مهرجان دمشق السينمائي في دورته الثامنة عشرة
الغواصــــة ومايخـــص شـــقـيـقـهـا
جولــــــة فــــي عوالــــم الـنـفــــس البشــرية
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها



ينطلق الكاتب الدانماركي توبياس ليندولم في كتابة مشاهد فيلم «الغواصة» من رواية تحمل الاسم نفسه لمواطنه يوناس تي بينغتسون. عمل المخرج الفيلم توماس فيتنبرغ على تقديم قراءة بصرية سينمائية للأحدث المؤلمة. الحكاية ترصد تفاصيل حياة شقيقين لأب غائب لم يشرح الفيلم سبب غيابه، وأم مدمنة على الكحول لدرجة تفقدها الوعي وتحولها إلى عبء ثقيل على وليدها المراهقين اللذان يعتنيان بشقيقهما الرضيع عندما تكون الأم خارج المنزل تحتسي الكحول، أو داخله مرهقة غائبة عن الوعي على حد سواء. في إحدى الليالي تغادر الأم المنزل كالعادة، يتجاهل كل من نيك تورب «لعب الدور الممثل الدانماركي جاكوب سيدرغرن» وشقيقه الأصغر مارتن «غوستاف فيشر كيارولف» بكاء شقيقهما الرضيع، يحاولان تقليد أمهما في تناول الكحول على أنغام موسيقا صاخبة، في صباح اليوم التالي يفجعان بموت الطفل الرضيع، ما يصيبهما بصدمة نفسية عميقة، وعقدة ذنب تلازمهما طيلة حياتهما اللاحقة. ينقلنا الفيلم سريعاً إلى فترة زمنية متقدمة. نيك بلغ الثلاثينيات من عمره يخرج من السجن على أثر إدانته باعتداء جسدي على أحد ما، يعيش بعدها حياة مضطربة في شقة تقع في قبو معتم ورطب، يدمن على الكحول، ويتشاجر مع الجوار دائماً، علاقة حب مع صديقته صوفي «باتريشيا شومان» لكن صوت بكاء شقيقه الرضيع يبقى يتردد على مسامعه رغم السنوات الطويلة التي مضت على الحادثة المؤلمة. يجد نيك ضالته في الخروج من وضعه النفسي الصعب بمساعدة صديقه القديم نيكس «بيتر بلاغبورغ» هذا الأخير يعاني من مشكلة نفسية نتيجة نفور النساء منه كونه بدين جداً. وفي فورة غضب يقتل نيكس صوفي التي تحاول مداعبته بعد ان طلب منها نيك ذلك. يتهم الأخير بجريمة القتل ويدخل على اثرها السجن مجدداً. على الطرف الآخر، يعيش مارتن حياته بشكل مضطرب لكن بظروف مختلفة، يتزوج وينجب طفلاً لكنه يهرب من عقد الذنب والماضي بالإدمان على المخدرات، لكنه مع ذلك يبقى حبيساً في ذاكرته المؤلمة ويعوض عن ذنبه في مقتل شقيقه الرضيع، بالاعتناء بطفله بعد مقتل زوجته بحادث سير، يصل به الأمر إلى السرقة من أحد المتاجر حتى لا يشعر طفله بالنقص أو الحاجة نتيجة إفلاسه، وحتى لا يفقد حقه في الحضانة. يبدد مارتن النقود التي تنازل عنها له شقيقه الاكبر من ميراث والدته بالمتاجرة بالمخدرات، يلقى القبض عليه نتيجة أعماله هذه، يلتقي بالسجن مع شقيقه الذي بترت يده نتيجة جرح أهمله سابقاً. أنها تناقضات وحالات سوداوية قدمت محاكاة لأسرة مفككة لم تعرف الاستقرار يوماً، عكس أفرادها معاناتهم على محطيهم على الرغم من محاولاتهم المضنية في التخلص من ماضيهم المؤلم والعيش مجدداً في سلام. يعترف نيك أخيرا على صديقه القاتل، ويخرج من السجن للاعتناء بابن شقيقه تنفيذاً لاتفاقه مع شقيقه.
