منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    ثورة العَدَسِيِين تحاكي "أُوبُونْتُو" شعارها : أنا أكون لأننا نكون‎

    ثورة العَدَسِيِين تحاكي "أُوبُونْتُو"
    شعارها : أنا أكون لأننا نكون
    الحلقة الثالثة
    بقلم: عبدالحق الريكي
    كان وضع عائلتي صعبا، أمي خائفة وزوجتي قلقة وأبنائي يتساءلون كل حين عن ما يمكن أن يصيبني وإياهم من سوء، جراء تسليط الأضواء عليَّ فجأة، ودخول رجال الحال على الخط وتعقب خطواتي واستدعائي لمقابلة وزير الداخلية القوي حول "ثورة العَدَسِيين"...
    وبكلمات بسيطة، شرحتُ لهم الموقف والرهانات وقلت لهم : اليوم علينا أن نكون في المستوى، مستوى التحديات المطروحة... علينا مواجهة قَدَرنا بصبر وثبات، مطلوبٌ منَّا نحن قبل الآخرين أن نكون متضامنين ومتَّحدين وألاَّ نترك أي جهة تفرق صفوفنا... انْدَهَشتُ من طريقة حديثي معهم، بثقة عالية وكلام واع وجذاب، وفهمتُ أن الوعي التاريخي بدأ مفعوله، هذا الوعي الذي يظهر فجأة وبدون إعلام في اللحظات الصعبة...
    في نفس الوقت الذي كنت أُحَدثُّهم، فتحتُ هاتفي ووجدت فيه باستغراب مئات المكالمات والميساجات، ومئات التعليقات على صفحة الفايسبوك، والمشكل أن هذا الكم الهائل من الرسائل، آت ليس من مدن المغرب فحسب بل من الكثير من العواصم العربية والإفريقية والعالمية... يا إلهي لطفك... فَهِمتُ حينها أن الأمس ليس كاليوم واليوم لن يكون كالغد... انْفَضَّت الجموع من الحارة، وغادرت عائلتي الكبيرة منزلي، وبدأتُ الاستعداد لقضاء ليلة هادئة بعد صخب يوم جمعة مبارك، رغم عدسه الساخن وكسكسه الذي عليَّ أداء ثمنه يوم الإثنين...
    ليلة الجمعة-السبت، الساعة الواحدة صباحا...
    وأنا غارق في أحلامي، إذ بالهاتف يرن... طَلبتْ منِّي المَدَام أن أَرد... قلت لها : في الغالب رقم خاطئ، لننتظر إن كان سيعاود الاتصال... لَمْ أُنهي جُملتي حتى رن الهاتف مرة أخرى... كُنت أريد إسكاته لولا إلحاح زوجتي عليَّ بضرورة الرد... أَخدتُ نَفَسي (شعرت أن هذه المكالمة سَتَقلبُ حياتي) وقُلت : ألو، نعم... جاءني الصوت من بعيد، ولكن بحماس ووضوح وثقة في النفس... قال : السلام عليكم، معذرة على الإزعاج في منتصف الليل، ولكن عجلة التاريخ لا تتوقف، تدور ليلا ونهارا (سَمِعتُ صوتا نسائيا يُطالِبه بالذهاب لعُمق الموضوع)، زاد قائلا : العفو، أيها القائد العَدَسي، قررنا تعيينك، وفي غيابك، منسقا وطنيا للائتلاف الوطني للعَدَسِيين...
