مقدمة عن الزجل الفلسطينيّ للأستاذ سعود الأسدي
سعود الأسَدي
أحد رواد المحكيّ في فلسطين
يعتبر الزّجل الفلسطيني بحكم موقع فلسطين واسطة عقد أزجال الأقطار العربية برغم حيف الدّهر، ووطأة القهر على الشعب الفلسطيني، وما تعرض له من تآمر استعماري، وطمع غربي، ونكبات ونكسات امتدت قرابة قرن من الزمان، ولا يخفى على المطّلع أن للزجل الفلسطيني خصوصية بسبب طبيعة الجغرافية الفلسطينية الممتدة بين الجليل والنقب، ومن سيف البحر إلى قمة الجبل، ثم إلى أعماق الغور، ولما يمتاز به هذا البلد من طقس معتدل تارة، وصحراوي تارة أخرى وتحولات في تضاريسه لا تُتاح إلا لقارة كبيرة، ثم التلوين البارز في تركيبة سكانه بين مدينة وقرية وبادية، وسكان أصليين ضربوا في جذورهم في أعماق التاريخ، وآخرين وافدين مما أكسب اللغة المحلية المحكيّة الفلسطينية ثروة كبيرة في التراكيب والمفردات، وقد رَفَدتْها اللهجات المتعددة حتى استقامت إلى جانب الفصحى، هذه لغة الخاصة وهم قلة نادرة، وتلك لغة العامة وهم السواد الأعظم.
إن المتعمق في دراسة اللهجات الفلسطينية، ومفردات لغة العامة وتراكيبها يستطيع أن يكتشف صلتها بالأرض منذ الكنعانيين وهم آباؤونا الأولون، وليس أدل على ذلك أيضا من صور الحياة الفلسطينية – وخاصة الفلاحية – وهي في حقيقتها كنعانية، ولم تستطع عوادي الزمن محوها لأن الإنسان الفلسطيني عاش من الأرض وبالأرض، وللأرض على مر العصور، وكرّ الدهور.
بنى الفلاح الفلسطيني بيته من الطين، وسقفه بخشب أشجار الوعر، وجعل عماده القمح والزيت – وهما أسدان في البيت – وما تنتجه الكروم من تين وعنب ورُمّان، ويستطيع الناظر أن يتحقق من شدة إرتباط الفلاح الفلسطيني بأرضه عندما يرى كثرة السناسل – وهي جدران تُبنى بالحجارة لحفظ التربة من الانجراف بالأمطار والسيول، خاصة في التلال والمنحدرات الجبلية – والتي لا تزال شاهدة على الجهد الفلاحي المبذول في أرض الجليل، والجبال الممتدة من جرزيم وعيبال قرب نابلس إلى رام الله، والقدس والخليل، وأعتقد أن هذه الجدران لا شبيه لها في سائر بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.
إن طين الأرض الفلسطينية كان مادة الإنتاج الأولى للأدوات المنزلية التي استعملها الإنسان الفلسطيني، فالخابية، والجّرةَّ، والمِنْشَل، والإبريق، والكوز، والقِدْرة، والمقلاة اتخذت من الصلصال الفلسطيني، وربما كانت الجرّة الغزاويّة هي أول جرّة في التاريخ، ولما كان الإنسان امتداداً لهذا الصلصال فإن الشاعر الفلسطيني استطاع بحسه المرتبط بالوجود أن يرى صورة الجرّة في المرأة، وصورة المرأة في الجرّة، وتشبههما صورة "عشتار" إلهة الخصب الكنعانيّة، وهو القائل:
سِتّـي "زْليخا" مِسْمــَرَّه
مـا بـَنْـسَــاهـا بـالـمـرّه
راحت تاتْمَلِّي من العين
جَـرّه وِبْتِـحْـمـِـلْ جَـرّه
●●●
راحت تاتْمَلِّي من العين
هي وجارتها إم حسين
وْيا عيني مَحْلا الـثنتيـن
مـِثْـل النّقشِـه والـطُـرَّه
