بدائل أمام الإسلام الأوروبي آخر تحديث:الخميس ,23/12/2010
سعد محيو
ماذا إذاً؟ ماذا تفعل لو كنت مسلماً أوروبياً في زمن سقوط مفهوم التعددية الثقافية وصعود تيارات التطرف اليميني في أوروبا؟
أمامك ثلاثة خيارات:
الأول، أن تُقلّد مبادئ الحركة الصهيونية في اعتبارها معاداة السامية أمراً طبيعياً ومنطقياً، فتعلن بدورك أن معاداة الإسلام بكل أشكالها وتلاوينها جزء لايتجزأ ولن يتغيّر من الهوية المسيحية الأوروبية . وحينها ستنضم إلى القافلة الهانتينغتونية الداعية إلى حروب الحضارات، وتبدأ بحزم أمتعتك للقيام برحلة هجرة مضادة .
الثاني، أن تتبنى مقولات الحركات الأصولية المتطرفة التي تُسمّي الانتحار شهادة، والحرب عيادة (نفسية)، والعنف عبادة، فتنزلق إلى حرب غير متكافئة مع كل الغرب، وتتسبب لبلادك وأمتك بمزيد من الاحتلالات وعمليات التفتيت، ناهيك عن إزهاق روحك .
الثالث هو الحل العقلاني الذي جسّده تراث طويل من تجارب الإسلام الليبرالي الذي أجرى مصالحة ناجحة بين قيم الإسلام وبين مبادئ الحداثة . هذا الإسلام الليبرالي كان، ولايزال، متجذراً في التربة الإسلامية . ونحن هنا لا نتحدث فقط عن تجربة النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، بل أيضاً حتى عن المراحل التي شهدت صعود الإسلام السياسي المتطرف في أواخر القرن العشرين .
فعلى رغم أن كل الدراسات والمفاهيم في الغرب تتركز على الإسلام الراديكالي والحركات الأصولية، إلا أن الكثير من المسلمين يتبنون مبادئ يمكن وصفها بشكل عام بأنها “إسلام ليبرالي” . وهذا الأخير يشير إلى تفسيرات واجتهادات خاصة تتعلق بقضايا مثل الديمقراطية، وفصل الدين عن التعقيدات السياسية، وحقوق المرأة، وحرية الفكر، وتعزيز التقدم البشري . وهذه المواقف تسير بشكل مواز مع الليبرالية في ثقافات أخرى، وكذلك مع الحركات الليبرالية في العديد من الأديان الأخرى .
الليبرالية في الإسلام والليبرالية في الغرب تتقاسمان عوامل مشتركة، لكنهما ليسا الشيء نفسه . فكلاهما قد يدعم التعايش في التعددية الدينية، على سبيل المثال، لكن كل بطريقته الخاصة .
وفي داخل الخطاب الإسلامي، هناك ثلاثة محاور يدعوها الباحث الأمريكي أنطوني كوردسمان: الشريعة الليبرالية، شريعة الصمت، وشريعة الاجتهاد . فالشريعة الليبرالية تجادل بأن القرآن الكريم والسنة النبوية تحضّان على الممارسات الليبرالية . وعلى سبيل المثال، ينطلق المفكر الإسلامي التركي علي بولا من الآية الكريمة “لكم دينكم ولي دين”، وكذلك من “وثيقة المدينة” بين النبي محمد واليهود، ليقول إن الإسلام في جوهره يعزز التعددية ضمن الوحدة، لا بل هو منارة التوجهات التعددية .
وينحو المفكر الماليزي تشاندرا مظفر المنحى نفسه، فيستند إلى آيات قرآنية عديدة ليخرج منها بحصيلة مهمة، وهي أن الإسلام يعادي كل أنواع التمييز في العلاقات بين الأديان . وبالتالي أي ممارسات تمييزية تعتبر لا إسلامية . إذ لا يمكن أن يكون هناك تمييز يستند إلى الدين في النظام الإسلامي .
هذا الإسلام الليبرالي بات في السلطة الآن في كل من تركيا وإندونيسيا وماليزيا وبنغلادش (أي أكثر من ثلث العالم الإسلامي)، وهو يسجّل النجاح تلو النجاح في شتى المجالات، فاتحاً بذلك الباب أمام الإسلام الأوروبي كي يحذو حذوه . بيد أن هذا يحتاج إلى جهد عملي من المفكرين الإسلاميين الأوروبيين لإنجاز هذه النهضة الكبرى .
والرهان هنا كبير، لأن الخطر كبير على المسلمين الأوروبيين وعلى مصيرهم .