    قلت له : ماذا؟ لا أفهم شيئا، وإِن كانت مزحة، فأَرجُوك، أنَا مُتعب وأريد أن أنام (كُنت في تلك الساعة ما بين نارين، بين ما أَسمعُه عبر الهاتف وبين المَدَام التي كانت تُلح على معرفة من معي على الخط وماذا يريد)... قال مخاطبي : هل أنت معي ؟ قلت بدون أن أشعر : نعم، نعم، أنا موجود... حينها اسْتَجمع أنفاسه واسْتَمر في الحديث : لقد دام اجتماع الإتلاف ساعات عديدة، الحقيقة أنه منذ ساعة إرسال تدوينتك لشعب الفايسبوك العظيم ونحن في تنسيق مستمر... تَيَسَّرت الأمور لأننا فَعَّلنا إطارات الربيع المغربي (حركة 20 فبراير)، ممَّا سهَّل العمل داخل المدن والقرى وقرَّرنا تكوين ائتلاف وطني للعَدَسِيين واقْترح الإخوة بمدينة طنجة احتضان الاجتماع التأسيسي الوطني الأول، الذي حضر أشغاله مندُوبَان عن كل مدينة وقرية، كما شاركت المدن البعيدة مثل الداخلة والعيون وورزارات وزاكورة وطاطا والراشيدية عبر السْكَايب، ولكن أكدوا حضورهم للمسيرة العدسية يوم الأحد بالرباط... قُلت له: مهلا، هل أَنْت جَاد في كلامك ؟... قال: أعتذر، لن أستطيع الإطالة في الكلام، المهم اتَّخذنا قرارات، منها ترؤُسك الائتلاف بإجماع الأعضاء وغالبيتهُم يعرفُونك من خلال الفايسبوك، وكذلك أن تُوَجه كلمة للحشود بباب الأحد قبل انطلاق المسيرة العدسية، ونحن واثقون أنك لن تُساوم على القضية العدسية حتى يتحقق شعارنا الخالد:"سوا اليوم سوا غدا العدس ولا بدا".
    أَرَدت الهمس بكلمة، لكن مخاطبي على الخط قال: سَأتركك، لدينا مهام كثيرة من أجل إنجاح مسيرة الغلابة أصحاب الحق في عدس رخيص وبجودة حديدية عالية، إنه المَدخلُ إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ومن أجل مجتمع العلم والتربية والإعمار والتصنيع والتكنولوجيا... وخَتم مكالمته بكلمة أخيرة : أُكرر كلامي، إننا اخْترناك بعد أن اقْتنعنا أنك لن تَبيع قضية العَدَس العادلة ولن تَتَخاذل ولن تَغُرك الحياة الفانية... ونحن هنا مجموعة من الشباب والشابات من مختلف المشارب والتوجهات، إسلاميين ويساريين وليبراليين، فَهِمنا أن تجويع الشعب القَصدُ منه خلق إنسان لا يُفكر إلاَّ في إشباع حاجات بطنه وإبعادُه عن مَشَاغِل العقل والفكر والإحساس والوجود البشري... أُوَدِّعك الله ولا تنسى أن ما يجمعنا هو "أُوبُونْتُو"!!... مَكَثت لهُنيهات شَارداً في أَفْكاري، أُرَدد "أوبونتو"، فعلتها يا "أوبونتو"...
    سَاعة كاملة ومحدثي يَتَحدث وأنا أُنْصت إليه نَاسيا أنَّ عُيونا تُراقبني وهي للمَدَام بجانبي وآذانا تَتنصت للمكالمة وهي لأجهزة كثيرة، عَرفت ذلك لأنني قرأت يوما أن كثرة "الخرششة" خلال مكالمة هاتفية عنوان ضغط التنصت الخارجي، والله أعلم...
    حَاولت المَدَام بكل الطرق معرفة من المخاطب وماذا يريد، لكني تَعَمدت إِخفاء الحقيقة هذه المرة حتى أُجَنبها ليلة سوداء، فقُلت لها: بدون شك أحد أصدقائي القدماء قرأ تدوينة العدس فَاتَّخذ قرارات ثورية وأراد تبليغي إياها قبل الخلود للنوم... قالت : أعرفُك جيدا، من قسمات وجهك أَقرأ أنك لا تقول كل الحقيقة، غَدًا مدبِّرها حكيم... نَم، فأنت مُتعب أكثر مني...
    خَلَدت للنوم وأنا شارد في "الأوبنتو"، وتذكرت قصتها وكيف تجاوب معها شعب الفايسبوك... أَرْسل لي صديق عبر الواتساب حكاية عميقة آتية من أعماق إفريقيا وكان الزعيم الخالد "نيلسون مانديلا" يَذْكرها كلما أُتيحت له الفرصة، عَمَّمتها عبر جداري الفايسبوكي هكذا : «هلْ تَعرفون معنى Ubuntu ؟... قَام أحد علماء الأنثروبولوجيا بِعرض لُعبة على أطفال أحد القبائل الإفريقية، فَوضع سلة من الفواكه اللذيذة قُرب جِذع شجرة وقال لهم بأنَّ أَول طِفل يصل الشجرة سيحصل لِوَحده على السلة بما فيها...
