النفس لها حاجتها التي لابدّ منها لتحث خطاها في السير على طريق الإيمان حيث النجاة والفوز بالنعيم الأبدي.وفاطرها سبحانه وتعالى أرشدها إلى سبيل نيل تلكم الحاجة وهو أنت أيها المؤمن , أجل أنت , عندما تعرف مرادات ربك وتفهم أبعادها , وتدرك أهدافها , وتقوم بها كما أرشدك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وحاجات النفس ثلاث هي : 1- الصلاة . 2- الصوم . 3- ذكر الله . فعندها تتوفر لها هذه الحاجات تتحرر من أهوائها وتتخلّص من رعوناتها فتموت فيها القوى الغضبية الدافعة إلى كل شرّ وإثم وتحب فعل الخيرات وتتعلّق به , وتنفر من المعاصي والسيئات وتنأى عنها كالهارب من النار .
الصلاة : ( واقم الصلاة لذكري ) فالصلاة هي الذكر الأكبر في حياة المسلم , وهي قوت النفس وغذاؤها الّذي لا غنى لها عنه من خلال المحطات الخمسة اليومية . ومن خلال المحطة الأسبوعية , صلاة الجمعة,ولكن لا يطيب للنفس غذاؤها هذا إلاّ بصدق التوجه إلى بارئها بعيداً عن ضجيج الحياة وزحمتها , كما كان عليه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( وجعلت قرّة عيني في الصلاة . ) أي قمة الطمأنينة والاستقرار والراحة النفسية في الصلاة , ويمكن للمؤمن بلوغ ذلك عندما يدرك البعد العميق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي . ) فعندما تلتقي صلاتك مع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شكلاّ ومضموناّ وتوجّها لله تستنير بها نفسك وتجد فيها حاجتها , وتغدو قريبة من خالقها ( أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد .) تلك هي قمة السعادة كما عبّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهل ثمّة سعادة أعظم من هذه , القرب من الله تعالى .
الصوم : المحطة السنوية للنفس لترقى في معارج الكمال جرّاء تجرّدك عن ملذات الدنيا من الطعام والشراب النساء , هنا تتحرر النفس من أسر الدنيا المتمثل بتلك العوائق التي تقف في طريق سيرها,فعندها تصوم شهر رمضان ممثلاً أمر مولاك ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه . ) وتدرك البعد الأعمق للصوم , وهو الامتناع عن كل ما لا يرضي الله من أقوال وأعمال وتصرفات وذلك من خلال التحكّم بجوارحك وتوجيهها وجهة الخير , فعندئذ تجد نفسك حاجتها التي تمنحها مزيداً من القرب من فاطرها وتصبح أشدّ نوراً وألقاً , فذلك الجوع الموقوت يضيق مجاري الشيطان بل يغلقها فلا يجد إليها من سلطان ( إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان . ) تغدو نفساً علوية فلا تلقي مع النفس الأرضية بحال . وتلك هي الغاية البعيدة للصوم وهي التقوى .
الذكر : ( فاذكروني أذكركم ) والمراد بهذا الأمر أن تكون مع الله في حالة حضور دائم بقلبك ولسانك وجوارحك ( يا أيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً . ) باللسان حمد وثناء , تسبيحاً وتهليلاً , استغفاراً وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم , تلاوة القرآن بتدبّر وتعقّل . وتعفيل الخطاب القرآني في حياتنا اليومية بأوسع مساحة ممكنة , واستحضار نظر الله اليك عندما تريد القيام بأي عمل أو قول . هنا تجد أنك من الذاكرين الّذين أثنى الله عليهم فقال : ( والذاكرين الله كثيراً والذكرات ..) هنا تدرك النفس حاجتها فتستكمل عدّتها وتحث الخطا ماضية في السير إلى فاطرها ولا تحط الرحال إلاّ في دار القرار . ( إنّ المتقين في جنّات ونهر , في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ) وتلك هي نهاية النهايات وغاية الغايات .