العين والجرّة، والحقول والبيادر، والمقاثي، وكروم الزيتون، والمحاجر، والمشاحر والمراعي هي مكونات الحياة الفلسطينية، وقد اعتنى الإنسان الفلسطيني بالزّرْع والضَّرْع، فقَرَّب الطير والماشية إلى حياته وقاسمها المعيشة في منزله، وعانى مثلها الحَرَ والقَرّ، والشّرد والبرد، وتوالت عليه وعليها الفصول بين الأرض والسماء، وإن خياله ساح مع الغيوم، وراح في الليالي يسامر النجوم، وكان لها وجود في تفكيره، وبها عرف المواقيت وتقلّبات الطقس، وحلول المواسم، ولذا فإن لنجمة "الغَرّار" محل في بيت العتابا الفلسطيني الذي يقول:
طِللْعت نِجْمِة "الغَرَّار" بَكّيْر
تِضْوي عاجَبَل حورانْ بَكّيّر
أنا لاسْري مع النّسمات بَكّير
وَاقطف زَهِـرْ خَدِّكْ عَالـنَّدَى
***
لا أزال أذكر منذ طفولتي ذلك الراعي الذي وقف على الشّيّار العالي – أي الصّخر الشاهق – في الجبل المحاذي لقريتي "دير الأسد" الجليليّة وأطلق لصوته العنان، وغنّى:
يا ناهي مـن بَعدِْنا ميـن سَلاّكْ؟
يا ناهي مـن العِنَبْ مَلّيت سلّك
وانا جسمي من الهجران سَلّك
يـْلِفـُّونُـهْ عـلـى بـَكـْرَة خَشـَـبْ
***
ولا يخفى أن كلمة "سَلَّك" الثالثة هي من السِلْك، وهو الخيط الدقيق، وقد سَمّى الناس عندنا بَكَرَة الخيطان "السّليكة"، وتشبيه الجسم النحيل بالخيط، أو العود الدقيق مألوف ألم يقل المتنبي شاعر العرب الأول:
أَبْلَى الأسى أسفاً يوم النَّوى بَدَني
وَفَرَّق الهجرُ بينَ الجَفْن والوَسَنِ
رُوح ترَدَّدُ في مـثـلِ الـخـِلال إذا
أطارتِ الرّيحُ عنه الثَوبَ لم يَبِنِ
والخلال: عود دقيق.
غنَّى الإنسان الفلسطيني الزّجل، وتوارث عن الزّجالين طرائق في القول، وأساليب في الأداء، وهي على درجة عالية من الإتقان، والناس في فلسطين ينظرون إلى الشاعر الزجلي نظرة تقدير وإحترام وإعجاب، لأن موهبة القول والمقدرة على الإرتجال تدعوان إلى الدهشة، والدهشة هي غاية الفن، ولذا فقد أطلق الفلسطيني على الزّجال صفة "البَدَّاع"، بمعنى المبدع إرتجالاً، كما قالوا في المرأة ذات موهبة القول "بَدّاعة"، والبَدْع عند الفلسطيني يعني قول الشعر مرتجلاً.
عرف الشعر الزجلي عندنا إمرأة من "عرب العرامشة" المقيمين إلى الشرق من رأس الناقورة قرب الحدود اللبنانية، كانت ترتجل الأغاني الشعبية، وقد ارتجلت أبياتاً من "الدّلعونا" في العشرينات من القرن الماضي، لتحية أمير الشعراء أحمد شوقي يوم أن مر بفلسطين وهو في طريقه إلى لبنان ليلقي قصيدة "زحلة" والتي غنى منها المطرب محمد عبد الوهاب "يا جارة الوادي"، قالت ريحانة وهي تُغنِّي في حلقة الدّبكة على أنغام الأرغول في عرس إبن خالتها:
علــى دَلْـعـونـا علــى دلـعـونــا
يا أهلا وسهلا بالـلـي يـحـبّـونــا
***
يـا أحمد شوقـي عِـنْديـنا قاصـد
وْما عِنَّا كرسي وْعالرّيضَه قاعد
يـا أحمد شوقـي يابو الـقصـايـد
يـللـيْ كـلماتَـــكْ بـِتـْهـِزّ الـكـونـا
***
فيك وْبـرْجالَك أهلاً يـا مصري
يـللي بُـقصـدانك بتسجِّل نصري
شوقي يا شوقي يا عالي القَصْرِ