ما يخص شقيقها .. عبثية الحياة في مواجهة الموت
في أحدث أفلام المخرج الياباني يوجي يامادو «ما يخص شقيقها» يقدم رصداً لحياة عائلة متوسطة الحال، تسكن العاصمة طوكيو، وتمثل جملة من المتناقضات التي تفرضها عليهم طبيعة الحياة الجديدة، وتساعد على بروز الخلافات فيما بينهم، والتي تنتهي بالعودة إلى حضن الأسرة لكن في الوقت الضائع او بعد فوات الاون. السيدة جينكو «لعبت الدور الممثلة اليابانية سايوري يوشيناجا» أرملة تدير صيدلية زوجها المتوفي، يبدأ الفيلم بحفل زفاف ابنتها الوحيدة كوهارو «يو آوي» من طبيب ينتمي إلى عائلة غنية جداً، لكن الخال تيتسورو «تسوروبه شوفوكوت» الممثل الفاشل يفسد الزفاف عندما يفقد تركيزه نتيجة أفراطه في تناول الكحول، مما يتسبب بأزمة حقيقية مع شقيقته التي ترفض استقباله، وتطرده من المنزل ليبدأ حياة عبثية غير مسؤولة. تنقطع أخبار تيتسورو عن شقيقته لمدة طويلة، تعيش فيها جينكو حياة رتيبة، وازمات متلاحقة نتيجة طلاق ابنتها السريع من زوجها الطبيب الغني، الذي لم يحسن معاملتها. تفاجئ جينكو بضيفة غير متوقعة، تعيد خلافها مع شقيقها إلى الواجهة مجدداً. هيتومي « ميدوريكو كيمورا» العشيقة السابقة لتيتسورو تقتحم الصيدلية مطالبة بمالها الذي أقترضه منها حبيبها تيتسورو الذي خدعها وتركها وحيدة، تعيش الأخت صراعاً حقيقاً أمام واجبها تجاه شقيقها المستهتر الذي بدد مال إنسانة مخلصة على ملذاته الشخصية، من لعب قمار وأمور مشابهة. تبرز العشيقة وثائق تثبت حقيقة مطالبها، مما يضع الأخت أمام المحك. تسحب جينكو رصيدها الذي تدخره لشيخوختها وتسدد ديون شقيقها المستهتر. لكن حدث محزن يقلب الأمور رأسا على عقب، يصل خبر اصابة تيتسورو بمرض عضال إلى شقيقته، هذا ما يفجر لديها مشاعر أخوية وعواطف إنسانية لطالما افتقدتها طويلاً، بشكل خاص عند تيقنها أن أيام شقيقها في الحياة باتت معدودة. في هذا الجزء من الفيلم، تتبدل المعايير وتختلف المعطيات، ويبرز مدى القسوة التي عانى منها تيتسورو في حياته الماضية، وان العبثية التي كان يعيشها، ما هي إلا محاولة يائسة منه، للهروب من واقع وظروف حياة ساهمت في سحق أحلامه البسيطة، وتحويله إلى إنسان عديم الفائدة، اما الآن وهو على فراش الموت لا يستطيع تذوق الطعام نتيجة مرضه، إنما يحقن بالغذاء عن طريق أنبوب معلق في معدته، لم يبقى أمامه سوى إظهار مشاعره الصادقة تجاه شقيقته التي احبها دائما، لكن ظروفه الصعبة، وفشله الدائم حوله إلى عالة عليها. لا يتخلى تيتسورو عن مرحه وعبثيته حتى اللحظات الأخيرة من حياته، عندما يتحايل على شقيقته بأن تضع الكحول له في مصله الطبي، ليشعر بالنشوى الاخيرة قبل رحيله عن هذا العالم الذي ظلمه كثيراً، ولم يستطع حتى أقرب الناس إليه تفهم طبيعته النفسية المسالمة والمحبة والطموحة. في النهاية يطلب تيتسورو من شقيقته العودة إلى حياتها الطبيعة وتركه وحيداً في مصح طبي الذي يشهد على نهاية حياته. بدوره استطاع المخرج يوجي يامادو تقديم لغة سينمائية جميلة، عكست طبيعة الحياة اليابانية التي ما تزال محافظة على تقاليدها، رغم التطور الحضاري الكبير التي تشهده اليابان، كذلك عالج فكرة عبثية الحياة وظلمها للكثير من البشر، بلغة بصرية اعتمد فيها على للقطات القريبة والقريبة جداً التي اظهرت ردود فعل وانفعالات مجمل شخصيات الفيلم.

أنس زرزر
http://www.albaath.news.sy/user/?id=988&a=88031