع الرسل ; لأنه قد قال : " ولكل قوم هاد " [ الرعد : 7 ] أي يحفظون الهادي من بين يديه ومن خلفه . قال القشيري : وهذا لا يمنع الرب من الإمهال إلى أن يحق العذاب ; وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الإصرار فيصير ذلك سببا للعقوبة ; فكأنه الذي يحل العقوبة بنفسه ; فقوله : " يحفظونه من أمر الله " أي من امتثال أمر الله . وقال عبد الرحمن بن زيد : المعقبات ما يتعاقب من أمر الله تعالى وقضائه في عباده ; قال الماوردي : ومن قال بهذا القول ففي تأويل قوله : " يحفظونه من أمر الله " وجهان : أحدهما : يحفظونه من الموت ما لم يأت أجل ; قاله الضحاك . الثاني : يحفظونه من الجن والهوام المؤذية , ما لم يأت قدر ; - قاله أبو أمامة وكعب الأحبار - فإذا جاء المقدور خلوا عنه ; والصحيح أن المعقبات الملائكة , وبه قال الحسن ومجاهد وقتادة وابن جريج ; وروي عن ابن عباس , واختاره النحاس, واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ) الحديث , رواه الأئمة. وروى الأئمة عن عمرو عن ابن عباس قرأ - " معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه " فهذا قد بين المعنى .
وقال العلماء رضوان الله عليهم : إن الله سبحانه جعل أوامره على وجهين : أحدهما : قضى حلوله ووقوعه بصاحبه ; فذلك لا يدفعه أحد ولا يغيره. والآخر : قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه , بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظ .
وفي سورة الطارق قال تعالى عن الملائكة الحفظة: [إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ 4*]
إن كل نفس لما عليها حافظ
قال قتادة : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك . وعنه أيضا قال : قرينه يحفظ عليه عمله : من خير أو شر . وهذا هو جواب القسم . وقيل : الجواب " إنه على رجعه لقادر " في قول الترمذي : محمد بن علي . و " إن " : مخففة من الثقيلة , و " ما " : مؤكدة , أي إن كل نفس لعليها حافظ . وقيل : المعنى إن كل نفس إلا عليها حافظ : يحفظها من الآفات , حتى يسلمها إلى القدر . قال الفراء : الحافظ من الله , يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير، وقال الكلبي. وقال أبو أمامة : قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك البصر, سبعة أملاك يذبون عنه , كما يذب عن قصعة العسل الذباب . ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين ]. وقراءة ابن عامر وعاصم وحمزة " لما " بتشديد الميم , أي ما كل نفس إلا عليها حافظ , وهي لغة هذيل : يقول قائلهم : نشدتك لما قمت. الباقون بالتخفيف, على أنها زائدة مؤكدة, كما ذكرنا. ونظير هذه الآية قوله تعالى:" له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " [ الرعد : 11 ] , على ما تقدم .
ومن أذى الشيطان أنه ينزغ بين الناس: [وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا 53]. ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية:
إن الشيطان ينزغ بينهم
أي بالفساد وإلقاء العداوة والإغواء . وقد تقدم في آخر [ الأعراف ] [ ويوسف ] . يقال : نزغ بيننا أي أفسد ; قاله اليزيدي . وقال غيره : النزغ الإغراء .
إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا
أي شديد العداوة . وقد تقدم في [ البقرة ] . وفي الخبر ( أن قوما جلسوا يذكرون الله عز وجل، فجاء الشيطان ليقطع مجلسهم فمنعته الملائكة. فجاء إلى قوم جلسوا قريبا منهم لا يذكرون الله، فحرش بينهم فتخاصموا وتواثبوا. فقال هؤلاء الذاكرون: قوموا بنا نصلح بين إخواننا؛ فقاموا وقطعوا مجلسهم وفرح بذلك الشيطان ) . فهذا من بعض عداوته .
