قصة قصيرة: (25) لويس برايل
ترجمة : قحطــان فؤاد الخطيب / العراق
من المحتمل أن يكون كل شخص قد سمع عن نظام برايل للقراءة الخاص بالمكفوفين، بيد أن القليل منهم يعرف لماذا يدعى نظام برايل، أو من كان لويس برايل ؟
في عام 1812، كان لويس برايل صبياً صغيراً. فقد عاش في بلدة صغيرة بفرنسا. وامتلك أبوه دكاناً صغيراً حيث كان يصنع فيه أشياء جلدية. وفي أحد الأيام كان لويس يلعب في دكان أبيه، والتقط آلة صغيرة ذات نتوء حاد جداً. وسقط أرضاً ثم دخل النتوء في عينه. وفيما بعد أصبح مكفوفاً في كلتي عينيه.
وبالرغم من كونه في ربيعه السابع أو الثامن، إلا أنه وجب عليه المشي بعكاز لكي يتحسس إلى أين كان ذاهباً. وشعر سكان البلدة بالأسف حينما رأوا الصبي الصغير مكفوفاً بالكامل أثناء تحسسه الطريق على طول الشوارع بعكازه لكي يجد الاتجاه المطلوب .
وبعد بضع سنين، ذهب لويس إلى مدرسة خاصة بالمكفوفين في باريس، حيث تعلم هناك القراءة. أي بمعنى آخر، تعلم كيفية التمييز بين الستة والعشرين حرفاً من الأبجدية، بتحسسها بأصابعه. إلا أن الحروف كانت بضعة بوصات أعلى وأعرض. ومن الطبيعي فهذه طريقة بدائية للقراءة. فمقال مقتضب جداً ملأ بضعة كتب، وكل كتاب كان ذا وزن ثمانية أو تسعة أرطال !
وأصبح لويس فيما بعد معلماً بنفس تلك المدرسة. وأراد كثيراً إيجاد نظام أفضل للقراءة الخاصة بالمكفوفين، غير أن ذلك لم يكن سهلاً. ففي أحد الأيام، وأثناء زيارته للبيت، قال لأبيه :
" الناس المكفوفون هم الأكثر عزلة في ألعالم. وأنا أستطيع تمييز طائر من آخر عن طريق صوته. كما أستطيع معرفة باب البيت بتحسس يدي. ولكن هناك أشياء لا حصر لها لا تمكنني من السماع والتحسس. إن الكتب فقط تستطيع تحرير المكفوفين. غير أنه لا توجد كتب كي نقرأها ! "
ثم، وأثناء جلوس لويس في مطعم، مع صديقه الذي كان يقرأ مقالاً في جريدة إلى لويس ذات يوم، عن ضابط، برتبة رائد في الجيش الفرنسي، والذي تمكن من استعمال نظام للكتابة في الظلام أطلق عليه: " الكتابة الليلية "،إذ في هذه الكتابة أستعمل الرائد نظام النقاط والفواصل حيث رفعت على الورقة لكي يتمكن الشخص من تحسسها بأصابعه .
وعندما سمع لويس حول هذا النظام، كان مسروراً جداً حيث شرع يتكلم بصوت عال وهو يذرف الدموع:
" أرجوك، يا لويس, " قال صديقه. " ما الأمر ؟ كل شخص يتطلع إليك ! "
" وأخيراً وجدت الجواب لمعضلة المكفوفين......... "
قال لويس " الآن بإمكان الناس المكفوفين التحرر " .
وفي الصباح التالي ذهب لويس مع صديقه لرؤية رائد الجيش حيث سأله عن نظامه، فكان الأخير يقول بأنه أستعمل آلة ذات نهاية مدببة لعمل الثقوب،( النقاط ) والفواصل الصغيرة على ورق سميك. وكان بإمكان الشخص تحسس النقاط والفواصل على الجهة الأخرى من الورقة. لقد كانت علامات معينة تدل على شيء واحد. إن الآلة التي استعملها رائد الجيش كانت نفس نوع الآلة التي لعب بها لويس سابقا، عندما سقط أرضاً في أحد الأيام ودخل النتوء في عينه.
قال لويس "أنا متأكد بأننا نستطيع استعمال هذا النظام لمساعدة المكفوفين في القراءة مع إعطائهم كتباً. "
لقد كان يوماً بديعاً بالنسبة إلى لويس. وفيما بعد، مضى يدرس هذا النظام الجديد لتطبيقه على المكفوفين. فقد درس طرقاً مختلفة لعمل النقاط والفواصل على الورق. وأخيراً توصل إلى نظام بسيط استعمل من خلاله ست نقاط خلال فراغ صغير واحد. وبهذه النقاط الست، وبأوضاع مختلفة خلال نفس الفراغ، تمكن من عمل (63) مجموعة مختلفة، أشارت كل مجموعة إلى حرف من الأبجدية أو إلى كلمة قصيرة. حتى أن هذه المجاميع اشتملت على علامات التنقيط، ونحو ذلك، مما دعا لويس فوراً إلى تأليف كتاب، مستعملاً نظام " برايل ". في البداية لم يصدق الناس بأن نظام لويس برايل كان ممكناً أو عملياً. وفي أحد المرات تكلم لويس أمام حشد من الناس، مبينا كيف تمكن من الكتابة باستعمال تلك النقاط على الورقة تقريباً، بنفس السرعة التي تمكن بها شخص ما من القراءة له. ثم أعاد قراءة ما سبق وكتبه بسهولة. لقد قالوا بأن ذلك مستحيل التطبيق. كما قالوا بأن لويس تعلم عن ظهر قلب ما قرأه لهم. وفي كل مكان حدث نفس الشيء. الناس لم يصدقوا لويس. وفي بعض الحالات لسبب ما أو لآخر لم يرغبوا في تصديقه، لدرجة أن الحكومة الفرنسية لم ترغب في سماع أي شي يخص نظام لويس، زاعمين إنهم كانوا قبل الآن يفعلون أي شي ممكن لأجل المكفوفين.
وأستمر لويس في العمل بنظامه. والآن أضحى رجلاً جد مريض. وفي كل عام كان مرضه يزداد، لكنه استمر يعمل ويعمل بنظامه مطوراً إياه. وأستنبط الإشارات لموضوع الرياضيات إضافة إلى الموسيقى. ففي أحد الأيام كانت تعزف بنت مكفوفة منذ ولادتها على البيانو بشكل بديع جداً أمام جمهور غفير، حيث استمتع كل واحد منهم بذلك. ثم نهضت الشابة وقالت بأن الجمهور لا يجب عليه شكرها لأدائها البديع. يجب عليهم شكر لويس برايل الذي سهل لها طريقة تعلمها الموسيقى والعزف على البيانو . كما أخبرتهم بأن لويس برايل رجل مريض، طريح على فراش الموت يحتضر!
وفجأة، وبعد عدة سنوات أصبح كل شخص مهتما بلويس برايل، إذ كتبت الصحف عنه كما أصبحت الحكومة مهتمة بنظامه الخاص بالقراءة للمكفوفين. لقد ذهب أصدقاء لويس إلى بيته لرؤيته حيث كان راقداً في سريره. وأخبروه بما حدث حين شرع يبكي قائلاً :
" هذه هي المرة الثالثة في حياتي أبكي فيها. لقد بكيت أولاً عندما أصبحت مكفوفا،ً كما بكيت ثانياً عندما سمعت عن (( الكتابة الليلية )). والآن أبكي لان حياتي لم تكن فاشلة".
وبعد بضعة أيام فارق لويس برايل الحياة وهو في الثالثة والأربعين من العمر !
مترجمة عن كتاب
elementary reader in english for the foreign born