    عندما أَعْطاهم إِشارة البدء تفاجأ بِهم يسيرون سَويا مُمْسكين بأيدي بعضهم البعض، حتى وصلوا الشجرة، وتَقَاسموا الفاكهة اللذيذة. عندما سألهم لماذا فعلوا ذلك فيما كان بإمكان أي واحد منهم الحُصول على السلة بمفرده، أَجَابوه بتعجب : أُوبُونْتُو Ubuntu كيف يستطيع أَحدُنا أن يكون سعيداً فيما الباقون تُعَساء ؟! أوبونتو Ubuntu في حضارة قبائل إفريقية عريقة تعني : (أَنَا أَكُون لِأَنَّنَا نَكُون)...
    ليلة الجمعة-السبت، الثالثة صباحا...
    مَا كِدْت أن أُغمض عينيَّ، إِلا ودقات قوية على باب منزلي تَهُز جسدي وحواسي... كَابوس هذه الليلة يبدو بدون نهاية... دَقَّات أخرى أقوى من الأولى... سَمِعتُ المَدَام تقول : انْهض، لعلهم لصوص في العمارة، أو حريق، الله يَسْتر... نَهَضنا واتَّجهنا نحو الباب وأضأت المصباح الخارجي وقُلت بصوت شُجاع : من الطارق ؟ قال : أنا، رجل الحال الذي صلى مَعك البارحة وأَكل الكسكس وسَاعدك على الدخول لمنزلك... قُلت : وماذا تُريد في ظلمة الليل الحالك ؟ جَاء صوته هذه المرة بِنبرة حَادة ولكن مُؤدبة : أرجوك إني مُتعب أكثر منك منذ تدوينتك العدسية، والآن أَطلبُ منك فتح الباب لكي أُخبرك بشيء مهم، وأَرجوك ثانية أن تفتح الباب بالتي هي أحسن وإلاَّ تدخَّلت "القوة التاسعة" بطريقتها المعهودة...
    قُلت في نفسي : لا حاجة لنا بالقوة التاسعة وأَنا أَعرف قُوَّتها وهي المُتخصصة في التَّدخل في الملفات الأمنية الكبرى... فتحتُ الباب ودخل نفرٌ لا يُعد ولا يُحصى من رجال الحال وبدؤوا في البحث عن شيء ما بكل غرف المنزل... تَقدم رجل الحال سريعا لطمأنة عائلتي وقال لي : غَيِّر ملابسك، وزير الداخلية في انتظارك... حينها رَجَعت ذاكرتي لأحداث فيلم "احْنا بِتُوع الأتُوبِيس" حيث سيعيش جَابِر (عادل إمام) ومَرزُوق (عبدالمنعم مدبولي رحمه الله) أحداثا دراماتيكية ولكن على الشاشة الكبيرة... أمَّا أنا فيبدو أني سأعيشها في الواقع الحي وليس الافتراضي... لطفك يا رب..
    التتمة في الحلقات القادمة... إذا تيسرت الأمور ستكونون مع الحلقة الرابعة وفيها تطورات ثورة العدسيين والتفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والفلاحة وعن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان وانتفاضة الغلابة بمعظم العواصم العربية وتضامن شباب وشابات أمريكا وأوربا وتدفق الصور والمعلومات والمعطيات عبر غوغل والفايسبوك والتويتر والواتساب والإنستغرام... ووووو... الله الموفق...
    بقلم : عبدالحق الريكي

    الرباط، 28 أكتوبر 2016.

  2. #2
    ثورة العَدَسِيِين ...
    الحلقة الثانية
    بقلم: عبدالحق الريكي
    رجعت إلى المكتب منهك القوى وبذمتي تسديد ثمن طبق كسكس... وصلت وأول ما لاحظت وقوف البواب لتحيتي كما يفعل مع المديرين الكبار... تعَجَّبت لموقفه وهو الذي يرد عليَّ السلام من وراء مكتبه... صعدت المصعد ودخلت بهو الإدارة وإذْ بكل العاملين ينظرون إليَّ كما لَوْ أنهم يروني لأول مرة... زاد عَجَبي وطلبت من الله أن يختم العاقبة بخير لأن حدسي كان يتنبأ بالأسوأ...
