هو استاذ للغة العربية انسان بمعنى الكلمة حضرت له عبر اتحاد الكتاب الفلسطينيين
شجعني ودفعني للمضي
وهذا ماوجدته من مقابله له
عبد الكريم عبد الرحيم شاعر يبتدىء بالآخر قبل نفسه
المصدر بلدنا
02 / 03 / 2007
كم يستحضر الشاعر في الشخوص التي يضمنها قصائده، بعداً زمانياً ومكانياً راهناً؟
الشخوص ليست بشراً دائماً يشخص المكان فيصبح بشراً، لا أستطيع أن أميز نفسي من المكان، ولا أستطيع أن أميز نفسي من الشخصيات التي لعبت دوراً في حياتي ، عندما قرأت مئة عام من العزلة "لماركيز" أحسست أنه دخل فيّ، وعندما قرأت باب الشمس "لإلياس خوري" أصبح باب الشمس و"إلياس خوري" و كتابه "النقد والدراسات في الشعر العربي المعاصر" موجود فيّ، و لا أخفي أن مكاناً ما ساحراً ومقدساً قد دخل في جمجمتي ولا أستطيع أن أتخلص منه، لأنه حياتي وكياني إنها "فلسطين"، فأنا لا أجد أقصاها وقدسها وحدهما مباركين، لكن البحر والتراب وأشجار الزيتون ....والأطفال، كل هذا مقدس، فالمكان معادلة جسدية قائمة في شعري ، و قدسية الشخصيات لم تعد مجرد رؤية نراها بل شكلاً يتداخل بالنفس يتداخل بالروح و تأتي المرأة ، الجمال، حتى القبح يصبح شيئاً موجوداً في تلك الذاكرة، لا نستطيع أن نغادر الشخصيات التي كونتنا، المتنبي شيء ما يتلبسنا كعباءة في صحراء، لا تمر هذه الأشياء مروراً عابراً عندما نتجسد فيها وتتجسد فينا.
لحظات الإشراق الشعرية أو الدخول في طقس الكتابة هل يحدها متغيرات؟
المتغيرات تأتي من الواقع الزماني والمكاني الذي نوضع فيه، الشعر ليس له طقس محدد ، القصيدة تأتي في أي مكان أحياناً على درج بناء وأحياناً في الطريق ، مكان غير محدد، فهي لا تستأذن أحداً ، لأنها حالة يعيشها الإنسان لفترة طويلة وفي وقت ما تأتي ، وحينها يجب أن يستقبلها الشاعر ويوفر لها المكان الذي تستحقه ، أما الكتابة بشكل عام، النقدية مثلاً علي أن أتهيأ لها، هذه الطقوس في الكتابة بشكل عام مرتبطة بالكتابة النثرية، أما الشعر الصبي الذي يلعب في ذاكرتي وبوجودي لم أستطع حتى الآن أن أضبطه لا بطقس ولا بموقع ولا بمكان .
إذا غاب هذا الصبي ماذا تفعل؟
أتركه سعيداً وجميلاً لأنني بتجربتي الطويلة "أكثر من أربعين عاماً" تعلمت أن هذا الصبي يذهب ليغتسل بماء الروح ، وليجمر كيانه بقراءات جديدة ، وتجارب الحياة الجديدة بنضج أكثر.
صورة المرأة عندك أو عند الرجل، كيف تعبر عنها شعرياً؟
المرأة عندي مختلفة عما كتبه عنها الشعراء الآخرون، المرأة كيان لا ينفصل عن وجودي فهو صوفي إلى حد بعيد ربما تأتي في شعري وأنا لا أقصد عينيها أو جسدها، فأكون غارقاً في بحر الروح والله ، فتحضر كميزة جمالية لهذا الوجود، أسمع نبض قلبها في قصيدتي ، لكنني لا أستطيع أن أقول بماذا تفكر هي في تلك اللحظة ؟، لأن المرأة عندي خرجت من كونها البياض، العيون ، وأصبحت المرأة عندي، "أم سعد"، "زينب"، "إيمان حجو"، "الوطن"، أراها أحياناً كما رآها "ابن عربي" هي الله هي الوجود ولولاها لم أقل شعراً.