قال تعالى في سورة فاطر: [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ 6]. وذكر القرطبي في تفسير هذه الآية:
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا
أي فعادوه ولا تطيعوه . ويدلكم على عداوته إخراجه أباكم من الجنة , وضمانه إضلالكم في قول : " ولأضلنهم ولأمنينهم " [ النساء : 119 ] الآية . وقوله : " لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم " [ الأعراف : 16 - 17 ] الآية . فأخبرنا جل وعز أن الشيطان لنا عدو مبين ; واقتص علينا قصته , وما فعل بأبينا آدم صلى الله عليه وسلم , وكيف انتدب لعداوتنا وغرورنا من قبل وجودنا وبعده , ونحن على ذلك نتولاه ونطيعه فيما يريد منا مما فيه هلاكنا . وكان الفضيل بن عياض يقول : يا كذاب يا مفتر , اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر . وقال ابن السماك : يا عجبا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه ! وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته ! وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " مجودا . و " عدو " في قوله : " إن الشيطان لكم عدو " يجوز أن يكون بمعنى معاد , فيثنى ويجمع ويؤنث . ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال ; كما قال جل وعز : " فإنهم عدو لي " [ الشعراء : 77 ] . وفي المؤنث على هذا أيضا عدو . النحاس : فأما قول بعض النحويين إن الواو خفية فجاءوا بالهاء فخطأ , بل الواو حرف جلد .
ولايفعل ذلك إلا الجن غير المؤمن؛ لأن الجني المؤمن والملتزم لا يدخل بيت إنسي مؤمن لحرمة ذلك عليه. ولأن من الجن من هو صالح ومنهم من هو مفسد كما جاء في سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖكُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴿11﴾ جاء في تفسير القرطبي لهذه لآية. قال المسيب: أي كنا مسلمين ويهود ونصارى ومجوس . وقال السدي في قوله تعالى : " طرائق قددا " قال : في الجن مثلكم قدرية , ومرجئة , وخوارج , ورافضة , وشيعة , وسنية.تفسير القرطبي للآية. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَۖفَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴿14﴾. والقاسط : الجائر , لأنه عادل عن الحق , والمقسط : العادل ; لأنه عادل إلى الحق ; يقال : قسط : أي جار , وأقسط : إذا عدل.
ولشدة خطر حضورالشيطان بيننا؛ أمرنا الله تعالى أن نستعيذ به من حضوره بيننا باستمرار، فقال في سورة المؤمنين: وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98).قال القرطبي في تفسير هذه الآية: [أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالتعوذ من الشيطان في همزاته , وهي ثورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه , كأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة فلذلك اتصلت بهذه الآية . فالنزغات وثورات الغضب الواردة من الشيطان هي المتعوذ منها في الآية ; وقد تقدم في آخر " الأعراف " بيانه مستوفى , وفي أول الكتاب أيضا . وروي عن علي بن حرب بن محمد الطائي حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد بن حبان أن خالدا كان يؤرق من الليل ; فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضب الله وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون . وفي كتاب أبي داود قال عمر : وهمزه الموتة ; قال ابن ماجه : الموتة يعني الجنون . والتعوذ أيضا من الجنون وكيد . وفي قراءة أبي " رب عائذا بك من همزات الشياطين , وعائذا بك أن يحضرون " ; أي يكونوا معي في أموري , فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز , وإذا لم يكن حضور فلا همز . وفي صحيح مسلم عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة"] .
حتى أن المتقين إذا نسوا ذكر الله حتى ولو لفترة قصيرة، يحاول الشيطان الذي كان خانساً عندما كانوا يذكرون الله أن يؤذيهم؛ لأن هناك نوع من الشياطين الطوافة حول البيوت ينتظرون فرصة نسيان التقي لذكر الله أو عند ارتكابه لمعصية ما؛ ليؤذوه بِمَسِّهِم، والتقي عندما يصيبه أذى الشيطان كما قال الله يتذكر أي يفطن بأن عليه أن يستغفر ويود لذكر الله حتى يطرد ذلك الطائف، وقد سماه الله طائفاً لأنه لا يستطيع الإستقرار في بيوت الأتقياء المداومين على ذكر الله القارئين لكتاب الله؛ لذلك يبقى طائفاً يتحين الفرص للدخول عليهم؛ كما قال تعالى في سورة الأعراف: [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 200* إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ 201].
والشيطان أيضاً يستطيع أن يضرب ويتخبط بني آدم وقد روى النسائي في صحيح سنن النسائي3/1123 ورقمه : 5104: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: [اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغاً].
لذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ سورة ياسين على المحتضرين من موتانا. وقال الله في سورة البقرة:
[الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 275]. ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية روي في حديث الإسراء : ( فانطلق بي جبريل فمررت برجال كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم متصدين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار بكرة وعشيا فيقبلون مثل الإبل المهيومة يتخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فيميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون براحا حتى يغشاهم آل فرعون فيطئونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة وآل فرعون يقولون اللهم لا تقم الساعة أبدا , فإن الله تعالى يقول : " ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " [ المؤمن : 46 ] - قلت - يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : ( هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) . والمس: الجنون.