    دخلت مكتبي ولم تمر هنيهات حتى رن الهاتف الثابت... ألو؟ كان على الخط مدير التخطيط، واحد من أصدقاء العمل... باغتني: " استعد، استعد!!"... قُلت : أستعدُّ لأي شيء ؟ قال : ألم تعلم أن لجنة عليا أتت تسأل عنك؟ هذا يقع حين يُطلب تكوين ملف لترشيح شخص ما لمهمة كبرى، فإذا أصبحت وزيرا فلا تنسى تعييني في ديوانك... وأنا أحاول فهم ما يقع، إذ به يخبرني أن اجتماعا مُهِما ينتظره وِإِن كنت راغبا في معرفة الكثير فمَا عليَّ سوى الحديث مع الموظف "العالم" (نَنْعته بالعالم لأنه لا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة بالإدارة)...
    سيدي "العالم": هل تَشَّرفت بأخْذ كوب شاي بمكتبي وتحكي لي عن كل ما دار بينك وبين "رجال الحال"، العفو اللجنة العليا؟ هكذا باغتته بسؤالي وأنا متيقن أنه كان ينتظر مجيئي... قال الموظف "العالم": إما أنك "قَفَّرْتَها" وإما أن خيرا كبيرا ينتظرك... قلت مع نفسي: صديقي المدير عقله وأمانيه مع الترقيات والمناصب والموظف الصغير "العالم"، عقله مع المصائب والمشاكل... كُل واحد وهمومه...
    حَكَى لي الموظف "العالم" أن الأوامر أُعْطيت صباحا لكي لا يُغادر أي موظف عمله ولو لأداء صلاة الجمعة، ما دامت لجنة مديرية ستحل بالإدارة، ولكن تم استثناءك من هذا القرار ولم نفهم لماذا... بدون شك أنك لاحظت غياب موظفي الإدارة عن المسجد، أنت ذو النظرة الثاقبة... ضحكت لأنه فعلا أثارني غياب صف كامل من موظفي إدارتي... وزاد "العالم": مباشرة بعد خروجك للمسجد، حَلَّت اللجنة العليا واجتمعت بداية مع المدير العام ومعاونيه ومن بعد تحدثوا إلى كل من يعرفك عن قرب ودخلوا مكتبك هذا وفي الأخير اجتمعوا مطولا معي إذْ رأيتُ، بعيني هاته، السيد المدير العام يشير بأصبعه نحوي قائلا لهم: الموظف "العالم" يمكن أن يمدكم بالمزيد...
    قلت له، خيرا إن شاء الله... قال لي بثقة كبيرة : قلت الحقيقة كل الحقيقية غير الحقيقية... وماذا قلت أيها "العالم"، هيا انْطق... قال "العالم": أولا أنَّك إنسانٌ متواضع وأنك تُعامل الجميع باحترام، المدراء والموظفين الصغار... وأنَّ الجريدة والكتاب والكمبيوتر دائما يرافقونك في مجيئك وذهابك... وأننا نعتبرك هنا في الإدارة المُثَقف الكبير الضعيف الأجر... وأنك تهتم كثيرا بوضعية الضعفاء والمهضومة حقوقهم... قلت له : يكفي، يكفي يا عالم، "خرَجْتي عليَّ"، نهار أسود اليوم... نَهَض الموظف "العالم" وهو يصيح : أنا قُلت لهم شهادة حق لأنك إنسان طيب ولكي أُجَنِّبك مكروها إن كان في نيتهم إيذائك...
    الموظف "العالم" لم يكن يعلم (لعدم استعماله التكنولوجيا الحديثة، لأنه من جيل الورق)، أنه زَكَّى من حيث لا يدري، انحيازي الواعي لشعب العدس وكون تدوينتي ليست بريئة ما دُمْت متواضعا ومثقفا وأهتم بالضعفاء... يا رب سَترك حتى يمر هذا اليوم بخير وينسى العالم كله تدوينتي وثورة العَدَسِيين... لكن يبدو أن الكرونومتر انطلق ولا أحد قادر على إيقافه... تَيَّقنت بحَدَسي أن أمورا كبرى تقع وستقع وأن حكاية العدس تُنبأ بالمزيد...
    الجمعة مساء، الرجوع إلى المنزل...
    كلما اقتربت من حارتي وإذا بالشوارع تكتظ بالمارة من كل الأعمار ولكن مع غلبة للشباب والشابات... وكلهم ذاهب في اتجاه الشارع الذي أقطنه... ما إِن وصلتُ ورَكَّنت السيارة وخرجتُ منها، إِذ بالحناجر تصيح : "العَدَسي يا رفيق، ما زلنا على الطريق"، وآخرون يرددون:"سوا اليوم سوى غدا، العدس ولا بدا"، وفي الجهة المقابلة عرفت بعض ألتراس فريق مدينتي يرددون: "مبروك علينا هادي البداية مازال مازال"... قلت مع نفسي : لطفك يا رب، هل أنا في حلم منذ أن كتبت التدوينة الملعونة وطلبت شعب الفايسبوك العظيم أن يثور على وضع الغلاء الفاحش للعدس...
    كنت وسط الجموع لا أعرف ما أفعل : هل أَرُد التحية ؟ هل أَرْفع شارة النصر ؟ هل أُرَدد معهم الشعارات وأنا المعروف بِعشقي الانصهار في المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية أيام النضال؟... وأنا سَارح بتفكيري، إِذ برجل الحال الذي تناول معي الكسكس يَهمس في أذني : ارفع شارة النصر وخُذ معهم بعض الصور حتى نتمكن من إخراجك من هنا سالما وإدخالك المنزل...وزاد قائلا : لا تَخف، نحن هنا لمساعدتك وتفريق الجموع بدون مشاكل... وهو يتحدث إلىَّ كنت أردد بداخلي : أعود بالله من الشيطان الرجيم، من أين خرج هذا، حتى وجدته ثانية خلفي!!...
    وأنا شارد في تفكيري، إِذ به يَنصحني بأدب أنه من الأحسن لي تفادي الصحافة الوطنية والدولية وأنَّ احتمال لقائي بوزير الداخلية هذه الليلة وشيك وهو في طريقه إلى المغرب بعد أن طُلِب منه العودة باستعجال... قلت له يكفي لقاء مديرك... قال: القضية كبرت وما زِلت أشُك إِن كنت تُناورني أم أنك لا تعلم صدى قنبلتك الفيسبوكية... وأنا أحاول الجهر له أنني فعلا لا أعرف ما يقع لي، إذ به يقول : من الأحسن أن لا تُحدثني وسط الجموع والمصورين يلتقطون الصور وكاميرات التلفزة شاعلة... كُنَّا نتحدث وجموع الشباب والشابات والجيران وأصحاب المقاهي والمطاعم والحراس يُرددون ملئ الحناجر : "إذا الشعب يوما أراد العدس فلابد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر"...
    دخلتُ المنزل بشق الأنفس ووجدتُ عائلتي الصغيرة والكبيرة في انتظاري... قالت أمي : أَلَم أَقُل لك منذ وِلادتك، ابْتَعِد عن السياسة ؟ وما لنا نحنُ والعدس يا ابني، عِشنا بالعدس وكبرتم بالعدس وحتى إذا ذهب العدس هنالك "اللوبية" و"البيصرة" والبطاطس... وقالت زوجتي : حاولت الاتصال بكَ مرات عديدة وهاتفكَ لا يجيب ؟ قُلت: عذرا، كان صوته منخفضا، وذلك منذ دخولي المسجد لصلاة الجمعة ونسيتُ إعادة تشغيله (في الحقيقة أنه منذ لقائى مع رجل الحال وأنا أتجنب النظر في هاتفي وفتح الفايسبوك والميسنجر والتويتر والس م س)... أما ابنتي فتقدمت نحوي مطَالبة مني أخذ صورة سيلفي معها حتى تستطيع التباهي بها أمام صديقاتها لأنها أصبحت مشهورة بلقب بِنْت مول العدس... أما ابني فسألني إن كنت بخير قائلا لي بابتسامته المعهودة: يبدو أن الفرج سيأتي بفضل العدس... فَهِمتُ قصدهُ لكوننا كنا دائما نتحدث عن الشيء الذي سيكون السبب في تيسير حضورنا لمقابلة الكلاسيكو العالمي على أرضية ملعب "المِيرِينْغِي" أو "البْلَوْغْرَانا" ما دمت أنا مدريدي وهو برشلوني...
