أنشر هذه الدراسة المتواضعة عن مكتبات المدارس وأهميتها ....في وقت ضاعت فيه أكثر المدارس ....حيث تهدم بعضها وبعضها الآخر تحولت الى معتقلات وثكنات ....لنرى الفرق .....بين أمة تحترم العلم والكتاب وبين .....أهمية المكتبات المدرسية
* محمد عيد الخربوطلي
تحتل المكتبة في المجتمعات المتقدمة مركز الصدارة.
معظم بلدان العالم التي قطعت شوطاً في مضمار التقدم والحضارة، نشرت المكتبات في كل مكان.
في رحاب المكتبة تتأصل المثل العليا والأخلاق الفاضلة والإحساس بالجمال.
القراءة ثقافة وعلم ومعرفة وإدراك، وإذا فهمنا لماذا نقرأ، فعلينا أن نختار النوعية التي نقرؤها، لأننا لا نستطيع أن نحدد الطريق الذي علينا أن نسلكه دون أن نحدد الغاية التي نسعى إليها، فهناك من يتخبط في قراءاته، حيث نراه يقرأ بغير هدى ولا بصيرة، فيضيع وقته دون الحصول على فائدة محددة واضحة، وهذا هو الذي لا يعرف ماذا يقرأ، لأنه لا يعرف لماذا يقرأ، والذي لا يعرف لماذا يقرأ ولا يعرف كيف يختار الكتاب الذي يقرؤه، فيضيع بين يديه وقته ويتبدد، وربما أدى به هذا الحال إلى بلبلة فكره أو ضياعه، ومن ثم عدم التركيز على أمور الحياة التي تجري حوله وبين يديه.
فلا بد أن يكون للقراءة هدف وغاية، ولا بد أن تكون الغاية هي فهم الحياة، ذلك أن الذين لا يفهمون الحياة لا يعرفون معناها، ولا يدركون سموها، ولا يفقهون غايتها، ولا يقدرون قيمتها، وهؤلاء لا يستطيعون أن يقدموا لها شيئاً، لأنهم لم يستطيعوا أن يأخذوا منها ما يجب أخذه، فهم بذلك لا يخدمون الحياة، وخدمة الحياة إنما هي خدمة الإنسان الذي يعيش فيها ويستظل بظلها.
وعندما نعرف جيداً لماذا نقرأ، نصبح أعضاءً نافعين في المجتمع، ونستطيع أن نحدد المسار الذي نسير عليه في حياتنا الصعبة، ونعرف كيف نعالج أمور الحياة المعقدة، بل ونتوصل إلى حل مشاكلنا ومشاكل الآخرين، ولا شك أن ذلك يتم عن طريق اختيارنا لنوعية الكتب التي نقرؤها ونطلع عليها، ونستفيد منها ونفيد، وعند ذلك نصبح أعضاءً نافعين في الحياة.
ومن المعروف أن الناس ليسوا كلهم علماء، فالعلماء قلة اختطوا لأنفسهم طريقاً يسيرون عليه في حياتهم، كما حددوا هدفاً يبغون الوصول إليه، ورسموا غاية يسعون لإدراكها، بأن هدفهم وغايتهم إنما هي الحفاظ على شرف العلم، وشرف العلم إنما هو خدمة الإنسان وإصلاح المجتمع الذين يعيشون فيه.
لا حاجة للتنويه بالمكتبات وأهميتها لا سيما في العصور الحديثة، ذلك أن البحث والتمحيص والتأليف لا يمكن أن يتم بدون مكتبات غنية منظمة تنظيماً جيداً، كما أن المكتبة تلعب دوراً متزايداً في العليم والتدريس وفي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بحيث يمكن القول أن المكتبة تحتل في المجتمعات المتقدمة مركز الصدارة، وهي الموجه لذلك المجتمع في جميع الميادين.
ففي القديم كانت المكتبة مكاناً لحفظ الوثائق، وكانت ملحقة بالقصور الملكية والمعابد، ثم ألحقت بالمدارس وأشرف عليها علماء مختصون، وخير مثال على هذه المكتبات، مكتبة خوفو والإسكندرية بمصر، ومكتبة نينوى بالعراق وإيبلا بسوريا، كذلك مكتبات اليونان والرومان والفرس والصينيين، وقد بلغ اهتمام الرومان في العصر القديم بالمكتبات أنهم أوجدوا مكتبة عامة في كل حمام حيث يجتمع الناس فضلاً عن المكتبات العامة الكبيرة في الساحات، هذه المكتبات حفظت لنا تراث الإنسانية من آداب وعلوم، وعندما اخترعت الطباعة عُدَّ ذلك نصراً وفتحاً مبيناً لنشر الكتاب، حيث وصل الكتاب إلى كل شرائح المجتمع، فتكونت المكتبات الخاصة والعامة.