إذن مسألة إستدعاء الجن بدعوى تحضير الأرواح ليست دعابة! يقول ابن تيمية في مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 24/276 عن موضوع أذى الجن:
[" دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى : ( الَّذين يأكلون الرِّبَا لا يقومون إلاَّ كما يقوم الَّذي يتخبَّطه الشَّيطان من الْمَسِّ ) [ البقرة : 275 ]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) صحيح البخاري : 6/336 . ورقمه : 3281 . ورواه مسلم : 4/1712 . ورقمه : 2175 .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : " قلت لأبي : إن أقواماً يقولون : إن الجني لا يدخل في بدن المصروع ، فقال : يا بني يكذبون ، هذا يتكلم على لسانه "
يقول ابن تيمية : " هذا الذي قاله مشهور، فإنّه يصرع الرجل ، فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويُضْرب على بدنه ضرباً عظيماً ، لو ضرب به جمل ، لأثر به أثراً عظيماً ، والمصروع مع هذا لا يحس الضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يُجَرّ المصروعُ، وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحول الآلات ... ويجري غير ذلك من الأمور؛ مَنْ شاهدها أفادته علماً ضرورياً، بأن الناطق على لسان الإنس، والمحرك لهذه الأجسام ، جنس آخر غير الإنسان " .
ويقول رحمه الله " وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك، وادعى أن الشرع يُكذِّب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك"].
هل هناك حالات يرى بها الإنسان الجن؟
نعم! نحن نرى الجن في حالة واحدة فقط؛ وهي حين يتشكلون بشكل إنسان أو حيوان، لأن الله سبحانه وتعالى أعطاهم القدرة على التشكل بهذه الأشكال؛ ولكن من الذي سيميزهم حين سيصبحون في شكل آدمي أو حيواني، سيعيثون فساداً في حياة الإنسان وهو لايعلم أنه يتعامل مع الجن. إلا الذين يصطفيهم الله لإخلاصهم في طاعته ليس للشطان عليهم سلطان، والدليل على ذلك ما ذكره القرآن عندما جاء الشيطان المشركين يوم بدر في متشكلاً في صورة سراقة بن مالك، ووعد المشركين بالنصر، وفيه أنزل الله في سورة الأنفال:( وإذ زيَّن لهم الشَّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النَّاس وَإِنِّي جارٌ لكم 48) . ولكن عندما التقى الجيشان، وعاين الشيطان الملائكة تتنزل من السماء، ولى هارباً:( فلمَّا تَرَاءتِ الفئتان نكص علـى عقبيه وقال إني بريءٌ منكم إِنِّي أرى ما لا ترون إني أخاف الله)
وكما جاء أيضاً في الحديث الذي روي في صحيح البخاري: 4/486 . ورقمه : 2311 . والحديث وصله النسائي وغيره . وفي فتح الباري شرح البخاري: 4/488: [قال أبو هريرة: ( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج ، وعليّ عيال ، ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ )
قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود ، فرصدته ، فجاءَ يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : دعني فإني محتاج ، وعليّ عيال ، لا أعود ، فرحمته ، فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟ ) قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله .
قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فرصدته الثالثة ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا آخر ثلاث مرات ، إنك تزعم لا تعود ، ثمّ تعود ! قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قال : قلت : ما هنّ ؟
قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [البقرة : 255] حتى تختم الآية ؛ فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قلت : يا رسول الله زعم أنّه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخليت سبيله ، قال : ما هي ؟ قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ البقرة : 255 ] وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير .
قال النبي : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ ) قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان).
هل هذا فقط هو الأذى الذي ستصيبنا من حضور الشيطان بيننا، طبعاً لا! إن هناك أخطاراً أكثر من ذلك بكثير، ولكن المجال لا يتسع للإطالة أكثر مما أطلت، وأظن أن القارئ فهم أخطار تحضير الأرواح التي يزعمونها. أبعد أن يأمرنا الله أن نستعيذ به منهم و نطلب منه أن يمنع الشيطان أن يحضر بيننا؛ يأتي أناس ويطلبون منا أن نُحَضِّرهم، أي نطلب منهم الحضور؟ فأي معصية أكبر من هذه المعصية.
