الخرخير مدينة مازالت في أعماق التاريخ

--------------------------------------------------------------------------------

قد لا يصدق أحد أن هناك قبيلة كاملة
مازلت لغتها هي اللغة الحميرية القديمة
ومازال أهلها يتحدثون بهذه اللغة

تعد السعودية من أكبر البلدان العربية مساحة, وعلى مستوى كبر هذه المساحة يختلف سكانها ما بين بدو و قرويين وحضر, ولكل منهم بطبيعة الحال من العادات والتقاليد التي تميزه عن الأخر, كما تختلف اللهجات مابين الحجازية والنجدية والجنوبية والتي في الأخير كلها تصب في لغة واحدة هي اللغة العربية.
وعلى بعد 800 كيلو شرق منطقة نجران تقع محافظة الخرخير التابعة لها, وهي عبارة عن أرض صحراوية تشتهر بالجبال الرملية ( الطعوس), وتنقسم إلى قسمين قسم يسمى الخرخير والقسم الأخر بادية الخرخير, أما مساحتها فهي متوسطة, تتمركز بها قبائل تنتشر في صحراء الربع الخالي, من هذه القبائل المناهيل الراشدي, المهري, وبعض القبائل الأخرى.
وتعد قبائل المهرة من أكثر القبائل تواجداً في الخرخير بعد المناهيل,ويرجع نسب هذه القبيلة إلى مهرة بن حيدان بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة,ويصل نسبهم بذلك إلى النبي هود عليه السلام.
وتختلف هذه القبيلة عن سائر القبائل في السعودية في أن لغتها الرسمية هي اللغة المهرية المنحدرة من اللغة الحميرية التي تعود إلى الدولة الحميرية الشهيرة التي تأسست قبل 115 سنة قبل الميلاد على يد الملك ذي ريدان الحميري, والتي أقيمت منطقة وادي بنا واختيرت مدينة ظفار على سفح جبل ريدان قرب قاع الحقل بيريم عاصمة لهذه الدولة.

وقبائل المهري يصل عددها إلى 30 قبيلة, كل قبيلة تحتوي على 5 أو 7 فخوذ, يعيش أفرادها ما بين الخرخير في السعودية وظفار في عمان وأبو ظبي في دولة الإمارات ومحافظة المهرة في اليمن, ومن قبائل المهرة: بن قمصيت, والزويدي, والحريزي, وبن كده, بن يسهول.

وقبائل المهري اشتهرت في التاريخ الإسلامي في مشاركتها بالفتوحات, وكذلك الدعاة الذين وصلوا إلى إندونيسيا والهند ويعود السبب في ذلك إلى سيطرتهم على المناطق المطلة على بحر العرب.
كما أن لدى هذه القبيلة الكثير من العادات الغريبة التي لا تقل عن غرابة اللغة, ويبلغ عدد أفراد هذه القبيلة 25 ألف شخص, يتوزعون في مختلف مناطق المملكة مع تمركز شبه رئيسي في محافظة الخرخير ذات الرمال المتحركة, والتي تعتمد بصورة رئيسية على التجارة والرعي في ظل صعوبة الزراعة فيها.

ويتميز أفراد قبائل المهرة في " قصاصين الأثر " والذين يصفهم الشيخ سعد بن ننش شيخ أحد قبيلة بن قمصيت أحد قبائل المهرة في دولة الإمارات أنها منحة وموهبة كما أنها وراثة, ويصف أن من لم يكن أباه قصاص أثر لن يكون هو أيضاً, ويتذكر بن ننش الكثير من القصص لالتي حدثت من سرقات وقتل وتم الكشف عنها عن طريق " قصاص الأثر" الذي يتبع أثر الجاني أو السارق حتى يصل إلى المكان الهارب إليه.

وعند الوصول إلى الخرخير بعد المرور على محافظة شرورة عبر طريقها الرملي الغير معبد, حتى تقوم (الإبل) باستقبالك (بالوسام) والذي يميز الإبل (جمال ونيا ق) هذه القبيلة عن تلك بعد كوي الجمل أو الناقة في رقبتها, ويرجع الشيخ سالم بن ناجي المهري شيخ قبائل المهرة سبب التسمية إلى أنها تشبه الأوسمة التي تكون على أكتاف الجنرالات والقادة, ولمكانة الإبل لديهم يسمى وساماً خاصة وأننا نتميز ونشتهر بالإبل على مستوى الجزيرة العربية من حيث سرعتها وحليبها.

ومع استقبال هذه الإبل( جمالاً, ونياقاً) المهرية لك في الطريق يبدأ استقبال أفراد هذه القبيلة, بتحيتهم المختلفة عن سائر القبائل العربية بالأنف وذلك بنقر طرف الأنف الأيمن بطرف الأنف الأيسر ومن ثم العكس وفي الختام تتقابل الأنفين وهذا ما يطلق عليها ( سلام الخشوم).

