سبب هزيمة المسلمين / جودت سعيد
المفكر الإسلامي: روح الإكراه ولدت العنف وخلقت الجماعات المسلحة وطالبان وصدام حسين في المجتمعات الإسلامية
دمشق: علي محمد طه
أكد المفكر الاسلامي جودت سعيد ان تكرار الهزائم التي تعرض لها المسلمون كان بسبب عدم دراستهم للتاريخ وللواقع وللسنن الكونية، وقال ان الإكراه تأصل في الأمة منذ قرون والمسلمون لم يفهموا دينهم ولم يعرفوه حق المعرفة، وقال ان روح الإكراه هي التي ولدت العنف وخلقت الجماعات المسلحة وطالبان وصدام حسين. وأكد ان مخرج الأمة هو باحترام العقل والرأي الآخر اللذين احترمهما وصانهما الاسلام وقال ان افضل ما افرزته حضارة الغرب هو النجاح في نقل السلطة بدون سفك الدماء والحوار تطرق لنقاط عدة.
* المحن الكثيرة التي تجتاح العالم الاسلامي كيف تقرأ دلالاتها ومآلاتها وهل تشعرك بالقلق على المستقبل؟ وهل ترى فيها مخاضا لشيء ايجابي قادم؟
ـ ما يحصل لنا هو من أنفسنا والمستقبل سيكون لنا لأن ما يحدث هو مخالف لسنن الله وللطبيعة وما يحصل لنا هو بما كسبت أيدينا لأننا مفرطون ولم نعمل لصالح أمتنا كما يجب ونحن منذ قرون نعتقد ان الكون خلق وانتهى ومآله للفناء ولذلك انتشرت في العالم الاسلامي مقولة اننا في آخر الزمان ونهاية التاريخ بينما القرآن يقول لنا الكون لا يزال يخلق ويتسع وهو محكوم بقوانين وسنن لا يحيد عنها. نحن المسلمين خرجنا عن سنن الله التي سنها لنا ولهذا تتالت علينا المحن ولهذا اقول ان المستقبل جيد لأن النافع يبقى ويتراكم والضار يذهب جفاء وينسخ. للأسف المسلمون يظنون كالأمم السابقة انهم ابناء الله مع ان اغلبهم الآن وبنص القرآن الكريم بعيدون عن جوهر الاسلام «فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا»، ولهذا الله تعالى يعذبنا بذنوبنا الآن فيسلط علينا الكوارث والمحن والأعداء، بل يسلط بأس بعضنا على بعض. ولقد اضعنا أقدس شيء وهو روح الله وهي الانسانية ونعمة العقل والله يقول «سويته ونفخت فيه من روحي»، وأصبحنا أمة مهزومة متخلفة وبتضييعنا لنعمة العقل والتفكر فقدنا نعمة اكتشاف القوانين ونعمة التفكر في الكون وبالتالي نعمة التفوق والعلم فلم يعد لنا باع في اكتشاف آيات الآفاق والأنفس فما يحصل لنا هو تحصيل حاصل لنا لأننا أمة ضعيفة مهزومة متخاذلة لا قيمة لنا بين الأمم وهذا سببه نحن وبما كسبته أيدينا. وأنا أرى الخير في القادم لأن ما يحصل لنا وخاصة ما حدث أخيرا للعراق بدأ يفتح اعيننا ويوقظنا لنصحوا ونرى حقيقة أمرنا كأمة مهزومة لا تقرأ تاريخها ولا تستفيد من الدروس والعبر التي تحصل لها وهذا ما سيكون له آثاره الايجابية مستقبلا. كنا نظن اننا على شيء والآخر يفهم جيدا هذه الحقيقة عنا ويتعامل معنا على أساس هذا الشيء ويتعاملون معنا على أساس أننا متخلفون وضعفاء ولهذا يتقاسمون ثرواتنا ويحددون مستقبلنا ويهجمون علينا وهذا ما سيكون سببا لليقظة القادمة ان شاء الله.
* نرى انك متشائم كثيرا من الحالة الانهزامية التي تعيشها الأمة. كيف تخرج من هذه الحالة؟
ـ ما يحدث لنا سببه عدم احترامنا للعقل الانساني ونحن ابتعدنا منذ وقت مبكر عن جوهر الدين الاسلامي، والاسلام عندما جاء احترم العقل وارادة الانسان ولأننا اعتبرنا انفسنا افضل من غيرنا اغتررنا واصابنا الغرور وتركنا ديننا ولم نعد نحمل منه سوى الاسم ومع ذلك نعتبر انفسنا احباء الله، والقرآن يقول «ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به». ونحن ظننا ان الكون مسخر لنا وان الارض موروثة لنا وجمدنا على هذا الحال منذ قرون ولا زلنا كذلك والعالم يتقدم ونحن واقفون مكاننا فخسرنا الدين والدنيا، لكن القرآن سيبقى وسيصنع أمته ولذلك يقول «ان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين»، المنهج القرآني يعتمد على احترام عقل الانسان ونحن فرطنا في هذا الجانب فهزمنا في كل النواحي العلمية والثقافية والاجتماعية وحتى الدينية ولهذا نحن مهزومون، أنا لست متشائما، بل أضع يدي على الجرح ولا أخبئ عيوب الأمة لاننا بحاجة للمكاشفة والمصارحة لنعالج مشاكلنا. نحن لم نستفد من التاريخ وللأسف البعض يدعوننا للتقوقع والانغلاق والقرآن يقول «شهداء على الناس»، نحن فشلنا في كل شيء في الوحدة القومية وفي الاشتراكية وفي انشاء دولة اسلامية لأننا لا نزال نتحدث بروح العشائرية والأسرية والفردية وليس بروح الأمة، لا نرى ما يحدث في العالم من تطورات، ان الوحي انقطع منذ قرون، ولكن التاريخ أصبح يدلنا على الخطأ والصواب والقرآن يدعونا لدراسة تاريخ الأمم لنستفيد من اخطائها ونجاحاتها، حيث يقول «إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم بمؤمنين»، حتى نخرج من انهزاميتنا علينا دراسة ما حصل للأمم الأخرى مثل اوروبا واليابان وكيف نجحت وحققت اوروبا حريتها بالعلم بعد ان كانت متناحرة. هتلر ونابليون قبله حاولا توحيدها بالقوة وفشلا، لكنها توحدت الآن بدون دماء، يتحدون من دون ان يخسروا شيئا وهذه آية من آيات الله لانهم تعلموا من آيات الأنفس والآفاق ولهذا تطوروا ونجحوا ونحن هزمنا وتراجعنا. نحن الآن لم نعترف بقدرة الانسان، والله يقول الكون مسخر لمن يفهم سننه «كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا». جعلنا ديننا في المحاريب وهو في الأساس دين علم وعندما يصبح الاسلام دين العلم سيصبح دين العالم ، نحن وضعنا عقولنا في صندوق حديد منذ عدة قرون ولا يزال فيه لم يتطور ولهذا نحن منهزمون.
* هل اعتزازنا بتاريخنا القديم وبتراثنا واغترارنا به سبب هذه الهزيمة؟
ـ نحن عظمنا آباءنا الأولين تعظيما خرافيا وجمدنا الدين فيهم وهذا خطر كبير وسرنا منذ القرون الاولى على اساس ان الملوك ورجال العلم أرباب ولا يجوز المساس بهم أو مناقشة اخطائهم حتى أننا للآن نرفض التحدث عن سلبياتهم ومع ان بعض السلف قال «كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر» أي الرسول الكريم. الغرب كانت لهم حضارة يعتزون بها لكنهم تخلصوا من سلطة ملوكهم ومن رجال الكنيسة وتطوروا بعد ذلك، نحن الآن عاجزون عن فهم ما حدث لنا وما حدث في اوروبا ولهذا تتكرر هزائمنا دائما، نحن نخلط بين الاسباب والمسببات والنتائج ولا ندرسها لنعرف الحقيقة، نحن لا نرفض الاعتزاز بالتاريخ الاسلامي، لكن على ان يكون حافزا لنا للتقدم لا ان نقف ونتباكى عليه كالثكالى.
* هل لروح الإكراه التي سادت في العالم الاسلامي آثار سلبية أدت لتقهقرنا؟
ـ الإكراه كان سببا لتقهقرنا لأننا دائما نلغي الآخرين وحتى من يخالفنا من المسلمين نلغي رأيهم ونمارس الاضطهاد ضدهم والارهاب الفكري وحربنا ضد العقل قديمة وليست جديدة ولهذا تجمدت عقولنا في مكانها ولم تتطور، اعتمدنا الإكراه ولو كان الله يخاف على دينه من الهزيمة لما قال «لا إكراه في الدين». ما حصل لنا كان عمى بصيرة وروح الإكراه هي التي ولدت العنف في المجتمعات الاسلامية وهي من خرجت صدام، ومن خرجت طالبان والجماعات المسلحة التي درست الفقه على الطريقة القديمة التي تريد فرض رأيها بالإكراه والقتل وسفك الدماء ولو تسلموا الحكم لمارسوا سفك الدماء. الرسول الكريم عُذِبَ واضطهد وظلم وقُتلَ اقرباؤه وعندما فتح مكة عفى عن الجميع وقال «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ولم يكره احدا على دخول الاسلام ولم ينكل بهم أو يؤذيهم وهم مشركون. ونحن لا نعرف العيش دون انقلاب وقتل وهذا سببه عدم قراءتنا للأحداث وللتاريخ، لا يمكن لأمة تعيش على الإكراه ان تنجح وتتطور وهذا كله ليس من الاسلام، لقد كان الرسول يحاور اصحابه ويستشيرهم في كل شيء ونحن بعده مارسنا الإكراه لقرون طويلة ولا زلنا كذلك ونرفض الرأي الآخر ولا زلنا نحتقر العقل ولا نقدره. ولهذا نحن لم ننجح في أي شيء ولا زلنا متفرقين متعادين والرسول عندما سأل ربه ألا يجعل بأسنا في ما بيننا لم يعط هذا السؤال. الاختلاف جيد، لكن بشرط القبول بالآخر وعدم الإكراه، والقرآن يقول «لكم دينكم ولي دين»، لقد فات أوان الإكراه والعلم يتحدث بروح العقل والفكر، ان الله اول ما خلق القلم وأول ما نزل من القرآن هو اقرأ فلماذا نعتمد على السيف أكثر من القلم هذا سؤال يجب ان نجد اجابة عليه.