    التتمة في الحلقات القادمة... إذا تيسرت الأمور. سنتناول في الحلقة الثالثة تطورات "ثورة العدسيين"، أول لقاء مع الثوار العدسيين وكذا بداية التفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والفلاحة وعن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان ووووو... الله الموفق...
    ملحوظة : كما يقال فإن هذه الأحداث من وحي خيال المؤلف.. وكل تشابه في الأحداث والشخصيات أو الأسماء هو من قبيل الصدفة لا أكثر... إلا العدس...
    عبدالحق الريكي
    الرباط، 25 أكتوبر 2016

  3. #3
    ثورة العَدَسِيِين
    الحلقة الأولى
    بقلم: عبدالحق الريكي
    الخميس، السادسة مساء...
    دخلت المنزل بعد يوم عمل ليس كالمعتاد، إذ تخللته فترات طويلة من مطالعة التدوينات على المواقع الاجتماعية... كلها تدور حول العَدَس وصعود ثمنه في بورصة الأسواق الشعبية... حالة من الغليان لم يعرف الفضاء الأزرق مثيلا لها حتى خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة...
    عقلي مع العدس، جوارحي مع العدس... عليَّ أن أقوم بعمل ما حتى لا تفوتني الموجة... أخذت هاتفي وقلت مع نفسي "كَبِّرْهَا تَصْغَارْ"... كتبتُ في 18 ثانية هذه التدوينة: "يا شعب الفايسبوك العظيم، موعدنا جميعا يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا، بساحة باب الأحد بالرباط، لرفع شعار واحد «سْوَا اليُومْ سْوَا غَدَا، العَدَسْ ولا بُدَا»..."...
    أردت مراجعة التدوينة، لكن هاتفي رن، إنها المَدَام، وعوض النقر على مفتاح الهاتف ذهب أصبعي إلى إرسال التدوينة التي كنت أريد مراجعة مضمونها... قلت لا بأس، سأفعل ذلك حالما أنتهي من مكالمة زوجتي... طال الكلام عبر الهاتف وكان لزاما عليَّ الذهاب فورًا لقضاء غرض عائلي مهم، أَنْساني تدوينتي المتعلقة بمسيرة شعبية عارمة من أجل العدس...
    الجمعة، السابعة والنصف صباحا...
    قبل مغادرة المنزل في اتجاه العمل، فتحت الموبايل وصفحة الفايسبوك، ووجدت وباستغراب مئات ومئات من التعليقات حول مدونتي، وكذا استعداد الشباب والشابات للنزول إلى الشارع من أجل العدس، ليس القاطنين في الرباط وحدهم، بل من كل جهات المغرب، كما تعودنا قوله هنا: من طنجة إلى لݣويرة... ضَحكتُ مع نفسي وقلت أن حَدَسِي كان صائبا، ما دامت تنظيمات حزبية ونقابية وجمعوية قررت النزول إلى الشارع، للدفاع عن قوت الشعب وحقه في العدس... ابتسمت وقلت مع نفسي : إنني أصبحت مثل قارئة الأبراج والفنجان...هههههههه... ذهبت إلى مقر العمل، وأنا متردد من مشاركتي الشعب والشباب والشابات في مسيرة العدس ليوم الأحد، نظرا لابتعادي عن المسيرات والوقفات الاحتجاجية منذ زمان...
    نفس اليوم، بعد صلاة الجمعة...
    وأنا خارج من المسجد، التقيت أحد رجالات الحَالْ، تعرفت عليه في فترة الصراع الطلابي ومن بعد النقابي وتوطدت علاقتي به عندما أصبحت رئيس ديوان الوزارة... استغربت آدائه لفريضة الصلاة بمسجد بعيد عن مكان عمله الكائن وسط المدينة... حياني بحرارة وطلب مني إن كنت أعرف مطعما لتناول وجبة الكسكس... بدأت أضرب أخماس بأسداس، وأتساءل مع نفسي عن الغرض الحقيقي لمجيئه... كدت أن أصرح له، أنتم أصحاب الحال، تعرفون أين أتناول كسكسي كل جمعة وتعرفون تحركاتي رغم أنها منذ زمان محدودة ما بين المنزل والعمل، وبعض الأحيان لقاء صديق واحد كلما توفرت النقود لشرب قهوة سوداء أو قهوة نص نص... وأنكم تعرفون أيضا أنني طلَّقت النضال الميداني الحركي والثوري منذ زمان...