أما صديقتي التي حضَّرت الجن بظنها أنها روح صالحة لتقنعني بوجود عالم الغيب، فقد أخذت تُحَضِّر الجن كهواية تعلمها لكل من هب ودب، وصارت تلك الهواية عندها عادة، لا أدري كيف أنها لم تخيفها كما خفت أنا عندما أدركت أن هناك قوة خفية تتحرك بيننا تعمل ما تريد، ونحن لا نراها ولا نستطيع السيطرة حتى على السلة! ومع مرورالوقت أخذتْ تلك الصديقة تتغير شيئاً فشيئاً، وأصبحت تقول أن هناك ملك الأملاك يحبها ويظهر لها ويكلمها، وهو مستعد أن يؤذي من يخالفها إذا طلبت منه ذلك، حتى باتت غريبة الأطوار. كانت شابة جميلة في السابعة عشر من عمرها و عازبة حين بدأت تحضير الأرواح ؛ ثم تزوجت بعد ذلك ولكن لم تدم لها أي زيجة سوى أيام أو بالكثير أسابيع، حتى أصبحت عدد زيجاتها ستة عشر زيجة، وعندما أسالها لماذا يتكرر ذلك معك دائماً؟ تقول لي: يمنعني ملك الأملاك أن أتزوج غيره!
هي طيبة جداً وتحب مساعدة الناس وذكية لدرجة العبقرية فهي تعمل وهي من المتفوقين في عملها. ولكن الحالات التي تنتابها من حضور الجن الذين يرافقونها؛ نَفَّرت الناس وأخافتهم منها وتركتها وحيدة تعاني غربة بين الناس. مسكينة تحاول إنشاء صداقات وتخلص لهم ولكن سرعان مايتركوها ليقولوا عنها أنها مجنونة! لقد ضيعت حياتها وللأسف فلا زواج يدوم ولاصداقة تستمر؛ بسبب لعبها بالنار بممارستها لهواية تحضير الجن، تلك الهواية التي تقول أنها تحاول التخلص من تبعاتها بقوة ولكنها وكما تقول لا تستطيع!
أرأيتم كم هي خطيرة عملية تحضير الأرواح المزعومة! أرجو أن نعتبر بما حدث لغيرنا قبل أن يحدث لنا، ولا نحاول تحضير الجن حتى ولو من باب الفضول، لأنه وكما قيل " إن من الفضول ما يقتل صاحبه". ولا نقول إلا كما أمرنا الله سبحانه وتعالى "رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون".
أهم شيء في الموضوع الآن؛ هل لمن يُحضِّر "الأرواح" التي هي الشياطين توبة؟ وهل ستحميه الملائكة الحفظة من تلك الشياطين التي يُحضرها؟ سأذكركم بما نقلته مما ذكره القرطبي في تفسير الملائكة الحفظة:
قال العلماء رضوان الله عليهم : إن الله سبحانه جعل أوامره على وجهين : أحدهما : قضى حلوله ووقوعه بصاحبه ; فذلك لا يدفعه أحد ولا يغيره. والآخر : قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه , بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظ.
قال القشيري : وهذا لا يمنع الرب من الإمهال إلى أن يحق العذاب ; وهو إذا غير هذا العاصي ما بنفسه بطول الإصرار فيصير ذلك سببا للعقوبة ; فكأنه هو الذي يحل العقوبة بنفسه.
إذن التوبة السريعة هي الحماية من تلك الشياطين، وقراءة القرآن باستمرار قدر المستطاع خصوصاً في البداية؛ هو الذي سيجعل له حجاباً مستوراً يحميه من هؤلاء الجن الذين لايؤمنون بالله؛ الذي قال الله عنه في سورة الإسراء: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46).ذكر القرطبي في تفسيرهذه الآية:
وقوله : " مستورا " فيه قولان : أحدهما - أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه . والثاني : أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه ; ويكون مستورا به بمعنى ساتر .
وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده
أي قلت : لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن . وقال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله : ليس شيء أطرد للشياطين من القلب من قول لا إله إلا الله , ثم تلا " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " . وقال علي بن الحسين : هو قوله بسم الله الرحمن الرحيم . وقد تقدم هذا في البسملة .
ولوا على أدبارهم
قيل : يعني بذلك المشركين . وقيل الشياطين .
