| السلطان السلجوقي الساجد ألب أرسلان [ الأسد الشجاع ] |
هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغر بيك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق ابن سلجوق التركماني، الغُزَّي، من عظماء ملوك الإسلام وإبطالهم ، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلاً سار في الناس سيرة حسنة، كريماً رحيماً، شفوقاً على الرعية رفيقاً على الفقراء، بارّا بأهله وأصحابه ومماليكه كثير الدعاء بدوام ما أنعم به عليه، كثير الصدقات يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة ....
قام الب أرسلان بحملة كبيرة ضد الأقاليم النصرانية المجاورة لحدود دولته، وقاد جيشه نحو جنوب أذربيجان وأتجه غرباً لفتح بلاد الكُرج والمناطق المطلةَّ على بلاد البيزنطيين واستمرت فتوحاته الكبيرة في الأراضي الأرمينية ويبدو أن ملك الكُرج هاله التوغل السلجوقي في عمق المناطق الأرمينية فهادن ألب أرسلان وصالحه على دفع الجزية ونتيجة لهذا التوغل السلجوقي أضحى الطريق مفتوحاً أمام السلاجقة للعبور إلى الأناضول بعد أن سيطروا على قلب أرمينية ...
كان ذلك تحدياً لبيزنطية وبخاصة بعد أن أدرك الأمبراطور البيزنطي، أن ألب أرسلان يصبغ غزوه للبلاد بصبغة الجهاد الديني، وهو يطبع المناطق المفتوحة بالطابع الإسلامي، مما جعل نشوب الحرب بين المسلمين والبيزنطيين أمر لا مفر منه ...
خرج ملك الروم (رومانوس) في جمع كبير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلك الجمع بثلاثمائة ألف جندي ، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه قيل إنهم قرابة خمسة عشرة ألف ، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له وقال : قولته المشهورة : أنا أحتسب عند الله نفسي وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي، ويومي خير من أمسي ...
ثم أرسل السلطان ألب أرسلان المصالحة على ملك الروم : ثم أرسل السلطان الب أرسلان من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض ...
أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 463هـ، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم :
أريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعي فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً فما هاهنا سلطان بأمر ولا عسكر يؤمر فإنما أن اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني، ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة.
فقالوا : مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه ، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت وقال : إن قتلت فهذا كفني ....
ثم وقع الزحف بين الطرفين ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه ومرغ وجهه بالتراب وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه الذي أسره أحد غلمان المسلمين فأحضر ذليلاً إلى السلطان ، فقنعّه بالمِقرعة، وقال : ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة ؟ قال : دعني من التوبيخ. قال : ما كان عزمك لو ظفرت بي ؟ قال : كل قبيح : قال : فما تؤمَّلُ وتُظُن بي ؟ القتل أو تُشهّرني في بلادك، والثالثة بعيدة : العفو وقبول الفداء. قال : ما عزمت على غيرها، فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمس مائة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده ...
فخلع عليه، وبعث معه عدة وأعطاه نفقة توصله وأما الروم فبادروا وملَّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب...
لقد غزا ألب أرسلان بلاد الروم مرتين، وافتتح قلاعاً، وأرعب الملوك، ثم سار إلى أصبهان ومنها إلى كرمان وذهب إلى شيراز ثم عاد على خراسان، وكاد أن يتملك مصر من العبيدين ( الفاطميين ) .
تعتبر معركة " ملازكرد " من المعارك الفاصلة في التاريخ ويسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى، وتعد أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وأصبحت الأراضي البيزنطية تحت رحمة السلاجقة وبذلك يكون السلاجقة قد تابعوا الجهاد الذي قام به المسلمون ضد الروم ...
___________________
المصادر :
- دولة السلاجقه د . علي الصلابي بتصرف نقلا من :
- سير أعلام النبلاء .
- البداية والنهاية .
- المنتظم .
- مختصر تاريخ دولة آل سلجوق .
- تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى .
- الفتوح الإسلامية عبر العصور للعمري .
_________________
الصورة :
معركة ملاذكرد الخالده وأسر البيزنطيين .
* ع *