خاطب نبيك ...
تأملات في دلالة تحية النبي صلى الله عليه وسلم بكاف الخطاب في مطلع التشهد
الحمد لله واللصلاة والسلام على نبيه ومن والاه ...
من أمارت الحضور النبوي المستمر في حياة المسلم
ترديده كل صلاة - في مطلع تشهده –
السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة المخاطَب
فيقول :
( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) ..
وهذا من حكمة الشارع البالغة في حث العبد على
التعلق المباشر بالنبي صلى الله عليه وسلم
وقوة استحضاره كأنه أمامه يخاطبه .
وفيه أيضا إشعار بما ينبغي أن يواكب ذلك الاستحضار
من التعظيم والتوقير ، وتهيب المقام النبوي الزكي ،
لأن ضمير المخاطَب أدعى من ضمير الغائب
لتهيب المخاطِب وتأدبه ، وأجلب لامتثاله وتجاوبه .
وفيه أيضا إشارة بليغة إلى أن البعد النفسي والشعوري
قوي الاعتبار في فقه السيرة النبوية ،
لا سيما وأن الله تعالى ضمن ذلك – من الصلاة - الركنَ المُخلَص
للتحية الدالة على غاية القرب ؛ المقتضية غاية الإخبات والحضور ،
وإفراد المُحَيّى بانصراف القلب وصفاء الشعور .
فإذا فقه العبد سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا النحو
علم أن حبه له وتعلقه به لا يرتويان ولا يثمران ،
ولا يطيبان ولا يُرفعان إلا باستحضار ذلك القرب ولازمه على الدوام ؛ حتى يصير مألوفه ومهواه ، وهاجسه وهِجيراه ....
فلم تزل نفس العبد حية بانسياب الحضور النبوي الكريم ..
ولم يزل شعوره معلقا بمشهد معيته صلى الله عليه وسلم ؛
دافق الإخبات والتعظيم ..
ولم يزل قلبه مسرورا متقلبا في غمرة هذا النعيم . ..
فما أفقه من وافق هذا الركن النفسي العظيم
من أركان فقه السيرة النبوية ؛ فصحح قول من قرر من الفقهاء أن كاف الخطاب
في التشهد أحق بالاعتبار من هاء الغياب .
وأن دلالة كاف الخطاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
كدلالتها بعد موته ،
كيف وقد أجاب المستفسرَ عن سر عرض صلاتنا عليه – بعدما أرِم -
بقوله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء )
أبو داود من حديث أوس بن أوس الثقفي ، رقم 1047 ، وهو صحيح .