كيف يُطالب أبناء المجتمع بحقوقهم؟
يميل البعض لتعريف المجتمع بأنه مجموعة من الناس تعيش سوية في شكلٍ منظم وضمن جماعة مُنظمة! ولو سلمنا بهذا التعريف لوقعنا بإشكالية تميع المدلول وتترك من يتعامل معه في حيرة مربكة، فهذا التعريف قد يصلح لنادي رياضي وقد يصلح لأبناء شركة أو مهنة وقد يصلح لشعب أو حتى أمة.
لقد ميز بعضهم بين المجتمع السياسي وبين المجتمع الأهلي أو المجتمع المدني، فتم تخصيص المجتمع السياسي ليكون دالاً على الدولة تمييزاً عن المجتمع (الكلياني: الدولة ومواطنيها)، وهناك من أضاف الأحزاب والجمعيات السياسية للمجتمع السياسي، باعتبارها حتى لو كانت بالمعارضة فإنها تكمل أداء الدولة في وظيفتها السياسية.
والمجتمع الأهلي كما يصفه المفكر (محمود أمين العالم) بأن المجتمع الذي يقدم بشكل عفوي ما يساعد الفقراء، وما يقوم به أثناء مراسم الدفن، فهو يتحرك دون تنسيق وأوامر من أحد.
أما المجتمع المدني، فهو المجتمع كله بتشكيلاته المنظمة من نقابات وأندية وجمعيات ومؤسسات، يكون همها تطوير أوضاع منتسبيها وتأمين ما يلزم لذلك.
وقد يكون التصنيف الذي يرى فيه البعض أن تتحدد هوية الجماعة على ضوء أهدافها، أكثر دقة ووضوحاً، فقسموا الجماعات الى دعائية كالأحزاب والمنتديات الثقافية والفكرية، يكون جُل عملها في ضخ ما تراه مناسباً للمجتمع من أفكار طالبة من القسم الثاني تبنيها وتحويلها لإجراء. ولذا أطلقوا على القسم الثاني اسم تجمعات إدارية: كالبلديات و مجلس النواب والأندية وغرف التجارة والنقابات وحتى الحكومة نفسها.
ولا تستطيع الجماعات الدعائية إحراز أي تقدم، يوسع من شعبيتها، دون أن يكون لها اتصالاً عضوياً مع الجماعات الإدارية، لذلك، تسعى باستمرار لاحتلال مواقع لها في الجماعات الإدارية لتحول برامجها الدعائية الى حقائق ماثلة أمام أعين أبناء المجتمع ليزيد بذلك حجمها وحجم مؤيديها.
ما هي الحقوق التي يطالب بها أبناء المجتمع؟
تنقسم الحقوق التي يطالب بها أبناء أي مجتمع الى قسمين: حقوق مادية تخص الفرد كمواطن تندرج تحت مطالب التعليم والعلاج والسكن والعمل؛ وحقوق معنوية تعزز من إشباع متطلبات الفرد كإحساسه بالعدل والمساواة وتناقل السلطة بين أبناء المجتمع دون تقنين، والانتماء لمجتمع قوي عزيز لا يُعبث بجانبه.
الحديث عن الحقوق لا يحقق الحصول عليها
يتساوى معظم المواطنين في فهمهم للحق والباطل، والعدل والنزاهة، والفساد وغيرها من المفاهيم. ويشعر المواطن باليأس والقنوط لكثرة ما تحدث بها، والعبثية من الحديث بها، ويظن كل مواطن أنه لطالما تكلم بها وغيره، ولكن دون أن يكون من مجيب.
لم يسأل المواطن نفسه: أين تحدث بها؟ وما هي الكيفية التي تحدث بها؟ ومن كان الطرف الذي قابله للحديث معه؟. ولكنه بالتأكيد قد تحدث، بصالون حلاقة، أو بصحبة سفر، أو في ليلة سمرٍ، وقد يكون قد تحدث آلاف المرات، وبلغة لا تخلو من الغمز أو حتى الشتائم وإطلاق العبارات الساخرة...الخ
إن هذه الأحاديث والمحاولات، لا قيمة لها، طالما أن طرفها الآخر غير موجود، وطالما أن تحضيرها تم على عجل وبدون تنسيق مع ممثلي الطرفين.
إن وفداً يمثل مربي الدواجن ومقابلتهم لوزير الزراعة، أقوى تأثيراً من أن يترك ابن تلك المهنة مهنته، وعندما يسأله أحدهم عن السبب: يفيض الكلام الحزين والغاضب. وأن ينتمي عامل بناء لنقابة تمثله خيرٌ ألف مرة من أن يتنقل من مهنة الى أخرى ويسوق تبريراته في كل مرة.
إن التنقل من مهنة الى أخرى، سيشطب تراكم الخبرات وما سيؤول الى ذلك من عدم ظهور فقه ومنظرين لكل مهنة تساعد في وضع التشريعات وغيرها مما يؤثر على رسم علاقات إنتاج متقدمة.
الأبواب مًشرعة لكل المواطنين لتنظيم أنفسهم في جماعات (أي جماعات) تؤمن لهم مطالبهم، دون أن يكونوا تحت طائلة مسئولية القوانين الراهنة.