كـل مـرّه مَيِّلْ عـالـخيمـة هـونـا
***
شوقي يا شوقي وْإنت الأميري
وْشـو تبْقَى الـعجنِه لولا الخميرِه
يا ريتني أبـْقـى بـِنْتك لِـزْغيـرِه
وْأبْـقـَى خـَدّامَـكْ واني لـممنونـا
***
ولو عدنا إلى بيت العتابا الفلسطيني عند القوّالين المشهورين، وعند الناس المغمورين لوجدنا أنهم استطاعوا أن يشحنوه بعواطفهم، ومشاعرهم، وأحاسيسهم، وبالرغم من أن كثيراً من الأبيات التي قالها أناس عاديون لم تستوف شروط بيت العتابا وقواعده من حيث التجنيس اللفظي، إلا أن الطاقة الشعرية التي فيها عَوَّضت عن تلك الشروط التي أخلّ بها الناظم، ومثال ذلك القول:
يـا طولِكْ طـولْ نَخْلـِه فـي سَرَايا
عـيـونـِكْ سـُوْد و خـدودِكْ طرايا
إن رُحِتْ عَ الشام لاجيبلِكْ مرايا
تمـاري الـخـَدّ والحـاجب ســــوا
●●●
ومثله:
يا طولِكّ طول عود الحور وَأحْلى
وأطـول مـن جريـد الـنَّخِل وَأحْلى
صبايـا "الـديـّر" فيـهنْ كـل كـَحْلا
تِـرّمـي الـطيـر مـن ســابـع سـَمَـا
ولكم تنازعت دير الأسد، ودير القاسي، ودير حَنّا، ودير الغُصُون، ودير أبو ضعيف وسائر الأديرة في فلسطين إلى دير البلح هذا البيت لما فيه من إشادة بسحر عيون بناتها، وفتك رَشَقاتها!
في أحد الأعراس في الأربعينات من القرن الماضي، وأهل قرية "دير حَنّا" في الجليل يطوفون بعريسهم في حاراتها وساحاتها حانت من الشاعر محمد أبو السعود الأسدي نظرة في الأرض فرأى قطعة معدنية تلمع، ولمّا التقطها وجدها قرطاً مصوغاً من ليرة ذهبيّة، وهنا أوقف "صف السحجة" بسحبة أوف وصاح:
قلبي يا بنات العَرَب حَنّا
لَلِّي مْخَضّبـِه الكفّين حِنا
وْبالله يـا صبايا دير حَنّا
مين مْضيّعَه ليـرة ذَهَبْ
وكما لَمَسَتْ حالية العذارى جانب العقد النَظيم في "وادي آش" في الأندلس عندما نظرت إلى حَصَى النبع الرقراق لمست كل صبيّة في العرس الجليليّ شحمة أذنها، وصاحت إحداهنّ: هيه يا عمي يا بو سعود! هاذي الليرة إلي!
وبالرغم من شحنة الحزن في العتابا "الفراقيّة" الفلسطينية فإن بيت العتابا الرجَّالي ليس حزيناً، أو محايداً بل يندفع قوياً جريئاً لينمّ عن العنفوان والكبرياء، وفيه الخيلاء كما في صهيل جياد الخيول وإذا عَبَّر عن عواطف الشاعر الشجيّة جاء رقيقاً سَلِساً شفّافاً مستوفياً شروط الشعر المطلوبة، قال الشاعر شناعة مْريح مادحاً علي بن ظاهر العمر الزيدانيّ حاكم الجليل في القرن الثامن عشر:
علـي يـا بو الحسين الربّ حَيّاك
وسيفك عـا رقـاب الـتُرْك حَيّاك
سِعِد كل من نِزل في وسط حيّك
وْتِعِسْ مـن قـابَلَك يـوم الـحراب
الميجنا
فيما تقدم من حديث عن بيت العتابا الفلسطيني، لم أشأ أن أتعرّض لشروط نظمه من لزوم ووزن، أو بحر، أو تجنيس، أو قفلة كي لا أُثقل على القارىء الكريم بل إكتفيت برصد طاقته الشعرية، وسأفعل ذلك أيضاً فيما تبقّى من فنون الزجل الفلسطيني – وهو جزء من الزجل في بلاد بَرّ الشام – مثل الميجنا، والمعنَّى، والحُداء من عادي، ومربّع ومثمّن، وشروقي وغير ذلك.
من المعروف أن الميجنا والعتابا متلازمان، وإذا كانت ميزة بيت العتابا الفلسطيني نبرة القوة، والعزّة، والعنفوان فإن الميجنا تمتاز بالرقة والليونة واللطف، فكأنما طبعها أُنثوي، وطبع بيت العتابا ذَكَرِيّ، واجتماع بيت العتابا ببيت الميجنا هو تقابل بين الشدة واللين، والتوتّر والاسترخاء وقد اهتدى الزجال الفلسطيني إلى خُطّة الجمع هذه بين الحالتين بنفس الفِطْرة التي اهتدى بها الموسيقي الغربي في الجمع بين الحركة البطيئة والمطمئنّة، والأُخرى السريعة والوثّابة في تأليف القطعة الموسيقية، والتي تُبنى على حركات أولى، وثانية، وثالثة...الخ.
ميجنا
مـن يومْ عـن عيني حبيب القلب بانْ
بانْ حزنـي اللـي انكتم، والدّمـع بانْ
وْكلّما تثنَّى مــع النّسمِـه غصـن بانْ
بذكـر حبيبـي اللـي انثنـَى عنـي بْثَنَا
المعنّى
إن مجال قول المعنّى واسع، ووحدة النظم فيه أربع شطرات كحدّ أدنى، وقد تصل إلى مقطوعة، أو قصيدة، وكان شعراء الزجل اللبنانيون يلتقون بشعراء الزجل الفلسطينيين، وخاصة في عيد المولد النّبوي الشريف، وكان يُقام احتفاله المركزيّ في مدينة عَكّا، ولقد شهدت مَنَصَّات الزجل في "مقهى الدَّلالين" بعَكّا مواقف جميلة، أحدها يوم حَيّا الشاعر الشعبي محمد أبو السعود الأسدي الشاعر اللبناني الضّيف محمد محمود الزّين بقوله:
يــا زيـن يللـي بـالـمِعَنَّى مُعْتَمَدْ
مين غيـرك فــي نظِـم فـَنُّـو نفد
زُرْت عكّا قلعـة الشرق العظيم
ما تزورنا مِشْوار عا ديرالأسد
فأجابه الزّين:
بْدينـي بْإيمانـي بِشريعتـي بمذهبــــــــــي
قلبـي بـِحِبّـَك زيّ مـا يـحـبّ النبــــــــــي
ولـمّـا بـتـعـزمنـي عـلـى ديــر الأســــــد
بركُض رَكِضْ، بمشي مَشِي، بَحْبي حَبي
الحُداء والفَرْعاوي
لقد قال الشعراء الفلسطينيون الحُداء من عاديّ ومربّع ومثّمن وفرعاوي – في صف السحجة – في العرس الفلسطيني، وعند قفلة ردّة الحداء يردّ الجمهور على الحادي بردّة: يا حلالي يا مالي!! وأما الفَرْعاوي فيقال لازمة يتناولها جمهور "صف السحجة" ويرتجل بعدها الشاعر شطرة، وتأتي اللازمة مصحوبة بتصفيف إيقاعي، ثم الشطرة واللازمة وهكذا، والصف يدور في ساحة الإحتفال خطوة خطوة في إتجاه عكس عقرب الساعة، وصف السحجة هذا هو قمة الإحتفال في العرس الفلسطيني، وربما ورث اللفّ والدَّوَران عن اللفّ والدوران حول هياكل العبادة، وربما العكس هو الصحيح، فمن يدري؟!
