أهازيج الثورة العراقية
التقاتل العشائري من عناصر الحياة في العراق ونشأت عنه تقاليد قتالية، منها الرقص الحربي والأهازيج الحربية. يتهيأ المقاتلون للقتال برقص عنيف وغناء إيقاعي متكرر الكلمات يجعل الدم يغلي في عروقهم حتى يهتف المنشد، ها! ها! ها! فيكررون الدور وينطلقون للقتال. يسمون هذا الغناء بالهوسة، وهي كلمة مشتقة من الهوس، حالة الانفعال الشديد. والمعتاد في الهوسة أن ترد في وزن الخبب «فعلن فعلن فعلن فعلن»، كما سنجد في الأمثلة التالية.
تدفق كل ذلك أثناء ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني. لم يكن بيد الكثير غير السلاح اليدوي المعروف بالمقوار، عصا غليظة تنتهي بكتلة مكورة من القار. انطلقوا بها يهاجمون المدافع البريطانية وهم يهوسون:
«الطوب أحسن لو مقواري؟»
الشائع في هوسات الحرب العراقية أن تتكون من شطر شعري واحد، يتكرر بشكل مثير للأعصاب، كقولهم:
اللي ما يهيّب يمد إيده! (من لا يهاب الموت يمد يده للقتال).
وفي مقاتلة الجنود المرتزقة من العراقيين (الصوجر) راح الثوار من آل السعدون ينشدون وهم يحملون مقاويرهم وخناجرهم:
قل للصوجر
جاك الموت اسمع يا خاين!
وفي هوسة أخرى: ملينا من قتل الصوجر.
وفي مواجهة الهجوم البريطاني في قطاع المنتفق، أنشد المدافعون الكثير من الهوسات التي خلدت في سجل الشعر الحربي الشعبي في العراق، ومنها ما تردد في معركة السماوة:
بها السوق الله يبيع اجنانه
الثاية بحيدر منصوبة
من غير المر ما يتولد
نسقيه من مرنا الماذاقه
وهذا ما أشرت إليه سالفا، وهو تردد ذكر الله وجناته في هوسات الحرب العربية كما أنشد المجاهدون في وجه الإنجليز:
أبواب الجنة مفتوحة، نتسابق بالموت عليها، نرضي الله ونتباهى بيها.
ينشد الأوربيون أناشيد الحرب في طريقهم إلى الجبهة، ولكن المقاتلين العرب ينشدون هوساتهم أثناء القتال. وهو ما لم يعرفه القائد الألماني الملحق بالجيش العثماني في منطقة الفرات. خطط للإيقاع بالقوات البريطانية في فخ بأن عبأ المجاهدين على الجناح. أوصاهم بأن يلتزموا الصمت لئلا يعرف الإنجليز بوجودهم ثم يهاجموهم من الخلف عندما تردهم الإشارة. لم يعرف أننا قوم لا نطيق السكوت. ما إن سمعوا «الطق» حتى بادروا بالهوسة فاكتشف العدو موقعهم فدارت الدائرة على المدافعين، ولم يعد بيد الضابط الألماني غير أن يطلق الرصاص على نفسه وينتحر.
خالد الشنقيطي الشرق الاوسط