قصـة الحجاج والصبي من اروع القصص التي قرأتها
قصـة الحجاج والصبي ( من اروع القصص التي قرأتها( 2)
فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.
فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أنا ابن أبي و أمي.
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحب الأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقال الغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛?
فقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.
فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوان ورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟
فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآية صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس ؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكم آية إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم
وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة
وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون
وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلك بالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛ وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام؛؛ والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛ والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام؛؛ والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛ والذي هلك بالماء فرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛ والذي نجا من النار إبراهيم عليه السلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى... وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.
فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هي حيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛
والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛ والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛ والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛
والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أنا أهل لذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
فقال الغلام :
أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛ وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فضحك الحجاج وقال:أي النساء أحسن؟
فقال الغلام : ذات الدلال الكامل والجمال الوافر والنطق الفصيح التي يهتز نهدها ويرتاح ردفها.
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول:ـــ
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جارية وسيف وفرس.
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب ؟
فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن...
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه