تذكرة مع العام الهجري الجديد 1441
مصطفى إنشاصي
بعد التفجيرات التي حدثت في غزة ضد أفراد الشرطة؛ امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام كما هي العادة عند مثل تلك الأحداث، في شن حملات متنوعة بدءً من محاولة النيل من تراثنا الإسلامي إلى تكفير الفاعلين وجماعات المخالفين لهم في المذهب أو الفكر أو المسمى! وبمناسبة بدء عام هجري جديد، رأيت أن أذكر ببعض ما أشعر أهمية لفت الانتباه له حرصاً على سلامة مَنْ يريد أن يفهم لآخرته، وعلى وحدة الأمة والمجتمع والصف.
قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) أيتصور عاقل أن كل أفراد الأمة سيكونوا نسخة واحدة في كل شيء؟! بالتأكيد هناك اختلاف في الفهم، القدرات، الطاقات، الاستعداد النفسي والبدني، و... ومع ذلك كلهم الأمة! ورسولنا الكريم صلَ الله عليه وعلى آله وسلم كان يعرف صفات وقدرات صحابته رضوان الله عليه واختلافها من صحابي لآخر، لذلك كان يختار الصحابي المناسب لمهمة بعينها، إدراكاً منه بأن الجميع ليسوا سواء في كل الصفات، وأن هناك فروق فردية بين الأفراد يجب فهمها وتقديرها.
كما أن الله تعالى جعل التكاليف على قدر طاقة المسلم، ما يؤكد على الاختلاف في قدرات وطاقة الأفراد، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ... إن أدركنا ذلك؛ ندرك أيضاً أن ليس منهم أحد، وخاصة الجماعات والمذاهب والطوائف والفصائل و...، وحده الذي على الحق وغيره على الباطل، أو أنه هو الذي سيقيم الدين ويحمي الأمة وسيحرر الأوطان ويحقق النهضة وحده وغيره عقبة، ولكن الأمة كلها منوطة بذلك، وأنهم جميعاً يكملون بعضهم بعضاً.
المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً وليس للأحزاب!
أول عمل لرسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم بعد وصوله المدينة كان بناء المسجد، ومن هنا ندرك أهمية المسجد في في الإسلام ودوره في حياة الأمة والمجتمع، تلك الأهمية والمهمة والدور للمسجد حدده الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18)\ فأي دعوة على منبر رسول الله أو استخدام أو احتكار المساجد لفكر أو حزب أو جماعة أو مذهب أو طائفة، أو ... يجب إعادة النظر فيها لأنها خالفت مهمة ودور المسجد التي حددها الله تعالى في الآية الكريمة، ولا يخضع تفسيرها لتبرير الحزبيين بأي شكل، فالتبرير مرفوض!
المؤمنون إخوة وإن قتل بعضهم بعضاً! العمل الثاني الذي قام به رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم بعد وصوله المدينة؛ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبدون تنظير أو شرح، قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ..
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ..
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ .. فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ .. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الآيات لم تكفر أحداً من المؤمنين لا في قتال ولا سلم، ولم تنفِ رابطة الإخوة بينهم وإن سفكوا دم بعض، وإن بغت فئة على أخرى، فما هو دليل وحجة المتنطعين المتفيهقون، سريعي الفتوى في ما يعلمون وفي ما لا يعلمون الشرعي على تكفيرهم واتهامهم بالإرهاب لجماعات تخالفهم في المذهب أو الرأي أو الإطار؟!
من يفجر نفسه ليس بكافر! قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ... إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ...
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ!
حتى الأفراد الذين يرتكبون جريمة بقتل مسلم بسلاح أو تفجير أنفسهم أو بسيارة أو غيرها، ويسارع الكثيرين لتكفيرهم، يتحملون إثم تكفيرهم عند الله تعالى، فالآيات لم تكفرهم بل وتركت لهم باب التوبة مفتوحاً، ومَنْ يتوب قبل أن يتم ضبطه لا يحاسب على جريمته والله أولى به ... أما قوله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم: (لا ترجِعوا بَعدي كفَّارًا ، يَضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ، لا يؤخَذُ الرَّجلُ بجريرةِ أبيهِ، ولا بجَريرَةِ أخيهِ)! كفاراً في أفعالكم وليس في عقيدتكم، لما من فعل الثائر المنتشر بين كثير من شعوب الأمة، قتل أي شخص من العائلة أو القبيلة وليس القاتل نفسه ثأراً! والله أعلم
ليتقِ الله في انفسهم وآخرتهم الذين يسارعون لتكفير واتهام إوتهم المسلمون الذين يختلفون معهم في المذهب أو الحزب أو أي إطار ...
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخصومه على قدر ما كان لعلي رضي الله عنه من خصوم قاتلوه وقاتلهم، وسقط من الطرفين قتلى وجرحى في المعارك، إلا أنه رضي الله عنه لم يثبت عنه أنه كفر أحداً منهم، بل كان يصلي على مَنْ قتل منهم في المعارك كما يصلي على مَنْ قتل من أتباعه، ويدفنهم في مقابر المسلمين! ومنهم الخوارج الذي كان هو أول مَنْ قاتلهم، وكان رده على أحد أتباعه ممن قال أنهم كفار: بل من الكفر فروا! بعد ما تقدم (من 1 – 5) ما هو الدليل الشرعي ممَنْ يدعون أنهم وحدهم المسلمين ويكفرون على هواهم كل من خالفهم؟! ليأتوا لنا بدليل قرآني أو نبوي على صحة تكفيرهم لمخالفيهم!
في هذه الحال: مَنْ يكون التكفيري؟! هم أم الآخرين؟!
لذلك حرصاً على ألا تهلكوا أنفسكم في الآخرة، وتدمروا الأمة والمجتمع في الدنيا، اسموا عن الخلافات، واتقوا الله في ألسنتكم، واحرصوا على جمع الكلمة وتوحيد الصف ...