أما اللغة المهرية وهي اللغة الرسمية لقبائل المهرة تليها اللغة العربية, والتي تعد إلى قرون طويلة يؤكد الشيخ سالم المهري أنها اللغة الرسمية لقبيلتهم وأنهم لا يتحدثون بها إمام كل الناس حتى لا يفسر أنهم يتحدثون بالسوء بالشخص الذي أمامهم, ويقول عن تاريخ اللغة المهرية >> اللغة المهرية هي لغة تنحدر من اللغة الحميرية التي تعد إلى الدولة الحميرية الشهيرة في التاريخ والتي قام بتأسيسها الملك ذي ريدان الحميري, وجميع أفراد هذه القبيلة الذين ينتشرون في السعودية و الإمارات و عمان و اليمن يتحدثون هذه اللغة المهرية, ويشرف الآباء على تعليم أبناءهم اللغة المهرية منذ نعومة أظافرهم

وعن ما إذا كان هناك مناهج للغة الحميرية تدرس لأفراد القبيلة يقول الشيخ سالم بن ناجي >> في الحقيقة لا يوجد لها منهج معين رغم أن اللغة الحميرية كاللغة العربية لها قواعد وأدب يحتوي على النثر والشعر, ويشرف على تعليم هذه القواعد من لديه معرفة من أفراد القبيلة كعمل تطوعي يفيد فيه أطفال القبيلة

ويؤكد سعد بن ننش ما يقوله الشيخ سالم ويضيف أن هناك مدرسة تدرس اللغة الحميرية في كل من فرنسا وألمانيا يقوم بالتدريس بها من أبناء القبيلة هناك للباحثين والمهتمين بالدولة الحميرية وتاريخها, كما يتمنى أن تكون هناك مدارس مثيلة داخل الوطن العربي.

وعن مكانة اللغة الحميرية بين أفراد القبيلة وهل أبناءها الذين يعيشون في المدن يتعلموا هذه اللغة يرد " نعم يقوم الآباء بتعليم أبناءهم هذه اللغة لأنها اللغة الرسمية في المنزل ومع أبناء العمومة وقبيلته, كما أنها تعيش في ذهن الطفل من بداية ولادته لأنها تأتي بالفطرة كاللغة العربية تماماً". وعن ماذا كانت هذه اللغة قد تسبب لهم الحرج أمام الأخريين واعتبارهم ليسوا بعرب ينفي ذلك الشيخ سعد ويؤكد أن لغتهم لا تلغي هويتهم العربية التي اكتسبوها عبر قرون طويلة سكنوا بها في الجزيرة العربية ويرى أن اختلاف لغتهم يرجع إلى تمسكهم بتاريخ وأرث أجدادهم الحمير يين.

وعن حروف هذه اللغة يقول الشيخ سعد بن ننش أنها هي نفسها حروف اللغة العربية ولكن توظيفها يختلف في اللغة الحميرية عن العربية فمثلاً يطلق على صحيفة: قريدة, و يطلق على الماء: حُمه, وكيف حالك ؟ : أيت بخير, وما أسمك ؟: همك مون ؟ .

ومع الأهازيج الشعرية باللغة الحميرية والأغاني الحميرية الترحيبية يبدأ الفتى المهري بصب فنجال القهوة للضيف دون سؤاله كعادة عربية تشترك فيها كل القبائل العربية عن اسمه أو ماذا يريد حتى يشرب فنجاله, ومن ثم يبدأ شيخهم أو أكبر شخص موجود بينهم بالسؤال بالطريقة التي تشترك فيها قبائل الخرخير وشرورة " كيف حالك ", " أخبار أعلام ", ليرد عليه الضيف يسلم حالك, أبداً شي حولكم ؟ ".

و لا تختلف هذه القبيلة في مأدبتها الغذائية للضيف عن سائر القبائل, بالأرز والذبائح, ولكنها تتميز في الوجبة التي تقدم للضيف بعد اللحم الأرز, والتي يطلق عليها " الشخوف" والتي تعد خليطاً من اللبن والحليب, يقدم كوجبة أخيرة.

ومع صلابة أفراد هذه القبيلة التي ترفض بشكل تام العلاج في المستشفيات والمراكز الصحية, لإيمانها الشديد بالعلاج التقليدي والشعبي, تكتشف طريقة علاج غريبة يعالج بها الشخص الذي يصاب بالتواء في ذقنه أو رقبته والتي يطلق عليها لديهم " الملطومة " ويكون علاجها بأن يوضع المريض في غرفة بمفرده, ويدخل عليه مابين ثلاثة إلى خمسة من أخوته أو أبناء عمومته الأشداء وضربه على وجه ( كف ) حتى يعتدل ذقنه أو رقبته ويشفا من علته.

ومع " الملطومة ", و" الشخوف " و " اللغة الحميرية ", تنتهي الرحلة في محافظة الخرخير مع قبيلة المهرة التي لا تختلف عن باقي القبائل في السعودية أو الخليج إلا في أمور بسيطة, ولكن هذه الأمور البسيطة من المؤكد أنها تعد مادة فريدة و دسمة للبحث والإطلاع والاستغراب أيضاً, مع الإعجاب بفخر أفراد هذه القبيلة بلغتهم وعاداتهم, وحلمهم بمدرسة تعلم لغتهم الحميرية لأطفالهم مع عدم إهمال اللغة العربية التي لا تقل أهميتها بالنسبة لهم عن لغتهم الرئيسية.

مقال منقول عن جريدة الإقتصادية
سلطان العوبثاني
__________________





أيُّها الباكي رويداً لا يسدُّ الدمعُ ثغرَهْ
أيُّها العابسُ لن تُعطَى على التقطيبِ أُجْرَهْ
لا تكنْ مُرَّاً ، ولا تجعَلْ حياةَ الغيرِ مُرَّهْ
إِنَّ من يبكي لهُ حَوْلٌ على الضحكِ وقُدْرَهْ
فتَهَلَّلْ وتَرَنَّمْ ، فالفتى العابسُ صَخْرَهْ




طلب مني توقيعي إجازة لعدة أيام
وطلبت منه إحضار البديل المؤقت