قراءة في الإنتماء والعولمة
الهويات : قاتلة أم حامية
___________________
عندما كتب / أمين معلوف / مخطوطته ( الهويات القاتلة ) ، كانت قراءتها ملامسة لحدود الإجتماع السياسي من خلال النزوع الإنساني إلى " إنتماء " من جهة ، وكشهادة منه تعبر عن طموح مشروع نحو الأخوة الإنسانية .
وكلا الأمرين يجتمعان ويفترقان . فالهوية للفرد الإنسان وتاليآ للجماعة ، إما أن تعيش التعصب والإنغلاق والأفق الضيق ، أو تعيش إنفتاحها بما هي عليه توجهآ نحو تكاملها مع " الآخر " في الإنتماء الإنساني العام .
هذه المخطوطة / الرأي ، وجدت طريقها كأوضح ماتكون عليه ، من الواقع الذي تعانيه المنطقة. فتحولت – بالنسبة لي على الأقل – من نظرة فلسفية ، وملامسة لحدود العلوم الإجتماعية ، إلى صورة حية نعيشها هنا في شرق وجنوب المتوسط .
الهوية / الإنتماء .. وتفاعلها مع العولمة / الإنفلاش .. يشكلان نقيضين كان يجب أن لا يكون .
فالهوية / الإنتماء – وليس البطاقة الشخصية – هي مجمل متفاعل لهويات جزئية متعددة تعيش في جدلياتها لتفرز هوية / إنتماء أكثر رحابة وشمولية وعمق ، من جزئيات متنافرة لما قبل تكون المجتمعات .
هويتنا .. هوية مركبة ولابد أن تكون كذلك في تعبيرها عن الإنتماءات الجزئية المُرَكِبة للهوية العامة . الإنتماء إلى : الأسرة ، العائلة ، الدين ، الطائفة ، الشريحة الإجتماعية ، الأحزاب ، الدولة ، العروبة ، العالم . عدد من الإنتماءات يمكن أن يتوسع أكثر أو يتقلص . لكن أسوأ مافيه أن تتحول الهوية / الإنتماء إلى صورة تعصبية لجزء من الهوية الأشمل ، حيث تُزال وتُغيّب كل الإنتماءات الأوسع المؤدية إلى التعايش والترابط ووحدة النسيج ، فتتقوقع وتنعزل تلك الإنتماءات الإحتكارية وتصبح حتمآ في مواجهة كل الآخر .. رفضآ وصراعآ وتصادمآ .
والمهم في الإنتماء هو الصعود الفعال وعلاقته الجدلية البناءة وإنفتاحه على الآخر ، ليتواجد ضمن حلقات أساسية في الفعل والتعاون والعطاء الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ، وضمن " حس التوافق الإجتماعي " الذي سيفرز بعموميته إنتمائه للجماعة ، مواقف ورؤى هذه الجماعة في بيئتها الإجتماعية ، دون توقف كبير للتفكير في تلك المواقف والرؤى بحد ذاتها .
وحتى اليوم وضمن فكرة الوحدة والتوحد ، يسود العالم والشعوب توجهين أساسيين :
1- البحث عن وسيلة لتثبيت الهوية الوطنية والقومية الخاصة : تقوية وتعزيز وتنمية .
2- النزوع إلى تخطي عصر الوطنيات والقوميات ، وصولآ إلى عصر العولمة .
وفي كلا التوجهين هناك نزوع إلى الإرتقاء المجتمعي الإنساني نحو التكامل والكمال . بينما نتابع ونشاهد على الأرض إنسحابآ ونزوعآ نحو التفتيت والتشرذم والتعصب والصدام بما يعيد المجتمعات إلى ماقبل الدولة وما قبل القبيلة . إنغلاقآ وصدامآ : إثنيآ وطائفيآ وعشائريآ .
فكيف حدث هذا التراجع ، وأين هي المشكلة ؟.
أكاد أعتقد بأن سبب هذا التراجع / المشكلة ، يعود أساسآ إلى دخول عصر جديد بمتغيراته : الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والعلمية والعسكرية ، قبل أن " تستنفذ " قوى العصر السائد وظائفها وأدواتها ومعطياتها . وبالتالي يمكن النظر إلى المشكلة إنطلاقآ من :
1- نمو وتزايد وتأثير العوامل العلمية والتكنولوجية والإقتصادية ، في تحديد مكانة الدول بالعالم في حقل الصراعات والعلاقات الدولية ، مقابل : قصور وتضاؤل عناصر القوة التقليدية للدولة .
2- تآكل مجال السيادة الوطنية نتيجة إختراقات لصالح الدول الكبرى المهيمنة على وسائل وأدوات العولمة ومساراتها .
فدخول عصر جديد بمتغيراته .. ( عصر العولمة ) الذي شكل " الثورة الثالثة " التي دخلتها المجتمعات البشرية بعد الثورة الزراعية ، والثورة الصناعية . هذه ( الثورة الكونية الثالثة ) كما يشير إليها أنصار الحداثة ، كان لها بداياتها العميقة التأثير في الواقع الثقافي أولآ . والذي يشتمل بأساسياته ثورة في مفاهيم " معنى الوقت " ، و " معنى المكان " حيث تعيش فيهما المجتمعات البشرية منذ وجودها ، ويشكلان أساسآ لها في تعاطيها مع كل المحيط الخارجي ، والمحيط الداخلي / النفس البشرية .