أنواع المكتبات:
لعبت المكتبات العامة دوراً كبيراً في تعليم وتثقيف الناس، فهي مخصصة للجمهور، يقصدها كافة المواطنين خاصة إذا وجد لها عدة فروع، فمكتبة شيكاغو العامة لها أكثر من سبعين فرعاً منذ خمسين سنة متوزعين في أرجائها، كما تستخدم السيارات المتنقلة لتوصيل الكتب إلى البعيدين عن المدن، وهناك المكتبات الوطنية وهي التي أسستها الدول لتكون مستودعاً للنشاط الرسمي للدول، مثل مكتبة الأسد بدمشق، وهذه المكتبات تكون مركز إشعاع بالنسبة للمنطقة التي توجد فيها، وتغلب عليها الصفة الرسمية ويقصدها الباحثون والدارسون، وهناك المكتبة الخاصة التي تكون لفرد يعتني بجمعها أو لمؤسسة كبيرة معينة مثل شركة فورد فهي تملك مكتبة خاصة بها تعتبر من أهم المكتبات.
أما المكتبات الجامعية المقامة في كل جامعة فهي مخصصة لطلاب الجامعة ومدرسيها، والمكتبات الدينية مقتصرة على المساجد والكنائس، وتغلب عليها الصبغة الدينية.
لكن المكتبات المدرسية الملحقة برياض الأطفال والمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية تأتي بالدرجة الأولى منة بين أنواع المكتبات وأهميتها.
المكتبات المدرسية:
لا يختلف اثنان في أهمية المكتبة المدرسية في حسن سير عملية التربية التي تقوم بها المدرسة للناشئة، وأن دور المكتبة المدرسية المنظمة هو دور الموجه والقائد لعملية التربية بكاملها, ولا سيما في سن تكوين شخصية الطلاب وثقافاتهم.
إن جولة قصيرة على عدة مدارس من مدارسنا نرى أنها تكاد خالي من شيء اسمه مكتبة مدرسية، ولا ندري من هو المسؤول عن هذا الأمر؟ خاصة أننا ولجنا القرن الحادي والعشرين منذ سنوات، لكن مدارسنا مازالت من غير مكتبات تفيد الطلاب.
منذ القديم اهتمت الشعوب ببناء مكتبة في كل مدرسة، وكذلك فعل أجدادنا العرب، فقد كانوا عندما يبنون مدرسة يجعلون فيها خزانة كتب ويعينون عليها قيماً خبيراً بها، وبذلك أخذ الغرب.
إن مكتبات مدارسنا هزيلة في محتوياتها كماً وكيفاً إن وجدت، فكيف يثري الطالب ثقافته ومكتبة مدرسته على هذه الحال.
حاجة المدرسة إلى المكتبة:
إن المكتبات المدرسية ضرورية وهامة في كل زمان ومكان، هذه الحاجة تظهر بصورة واضحة في عالمنا العربي، وقد شبهت المكتبة المدرسية بالقلب الذي يمد الجسم بالدم، وبالدماغ الذي هو مركز تفكير الإنسان ودعامة توازنه، فكما أن الجسد لا خير فيه ولا حياة بدون دماغ وقلب، كذلك المدرسة تكون جسداً بلا روح وشكلاً من غير معنى بدون مكتبة عامرة.
ولكن وللأسف مازال عالمنا العربي متعثراً في أمر المكتبات المدرسية، فمكتبات الأطفال التي تتعامل مع الصغار المولعين بالمطالعة ليست معروفة، كما أن المكتبات العامة لا تزال قليلة، وإن وجدت فهي فقيرة، ومع ذلك فهي ليست واسعة الانتشار، وتنظيمها عاجز عن أن يلبي حاجات القراء الأطفال والراشدين، كما أن قسماً كبيراً من المدارس يقع بعيداً عن مراكز المدينة ومكتبتها العامة، فلماذا لا ترسل المكتبة العامة الأم وحدات مكتبية متنقلة، أو تعمل على توزيع الصناديق المكتبية على المدارس، وفي هذه الحالة تنتقي المكتبة العامة الكتب المتنوعة المفيدة وترسلها بانتظام إلى المدارس.
إن الكتب في بلاد الغرب جزء لا يتجزأ من حياة الكثيرين من الأطفال، حيث يترعرع معظمهم مع الكتب، كما تهدى لهم مجموعات مختلفة منها حتى قبل دخولهم المدرسة، فيدخل الطفل المدرسة متعوداً على القراءة عاشقاً للكتاب، أما أطفالنا فقليل منهم أتيح له مثل هذا، لكن أكثرهم بعيدون عن ذلك ولعدة أسباب: (بعد القرى عن محلات بيع الكتب المتواجدة في المدن، وجود أهالي لا يقرؤون، قلة الموارد فما يأتي الأهل لا يكفيهم ثمناً للأكل والشرب واللباس، وعدم توفر أماكن للقراءة، وإن توفرت في بعض المراكز الثقافية التي كثرت في القرى في الآونة الأخيرة، لكنها لا تفي بالحاجة، فمكتبات المراكز فقيرة، وتنظيمها فاشل، والقيمون عليها لا علاقة لهم بالكتاب ولا بالثقافة إلاَّ القليل).