ذوبان الشاعر في الكلمات الشعرية يلونه بالاحتمالات هل جمالية النص الشعري تتصاعد حين تنفتح احتمالاته الفكرية؟
أنا لا أكتب المعنى المباشر ، أترك المتلقي يعيش الصورة الشعرية أمام اللفظة أمام الدلالة ، وأترك الأبواب أمامه مفتوحة كما أترك للسفينة أشرعة تلعب بها الرياح، بعد ذلك لا يمكن أن أقول له حكمة، لكن أستطيع أن أوحي له ، أن أنقل له الإحساس بالأشياء ، وأترك له أن يفكر كما يريد ، ولهذا فالمتلقين لشعري يفتح كل منهم أبواب فهمه للقصيدة بحسب ثقافته وإحساسه ورؤيته هو ، وليس لي إلا أن أضع له الجهات والسمات التي ينطلق منها ، عندما أضعه في الصورة أتركه يعيش جماليتها ، لينتقل إلى جمالية الدلالة فيها.
أنت أم القصيدة أيهما أقوى كموجود؟
لا أعتقد بأن هناك انفصالاً بيني وبين القصيدة، في الغالب هي التي تكتبني وأنا فيها موجود بكياني كله ، بشكلي بالأيديولوجيا التي أحملها بانتمائي الوطني والسماوي والأرضي بانتمائي للمرأة التي أحبها بالمكان الحاضر والغائب، لا يمكن أن أجد لحظة ما تنأى فيها عني أو أنأى أنا عنها ، القصيدة أنا، وأنا هي، يعني علاقة تشبه علاقة الشيخ محيي الدين بن عربي بربه.
هل تتشاكسان؟
أنا دائماً أشاكسها، وعند ذلك أبحث عن جديد فلا يمكن أن أتركها تمضي على سجيتها، كي لا أكرر نفسي، فهي تأخذ كل وقتي وكل تفكيري خاصة بعد تفرغي لها و تركي العمل الوظيفي ، ربما أستيقظ أكثر من أربع مرات في الليلة لأدون شيئاً ما .
هل تجد نفسك قريباً من الشعراء الصوفيين؟
هذه الحالة نقلت تجربتي من مرحلة الكتابة المباشرة في البدايات إلى مرحلة التماهي والذوبان بالأرض وهذه الأرض هي أنثاي هي امرأتي فكيف أعيش معها، كيف أمسك بعينيها في لحظة إضاءة ما أكون أنا وتكون القصيدة ونتداخل معاً.
قيل لي إنك بعيد عن بلدك قلت هو حاضر فيّ وأنا حاضر فيه، وهذه الحالة هي حالة من الصوفية الجديدة وهي ليست تديناً فحسب بل ألماً ومعاناة، الأرض هي المكان وعندما يكون المكان حاضراً في الإنسان لا يمكن أن ينفصلا فيحدث التماهي، لكن هذا المكان ليس فقط الحجر والنبتة وسطح القرميد وشجرة الزيتون أو اللوز ، هناك إنسان آخر موجود تكون حبيبتي مرة وأمي مرة ، والجو العام الذي نعيشه ، هذه الحالة الكبرى للذوبان في الكلمات.
حدثنا عن الصوت والماء . . ديوانك "للماء أمنح صوتي"؟
عندما أمنح صوتي أي أمنح شعري وصلواتي ووجودي ورؤيتي أمنح كل هذا للماء ومن الماء جعلنا كل شيء حي والماء هو المطلق الذي لا سبيل أن نحده بحدود، وهو سبب الوجود الإنساني ولهذا مُنحت هذا الصوت وهذه الحياة الشعرية الكاملة من ذلك الماء فكانت مجموعتي الخامسة أما مجموعتي السادسة فعنوانها: وأدخل في مفردات المكان .
هل مازال الشعر ذاكرة الأمة ؟
هذا الشيخ المسكين مازال أكثر تأذياً في هذا العصر ، كثيرون ممن نسميهم شعراء لا يستحقون هذه التسمية ، وكثير منهم يجب أن ننزع حنجراتهم كي لا يقولوا الشعر، الشعر الحقيقي والشاعر الحقيقي ، مازالا ذاكرة الأمة ، أما هذا الكم المرمي على صفحات الجرائد والمرمي في الإذاعات فلا علاقة له بذاكرة الأمة، كلما أحب أحدهم في الوطن العربي يريد أن يكون شاعراً !.
