مِلده شويكاني - البعث
ترك لنا خالد حمدي(الكاتب والمعلم) الذي توفي منذ أيام ذكريات جميلة لاتُنسى على الصعيد الشخصي والفني، وقدم خلال رحلته الطويلة في عالم الدراما الكثير من الأعمال والسهرات التلفزيونية والإذاعية كانت نواة أساسية لانطلاق الدراما السورية، كما فتح باب التعاون العربي المشترك بين الدراما الأردنية والسورية، وشكّل هوية خاصة للدراما البدوية التي حققت حضوراً لافتاً على مستوى دول الوطن العربي، أشهرها(ساري- رأس غليص- وضحى وابن عجلان- نمر بن عدوان- رجم الغريب) إضافة إلى إبداعاته بالأعمال الاجتماعية مثل «الحب والشتاء» والفيلم التلفزيوني الشهير عواء الذئب الذي كتبه على خلفية حرب تشرين التحريرية.
تعامل مع الجيل الأول من المخرجين السوريين والأردنيين (علاء الدين كوكش- غسان جبري- صلاح أبو هنود والراحل شكيب غنام) وساهم بخلق تواصل عربي درامي مشترك منذ السبعينيات على صعيد الإنتاج والإخراج والتمثيل.
"تيلي دراما" كتبت ومضات خاصة عن خالد حمدي من خلال آراء بعض الأشخاص الذين تواصل معهم على الصعيد الشخصي والعملي.
العمل مع الدراما الأردنية
ارتبط المخرج علاء الدين كوكش بعلاقة مهنية قوية مع خالد حمدي تعود إلى بدايات العمل في التلفزيون ومرحلة انطلاق الدراما السورية، وتميز -كما يقول كوكش- بإتقان فن الكتابة للتلفزيون وبحرفية الصياغة الدرامية البدوية خاصةً، قدم العديد من السهرات والأعمال التي ساهمت في تفعيل النشاط الفني ولم يقتصر إنتاجه على التلفزيون العربي السوري فقط، وإنما أسس للعمل مع الدراما الأردنية من خلال عدة أعمال جاءت بإخراج سوري - أردني وإنتاج دبي، وأضاف كوكش: كان مسلسل رأس غليص1975 من أشهر الأعمال البدوية جاء بـ 13 حلقة وضم نجوماً من مصر والأردن وسورية (هناء ثروت- عبد الرحمن آل رشي- أسامة المشيني-نبيل المشيني-محمد العبادي- ملك سكر).. ويحكي قصة حقيقية متداولة في المناطق البدوية، ويتطرق إلى القيم العربية الأصيلة والحياة البدوية بكل تفصيلاتها.. وقد لاقى نجاحاً كبيراً، وعلى سبيل الذكر أعيد إنتاجه وإخراجه في العام الماضي.. وبعد رأس غليص أخرجتُ العمل الشهير ساري 1976 الذي ذاع صيته في أرجاء الدول العربية، وكان من بطولة (منى واصف- طلحت حمدي- ملك سكر ونخبة من النجوم الأردنيين) ويحكي قصة الشاعر عبد الله الفاضل الذي أُصيب بمرض الجدري فتخلت عنه قبيلته وتركته وحيداً في مضارب الخيام يصارع الموت.. لكن الأقدار شاءت أن تنقذه امرأة تتقن الطب العربي ويشفى، وفي منحى آخر تحدث كوكش عن التعامل الإنساني الذي يتصف به خالد حمدي وقدرته على الإصغاء والتعامل مع المخرج وتعديل الصياغة لمصلحة العمل، خالد من كبار كتّاب الدراما الأوائل قدم أجمل الأعمال البدوية التي حققت نجاحاً ضمن الإمكانات الإنتاجية والمادية المتوافرة آنذاك.
الرومانسية البدوية
وقد جسّدت الفنانة الكبيرة منى واصف دوراً رئيسياً في أشهر أعمال خالد حمدي البدوية (ساري 1976) وتعزو سر نجاحه إلى المشاعر الوجدانية التي تخيم على الخطوط الدرامية وتربط بين الشخصيات بوشائج الحب والألم ضمن توليفة بدوية تُوِّجت بإخراج علاء الدين كوكش.
وقد وجد المشاهدون في العمل مسحة حب تلامس شغاف القلوب ووصفتها «بالرومانسية البدوية» وعلى صعيد الأعمال الاجتماعية التي كتبها خالد حمدي شاركت السيدة منى واصف بمسلسل «الحب والشتاء» 1977 إنتاج دبي- وإخراج صلاح أبو هنود ويرتبط بالبيئة الريفية ويوميات الفلاح ضمن الإطار المكاني متعمقاً بالعلاقة التي تربط الفلاح بأرضه وبالأشخاص المحيطين به.
وتضيف واصف: إن خالد حمدي حقق شهرةً في مجال الكتابة الدرامية لأن نصوصه نبعت من حسّ جماهيري قوي وتعمقت بوصف الحالة الإنسانية وارتبطت ببيئات مختلفة واتصفت بشفافية الكلمة، ومجمل أعماله تمثل مرحلة هامة من تاريخ الدراما السورية.
مناخات سورية
وتحدث الفنان طلحت حمدي بحزن عن غياب أخيه الأكبر خالد، الذي ارتبط معه بصداقة خاصة وعمل مشترك وجمعتهما هواجس كثيرة عملا على تحقيقها خلال عقود متتالية.
لم يكن خالد بالنسبة للفنان طلحت أخاً فقط، كان بمثابة الأب الروحي والمسؤول عن العائلة مادياً وتربوياً في مرحلة ما، بدأ خالد رحلة كفاحه منذ شبابه، وكان من الأشخاص الذين يعملون بصدق وإخلاص ويتبنون مبدأ لا يحيدون عنه، آمن بأهمية الكلمة في تغيير واقعنا، ومضى برحلته بعالم الكتابة مع عمله في حقل التعليم، فانتقل بين مختلف محافظات سورية، وهذا ما أكسبه ارتباطاً بالبيئة المكانية للمناطق الريفية النائية والمدن الصغيرة فتعرف عن كثب إلى البيئة السورية بكل مناخاتها (جبل العرب-القلمون-المنطقة الشرقية).. واقترب من الناس بكل شرائحهم، قرأ هواجسهم وأبحر بهمومهم.. ومن هنا جاءت مصداقية الكلمة في كتاباته..وفي منحى آخر تمكن من خلال دراسته الأدب العربي من الاطلاع على حياة الشعراء في مختلف العصور وحفظ الكثير من الأشعار، كل هذا شكل خلفية ثقافية واسعة لديه.
بدأ التعاون الفعلي بين خالد وطلحت حينما أصبح الفنان طلحت مخرجاً في الإذاعة فأخرج الكثير من الأعمال الإذاعية له، ثم انتقلا معاً إلى الشاشة الفضية والصورة البصرية فأخرج طلحت حمدي بعض أعماله مثل (الظل والنور) وفرسان الغضب (آخر عمل كتبه)، ومن جانب آخر كان الفنان طلحت بطل أغلب أعماله وتجسيده دور ساري (الشاعر) مازال ماثلاً في أذهاننا حتى اليوم.
ويضيف حمدي: خالد كان مع الرعيل الأول (عادل أبو شنب-عبد العزيز هلال-أحمد قبلاوي..) الذين أسسوا لقاعدة متينة للدراما بأنواعها، وامتلك براعة خاصة في كتابة الدراما البدوية لمعرفته باللهجات ومفردات الكثير من المناطق، وتمكن في كتاباته من محاكاة الطبقات الشعبية، واستطاع أن يرصد ومضات اجتماعية تشد كل الشرائح من المشاهدين إلى لغة الشاشة التي يفوق تأثيرها ما نقرأ في الكتب.
توقف خالد حمدي عن الكتابة بعد أن داهمه المرض منذ سنوات، وغاب عن الوسط.. لكن حضوره القوي سيبقى في أذهان محبيه، وستبقى أعماله البدوية مرجعاً هاماً للدراما البدوية الحالية.