مشاركة جمعية التجديد في مؤتمربدعوة من وزراة العدل والشئون الاسلامية بمملكة البحرين شاركت جمعية التجديد الثقافية في المؤتمر السنوي للأئمة والخطباء والدعاة "معالم التنمية الوطنية في الخطاب الإسلامي" الذي انعقد في الفترة ما بين 16 – 17 يونيو 2008م، كما كانت للجمعية مداخلة في الجلسة الخامسة تحت عنوان "المواطنة الصالحة ودورها في التنمية الوطنية" ألقاها الأستاذ رضا رجب رئيس الجمعية فيما يلي نصها:
"معالم التنمية الوطنية في الخطاب الإسلامي"
http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10822
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي راعي المؤتمر حفظه الله، علماءنا الأفاضل، الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعلمُ يقيناً أن غايتَكم النبيلةَ، لاحتشادِكم هنا، هي وقايةُ هذا المواطنِ، والوقوفُ كمصدّاتِ وعيٍ قِبالَ هجمةٍ شرسةٍ على إنسانِ هذه المنطقة الحساسة من العالم.
وخدمةٌ لإنجاح أهدافِ هذا المؤتمر ومساعي القائمينَ عليه، ولكي يظفرَ هذا المؤتمرُ المبارك بثقةِ الجمهور حينما يرى أنه ناقشَ همومه ولامسَ الآمه، آثرنا الإسهامَ بكلمةٍ قد تُفيدُ في تجسيرِ مرادِكم الشريفِ إلى مطمحكِم المأمولِ.
بادرنا في جمعيةِ التجديدِ باستبانةٍ عجولةٍ وشفّافة على شريحةٍ منَ الناس من مناطقَ مختلفةٍ، لتلمّسِ أحاسيسِ المواطنِ تجاه المواطنةِ الصالحةِ، في محاولةٍ لسبرِ أغوارِ هذا الأمرِ، فانكشفَ لنا من خلالِ هذه الاستبانةِ أنّ الإجاباتِ تحملُ في طياتِها كوارثَ وطنيةً متحرّكةً لن تلبثَ حتى تنجليَ وتتّضحَ أبعادُها، فكان مِن بعض هذه الأسئلة:
- <LI dir=rtl>هل تستشعرُ التهديدَ لمستقبلكَ المهنيَ، وتتوّجّسُ التمييزَ والحرمانَ من فرصِ التمكين ِوالترقّي والتدريب؟
<LI dir=rtl>ماذا يُمكن أن تُصنّفَ حالةَ المواطنِ الاقتصاديةَ والنفسيةَ في البلد بعد عشر سنينٍ من الآن؟
- هل تشعرُ بأنّ النمطََ الدينيَ والمذهبيَ الحالي، فكرًا، ووعظًا، ودعوةً، ومؤسّساتٍ، وشعائرَ، وممارساتٍ، وتصريحاتٍ، تصب في التقريبِ بين طوائفِ الوطن؟
وغيرِها الكثيرَ من الأسئلة التي لا مجالَ لسردِها هنا ولكنَّ إجاباتِها كلِها (تقريباً) جاءت سلبيةً ومخيفة، أفصحت عن ظلمةِ النفقِ الذي دخلنا فيه، فالخلاصةُ التي انتهيْنا إليها هي أنّ المواطنَ "الجسمُ منه في وطنٍ والروحُ في وطنٍ آخر"، هذا الوطنُ الآخر إما حقيقيٌ يدور في خلدِ كثيرينَ ويطمحون بالهجرة إليه، وإما وطنٌ ذهنيّ يَحلَم به المُعدَمون ويُداعبُ خيالَهم.
الإخوةُ الكرام،
تداعيتُم إلى هذا المؤتمر الكريم لتدارسِ أمرٍ جليل، وللاتّفاقِِ على قاعدةٍ موحّدة، يمكن أن تكون منطلقاً للدعاةِ الكرامِ لترسيخِ قيَمٍ ومفاهيمَ طالما شكَّلتْ دعاماتِ حمايةِ الأوطان من الأخطارِ الداخليةِ والخارجية، ولكي يجدَ هذا المؤتمرُ صدًى حقيقيّاً لدى المحبّينَ لخير أوطاننا ، لا بدّ من تشخيصٍ دقيقٍ لتحديد ماهيةِ المواطنةِ الصالحةِ وكيف يمكنُ حمايتُها ورفدُها للتنمية الوطنية، ولابدَّ من الولوجِ إلى جذورِ الأسبابِ التي يمكنُ أن تحولَ بين المواطنِ وبينَها.