لكن أولئك النظَّامين الذين درسوا بحور الشعر ونظموه للمناسبات ، فهم أشد خطراً إنهم داء الشعر ، الشعر هو الذي يسبح في جمال الكون والإبداع والرؤية العميقة كتبه شعراء من مصر وسورية ولبنان وفلسطين وكان على سوية من الإبداع والخطاب الذي يسمو بالذات الإنسانية يسمو بالحب ، إنهم جيل أدب الحياة .
لكنْ هناك أصوات شابة تبشر بأن المطر مايزال أخضر ، و ما يزال مستعداً للهطول، هؤلاء جديرون بأن يكونوا ذاكرة الأمة وأن نتحدث عنهم.
ماذا عن الملتقيات الشعرية هل هي في المستوى المطلوب أو هل هي موجودة أساساً؟
ما هو موجود في سورية ليس موجوداً في بلد عربي آخر ، إذا استثنيت مصر ولبنان ، الكم الهائل من المراكز الثقافية بالإضافة إلى اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وجمعية الشعر والكتاب العرب ورابطة الخريجين الجامعيين في حمص ، بالإضافة إلى مهرجان أبي تمام مهرجان الرقة ، في الساحة السورية ملتقيات، الشعراء الذين قصدوا سورية كانوا مأخوذين، لكننا تحدثنا مع المراكز الثقافية تحديداً إلى ضرورة أن تقوم الشعر عن طريقة لجنة نقدية قبل تقديمه على المنابر، لننحي من ليس بشاعر عن منابر الشعر، هذا الإقصاء خدمة للشعر وخدمة للملتقيات.
هناك أصوات أدبية ونقدية وشعرية مصنوعة أيضاً لخدمة منهج ما ، الشعر في مصر ليس على المستوى الذي كان عليه في الستينيات وما بعد ذلك عندما كان صلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي ومجموعة أخرى من الشعراء ، أحمد الشهاوي من الأسماء اللامعة والذي يقدم شيئاً للقصيدة العربية الحديثة ، و هناك آخرون . وفي البحرين حركة شعرية ناهضة أيضاً قريبة من الحداثة الغربية .
دمشق الآن عاصمة الشعر العربي ، وفي 2008 ستكون عاصمة الثقافة العربية فهل ستحسن دمشق تقديم ثروتها الحقيقية من الشعر، إلى الوطن العربي كله ؟
آمل ذلك .
الأدب تقليعة لدى البعض إلى أي مدى يظهر عري هؤلاء لاحقاً؟
هم عراة أمام أنفسهم، هذه القضية الأساسية ، و استهواء النقاد بدعوات العشاء والسهرات وما إلى ذلك يعني الرشوة غير المنظورة ، في مجال الأدب لا يمكن أن تخلق أديباً ولا شاعراً ، وباعتقادي أن الأمر في سورية الآن بدأ يختلف، وأنا متفائل بأنها تستطيع أن تقلم أظفارها و تلقي بكل ما زاد عن . . . ففيها من الشعر والنقد والمسرح ما يكفي لأن تكون في طليعة الدول المهتمة بالثقافة .
من نحن كأدباء في زمن الحضارات؟
نحن رموزها وأجمل ما فيها ، نحن اللحظة الجميلة في الحضارة ، نحن مواليد حضارة وأبناء حضارة عريقة، نحن منذ كتبت ملحمة "جلجامش" موجودون، منذ رفعت الأهرام ، منذ كانت "تدمر" وحضارتها ، إيبلا ، سور عكا ، الأدباء شيء جميل في حضارة الأمم، و القدس و شوارعها و أبوابها تخبئ صورنا ، كما يفعل المناضلون بالمناشير السرية !
أخيراً أقول لجريدة "بلدنا" امضِ وحافظي على وجودك لأنك مهمة.
آخر تحديث ( 02 / 03 / 2007 )