والجدير بالذكر هنا؛ أن أشير إلى أن العلم اكتشف ذلك الحجاب الذي ذكره الله تعالى والذي ينشأ أثناء قراءة القرآن في الصلاة وطبعاً في خارجها. ولقد سجلتُ ذلك الإكتشاف في الطبعة الثالثة لكتابي "نداء لجميع" الذي أقتطع منه الفقرة التالية:
إن سر الصلاة يكمن في قراءة القرآن وتكبير الله عمن سواه و تنزيهه عن باقي المخلوقات فيها؛ لذلك فعندما تقرأ القرآن وتذكر الله سواءً في الصلاة أو خارجها سيتم الإتصال الروحي بينك وبين ربك، ومهما جرى معك من أحداث ومصائب فلا تفكر سوى ب "إنا لله وإنا إليه راجعون"؛ لذا فأنت تترك الأمر له ليبت فيه وتجعله وكيلك بعبارة "توكلت على الله". فيجعل الله بينك وبين أعدائك من شياطين الجن والإنس وتصرفاتهم وأذاهم ووساوهم حاجزاً خفياً، تملأه السكينة وصفاء الذهن من أي قلق نفسي فتعيش فيه مطمئناً: كما قال تعالى في سورة الإسراء: (45 وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا*). ومعنى "مستوراً" فيه قولان: أحدهما أن الحجاب مستور عنكم لاترونه. والثاني أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه! وأنا أؤمن أن معنى مستوراً هو كلا القولين معاً؛ لأن لكل قول أدلته القوية التي لايمكن تجاهلها. من ذلك نعلم أن الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله، هم النداءات المقدسة التي بواسطتهم تأتي النجدة الروحية فتنزل السكينة علينا حين الحاجة إليها.
والدليل على كلامي هو ما اكتشفه العالم الألماني دكتور كنوت الغير مسلم، الذي انتبه إلى وجود هالة حقل مغناطيسي يحيط بجسم المصلي! يمد الإنسان بطاقة عجيبة تعطيه سلاماً وإطمئناناً مدهشين! و الذي زاد دهشته أن ذلك الحقل ينشأ فقط حين يُصلي الإنسان بتركيز أي بخشوع! فقام دكتور كنوت بتصوير تلك الطاقة بآلات تصوير خاصة، ومن أراد أن يرى تلك الصور بنفسه على النيت، ما عليه سوى أن يرى مقابلة أجرتها المذيعة المصرية الأصل نشوة، على قناة دبي مع دكتور كينويت بعنوانtheMiracle of ZamZam water discovered by Dr. Knut Pfeiffer, وكان موضوعها قياس الطاقة التي يحصل عليها الإنسان قبل شرب ماء زمزم و بعده، وقياس الطاقة قبل الصلاة وبعدها! عرض دكتور كنوت في تلك المقابلة صوراً تُظهر كثافة الطاقة قبل شرب ماء زمزم وصوراً بعده، و كذلك صوراً للطاقة لمصلين قبل الصلاة و بعدها وأكد على أن هذه الصور هي للمصلين الذين يصلون بعمق فقط! أي بلغة المسلمين “الخاشعين" فقط. واستطرد قائلاً: ( بمعنى أنه لو قام الإنسان بالتركيز في الصلاة أي فتح قلبه للطاقة المقدسة فهناك شيء عظيم سيحدث، أعظم من لو أنه قام بالصلاة بشكل عادي. ولقد عرفنا ذلك الفرق من قياس الطاقة قبل و بعد صلاة المسيحيين و قياس الطاقة قبل وبعد صلاة المسلمين! فوجدنا أن المسلمين يصلون بشكل عميق، ولكن المسيحيين عادة لايفعلون! ونحن لا ندري من أين تأتي هذه الطاقة وهذا الحقل المغناطيسي).
ثم ربط بين التوقيت العجيب لأوقات الصلوات الخمسة وبين حاجة الإنسان لتلك الطاقة التي يستمدها من تلك الصلوات، واكتشف أن سبب تقسيم الصلاة لخمس مرات في اليوم لاتزيد عن مدة معينة هي للحفاظ على الطاقة بشكل مرتفع! وقال: لو سنحت لنا الفرصة لمراقبة مجال الطاقة قبل وبعد الصلاة وقبل وبعد الحج، لتعلمنا الكثير عما يحدث في هذا المكان المقدس، وماذا يحدث في داخل أجسامنا، فالطاقة المقدسة تحيط بنا في الحج طوال اليوم، ونحن يجب أن نفتح لها ونسمح لها بالتأثير علينا، ويجب أن نتعلم المزيد عن ذلك الموضوع ولكننا نحتاج لأجهزة أحدث ودراسات أكثر تقدماً تمكننا من العلم من أين جاءت؟ لنستفيد منها في العلاج الجديد الذي اكتشفناه ونعمل على تطويره منذ 12عاماً، وسميناه "العلاج بواسطة مجال الطاقة".
نعم إنه علاج جديد بالنسبة لهم، ولكننا نحن المسلمون نؤمن أن تلك الطاقة من عند الله، ومنذ أن علَّمنا إياها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج أنفسنا بها ، ونسميها "الرقية الشرعية بالآيات القرآنية" والتي هي بكل بساطة عبارة عن "قراءة القرآن داخل الكفين بعد ضمهما إلى الفم ثم مسح مانطاله من أعضاء الجسم بهما"!. ألم يقل الله في سورة الإسراء: [82 وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ*].وقال في سورة فصلت:[44 قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًىۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ*]
لعل سائلاً يسأل لماذا حين حضَّر شخص مثل السيد ياس الشياطين (ظناً منه أنها أرواح ناس قد توفيت) بواسطة قراءة القرآن، لماذا لم تجعل له الملائكة حجاباً مستوراً لتحميه؟ ألم يقل الله أنه إذا قرأ أحد القرآن سيحصل على ذلك الحجاب؟ (45وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا*).
الجواب: إن الله قد قرن الأعمال بالنيات، فإن كانت نية قراءة القرآن هي طلب الحماية من الشياطين أو طلب الثواب أوالعون أو الشفاء من الله جعله لهم شفاء من كل بلاء ووكل لهم حفظته..أما إذا كانت قراءة القرآن بنية المعصية كإحضار الجن العرافين، لإكتساب معرفة الأخبار منهم؛ فإن الله سيخلي بين العاصي والملائكة المكلفة فلا تقوم بنصب ذلك الحجاب حوله ولن تحميه. أليس هو من يطلب حضورهم؟ ألم يقل الله في سورة فصلت:
[ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ 44]
ومستخدم القرآن لإحضار الجن في هذه الحالة آثم ليس له ثواب؛ لأن القراءة استخدمت في غير طاعة الله. وعليه بالتوبة الفورية قبل أن يرمي نفسه في التهلكتان، تهلكة الدنيا بتحكم الشياطين في حياته وتدميرها، وتهلكة الآخرة وهي النار الحامية. اللهم إني أنا عبدتك منى الراعي أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون.
مع تحيات منى ناظيف الراعي
10/ 12 / 2011
كان هذا ردي على المقال التالي للسيد ياس خضر العلي:
تحضير الأرواح الأموات والأحياء!./ ياس خضير العلي
يسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي _ قرآن مقدس, يتم تحضير الأرواح لتوجيه الأسئلة لها والأستماع لأجاباتها وخاصة المتوفية التي قضى عليها الموت لأنها تجيب بصدق لمعرفة كل اسرار الكون , وقال ربنا العظيم عن الأرواح _ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الخرى لجل مسمى _ قرآن مقدس, وعملية التحضير تبدأ بأستخدام جسم دائري كالذي يقدم فيه الطعام بحجم مناسب , توضع قصاصات ورق صغيرة دائريآ تكتب عليها الحروف والأرقام من 0الى 9 وبأي لغة تشاء , وكلمة نعم و كلا و ( بسم الله الرحمن الرحيم) وتوضع السبابة الأصبع الرابع باليد اليمنى على فنجان القهوة الصغير العربي المقلوب وسط الدائرة المعدنية وتقرأ آية الكرسي من سورة البقرة رقم 255وهي_
الله لااله الا هو الحي القيوم لاتأخذه سنة ولانوم له مافي السموات والأرض من ذا الذي يشفع عنده ألا بأذنه يعلم مابين أيديهم وماخلفهم ولايحيطون بشيء من علمه ألا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولايؤوده حفظهما وهو العلي العظيم _ قرآن مقدس .
اللهم لمحضرون , أحضري أيتها النفس الطيبة روح فلان ابن فلانة ( يذكر أسم المطلوب واسم امه ) , السؤال _ هل حضرتي بأذن الله , يتحرك الفنجان والأصبعان للشخص الطالب والجالس المقابل له , تتحرك الأصبعان (2) بأتجاه كلمة (نعم) , وتبدأ تسأل ويفضل أن يجلس شخص ثالث لكي يدون حركة الفنجان على الحروف للحصول على جمعها كلمات , والروح تحتاج لجسم تتحرك بع هذه الطريقة أنت أي أنسان يمنحها اصبعه ليحرك الفنجان , وهناك طريقة لمنحها لسان تتحدث به لكنها أحترافية وخطرة السيطرة عليها من أي شخص . النهاية تقرأ الآية التالية من سورة الفجر رقم 27 وما بعدها 28,29و30وهي
ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي الى ربك ( ربكي) راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي_ قرآن مقدس... أنصرفي ايتها الروح الطيبة والحمد لله رب العالمين .. وتهدي لهذه الروح الثواب والهدية عنها بالدنيا مال أو طعام وهكذا صدقة ..
الصحفي العراقي ياس خضير العليمركز ياس العلي للآعلام _صحافة المستقل_
رد عليه بنفس الصفحة
السيد عبد الرحيم محمود شاعر وناقد أدبي
الروح من أمر الله لا تخضع لأمر أحد ولا تعلم الغيب ، ولا تسترق السمع على أقدار الله ، والروح بعد مفارقتها للجسد تدخل إما في رحمة الله أو في عذابه ، لا يتحكم بها أحد ، ولا تتدخل في غير نفسها ، لا يملك أمرها إلا الله ، واستعمال آيات الله في غير ما أنزلت له أمر لا أراه متفقا مع حكمة إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، لم يقم سيدنا رسول الله باستحضار أرواح ولا صحابته ، ولا أحدا ممن يشهد له بعلم ولا دين ، والقيام بهذا الأمر لا شك به الكثير من التساؤل من أين جاءت تلك المعرفة فما دام الله ورسوله وصحابة نبيه لم يأتوا بهذا العلم فمن مصدره ؟؟
وما علاقة قصاصات الورق وفنجان القهوة ؟؟
لا أرى في هذا أمرا شرعيا ، هدانا الله لعمل الخير وخير العمل .
ثم رد عليه الدكتور عيد دحادحة مثقف عربي داعية من فلسطين رام الله
الإفصاح عن تفنيد مزاعم القائلين بتحضير الأرواح !
بادئ ذي بدء أشكر أخي الكريم ياس العلي على كتابته لموضوع ( تحضير الأرواح ) على صفحات هذا المنتدى العامر ، فذا يتيح لنا الفرصة للوقوف على القول الحق في هذه المسألة ، فأقول مستعيناً بالله تعالى:
ما نعتقده نحن المؤمنين بالأديان أن في الكون قوى غير منظورة وعوالم كثيرة غير محسوسة، منها : أرواح الموتى !
فعقيدة أهل السنة والجماعة أن هذه الأرواح باقية بعد الموت، وأنها لا تفنى بفناء الجسد، لأنها نفخة من الحيّ الذي لا يموت ، قال تعالى : { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } (ص 72) فالجسد هو الذي يحكم عليه بالموت لمفارقة الروح له ! وأنها تنعم أوتعذب ! وقد أخبرنا كتاب ربنا عن الشهداء، أنهم: (أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (آل عمران: 169، 170) وهذاطبعًا بالنسبة لأرواحهم أما أجسادهم فقد تكون عظامًا نخرة !
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه (رواه مسلم من حديث أنس)
وقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته إذا سلّموا على أهل القبور، أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقولون: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون " (رواه مسلم من حديث عائشة) وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل ، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد: قال ابن القيم في كتاب " الروح :" والسلف مجمعون على هذا، وقد توافرت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به ! "وهذا بناء على أن الروح ذات قائمة بنفسها كما هو مقتضى اعتقاد أهل السنة والجماعة وقد تظاهرت على ذلك أدلة القرآن والسنة والآثاروالاعتبار والعقل والفطرة وأقام ابن القيم رحمه الله على ذلك أكثر من مائة دليل .
وقد خاطب الله النفس بالرجوع والدخول والخروج، ودلت النصوص الصريحة على أنها تصعد وتنزل وتقبَض وتمسَك وترسَل وتنفتح لها أبواب السماء وتسجد وتتكلم ... إلخ ما ورد، وفي حديث البراء المشهور برهان ساطع ودليل قاطع ( أنظره في مسند أحمد والترمذي والطبراني وله أجزاء في صحيح البخاري وسنن أبي داود وصحيح ابن حبان )
وإذا كان ذلك كذلك : فإننا لا نستطيع القول بأن هذه هي أرواح الموتى الذين كانوا معنا بالأمس ، فإن كثيراً من هذه التي يُزعم أنها أرواح مستحضرة تهرف بما لا تعرف وتقول بغير علم ، وتقذف بالغيب من مكان بعيد ، وهل أرواح الموتى فارغة لهذا العبث ؟! فهي إما في نفحات النعيم أو في لفحات الجحيم ؛ في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار ، كما جاء بذا الأثر عن النبي المختار- عليه أفضل الصلاة والسلام –
وتأمل هذه الآيات القرآنية :
{ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } (الأنعام 93) وقال سبحانه : {الناريعرضون عليها غدوّاً وعشيّا } (غافر46) وقوله { فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ، فلولا إن كنتم غير مدينين ، ترجعونها إن كنتم صادقين ، فأما إن كان من المقربين ، فروح وريحان وجنة نعيم ، وأما إن كان من أصحاب اليمين ، فسلام لك من أصحاب اليمين ، وأما إن كان من المكذبين الضالين ، فنزل من حميم وتصلية جحيم } (الواقعة 83-94) فهذه منازل الآرواح بعد الموت ! وهذا يسوقنا للتساؤل : هل استحضر شيء من الأرواح فذكرت لنا ما لقيت من نضرة نعيم أو نار السموم ؟ وما بال الأرواح التي يُزعم أنها مستحضرة لا تحدّثنا عما نالته من نعيم أو مسها من جحيم وذانك من أهم المواضيع التي ينبغي على تلك الأرواح المسارَعة للإفصاح عنها ؛ لأنها مصيرهم الذي انقلبوا إليه ! وهل هناك أهم إلى كل روح من مصيرها الذي آلت إليه ؟! ثم إذا كان هذا مآل الأرواح بعد الموت فهل يا ترى تكون أرواح الكافرين محرّرة طليقة من كل قيد فتغدو وتروح عند أهل الشعوذة بلا حسيب ولا رقيب ؟! وهل بوسعها أن تفلت من استحقاقات الجحيم حتى تأخذ فاصلاً مستقطعاً لتمثل أمام المشعوذين فتلقي بتقريرها إليهم ثم تعود ؟! وإن كانت في نعيم فهل تتوق لتنزع ولو للحظة عن شيء من هذا النعيم لتأتي وتقضي نَهَمَ أهل السحر والشعوذة والدجل ؟!
وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى بدر من المشركين فألقوا في قليب – بئر - فجاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم : (يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟! فقال له عمر – رضي الله عنه - : يا رسول الله ما تخاطب من أقوام قد جيفوا ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : ( والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون جواباً) فإذا كانت هذه الأرواح لم تستجب لنداء خير البرية ، فأنّى لها أن تستجيب لنداء أشرار من البشرية !
وقد تماهى بعضهم في الضلالة وتناهى حين ذهب يستدل على تحضير أرواح الموتى بقوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَو كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}(الرعد 31)وذا استدلال باطل يبطله سبب نزول هذه الاية الكريمة ؛ فقد ورد في سبب نزولها أن مشركي مكة سألوا النبي – عليه الصلاة والسلام – تعنّتاً أن يسيّر الجبال عن مكة حتى تتسع لهم ! وأن يفجّر بقرآنه الأرض عيوناً فيتخذوا فيها البساتين ! وأن يتلوالقرآن على موتاهم فيخاطبوهم ويخبروهم بصدقه ! فنزلت هذه الآية القرآنية بدلالتها الواضحة أن تكليم الموتى بالقرآن ممتنع ؛ ذلك أن حرف ( لو ) في لغة العرب هو أداة امتناع لامتناع ؛ امتناع وقوع جواب الشرط لامتناع حصول فعله !
وبعد: فإذا كانت هذه الأصوات والجلبة القادمة من عوالم خفية والتي تُسمع بحضرة المشعوذة ليست بأصوات أموات ، فهي كذلك ليست بأصوات الملائكة أيضاً كونهم جزءا من عالم الغيب ؛ لأن الملائكة كما أخبر عنهم جلّ شأنه عباد مكرمون {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}(الأنبياء 27)فلم يبق إلا أن يكون وراء هذه الأصوات الخفيّة عالم الجن و الشياطين ، وحسبك قوله تعالى {هل أنبئكم على من تنزّل الشياطين ، تنزّل على كلّ أفاك أثيم}(الشعراء221-222)
وأخيراً فإني أنصح نفسي وكافة إخواني بعامة ، وفرسان هذا المنتدى الأصيل العامر بخاصة ، أنصحهم بأن ننشغل في مقالاتنا بتهذيب أرواح الأحياء من الخَلق ، وذا منهج أهل الحق ، لا أن ننشغل بترهات تحضير أرواح الأموات فذا باطل ، وكم بين هذين التوجّهين من فرق !