العباءة في التراث الحوراني
حديث التراث
بقلم ( محمد فتحي المقداد )
العباءة
لغة هي الكساء المصنوع من الصوف أو غيره , مشقوق من الأمام واسع بلا كُمّين , يلبس فوق الثياب , ويرجح أنها مفردة آرامية وتختلف باختلاف من يرتديها .
والعباءة بشكل عام يلبسها علية القوم ومن في عدادهم وركابهم من الوجهاء والمتوجهين , وتتركز ألوانها ما بين الأسود واللون البني الفاتح الذي يقترب من البرتقالي ( لون الحنّاء) . والمرغوب على نطاق واسع منها المطرز بالخيوط الذهبية على جانبي الفتحة الأمامية من الأعلى المحاذية للصدر . وهي من علامات الزعامة الاجتماعية , فمثلاً عندما يموت أحد الوجهاء وله من الأولاد , فيختار الناس أكبرهم في الغالب ويلبسونه عباءة أبيه , كناية عن أنه له من المكانة المحترمة التي كان يحظى بها والده . وتحظى العباءة بمكانة في نفوس معظم المجتمعات العربية ما بين الشرق والغرب , ولا يعني ذلك أنني أعتبرها من التراث الحوراني يعني ذلك أن غير أهل حوران لا يعرفونها , ولكنني أتكلم بمثل تلك اللهجة والتي أسجل من خلالها خصوصية العباءة وما ارتبطت به في أذهان أهل حوران من اعتبارات لمثل هذا اللباس العربي التقليدي الموروث عن الآباء والأجداد منذ أقدم العصور .
وتعتبر من أهم المقتنيات التي يحرص على اقتنائها الناس , وخصوصاً ممن تتقدم بهم السن لأنهم يعتبرونها من اللباس الكامل والأصيل , وتكون للعباءة قيمة معنوية أكبر إذا كانت موروثة من الآباء والأجداد ,ولا يكاد بيت في مجتمعنا يخلو من العباءة , وهي طويلة تكون إلى ما تحت الركبة , ومن يخلع عباءته لأمر ما فإنه يطويها ويضعها على يده اليسرى , يفردها ويلبسها حين الاقتراب لملاقاة الآخرين.
والعباءة يلبسها الرجال والنساء , ولكنها تختلف شكلاً ومضموناً عن بعضها , حيث أن العباءة النسائية انتشرت في العقود الأخيرة بين أهل حوران وفدت إليهم من الجزيرة والخليج , وذلك عن طريق المغتربين الذين يجلبونها لنسائهم وبناتهم , ومن ثم أصبح التجار ومصممي الألبسة يصنعون منها الأشكال والألوان التي تلفت الانتباه حتى يقبل عليها الزبائن , ومن ثم دخلت العباءة في طور عروض الأزياء النسائية وخصوصاً في عقول المصممين الذين يستهدفون الأرباح في السوق العربية .
وأهل حوران بنطقهم لكلمة العباءة يخففونها بإلغاء الهمزة حتى ينطقونها عباية أو عباة , وهذا النطق باللهجة بهذه الطريقة , قد نطقت به بعض القبائل العربية القديمة , وقد رسخت تلك النقطة في موضوع بعض القراءات القرآنية
أنواعها
- منها النوع الرقيق الذي يلبس لحسن مظهره في الصيف ولخفته ورقته ,
- السميك وهو يلبس في البرد والشتاء , للمظهر الحسن واتقاء البرد , وأحسنها المصنوع من وبر الإبل , ومن صوف الكشمير الممتاز .
العباءة في الذاكرة الشعبية
- عباءة الخال : وهي عادة كانت متبعة, كل شاب يريد أن يتزوج من فتاة عليه أن عباءة الخال وهي شرط , فإما يشتري عباءة لخال العروس أو أن ينقده مبلغاً يستطيع أن به عباءة أو يكون بمثابة عوناً للخال حتى يستطيع أن يقوم بتكاليف غسيل العروس في بيته , وعادة ما تعطى لأكبر الأخوال سناً , وبيته يكون هو المكان الذي لا نزاع عليه في غسيل العروس والتي تكون ابنة أخته . ولكن هذا كان أيام زمان , لأن رضا وقبل الخال من أسباب إتمام الزواج , حيث أن الترابط الأسري القوي لا يسمح بخروج فرد على أقاربه ويضرب برضاهم عرض الحائط, الآن تقريباً انتهت هذه العادة .
- يقولون ( ربي مدّيت عباتي تقبل صلاتي )*
وهي كناية عن نية الصلاة دون العلم بالكثير من فقهها وحيثياتها .
- يقولون ( إذا كان حجة البدوي عباتو , فراقو بسوق العبي )*
ويضرب لمن يبتلي بشخص غليظ ينغص عليه يومه , أي يجب إعطاء هذا الشخص ما يطلب والتخلص من , لكي تجلس وتستريح . حتى لو طلب عباية خذه إلى سوق العبي واشتري له عباية وألبسه إياها.
- يقولون ( العباة بدها قبة )*
ويضرب لما يظنه الآخرون كاملاً ما زال ناقصاً , ويردف بمثل آخر مفاده ( عباتي وَ ني فيها)* ويضرب لمن الأمور معرفة جيدة وحاذقة .
- يقولون ( بأول خطراتو , ضيّع عباتو )*
يضرب لمن يهمل في الحرص على أغراضه وفشله في تحقيق مهمته من السفر . أي في أول سفر له لم ينجح .
يقولون ( لو شلّحني عباتي ما عرفتوا )*
يضرب لمن يلتقي بشخص ويسلم عليه , وهو لا يعرف ذلك الشخص رغم أنه قريب له , وربما يكون من أبناء عمومته .
ولا تزال المكانة المعنوية للعباءة في المجتمعات العربية بما ترمز إليه من ترابط النسيج الاجتماعي , ولكن ما يثير الحنق تلك الفرق الراقصة التي يستخدمون فيها العباءة مسيئين لهذا الرمز , وخصوصاً عندما تكون على جسد راقصة, حينما تدخل المنصة تلبس العباءة وتدور قليلاً , ومن ثم تخلع العباءة لتخرج بحقيقتها التي تظهر بها دائما.
=================== انتهى
بصرى الشام 14-9-2010م