خرج يتوكا على حماره المريض إلى تلك القطعة من الأرض التي تكفيه مسألة الناس بشق الأنفس كان هزيلا ضعيفا تثبت جلبيته أنه لم يرتدي غيرها منذ أمد بعيد يبوح وجهه الأسود المحترق من حرارة الشمس بما لا تفصح به عيناه من صراعه مع الأيام .
يسجل حماره الضعيف إعتراضا بمشيته عن عدم تناوله طعام منذ ثلاث ليال و لكنه سأمل في أن تضحك له الأيام عما قريب ، يتذكر عندما أتا إليه أنصار حقوق الأنسان مصطحبين معهم كاميرات التليفزيون و الذين إلتقطوا معه صورة تذكارية ، إن هذا اليوم لن ينساه أبدا فلقد أكل في هذا الوم حتي إمتلائت معدته.
نعم إنه يتذكر أن صاحبه كان مهلل الوجه عندما ذهب لشراء كيلو لحم من أول القرية و ذهب يزفها إلى أولاده ، يومها .
لقد رأيت أولاده و هم يجلسون – بعد هذه الوليمة التي لا تتكرر إلا كل عدة أعوام إذا تكررت – يتفقون على ألا يزيلوا أثر تلك الوليمة من أيديهم حتي تظل ذكراها بينهم على الأقل هذا اليوم .
تعجبت عندما وجدت أصغرهم يسرع إلى مشنة الخبز و يخرج منها رغيفاً – صلب من أثر الأيام ، مقرقض من جوع فئران المنزل – ليمسح بيده ماتبقى فيها من أثر وليمته ، حتى يقنع نفسه أنه يستطيع الرجوع إليها و التمصمص بها على الأقل لهذا اليوم مختبئاً من إخوته برغيفه تحت السلم ليزفر به وحده .
لم أستطع منع عيني من أن تذرف الدمع عندما رأيت حلمهم ينتهي سريعا و يتسابقون إلى خطف الرغيف من بعضهم .
إنني مستعد لان أُباع في السوق بأرخص الأثمان إذا كان هذا من شأنه إسعاد ذلك المنزل و لو لعدة ساعات معدودة ، و لكن لا أظن أنه سيكون لي ثمن فمن حينها و أنا أشبه صاحبي..........
تمت
(( مذكرات حمار )) تم تحريرها في الأول من أيلول سبتمبر في العام التاسع بعد الألفية الثانية تم الطبع بمعرفة اتحاد كُتاب جامعة القاهرة في الثاني من أيلول سبتمبر في العام التاسع بعد الألفية الثانية رقم الإيدع لدي اتحاد كُتاب جامعة القاهرة ( 12 / 2009 ) رقم الإيدع لدي دار الوثائق و الكُتب القومية ( 4081 / 2009 )
--------------------