مُهري في الهيجا لو ثار
ثورَه والعتمِـه مفـرودِه
ويـن عيون تشوف النار
هَبَّتْ مـن بوز البارودِه
الشروقي
كان قول الشروقي يحتلّ الصدارة قبل جيلين أو ثلاثة في حفلات الزجل الفلسطيني، وهو قصيد بدويّ، وكان يقال مصحوباً بعزف على آلة الربابة، ويمتاز بالتزامه قافيتين، واحدة داخلية، وأخرى خارجية، والشروقي يتسع لأغراض الشعر المألوفة عند العرب، ولعل لقصائد شبلي الأطرش، وهو أعظم شاعر سوري قال الشروقي في بلاد العرب، تأثيراً على الشروقي الفلسطيني، وخاصة في الجليل. كما أنّه والحقّ يقال كان للزجل اللبناني تأثير على الزجل الفلسطيني، ومثله تأثير الزجل المصري على الزجل في قطاع غزة، وخاصة المّوال، ولذا اعتقد أن الزجل الفلسطيني اغتنى بهذه الروافد، وهي مسألة في صالحه وفي صالح لغته، بنفس القدر الذي إغتنت به لغة قريش بجمعها لغات العرب ولهجاتها في أسواق الأدب الجاهلية:
يـا ظبية الأنْس يلْلا عَ الحِمَى عودي
مبحوح صوتي عليكي مع وَتَر عودي
هجرِكْ بَرَاني مِثِلْ ما تنبري الأقـلامْ
والأمـل صَفَّـى نُحـُولو عاشـِكِل عـودِه
وقـدّيـش أيـام مـَرُّوا وبنتـظـر أيــــام
بلكـي بسيـعَـه علـيّ مـن اللقـا تجـودي
سيـعتها قدّيـش بشـوف الأمـل بسـّـام
وبعتـزّ فيكـيْ ومَعِـك بعتـزّ بـوجـودي
وْبمشي معاكي وْبَمشِّيكي مسافِة عام
ع َ دْراج زنـدي وْأمامِكْ بَنْقُلْ زنـودي
تـاطَلِّعـِكْ بـيـت كِـلْياتـو بـلاط رْخـام
فـي القدس مبني علـى عُمْدان وِعْقودِه
أغاني الدّبكات الفلسطينية
عرفت ساحات الأفراح، والمناسبات، والإحتفالات الوطنية العديد من الدبكات الفلسطينية، وأشهرها النسوانيّة والشماليّة، والشعراويّة، والبدّاويّة، والرّمْليّة، والطيراويّة، واليافاويّة، والفالوجيّة، والمغربيّة، والكرّادية (القّراديّة)، "وحبل المودّع"، وهي دبكة مختلطة يشترك فيها الرجال والنساء والشبان والصبايا وكانت شائعة في قرى الساحل الممتدة بين عكّا ورأس الناقورة، وقرى شمال فلسطين.
كما قال الفلسطيني "المحوربة" وهي أناشيد للمواكب خاصة، وغنت المرأة الفلسطينية "المهاهاة" وردّدت الزغاريد (الزلاغيط)، وقالت العتابا "الفراقيّة" والتهاليل، كما ندبت على الميت وعدّدت:
ما للعلالي مْسَكَّرَة
والشمس تِقْدًح بابها
بشوف بِنْتو معثّرة
شَقَّتْ عَ بُوها ثيابها
والمجال هنا لا يتسع لإيراد ردّات الدلعونا، وزريف الطول، ويا غزيِّل، وجفرا يا هـَ الرَّبع، وردّات دبكات القرّادي مثل: بين السمرا والبيضا وسواها، والمخمس المقلوب، وكذلك المخمس المردود ومثاله:
بــاب الـبـوابـهِ بْـبـابـيـن
قـْفولِـه وِمْفاتـيـح ثـْقـالْ
وعـالبوّابِـه فـي عبـديـن
الليل وأسمر بني هْلالْ
***
وْنجمِه وِهْلالين وْشمسْ
وْعاشق مُضْنَى بْيِحكي هَمْسْ
وْخـال وْعـمّ وْخُلخـاليـن
وْخـُلـخـالـيـن وْخــال وْعــــمّ
وْعَمّين وْخال وْخلخالْ
وفي الختام فقد حمل الشعر الزجلي الفلسطيني بلغة الأم الفلسطينية لغة الأرض والتراث، آمال الناس وآلامهم، وطموحهم وأحلامهم، وإنني في هذه الُعجالة من الشعر الزجلّي الفلسطيني لم أُغَطِّ جميع مساحات القول الشاسعة، ولم أقصد سوى إستنشاق شذى زهرات زجليّة، فاح أريجها في أرجاء الربوع الفلسطينية، وظلت تعبق خلال العصور، ولم يقو الزمن على محوها، ولعلّ البقاء كما يقولون هو للأصلح، أو الأقوى، "فأما الزَّبَدَ فيذهبُ جُفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض"، والبركة فيما نفع.