الثورات ..ومواقف العلماء, خطبة 8\4\2011
يقول رب العزة سبحانه وتعالى: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ).هذا وصف من الله للعلماء وما يجب أن يكونوا عليه, أكثر الناس خشية وخوفا من الله, وأنه واجب عليهم أن يكونوا دعاة للحق, لأنهم يعرفونه, ويعرفون مصدره, فالحق من عند ربهم فقط, ولقد كان العلماء دائما هم صمام الأمان لهذه الأمة, فإن انحرف حاكم عن الحق زجروه, وإذا اقترف الحاكم مظلمة أو منكرا أنكروا عليه وغيروا, فكانوا بحق هو صمام الأمان لهذه الأمة من أن تحيد عن الحق أو أن تتبع الباطل, ولقد امتلأت صفحات تاريخ المسلمين بآلاف القصص عن العلماء وقولهم للحق في وجه الحاكم إذا أوقع ظلما أو ارتكب منكرا.
ويحكى أن سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله, طلب منه سلطان مصر أن يكون على القضاء, فوجد رحمه الله أن كثيرا من الذين يتولون مناصب في الحكم, وجودهم في هذه المناصب باطل, لأنهم لم يكونوا أحرارا بل كانوا أرقاء, وعلى رأس هؤلاء معاون السلطان ونائبة, وهذا مخالف للحكم الشرعي الذي يشترط على من يتولى منصبا في الحكم أن يكون حرا, وعليه فقد أفتى العز بن عبد السلام رحمه الله ببطلان إجراءاتهم, وبطلان العقود التي ابرموها, وبطلان وجودهم في مناصبهم, فاستدعاه السلطان الى القصر, ووبخه وقال له إن هذا ليس من شأنه, وإنه لا علاقة له بشؤون الحكم, فما كان منه رحمه الله إلا وقد حمل متاعه على حماره, وقصد الشام مهاجرا من أرض فيها ظلم, ولقد كان رحمه الله محبوبا من عامة أهل مصر, فلما رأوه يحمل متاعه على حماره سألوه الى أين يا أمام, فأخبرهم أنه مهاجر, وأخبرهم بما جرى بينه وبين السلطان, فخرجت القاهرة عن بكرة أبيها ثائرة مهاجرة مع الأمام, سائرة كلها خلف حمار الأمام, فأخبر السلطان أن ملكك قد ذهب بخروج الأمام, فالحق به وراضه وإلا ضاع ملكك وثار الناس عليك, فخرج السلطان مسرعا خلف الأمام يسترضيه, ولم يرضى الأمام إلا بأن يباع الأمراء وعلى رأسهم معاون السلطان في سوق النخاسة, ومن ثم يعتقوا ويرجعوا الى مناصبهم أحرارا, وفعلا هذا الذي كان, باع سلطان العلماء, باع الأمراء في سوق النخاسة ثم اعتقوا, كل هذا انصياعا للحكم الشرعي وسيرا على الحق.
هكذا هم علماء المسلمين أمًارون بالمعروف ناهون عن المنكر, قادة للناس في الحق, لا يخشون ظلم الظالمين ولا مكر الماكرين, فكانوا بحق صمام أمان لهذه الأمة من أن تحرف عن الحق.
أيها الناس:
إن من علماء المسلمين اليوم لمن هم على نهج العز بن عبد السلام, يعرفون الحق ويدعون الناس بل يقودونهم له, لكن هؤلاء لا يُظهرون,فهم إما في السجون وإما ملاحقون مغيبون, فلا يظهر من العلماء إلا من تتخبط مواقفه, وتتناقض آراءه, فلم يكن لكثير منهم موقف واضح موحد من ثورات الشعوب, فموقفهم من ثورة ليبيا مختلف عن موقفهم من ثورة سوريا والبحرين, وموقفهم أول ثورة مصر مختلف عن موقفهم من آخرها, فتراهم يجيزون الثورة على الحاكم الفلاني, ثم يصفون الخروج على حاكم آخر بأنه فتنة, فهل هناك من الحكام من يحكم بما أنزل الله؟ وآخرون لا يحكمون بما أنزل الله؟؟!!, فتكون الثورة حرام في وجه الأول؟؟ وفرض في وجه الثاني !! وهل نبارك تدخل حلف الأطلسي لقتل زعيم بل نصف الأمر أنه ضرورة شرعية, وزعيم آخر لا نوافق ولا نبارك !!
بل إن الأنكى أن يقول بعض المحسوبين على الحركات الإسلامية أن الثورة على بشار الأسد شأن داخلي سوري لا علاقة لنا به!!! أين هؤلاء من قوله عليه السلام ( المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص), اين هؤلاء مما أوجبه الله من وحده بين المسلمين, أين هؤلاء من وصيته عليه السلام ( المسلمون تتكافأ دمائهم, ويسعى بذمتهم أدناهم, وهم يد على من سواهم), ما يحصل في سوريا شأن داخلي!!, أما تدخل الكفار في ليبيا فيصبح الشأن دوليا!! عجبا والله, أن يهتم المسلمون في سوريا لا يجوز, وأما أن يتدخل الكافر في ليبيا ففرض بل ضرورة شرعية!!
أيها الناس:
والله لا يوجد بين الحكام من يحكم بما أنزل الله, بل كلهم يحكمون بغير ما أنزل الله, والله إنهم كلهم لظالمون, كلهم خائنون, كلهم قد أسلموا أمر شعوبهم لأعدائهم, كلهم طغاة متجبرون, وكلهم واجب إزالتهم, لا فرق بين حاكم ليبيا وحاكم البحرين, لا فرق بين حاكم اليمن وحاكم قطر, لا فرق بين حاكم سوريا وحاكم الأردن, كلهم واجب إزالتهم, فلماذا هذا التناقض عند بعض العلماء؟ أهو الجهل؟ أهو الخوف؟ أم هو نتيجة عدم وضوح الأحكام الشرعية؟؟؟ لا والله بل إن حكم الله واضح, كل هؤلاء الحكام حكمهم باطل, وحكمهم لا شرعية له, وكلهم واجب إزالتهم, وإن الحكم الشرعي في أمر الاستعانة بالكافر واضح, فرسول الله رفض أن يستعين بكافر على كافر, والله سبحانه قد قال ( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا).
ايها الناس:
الحكم الشرعي واضح, فلماذا هذا التناقض!! ولماذا هذا التخبط!! واعلموا أن المتناقض المتخبط, وأن الذي تكون مواقفه مبنية ونابعة عن مصالح وعن ضغوطات لا يصح ولا يصلح أن يكون قائدا للأمة, وإن الذي يجعل المصالح والضغوطات هي التي تقرر له الموقف, فلا يستمد مواقفه ولا يؤسسها على حكم الله, لا يصح ولا يصلح أن يكون قائدا, ولا يصلح أن نأخذ عنه أمر ديننا, ولا أن نؤيد مواقفه, ووجب عليه أن يتوقف عن هذا التضليل وهذا التذبذب في المواقف, وأن يجعل المرجعية في كل مواقفه هي ما أنزل الله, فالحق فيما أنزل الله, وباطل كل موقف لم يؤسس على ما أنزل الله, ويا فوز المستغفرين.
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسول الله المصطفى آلله خير أما يشركون وبعد أيها الناس:
إن هذه الثورات المباركة تحتاج أن يقودها علماء كالعز بن عبد السلام, علماء لا تتناقض آراءهم و تتخبط مواقفهم, ولا يخشون في الله لومة اللائمين, ولا ظلم الظالمين, ولكننا في زمان يصعب فيه معرفه العلماء القادة الحقيقيون, من كثرة ما يمارسه الإعلام من تضليل, العلماء الحقيقيون الذين يجعلون كتاب الله هو المرجعية, وبه يقودون الناس الى الحق, ولكن الأمر سهل ميسور مع كل هذا التضليل, له قاعدة بسيطة, أعرف الحق تعرف رجاله, أعرف الحق تعرف قادته, أعرف الحق تعرف علماءه, والحق أن إزالة هؤلاء الحكام كلهم واجب, والحق أنه لا يجوز الاستعانة بالكافر, والحق أن المسلمين كلهم شأن واحد, والحق أن تطبيق شرع الله واجب, والحق أن توحيد المسلمين في كيان واحد واجب, هذه معالم واضحة للحق, فانظروا من يدعو لها من العلماء, فإن الذي يدعو لها يعرف بها, يعرف بالحق الذي يدعو له, فاعملوا معه وخذوا عنه أمر دينكم, وجعلوا من مواقفه موقفا لكم, لأنه يقودكم بالحق الى النصر بإذن الله وواجب عليكم أن تتوحد مواقفكم, وأن يكون هذا الموقف مؤسسا على كتاب الله, حينها لن تتوهوا ولن تضللوا وستصلون بإذن الله الى نصر الله والى التغيير الذي يرضي الله ربكم.
المصدر
الثورات ..ومواقف العلماء, خطبة 8\4\2011