إنّ الخلاصةَ المُؤلمةَ التي خرجنا بها من الاستبانة السالفةِ الذكرِ تُلامسُ هذه الجذورَ، وتكشفُ لنا عن وجودِ علاقةٍ دينامية بين "قيمِ المواطنة" ومستوى "طموحِ المواطن"، لها على المواطنةِ وخُططِ التنمية والتعايشِ السلمي تأثيرٌ سلبيٌّ لأبعدِ الحدود، فالمواطنُ يشعر بأنه يزداد يوماً بعد يوم غربةً وفقرًا وتهميشاً، وإنّ الأفقَ البعيدَ لن يطولَ حتى تتّضحَ الصورةُ الحقيقية!
إنّنا ما لم نتداركِ الوضعَ، فتخطيطُنا يصبّ في المنهج الشيطاني الذي غايتُه تحطيمُ إنسانيةِ الإنسان بتعميم الفقرِ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم)، الذي يُؤدّي بالمواطنِ المسكينِ إلى الكفرِ بوطنه وبقيم السلمِ والتعاونِ الاجتماعي.
فإذا كان ثمّةَ من يقول: (الفقرُ شعارُ الصالحين)، و(الفقرُ لباسُ الأنبياء)، في مراوغةٍ دينيةٍ تستعينُ بنصوصِه الشريفةِ في غير محلِّها وسياقِها لإدامة التخلّف التنموي الشامل، فهناك أيضا من يقول محقّاً: (الغنى في الغربة وطنٌ، والفقرُ في الوطنِ غربةٌ)، بل قد قالوا مشخّصينَ وأصابوا كبِدَ الحقيقةِ بأنّ: (الفقرَ مجمعُ العيوب). وقالوا محذّرين من مثلِ هذا الحالِ وسوءِ المآل: (كاد الفَقرُ أنْ يكونَ كفراً).
ليس كفرًا بعدالةِ السماء، فإنّ الله يظلّ ملجأَهم ومأواهم وعنوانَ راحتِهم ومنشدَ خلاصِهم ومحطََّ استغاثتِهم ودعواتِهم، وإنما فُقدانُ الشعورِ بالانتماءِ والولاءِ والحميّةِ للوطن! كفرٌ بِوطنٍ يسحقهم ويزدريهم، كفرٌ بنُظُمِه وبرجالِه وبوعودِهم وبخططِهم وتصريحاتِهم، والإحباطُ من نفاقِهم وإخفاقهم وفسادِهم، ساسةً كانوا أو دينيّين.
يكفر بكلّ نظريةِ إصلاحٍ لا يجد نفسَه فيها كمواطنٍ مكرّماً، محترمَ الوجودِ والفعالية، مهما كانت قبيلتُه وطائفتُه ومذهبُه.
يكفرُ بكلِ دراسةِ جدوى اقتصاديةٍ، لأنّه يراها لا تزيده إلا فقرًا مضافاً إلى فقرِه!
يكفرُ بكّل طفرةٍ تنمويةٍ لأنّه يراها مجرّد وثبةٍ لتهميشِه وسحقِه!