فعندما تتغير ( مفاهيم أساسية وهامة ) مثل مفهوم الزمن ومفهوم المكان ، فإن هذا التغيير المطروح لابد من أن يكون له أثرآ يستحق التوقف عنده وإجراء مراجعة فيه .
وأكاد أرى أن أهمية التوقف والتساؤل في ذلك ، ينبع من إنعكاس المفعول الواقعي على الأرض والحاصل أمامنا . فالسرعة الحاصلة في التغيير ، تجعل الإنسان لايستطيع تمثل هذا " النمط الجديد " ولايستطيع بسهولة إستيعابه ، وبالتالي يصعب عليه أن ينافسه بما هو عليه من " أنماط قديمة " . وهذه الصعوبة في الحركة ضمن الموازين البشرية لم تحدث فقط بين الدول ، بل حدثت – وهذا أهم – داخل مجتمعات الدول .
فالعنصر البشري هو دائمآ ( العنصر الفاعل ) من ناحية ، وهو أيضآ ( العنصر المتلقي ) من ناحية أخرى ، في جدلية قائمة محققة . فهو – العنصر البشري – فاعل ومفعول به في ذات الوقت . والعنصر البشري بما نحن عليه هنا ، إنبهر بإنجازات التكنولوجيا وتطوراتها ، وإزدادت قوى دفعها دون قواعد ودون كوابح إنسانية ، وصولآ إلى اللعب على أوتار " غرائز الإنسان" ، ومن أبسطها : الإستسهال والإستعجال ، إلى أقواها : المال والتملك والسيطرة والجنس .
فتوسعت دوائرها وأضيفت لها قوى دفع أكبر وأكبر .
وتراكميآ .. تضاعفت جاذبية كل هذه المجالات ، ودفعت " الجميع العولمي " إلى تطوير المنتج وإغراء المستهلك ، فكانت النتيجة السيئة والخاطئة ، أن إمتزج التفكير والواقع ، بالخيال والأحلام ، وتداخلت مفاهيم الخير مع مفاهيم الشر ، وذابت الأخلاقيات وتعالت " حدة الذاتية " لدى البشر ، فتسطحت الإنسانية ، وتخدرت الضمائر ، وتحجرت المشاعر ، مع حدوث " تغيير نوعي " في حياة الناس وأسلوبها ، شاملآ الفكر والمشاعر والإنتماءات .
وقد كانت مظلة كل هذا .. الهيمنة العالمية العولمية في كل نواحيها : العسكرية ، والتكنولوجية ، والعلمية ، مقابل قصور فاضح وضعف لعناصر الدولة الوطنية ومجتمعها .
في الهوية الوطنية :
-------------------
بداية لابد من التوضيح والتقرير بناءآ على معطيات الواقع ونتائج الوعي والبحث ، أن هناك (تشابكآ وتكاملآ ) بين هويات أساسية المرتكزات بما تشكله من هوية متناغمة ومنسجمة إجتماعيآ وثقافيآ وإقتصاديآ وتاريخيآ وجغرافيآ ، هي : ( الهوية الوطنية القومية الإسلامية ) ، بثباتها وجوهرها .
فالهوية الوطنية لاتصطدم مع الإنتماء القومي والعقيدة الإسلامية الحضارية . بل هي أساس واقع يبنى عليه وصولآ للمجال الأرحب القومي والإسلامي .
والهوية القومية ماهي إلا الجسد الأكبر الذي يضم ضمنآ الهويات الوطنية الأعضاء ، فلا يستقيم وجود إحداها بدون الأخرى .
والهوية الإسلامية كعقيدة وحضارة ، هي روح ذاك الجسد ، تعطيه المرجعية الروحية والمادية ، وتكون جامعة منسقة في تعامله مع الآخر القومي والإنساني .
والأمر هنا يقتضي منّا الوقوف عند " مفاهيم ومضامين الهوية الوطنية " .
ان مفهوم الهوية الوطنية بركيزته الأساسية التي تبنى عليها الهوية هي : ( الثقافة ) . على أن هذا المفهوم لايبقى محصورآ ومقيدآ بذلك الأساس ، إنما ينطلق منه إلى مفهوم أرحب يرتبط بالجوانب : الفلسفية ، وعلوم الإجتماع ، والموقف من الآخر الذي لولاه لما كان هناك " هوية خاصة" .
والهوية بكونها : [ مفهوم ذهني ] أولآ ، و [ وجودآ محسوسآ ] ثانيآ "1" ، يتزايد الهاجس بها أكثر ويتعمم في أبعاده ، في أوقات الأزمات التي تمر بجماعة ما ، وأحيانآ في أوقات التفوق الكاسح الذي تعيشه جماعة ما . بحيث يكون لهذا الإنتماء / الهوية أساسآ قويآ متمايزآ في ثقافته عن الآخر .
والثقافة عمومآ : ماهي إلا فلسفة جماعة ما ، ونظرتها إلى الوجود من حولها ، لتكوّن مجمل العقائد والقناعات من : دين ولغة وفن وعادات وسلوك ومعرفة . والثقافة عبارة عن :
[ تلك المعايير المشكلة لنظام العقل والسلوك في مجتمع ما ، أو لدى جماعة ما ، والتي تحدد نظرة الفرد والجماعة لنفسها وللآخرين . إنها ذلك الكل المركب الذي يتضمن : المعرفة ، الإيمان ، الفن ، الأخلاق ، القانون ، الأعراف ، وأية قدرات وعادات يكتسبها الإنسان بصفته عضوآ في جماعة ] " 2" .
بحيث تمنح في مجموعها ( المعنى ) لتلك الهوية ، وتكون إنعكاسآ لتلك الفلسفة المعاشة لهذه الجماعة أو تلك . فهي " وعي بالذات " ، ومعيار تعامل مع " الآخر " ، وبكل مايدفع هذا الوعي بالذات من خلال تفاعلاته الذاتية أو تفاعلاته مع الآخر ، أو تفاعلاته مع الزمان والمكان ، نحو مايمكن تسميته " بالمتغير التاريخي والمجتمعي " ، تطورآ إلى الأمام ، أو إنكماشآ وتقوقعآ وردة نحو الوراء .
وفي مايقارب هذا ، يقول / زكي نجيب محمود / عن الهوية والثقافة :
[ حين تكون الثقافة المعينة منسابة في عروق الناس ودمائهم ، فحياتهم هي ثقافتهم ، وثقافتهم هي حياتهم . لاحين تنسلخ عن الحياة ليضطلع بها محترفون يطلقون على أنفسهم إسم المثقفين ، ولا يحدث إنسلاخ كهذا – فيما أظن – إلا حين تكون الثقافة وافدة إلى الناس من الخارج ، لامنبثقة من نفوسهم . ] " 3"
بين الوطني و القومي :
-----------------------
يطرح عادة تساؤل محق ومشروع : ماعلاقة الهوية الوطنية ، بهوية الأمة ؟
وهل يمكن للهوية الوطنية أن تبقى محافظة على ذاتها ومقوماتها الأساسية دون سند من مرجعيات الأمة اللغوية والعقيدية والتراكم التاريخي والحضاري ؟ "4" .
أكاد أعتقد بضرورة تجاوز الخلل الإشكالي القائم بين : البعد الوطني ، والبعد القومي . فهو إشكال " مصطنع " – كما أدّعي – ليس له مستندآ ذهنيآ أو حسيآ . بل أن الحالة الذهنية ، والحالة الحسية المصلحية ، تنفي أن يكون هناك خلل موضوعي بين الهوية الوطنية والهوية القومية . وهذه الإشكالية " المصطنعة " كان سببها : الرومانسية القومية من جهة ، والذاتية القطرية المنغلقة من جهة أخرى .
" فالرومانسية القومية إنطلقت من رفض كل دولة وطنية ، وأذابت الوطني في مفهوم العروبة التراثي والوجداني ، ونسيت أن تلتفت إلى أن الوطني في " غياب " القومي ، ضرورة ملحة . وأنه من الغباء إنتظار ماهو قومي ، حتى نبني أوطاننا بشكل قومي وجمعي " "5" .
وبالتالي فإن تحديث التوجه والفكر الآن ، لابد أن يستوعب أن التعدديات الوطنية في التكوين الجغرافي والمجتمعي والسياسي ، لها جذورها وبناها التقليدية والمعاصرة . وإنه لأكثر نجاعة عند التوجه القومي العربي الوحدوي ، أن تقارب هذه التعدديات الوطنية : معرفيآ وموضوعيآ ، من أجل تشخيصها ومعالجتها وتحديد السبل الفعالة لتطويرها إيجابيآ والتقريب فيما بينها قوميآ. وعندما نحتكم إلى الجغرافيا والتاريخ ، نجد :
(ان التجزئة السياسية كانت تعبيرآ عن تعددية البنى المجتمعية الداخلة في النسيج الإجتماعي البشري الإقتصادي العام للمنطقة العربية ، والذي كون بطبيعته نسيجآ مركبآ وتراكميآ على مدى عصور طويلة ، وكان عرضة مستمرة للغزوات الرعوية من داخلية عربية ، وخارجية أعجمية . الأمر الذي لم يتح " للجسم العربي الواحد " ، وللنسيج العربي الواحد ، تلك العزلة السعيدة لفترة من التاريخ ، لينصهر في بوتقة عضوية واحدة ، ويُذَوّب بناه المتعددة بصيغة مستقرة في بنيته الموحدة الشاملة . ) "6" .
وفي المقابل .. إعتقد بعض العرب وخاصة من هم في مراكز القرار ، أن العمل على إضعاف الهوية العربية ومحاولتهم التهرب من الإنتماء للعروبة ، سيعمل على دعم وتقوية الهوية الوطنية / الإنتماء .
وهنا يجب أن نعي خطورة هذا الطرح ، خاصة وأرضنا وشعبنا العربي يرزح تحت الإحتلالات والتدمير ، ويعايش أخطر التحديات الوجودية التي تمس وحدة نسيج المجتمعات العربية ، وسرقة ثرواتها ، دون أي درع قومي محسوس على جميع صعد ( الأمن القومي العربي ) : فكريآ وثقافيآ وسياسيآ وتنمويآ وإقتصاديآ وعسكريآ ، يحمي ويحصن ويدفع الواقع المزري إلى مستقبل أفضل . إن ضرورة إستمرار البحث والتحليل ، سيوضح لنا دائرة التخلف والضعف هذه ، الناجمة عن بعض الرؤى والمحاور :
المحور الأول : - فشل الدولة القطرية مهما بلغت ثروتها الوطنية ، وأيآ كان مذهبها الإقتصادي ، ومهما كانت تجاربها التنموية ، وإختياراتها لإستراتيجيات تخطيط أو تصنيع أو تنمية ، قد فشلت ليس في تجاوز تخلفها القطري وتحقيق إنطلاق قوي بإتجاه التقدم فحسب ، بل فشل هذا النموذج القطري حتى في إحداث إصلاح إقتصادي يصحح الهياكل الإنتاجية ، ويقلل درجة الإعتماد على الخارج . ومن ثم يحقق التوازن في المعادلة الصعبة الشهيرة : كيفية تحقيق الزيادة في الإنتاج ، وفي الإستهلاك ، وفي الإدخار ، في آن معآ ؟
المحور الثاني : - أثبتت التجربة وخاصة خلال العقود الثلاثة الماضية ، أن إغفال الخيارات القومية ، وتراجع وإرتباك النظرة إلى مفهوم ( الأمن القومي العربي ) بأبعاده الشاملة ، تحت وطأة سيادة مفهوم ( الأمن القطري ) ، والتفريط في هدف التنمية الشاملة والمستقلة ، كل ذلك أدى إلى تهميش دور الإقتصاديات العربية من جهة ، ثم إندماجها في السوق الرأسمالي العالمي من مواقع التبعية ، وليس من مواقع الإستقلال والإبداع والإضافة ، من جهة ثانية . فإنحصر دور الإقتصاديات العربية ، وإنحصر دور الدولة القطرية ، في إنتاج المواد الخام ، وتوفير العمالة الرخيصة ، ثم التحول إلى مستهلك نشط لإنتاج النظام الرأسمالي العالمي .
المحور الثالث : - وقوع أغلب الدول العربية بما فيها الدول المنتجة للبترول ، في مصيدة الديون للخارج . والتي مالبثت تلتهم أية فوائض أو زيادات في معدلات الناتج المحلي لتلك الدول . وأصبحت تلك الديون تمثل أكبر عائق في طريق تحقيق التنمية المستقلة أو الإستقلال التنموي ، فضلآ عما تفرضه من قيود على الإرادة السياسية في صنع القرار الوطني للدول المدينة .
المحور الرابع : - إضافة إلى ماتقدم ، نجد مفارقة كبيرة .. ففي الوقت الذي تسعى فيه أوروبا لخلق منظومة إقتصادية أوروبية واحدة وصولآ إلى منظومة سياسية واحدة ، فإن ذلك يقابله على الصعيد العربي فرقة وتمزقآ وصل حد الإنهيار .
الوطني والقومي ، والدين :
---------------------------
أكاد اجزم أن هذه الهوية المتساوقة والمدمجة بتركيبتها الثلاثية : الوطنية ، القومية ، الإسلام ، هي من الهويات البنائية ذات نسيج مجتمعي متناغم التركيب في الأخذ والعطاء .
وأدّعي أن هذه الصورة الذهنية والحياتية المعاشة ، هي التي دفعت إلى إفراز فكر ووعي منذ قرن من الزمان ، ساد وإنتشر مواجهآ لواقع سياسي وإجتماعي وثقافي ، فرضته إصطناعآ وقسرآ قوى الإستعمار والتقسيم والتغريب الثقافي .
هذا الإفراز الفكري والوعيي داخل المجتمع ، شكل هويته الجامعة ولكل فئاته ومكوناته بحيث أضحت هذه الثلاثية : الوطنية ، القومية ، الإسلامية ، مستقرة إلى حد كبير على أسس حديثة تتجاوز واقع سبق فرضه بكون :
* الوطنية : هي المرتكز في إعادة بناء القوة البنائية والدفاعية في المجتمع والدولة ، وهي الدافع الذي يؤدي إلى تماسك الأفراد وتوحدهم ، وإلى ولائهم للوطن وتقاليده والدفاع عنه ، وهي التي ستؤدي إلى تماسك الدولة الوطنية وخلق قوتها .
* القومية : وهي السياج والدرع الشامل الحامي للوطنيات في مسارها نحو تحقيق إندماجها : المجتمعي والإقتصادي والسياسي والعسكري . وهي العاكسة لأفكار وتصورات تجعل من الوطن الكبير بشعبه ( قيمة إجتماعية ) أساسية ، تعمل على زيادة ولاء الفرد لهذا الوطن ، الولاء المستند على الشعور بالمصير والأهداف والمسؤوليات المشتركة والمصالح الجمعية لجميع مواطني هذا الوطن الكبير .
* الإسلام : هو روح هذه الأمة والمشكل الحضاري لجميع فئاتها ومكوناتها وأفرادها .
ان هذه الأسس التي تجسد هوية أمة معروفة بتدينها الفطري ، تطرح حركة تغيير شامل في المجتمعات العربية ، بعيدآ عن الجهل والخرافة والتحريف . ولتقود هذه الحركة ذات الهويات البنائية ، الأمة في معارك توحيد أشلاء الأمة ، وفي بناء المجتمع الذي تسوده قيم الحرية والعدالة والحداثة . وترى في الدين الإسلامي ( إرث حضاري وثقافي ) وعنصر تكوين أساسي في هويتها ، وهو ملك لكل أفرادها وقواها المسلمة والغير مسلمة ، ولا يحق لأية فئة أن تدّعي إمتلاكه أو إستخدامه ستارآ لتحقيق أيآ من أهدافها الخاصة .
إن الهوية التي تستبعد الدين من المجتمع ، أو تغيّب الفهم الصحيح للدين والفقه المذهبي وللعلاقة مع الآخر أيآ كان ، تتحول – تلك الهوية – إلى هوية قاتلة ، في خلقها المناخ المناسب لأي صراع طائفي أو مذهبي ، يُحَول ماهو إيجابي قائم على الإختلاف والتعدد ، إلى عنف دموي يناقض جوهر الرسالات السماوية .
إن علينا جميعآ مسؤولية إعادة مراجعات كثيرة أصبحت مطلوبآ عربيآ في هذا الوقت بالذات ، والأمة تتعرض لمحن كثيرة تمس وجودها وحريتها وأمنها وثرواتها ومستقبلها . وان أهم هذه المراجعات وما إرتبط منها في طرحنا هنا ، هو إعادة الوعي لما تشكله هويتنا الوطنية الجامعة من أهمية حياتية ..
إن ضبابية الهوية الوطنية أو ضعفها ، سيشكل مخاطر متزايدة تمس مجتمعاتنا . منها : "7"
1- فتح الأبواب لصالح هيمنة إنتماءات ضيقة منغلقة تخترق النسيج الإجتماعي الواحد ، وتؤدي إلى ضعف البناء السياسي والدستوري الداخلي ، فيصبح " الوطن " ساحة صراع على مغانم ومكاسب سياسية أو شخصية ، بعيدآ عن مصلحة الإنتماء الوطني الواحد .
2- ان ضعف الهوية الوطنية يشكل تعبيرآ عن الفهم الخاطئ للإنتماءات الأخرى التي تتراوح في إنتماءات ماقبل الدولة ، من إنتماءات : دينية مختلفة ، أو إثنية ، أو قبلية . فتتحول إلى خلافات عنيفة وصراعات دموية تتناقض تمامآ مع " حكمة الإختلاف والتعدد " .
3- كما أن ضعف الهوية الوطنية الجامعة ، قد يكون مدخلآ للتدخل الخارجي ، بل وللإحتلال الإستعماري . حيث تنساق كل طائفة أو مذهبية أو فئوية على ضعفها ، للإستقواء والتعامل مع أي قوة أو جهة خارجية من أجل مواجهة الإنتماءات الأخرى في الوطن الواحد . "
من تلك المخاطر المحيقة بالمجتمع والوطن ، يصبح ( تعزيز الهوية الوطنية الجامعة )ضرورة أصيلة وهامة ، بما يجب ان يرافقها من إعادة الإعتبار وتقوية ودعم " مفهوم العروبة " على المستوى العربي الشامل ، لتصبح ( العروبة الثقافية ) الجامعة لكل العرب هي حجر الزاوية المنشود لمستقبل أفضل ، داخل البلدان العربية ، وبين بعضها البعض . فالعودة إلى العروبة الآن ، هي حاجة قصوى لحماية المجتمعات من الداخل ، وتحصينها من هيمنة الخارج ، ولمواجهة ندية مع " مشروع العولمة ط ، ولبناء أسس سليمة لتعاون عربي مشترك وفعال .
إنها دعوة للعودة إلى أصالة هذه الأمة ودورها الحضاري والثقافي الرافض للتعصب وللعنصرية.
الهوية الوطنية ، والعولمة :
الإمارات العربية المتحدة / نموذجآ
----------------------------------
عندما تترسخ الهوية الوطنية ، وتستكمل بناءها وتستقر على أساس المواطنة الكاملة ، فإنها بالطبيعة المجتمعية والإنسانية تنزع إلى تكامل أكبر يحقق لها مزيد من وحدة النسيج الإنساني ، ويحقق أكثر متطلبات التقدم والإزدهار .
لكنه وفي واقع الحال الكوني اليوم ، نجد أن " طارئآ ومسارآ إنسانيآ " في ذات الوقت قد طرح نفسه في العالم . فالتطورات التي مازالت تتلاحق بوتيرة عالية في جميع المجالات العلمية وخاصة في تقنية المعلومات والإتصالات وما تؤدي إليه من قفزات هائلة في كل مناحي الحياة ، خلقت واقعآ عالميآ جديدآ تمثل بما سمي ( عصر العولمة ) . ونقصد هنا العولمة في أبعادها الثقافية والإقتصادية والإجتماعية اساسآ ، مع مايلحقها من بعد " سياسي ايديولوجي " .
وبعيدآ عن التعاريف والمصطلحات ( لظاهرة العولمة ) التي أطلق فيها أكثر من رأي : العولمة – الكونية – الكوكبية – القولبة - .. فإن هذه الظاهرة بشكلها العام أصبحت تعني : "8"
[ توحيد العالم وإخضاعه لقوانين مشتركة تضع حدآ فيه لكل أنواع السيادة . وقد بدأت مظاهر هذا الإتجاه منذ ميلاد الشركات المتعددة الجنسيات ، لتصل اليوم إلى نظام التجارة الحرة بعد مفاوضات " الجات " ، ووقع التعبير عنه مؤسسيآ في " منظمة دولية " تحمل الإسم ذاته ، وفي قوانين وتدابير سيلغي مفعولها القوانين المرعية في الدول الوطنية ] .
وتحاول العولمة – كنتيجة – فرض نمط حياة شاملة بما في ذلك الثقافة والعلاقات الإجتماعية وأنماط الإستهلاك والقيم وأسلوب الحياة وأنماط التفكير والتنظيم الإجتماعي والسياسي .
" فأخطر آثار العولمة هو مايتصل بإقتحامها للبنى الثقافية والحضارية لشعوب العالم تحت دعوى التوحد الثقافي . فذلك سيؤدي إلى تصدع الهوية الثقافية في بلدان العالم التي تتأثر بالعولمة . وقد ينتج من هذا مايسمى ( بالصراع القيمي ) بالإضافة إلى إضعاف عاطفة الإنتماء . وأخطر شيئ في أمة أن يضعف إنتماؤها وتخبو جذوته وتقل قوته ، وحينئذ يحدث تشرذم في المجتمع ، بل صراع وتفكك إجتماعي . فضعف الإنتماء وتشتت الولاءات نذير تخلف للمجتمعات" . "9"
والواقع الذي لابد أن نواجهه ونتعامل معه ، هو أن ( عصر العولمة ) قد بدأ ، بعيدآ عن توصيفه كظاهرة إيجابية ، أو كظاهرة سلبية ، أو كظاهرة توليفية عقلانية ، ولكل توصيف أنصاره ومؤيديه .
ولمواجهة هذا العصر – العولمة – والتعامل معه ، فإننا يجب أن ندرك ونعي أن جميع الآراء تصب في منحى واحد يتعلق بطبيعة كل دولة ستتعامل معه . فالدول القوية هي التي تقدر على التعامل مع إستحقاقات العولمة ، ومع إسقاطاتها . وهي المؤهلة للإندفاع نحو التأثير والمشاركة ، وهي المأمول منها المعالجة الصحيحة : [ لثقافة التسلط الكونية ] "10" . بما فيها من تعسف وتشوهات . ومن المؤكد والواضح ، أن مسار الدول هو التعامل الإيجابي مع العولمة وليس التصادم معها ، إذ لايمكن وقف تقدمها ، أو وضع كوابح لها .
غير أن من الواضح أيضآ أن التوجه الإيجابي وخاصة داخل الدول النامية ، هو " العمل الجماعي " ضمن أطر مجموعات أو تجمعات إقليمية أو دولية من اجل تحسين شروط الإمتثال لمطالب ومتطلبات العولمة .
وإنطلاقآ من المختصرات السابقة لواقع العولمة ومتطلباته ، أين ستكون الدولة الخليجية – وهنا الإمارات العربية المتحدة – من هذه المستحقات ؟
ان الواقع التاريخي والحالي يقول أن دولة الإمارات العربية المتحدة ، ظلت محصنة من إنتشار
( ايديولوجية الإختناق ) "11" . وهي تملك لياقة سياسية تؤهلها للتناغم مع المتطلبات الإنسانية / السياسية والإجتماعية للعولمة ، بما هي عليه من ترابط تراثي ومعنوي تاريخي . وإن كان الحديث هنا متعلقآ بدولة الإمارات ، فإن هذه " الهوية الوطنية " لمجتمعه ودولته ، يمكن أن يكون عامآ بنسبيات مختلفة في مواجهة أي هوية وطنية .. لمشروع العولمة . في مواجهة بنائية حضارية مطورة واقعها ونموها ، ومحافظة ومدافعة عن خصوصيتها الثقافية ، وهويتها الوطنية الجامعة .
وأكثر ما تتجلى لنا تلك الهوية في مضامينها ألإستيعابية البنائية ، في التجربة ألإنسانية بالإمارات العربية المتحدة ، بتفاعل خلاق وبناء بين هويات مركبة : الهوية الوطنية ، الهوية القومية ، الهوية الإسلامية ، في نسيج متناغم مركب بدون تصنع أو تصادم ، مع العولمة ..
حيث إستطاعت هذه الهوية الإنسجامية المركبة : وطنية عربية إسلامية ، التعامل مع العولمة : ثقافيآ وإقتصاديآ وتكنولوجيآ ، وتجيير نتائج هذا التعامل لمصلحة التطوير والبناء والتقدم ، مع كل مؤثراته الإيجابية والسلبية ضمن حدود السلامة والأمان وعدم التفريط ولا الإنغلاق .
ان المجتمع الإماراتي وهو يتعامل مع مراحل العولمة التي لايمكن منع رياحها من الهبوب على المنطقة ، قد إستطاع تطويع هذه الرياح العولمية إلى درجة لابأس بها بفضل التوجه الإنفتاحي المحمي برواسخ هويته الوطنية والقومية الإسلامية . فكانت له هوية بنائية لاهوية قاتلة كما يمكن أن يحدث في غيره من المجتمعات التي نشهد تحولات متأثرة بالعولمة ، تعيدها صراعآ إلى مراحل ماقبل الوطنية ، تفككآ وتشرذمآ وضياعآ وإنفلاشآ . وإن كان المتوجب أكثر ، الإنتباه والعمل على عدم ترك تراكمات السلبيات التي لابد ناتجة عن عصر العولمة ، خاصة مع مجتمع وليد التطور ، وضمن تركيبته السكانية التي تفرض أمران متناقضان يتلخصان في :
1- الكم العددي البشري القليل لمواطني هذا المجتمع .
2-الحاجة إلى كم عددي بشري كبير يرد مع رياح العولمة ، كضرورة لابد منها لسد النقص البشري الذي تحتاجه عملية التوسع والتطوير الإقتصادي والعمراني للمشاريع ومراكز الإقتصاد والإعلام والإنتاج وخدمة متطلبات ذلك التوسع والإنفتاح .
هذان العاملان المتناقضان والخطران ، لايمكن تحقيق التوازن بينهما ، ولا إختيار سياسة دعم أمر منهما على حساب الآخر ، إلا بتلك السياسة الرشيدة والمتدرجة ، بدعم وتنمية ( التوطين ) بإستغلال وحث لأن تأخذ أكبر نسبة عددية من مواطني دولة الإمارات العربية دورها وممارستها ومساهمتها في كافة مسارات العمل والتوسع والتطوير ، ولا بد من رفدها بسياسة ( تعريب ) بتقوية تواجد وإستقرار العنصر العربي الذي هو أساسآ الجزء الأوسع في تركيبة الهوية الوطنية وتوجهاتها وأسباب قوتها .
كما أن ( تأصيل الهوية ) " بالثقافة والتربية " ، وإنفتاحها " بالوعي والمعرفة والعلوم " هو الذي يمكن من مواجهة عدد من التحديات الداخلية والتي ترتبط بعلاقة جدلية مع متغيرات وتطورات البيئة المحيطة : إقليمية ودولية .
وتعتبر ( العملية التربوية ) أساس الإنطلاق نحو مفاهيم ومضامين صحيحة لكل من : الثقافة ، المعرفة ، العلوم ، الإقتصاد ، الإجتماع ، السياسة ، بما يوفر طريقآ صحيحآ وصالحآ ومأمونآ في مواجهة " التعصب " من جهة ، و " الإنفلاش العولمي " من جهة أخرى .
( إن العملية التربوية شأن إجتماعي شامل . ومن هذا المنطلق يجب تحقيق مشاركة إجتماعية واسعة لقطاعات الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية . لما تأكد من علاقة قوية بين التربية والتعليم ، وبين التنمية البشرية والإقتصادية من علاقة وثيقة وشاملة ) . "12" .
والعملية التربوية كشأن إجتماعي عام ، ليس محصورآ في مؤسسات المجتمع والدولة الفوقية فقط على أهميتها ، لكنها – العملية التربوية – هي ناتج تراكم ( زمني ومجتمعي ) يبدأ من الأسرة التي تعتبر نواة التنظيم الإجتماعي ، بإعتبار أن المجتمع يتكون من مجموعة من الأسر ، لامن مجموعة من الأفراد اللامنتمين . وتصاعدآ نحو المؤسسات الفوقية وفي علاقة عطاء جدلية بينهما : من اسفل لأعلى ، ومن اعلى لأسفل . وهذه الأسرة لايمكن أيضآ عزلها عن التغيرات بالشكل والحجم والمضمون والوظائف التي دخلت كعوامل على المجتمع ، كما لايمكن عزلها عن المتغيرات الآتية والمؤثرة على منظومة ومستوى القيم الإجتماعية والثقافية والإقتصادية .
ويمكن القول : أن التغيير الحاصل إنما يعد إنعكاسآ لمجموعة من العوامل والمتغيرات مثل :
1- التعليم وتغير أوضاع الشباب .
2- التحديث والتحضر والتطور الصناعي والتقني والتكنولوجي .
3- تطور وسائل الإتصال والإعلام بتقنياتها وتأثيراتها .
مع ضرورة أخذ عامل ( القوة العاملة الوافدة ) الضريبة المباشرة لعملية التنمية والنمو والتحديث ، بما لها من آثار : لغوية ، وثقافية ، ومجتمعية ، تحمل " هجينآ وتنوعآ " كبيرين يصبان في النهاية كعوامل مؤثرة في هذا المجتمع النامي .
من مجمل ذلك .. فلا بد من تحقيق مزيد من الدراسات و " البحوث السيسيولوجية " المتخصصة لمواجهة تلك العوامل ، نحو إستيعابها ومواجهتها بخطط " واقعية متوازنة " ، إذ أن الإلغاء ليس متوافرآ وغير ممكن .
وأخيرآ .. يمكن القول : في المواجهة بين الهوية الوطنية ، والعولمة : "13"
1- أن تصور إنهيار النظم الإجتماعية التقليدية بما فيها نظام الأسرة بكل ما تتضمنه من قيم وعادات وتقاليد وعناصر ومكونات ، في ظل هذه التحديات الخارجية ، مسألة تحتاج إلى مراجعة، وذلك لأن الواقع الفعلي يثبت أنه رغم حدوث بعض التغيرات في بنية الأسرة ووظائفها وأدوارها الأساسية ، فإن هذه التغيرات لم تكن جذرية .
2- إذا كان دور وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية ذا تأثير واضح في بنية المجتمع الثقافي والقيمي ، فلا شك في أن الأمر يتطلب دعمآ لدور الأسرة بحيث يمكنها من القيام بوظائفها التقليدية وبخاصة في مجال التنشئة الإجتماعية وإعداد أجيال مؤهلة فكريآ وثقافيآ ونفسيآ وإجتماعيآ ، لمواجهة تلك التحديات المستقبلية .
3- أن مواجهة تلك التحديات الإقتصادية والثقافية والتقنية للعولمة ، تتطلب التنسيق بين المؤسسات المختلفة ، والتي تشترك مع الأسرة في عملية التنشئة الإجتماعية ، من اجل خلق جيل واع ثقافيآ وفكريآ وإجتماعيآ ، يستطيع أن يتعايش مع تلك التطورات القادمة ، مع الإحتفاظ بهويته وبخصوصيته الثقافية التي كانت وما تزال ذات تأثير واضح في تشكيل وعيه وكيانه الإجتماعي .
4- لابد من مراجعة شاملة لمفهوم الأسرة والإتجاهات النظرية المختلفة التي تتناسب وفهم طبيعة الأسرة الإماراتية ، في ظل الظروف والمتغيرات الجديدة التي يمر بها العالم بصفة عامة ومجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة بصفة خاصة .
5- ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل لابد من مراجعة للقيم والعادات والتقاليد وكيفية المحافظة عليها في ظل نظام أسري يتسم بالترابط والتماسك ، وتدعيم جوانب التفاعل في ظل المتغيرات الحديثة التي أصبحت تضرب بجذورها في دول العالم النامي من نظم وأشكال أسرية جديدة – المعاشرة من دون زواج ، الأساليب الحديثة في إنجاب الأطفال – وغيرها من متغيرات عالمية جديدة ، اخذت تهدد القيم الأسرية في الدول النامية .
6- ولا بد من اخذ التغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية التي تعكسها العولمة في الوقت الراهن ، من وضعها في الإعتبار عند صياغة إستراتيجية تنموية يكون هدفها الأساسي ، المحافظة على النظام الأسري بما يتفق والقيم الدينية من جانب ، والخصوصية المجتمعية من جانب آخر ، وذلك من أجل المحافظة على المجتمع والوقوف ضد الإنعكاسات السلبية للعولمة .
يجب علينا جميعآ وعلى كل منّا ، تشجيع الإضطلاع بتنوعه الخاص وإدراك هويته بوصفها : [ حصيلة إنتماءاته المختلفة ] – أمين معلوف – بدلآ من إختزالها إلى إنتماء واحد ُينَصَب عُلويآ وأداة إستعباد وأداة حرب أحيانآ . ويجب على كل الذين لاتلتقي ثقافتهم الأصلية بثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه ، أن يتمكنوا من الإضطلاع بإنتمائهم المزدوج دون الكثير من التمزقات ، والحفاظ على إنتمائهم إلى ثقافتهم الأصلية ، وألا يشعروا أنهم مُجبَرون على إخفائها كمرض مخجل ، والإنفتاح بالتوازي على ثقافة البلد المضيف .
==============
مراجع :
---------
1- الثقافة القومية في عصر العولمة - تركي الحمد .
2- هذا التعريف هو حصيلة آراء وتعاريف متقاربة المضمون لدى :
تايلور – فرانز بواز – تعريف اليونيسكو 1982 – مالك بن نبي – الجابري ..
3- تجديد الفكر العربي - زكي نجيب محمود .
4- في الهوية الوطنية - إفتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية : 7/1/2008 .
5- عماد فوزي الشعيبي - صحيفة الحياة : 5/11/1992 .
6- العرب والسياسة .. أين الخلل ؟ - محمد جابر ألأنصاري .
7- مخاطر ضعف الهوية الوطنية - صبحي غندور .
8- العولمة وأثرها في المجتمع والدولة - مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية .
9- العولمة وأثرها في المجتمع والدولة - = = / عبد الهادي الجوهري .
10- عبد الله بشارة - سلسلة محاضرات .
11- عبد الله بشارة - سلسلة محاضرات .
12- التربية ازاء تحديات التعصب والعنف- مركز الإمارات للدراسات والبحوث .
13- د. سعد عبد الله الكبيسي - سلسلة محاضرات الإمارات – 53 .
----------------------------
فائز البرازي / كاتب سوري
20/1/2008