إن الحكومات الحديثة اتخذت قرارات تقضي بوجوب إنشاء مكتبة في كل مدرسة وثانوية، وعممت المكتبات في طول البلاد وعرضها، وقلما خلت مدرسة في القرى والمدن من مكتبة تقدم الخدمات المكتبية لجميع المواطنين، خاصة الصغار منهم، حبذا لو اتخذت حكومات الوطن العربي بذلك، فالمكتبة المدرسية تمتاز بأنها حلقة اتصال بين المدرسة من جهة وبين المحيط الخارجي وحاجات المواطنين من الجهة الأخرى.
كما أن المكتبة المدرسية تختلف عن غيرها من المكتبات، في أنها موجهة نحو أهداف تربوية مرسومة يجب على المدير والمدرسين والمفتشين تفهمها والتعاون في سبيل تحقيقها.
أهداف المكتبة المدرسية:
للمكتبة المدرسية عدة أهداف أهمها:
1- خدمة البرامج التعليمية المقررة وتعزيزها وإكمال نواقصها، فيجب أن تكون المواد الموجودة في المكتبة منتقاة وبالدرجة الأولى من أجل هذا الهدف، وفي كثير من مكتبات المدارس في الولايات المتحدة ألغيت غرف الحصص وأصبح المدرس يجتمع مع تلاميذه في قاعة المكتبة.
2- تعريف التلاميذ بالكتب على اختلاف أنواعها، على أن لا تعطي أهمية خاصة لموضوع معين على حساب المواضيع الأخرى، وهذا مما يؤخذ على المكتبات في العالم العربي، فهي تعطي أهمية خاصة للمواضيع الأدبية والتاريخية على حساب المواضيع العلمية كعلوم الطبيعة والرياضيات والعلوم الحديثة.
3- غرس عادة القراءة عند الطالب وتشجيعه على القراءة للمتعة والتسلية والفائدة، ففي البلاد العربية يرى الكثير القراءة واجباً ثقيلاً ينظرون إليها كواسطة لتحقيق غاية هي اجتياز الامتحان.
4- تنمية قدرات التلاميذ على استعمال الكتب بأنفسهم، والتعلم منها دون حاجة لحضور مدرس أو مساعدة لهم.
5- تنمية احترام الكتب في نفوس الطلاب وتعويدهم العادات الصحيحة فيما يتعلق بإمساك الكتب وعدم العبث بها، فإذا تعلم احترام الكتاب الذي هو للجميع، نما عنده الإحساس بالمسؤولية واحترام حقوق الآخرين، فإذا تعلم هذا بالمدرسة مارسه في المجتمع فيكون عضواً صالحاً نافعاً.
6- تعود المكتبة الطلاب على حسن استخدام أوقات فراغهم، فالطالب الذي وجد متعة في الذهاب إلى المكتبة، يستخدم وقت فراغه استخداماً مفيداً فيه المتعة والمنفعة.
7- من واجب أمين المكتبة العارف المتمرن أن يحسن الاختيار للكتب، فهو يستطيع أن يوجه الطلاب نحو المثل العليا والأخلاق الفاضلة بطريقة غير مباشرة، وذلك عن طريق المواد التي يقدمها لهم، مثله في ذلك مثل من يقدم الطعام للجسم للتغذية، فكما أن الطعام المتوازن يساعد الجسم على النمو بشكل متوازن متسق، كذلك الغذاء العقلي الروحي إذا أحسن انتقاؤه أنتج أشخاصاً متوازنين متسقين صحيحي العقول سليمي التفكير، لكن يشترط في أمين المكتبة أن يكون خبيراً بالكتب والمكتبات، واسع الاطلاع، روحه التعاونية عالية، متفانياً بإنماء المكتبة وخدمتها وفهرستها، عارفاً للكتب التي يحتاجها طلاب مدرسته.
في رحاب المكتبة تتأصل المثل العليا والأخلاق الفاضلة والإحساس بالجمال، فالطالب الذي يحيا لحظات جميلة مع الكتاب الشيق في جو الهدوء والجمال، يترسخ في صميمه حب الجمال ومتعة القراءة، وقيم العمل التعاوني.
إن المكتبة هي حياة المدرسة وقلبها النابض بالحياة، وما أحوج الأمة العربية إلى المكتبات ذات التأثير الثقافي والتربوي والاجتماعي في جيل يجب أن يتثقف ويتعلم ويبحث ويقارن لكي يغدو قادراً على الإسهام الجدي الحقيقي في بناء مجتمع عربي متطور، وهذا الجيل إذ يقرأ ويبحث يكون نفسه ذاتياً وينزع إلى الاستقلالية والحرية المسؤولة البناءة.
مراجع البحث:
1- تنظيم المكتبة المدرسية. د. محمد ماهر حماده، وعلي القاسمي دار الفكر 1969.
2- ماذا ولماذا وكيف تقرأ. د. عبد الله زكريا الأنصاري.
3- دراسات مكتبية. حسن سليم نعيسة. وزارة الثقافة 1995.
4- المعنى التربوي لمكتبة الطفل. د. عبد الله أبو هيف 1980.
5- قراءات الأطفال وتوجيهها. د. سمر روحي الفيصل 1980