    ذهبنا إلى المطعم. طلبت طبقين من الكسكس وأنا في جيبي ثمن طبق واحد... خيم صمت مطبق قبل أن يبادرني بالسؤال عن أحوالي وأحوال العمل، وإخباري عن تتبعه عن كثب كل مقالاتي... هو ورؤساءه الكبار... قلت في نفسي : "الله يخرج العاقبة بخير" من جهة، ويرزقني لكي أؤدي ثمن الكسكسين... قُلتُ له حتى لا أَضَّل صامتا : مقالاتي متواضعة ومحدودة وأنت تعرف أنها هواية لا أكثر... رَدَّ عليَّ : أنت دائم التواضع، مسترسلا، كون لقائنا ليس صدفة بل طُلِب منه لقاء مجموعة من الفعاليات حول مسيرة العدس ليوم الأحد، لأن الكرة الثلجية بدأت تتدحرج وتكبر والوضع لا يطيق احتجاجات، ونحن خرجنا لتونا من انتخابات برلمانية صعبة والحكومة ما زالت لم تتشكل بعد والفراغ المؤسساتي من برلمان وحكومة يُعقد أمر الجهات التي عليها اتخاذ قرارات الترخيص أو المنع أو التفاوض...
    ونحن نأكل طبق الكسكس، قُلتُ له أنه يبدو لي أن السلطة تُضَخِّم من الأمر وأن القضية لا تعدو أن تكون دعوات شباب وشابات على الفايسبوك، غالبا ما تنتهي على نفس الفضاء، وأنني لا أعتقد أن الآلاف سيخرجون إلى الشارع وأن تنبؤي هو خروج المجموعة التي دأبت على الخروج والاحتجاج دائما وأبدا... نظر إلي وقال : إما أنَّك تَعْلمُ ما لا أعلم وإما أن المسئول الكبير أخطأ في تكهنه حول دورك وإشعاعك، في كل الأحوال فإني مُطالب بالرجوع فورا لمقر العمل لأن مجموعة من الس م س وصلتني تحثني على الرجوع حالا... هل لا ترى مانعا من مقابلة رئيسي إذا دعت الضرورة إلى ذلك؟... قلت له، أنا مطلوب لدى رئيسك؟؟ قال : نعم... وبدون تفكير أجبته : مرحبا، مرحبا... في نفس الوقت طَلَبت من النادل عدم قبض الورقة الزرقاء منه، لأنني أنا الذي دعوته للغذاء...
    جلست حيرانا، لا أعرف ما أُقدم ولا ما أُؤخر... توكَّلت على الله، بعد أن شرحت للنادل، قلة نقودي، طالبا منه قُبول نصف ثمن الطبقين على أساس زيارته يوم الاثنين لأداء ما تبقى على ذمتي... نعلت العدس وأهل العدس وثوار العدس والفايسبوك، قبل أن أستغفر الله وأردد وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم...
    التتمة في الحلقات القادمة... إذا تَيَّسرت الأمور. سنتناول في الحلقة الثانية تطورات "ثورة العَدَسِيين" من لقائي بالثوار العدسيين، قضية التفاوض مع حكومة تصريف الأعمال من رئيس حكومة ووزراء الداخلية والفلاحة وعن المسيرة وقمعها واعتقال ثوار العدس وإطلاق سراحهم بعد تدخل الأمريكان ووووو...
    ملحوظة : كما يقال فإن هذه الأحداث من وحي خيال المؤلف.. وكل تشابه في الأحداث والشخصيات أو الأسماء هو من قبيل الصدفة لا أكثر... إلا العدس...
    عبدالحق الريكي
    الرباط، 21 أكتوبر 2016

المواضيع المتشابهه

  1. التربية غير المنتجة شعارها "تحايل -يا معلم- إن سئلت عما لا تعلمه"
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-30-2017, 09:41 AM
  2. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 10:36 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 08:03 AM
  4. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 07:52 AM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-04-2010, 06:52 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •