القرآن لم ينزل لهذا..وسر إعجاز القرآن ليس بمثل هذه الأمور بل هو في نظمه وتشريعاته البديعة
وإذا أردنا أن نقنع الناس بصدق القرآن فإن السبيل إلى ذلك هي أن نقبل على القرآن بقلوب وعقول مفتوحة ونستلهم منهجه في تشكيل حياتنا الاجتماعية والنفسية والسياسية والحضارية, حينها سيؤمن الناس بالقرآن لأنهم يرون أثره ماثلاً أمامهم على أرض الواقع..
أما أن نظل نقول للناس إن القرآن هو كتاب معجز، وسبق علومكم بألف وأربعمائة عام بينما واقعنا هو أبعد ما يكون عن العلم والحضارة فإننا لن نقنع أحداً بذلك وسنكون دعاةً ضد القرآن وليس دعاةً له..
ما دام القرآن يحتوي على كل هذه الحقائق والأسرار العلمية فلماذا لا نبادر ونسبق الغرب لاكتشافها..سؤال مزعج
الناس يتأثرون بلسان الحال أكثر من تأثرهم بلسان المقال فكيف نقنع الناس بأن الإسلام هو دين العدل بينما الاستبداد يعشش في بلادنا، وكيف نقنعهم بأن الإسلام يحث على النظافة بينما شوارعنا تغص بالقمامة، أم كيف نقنعهم بأن الإسلام هو دين العلم بينما تترعرع في عقولنا الخرافات..
القرآن يعلمنا بأن ندعو قائلين "ربنا لا تجعلنا فتنةً للذين كفروا" وذلك بأن الذين كفروا إذا رأوا واقع المؤمنين واقع ضعف وهزيمة فإنهم سيقولون لو كان في دين هؤلاء خيراً لأعزهم الله ونصرهم..
الناس في عصر العلم والحضارة لا تستهويهم مثل هذه الأمور الخوارقية، بل يستويهم الإنجاز الحضاري، ولا أبلغ من تقديم نماذج اجتماعية وحضارية متميزة لإقناع العالمين بصحة القرآن وأثره..
لا أظن أن هذا الربط دقيق بين أحداث 11 سبتمبر وبين آيات سورة التوبة:
قال تعالى : " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين"
تقع هذه الآية في الجزء ( 11 ) وهو يوم الانهيار ورقم السورة ( 9 ) وهو الشهر الذي وقع فيه الانهيار و عدد كلمات السورة ( 2001 ) وهي السنة التي وقع فيها الحادث و رقم الآية ( 108 – 109 ) وهما رقما البرجين
وربما قام بهذا الربط أحد الهواة، فحسب علمي بأن الشارع الذي يقع فيه البرج له اسم آخر غير اسم جرف هار، وما يجعل مثل هذه المواضيع تنتشر بسرعة عبر الانترنت دون تدقيق وتثبت هي حالة الفراغ الفكري والعجز الحضاري التي يعيشها المسلمون..
مثل هذه المواضيع تدلل على عجز حضاري أكثر من دلالتها على إعجاز علمي
والآية التي يستشهد بها تتحدث عن معنى عام بأن من يبني بنيانه على أساس فاسد فإن هذا البناء لن يكتب له البقاء وسينهار به، ولا تخصص الحديث عن حادثة معينة في وقت وزمان معينين
إننا لن نخدم القرآن بمثل هذه الترهات، وخير وسيلة لخدمة القرآن هي أن ننفتح فكرياً على الحضارة الإنسانية ونهضم آخر إنجازاتها وعلومها، ومن ثم نتأمل القرآن بأفق أوسع أتاحه لنا الاطلاع على المعارف الإنسانية ونستنتج منه نظمه الاجتماعية والتشريعية والتاريخية الرائعة..
"إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً"
والله أعلم..
منقول