وعند تعرّضِ الوطنِ لكارثةٍ طبيعيةٍ أولاعتداءٍ، لا سمحَ اللهُ، وكلاهما أمرٌ متوقّعٌ بحسب السننِ الكونيةِ والتاريخيةِ والواقعية، فلن يكونَ هؤلاءِ المسحوقونَ إلا آخرَ من يتقدّم بالتضحية والخدمةِ إن لم يكونوا عونًا للمعتدي، أو عنصراً يُضاف إلى عناصرَ تعميقِ الكارثة! لأنّ المسحوقَ سيجدُ نفسَه في الفوضى القائمةِ، يتنفّسُ فيها ويُنفّس عبرَها، ويستعيدُ هيبتَه المزدراةَ وآمالَه المُحطّمةَ بين الحطام، هذا ما جرى لشرائحَ مسحوقةٍ في بلدانٍ دخلها المحتلُّ عنوةً، ويذكرُ التاريخُ كيف أنّ شعوباً فتحت أبوابها للأجنبيِّ الغازي حين ظنّت أنّ لها به خلاصاً من سوءِ فقرِها وخلاصًا من المستأثِر بأرزاقِها. لأنّ أُسُسَه النفسيةَ أصبحتْ منفصمةً تمامًا -الجسمُ في وطنٍ والروحُ في وطنٍ آخر- ذلك ما يدفعُه أو سيندفعُ نحوَه اندفاعَ مَوتورٍ معتلِّ النفس، إنّما ليُعيدَ ترتيبَ وضعِِه وأولوياتِه حتى إن لم يكن يُضمرُ النيةَ لذلك!
إنّها للأسفِ مسألةُ وجودٍ بالنسبة له، وستكونُ بالنسبة لنا في نذيرِ الغد، ما لم نمهّد لوجودِنا جميعاً بتشييدِ دعائمَ استدامتِنا ، ونتداركْها بدعامتيْ "الصلاحِ والرضا"، إصلاحٍ حقيقيّ يُرضي العامّة.
إنّ المواطنَ يفتقر إلى الكثيرِ، مادّةً ومعنى.
المشكلةُ ليست في الآباء، لأنَّ الآباءَ بحكمِ الطبيعةِ والفطرةِ يريدون الخيرَ بل كلَّ الخيرِ لأبنائِهم!
المشكلةُ ليست في المناهجِ الدراسيةِ، التي تُكرّسُ حبَّ الوطن! فلا أحدَ يمكن أن يُعلّم أحداً كيف يُحبُّ وطنَه .. لأنّ حبَّ الوطنِ حبٌّ فطريٌّ .. تراه بأمّ العينِ في الحيوانِ فما بالُ الإنسان؟!
بل أيضاً المشكلةُ ليست في العملِ السياسي كونُه فنَّ الممكن، وهي بالضرورةِ ليست في الدين لأنّ الدينَ جاء لأمن الإنسان وتخليصِه من براثنِ الضرر والمخاوفِ والاستغلال.
إذن، إنْ كانَ الفقرُ -الذي يكاد أن يكون كفراً- إخوتي الأفاضل، في بلدانٍ مرفّهةٍ، هو المعْوَلَ الذي يُخلخلُ أركانَ المواطنةِ الصالحةِ، عندما تهتز قواعدُ العدالةِ الاجتماعيةِ، فإنّ الأرَضَة التي ظلّتْ تنخرُ في مُجملِ بنيانِنا هي توظيفُ هذه المنظومةِ القيميةِ الإنسانيةِ أي (الدين) لخدمةِ القرارِ السياسي الخاطئ، وتسخيرُ هذه المعارفِ العليا خدمةً لمصالحِ الطائفةِ أو المذهب، واستغلالُ الميلِ الفطري للإنسان للانتماءِ إلى ركنٍ آمن، يأمن فيه على نفسِه ومالِه وعِرضِه، فإذا فقد الانسانُ وطنَه ومحضنَه، ومات إحساسُه الوطني، لجأ كتعويضٍ غرائزيٍّ إلى طائفِته وفئتِه وربّما لعدوّ وطنِه، باحثاً عن أمنهِ وسعادتِه.
المواطنةُ الصالحةُ شرطٌ للتنميةِ الوطنية، ولا نجاةَ للوطنِ إلاّ بالتصدّي لهاتينِ الآفتينِ، الفقرِ العامّ، والتوظيفِ السياسي للدين خدمةً للمصالحِ الفئويةِ وللقراراتِ الخاطئةِ.
الدعاةُ الكرامُ والخطباء الواعون هم خيرُ من يحمل مسؤوليةَ دعوةِ كلّ مكوّناتِ الوطن للتعاضد والتصدّي لهذه الأخطارِ المحدقة، لإخراج المواطنِ من نفقِ إحساسِه بالغربة في وطنه، والتناصرِ لوقفِ تحشيِده الفئوي وتفريقِنا وتسليحِنا بألويةِ كراهيةِ بعضنا، بالدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.