* هل الاصولية الاسلامية هي ايضا من تداعيات ما حصل من إكراه بعضنا البعض؟
ـ نعم، هذا صحيح فالإكراه سائد وكلما زال نظام استبدادي جاء آخر وجاء حاكم متسلط وهذه الحركات تريد التغيير بالإكراه وبالسيف ولهذا سفكت الدماء من الجانبين مع ان التغيير بالحوار أفضل واسلم، وهذه الجماعات وغيرها من التنظيمات التي تريد الحكم عندما تصل له ستعمل على إكراه الآخرين ليتبنوا فكرها ولأننا لم نتعلم الدرس ولم نحترم الرأي الآخر بعد، لقد غيرنا الكثير من السياسيين منذ العهد الراشد حتى الآن بالقتل والإكراه، ماذا تغير جاء البديل نسخة طبق الأصل ولم تحل المشكلة اقول منذ سنوات الديمقراطية من الاسلام والكل يرفض هذا القول والرسول كان يقول لاصحابه «في الحبشة ملك لا يؤذي من ليس على دينه»، للأسف نحن لا نقبل بالرأي الآخر ونريد تحجيم العقل بالعقال وهذا ما حدث لأن من تقدمنا ونجاحنا نحن للآن لم نفهم حقيقة الاسلام وتسامحه وروح الديمقراطية فيه. كل الفصائل المسلحة الاسلامية لم تصنع في الغرب، بل هم نتاج مجتمعنا ومدارسنا وكل الانظمة الديكتاتورية هي نتاج هذه المجتمعات التي يكره بعضها بعضا ونحن لأننا نؤمن بالقوة نرضخ لمن يسيطر علينا بالقوة والإكراه والعالم الاسلامي اصبح كالخوارج الذين قتلوا علياً بن ابي طالب وتقربوا بدمه الى الله.
* أنتم من دعاة التفاؤل والتعايش مع الآخرين فما هي مقومات نجاح الحوار مع الغرب؟
ـ الاسلام يحثنا على التعايش والقرآن يقول «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، الاسلام دين سلام وحوار وتعايش نحن لسنا دعاة حروب وقتال. العالم الآن بات قرية لا نستطيع ان نبتعد عنه لاننا جزء منه، لكن اقول ان الحوار سيكون غير متكافئ بين فئتين فئة متقدمة وأخرى متخلفة وضعيفة وأكثر من نصفها أميون، ان أجمل ما في حضارة الغرب هو انهم ابتكروا وسيلة لنقل السلطة بدون سفك دماء وهذا ما عجزنا نحن عن تحقيقه للآن وهم لهذا ينظرون لنا على اننا متخلفون وأقل منهم وعندما نتكافأ معهم نستطيع ان نحاورهم بقوة، لكن الآن هم يستطيعون فرض رأيهم علينا لأننا منهزمون ثقافيا وفكريا وعندما نحترم انفسنا يحترمنا الآخرون. وعلينا القيام بحوار داخلي لننظم صفوفنا قبل ان ندعو للحوار مع بعضنا ولا مع الآخرين اذا لم نفهم ما هم عليه وما هي التطورات التي حصلت على مسارهم وفكرهم.
* لماذا يُهاجم جودت سعيد كثيرا من قِبل زملائه الاسلاميين؟
ـ يهاجمونني لأنني أرفض الحل العسكري والعنف رفضا باتا ولا أرى انه حل مهما كان حتى عندما يتحدثون عن فلسطين يقولون لي هي محتلة فلِمَ تمنع العنف ضد اليهود؟ وأنا اقول فلسطين ضاعت نتيجة لتخلفنا ولو كنا اقوياء لما حصل ما يحصل بفلسطين، لكننا نائمون واعود لأقول عندما نعقل نحل كل مشكلاتنا وعندما نحترمه ونعرف قيمته يسخر لنا الكون. وأنا عندما تكلمت في هذه المقابلة بقسوة عن حالنا لم اقصد الاساءة على قدر ما قصدت تبيين الحال وعدم غش الناس، لأنني لا استطيع ان اقول لهم أننا بخير وحالنا ليس كذلك، وهذا كله من حرقتي وتضايقي على الحالة المتردية التي وصل لها المسلمون حاليا.
http://shabablek.com/vb//showthread.php?t=21085