القبور الخمسة!
--------------------------------------------------------------------------------
كانت...........آهِ من كانت!
وهل تعبر الكلمات عن حزن مكنون في الصدر!
سأحاول أن أجري الكلمات من لساني إلى قلمي عله يترجم شيئاً مما في حرقة الكبد المصدوعة!
كانت شعلة من نشاط، سخية، ندية، جميلة المعشر، حلوة اللسان، لم تسمع لها طوال عشرتها كلمة نابية، أو حرفاً جارحاً، تحمل هموم الرجال وتربي النساء على خير وجه...كنا نسمي بيتها بيت البركة، لما فيه من إغداقات الرحمن وفيض رزقه على هذا البيت الكريم!
كثر سكنى، من الولد والأحفاد، و وفرة مال أعطاه ربنا لزوجها من رتجارة الماشية والإبل، بركة تسوقها بركة، وخير يسوق خيراً!
أم رؤوم للجميع، فضلاً عن ابنائها، من يأت بيتهم يأت خيراً وفيراً، و وجهاً يحمل في قسماته كل معاني الرحمة والكرم والسخاء، يد طولى في البر والإحسان..!
ماذا أقول...وليس لي إلا هذا القلم المسكين الذي أغت حلقومه ليصيح بحروف من دموع..!
و لكن الأيام لا تبقي على أحد، والأحداث مقدرة مكتوبة.....استعدت للرحيل إلى عمرة، وما أكثر ما تذهب!...وضعت كل شيء، مع ابنتها وزوج ابنتها وأحفادها الأربعة....و كأنها تربط حزام السفر البعيد إلى غير عودة، وتشد الرحال لتحطه هناك في أرض غير أرضنا، ودار غير دارنا....وماهي إلا لحظات حتى رن جرس الهاتف...تخاطب أهلي وتودعهم، و تدعو للجميع بالخير والبركة واليسر...وما علمت أنه الوداع الأخير، والحروف الأخيرة في وداع هذا الحي!
ثم سارت إلى بيت الله الحرام...و هي تقول لأبنائها لا تنتظروني...!
هل كانت تنطق عن بصيرة؟ أم شق لها الحجاب فرأت شيئاً لم يره غيرها..!
صدح أذان الفجر في اليوم التالي يوقظني ولدي الأكبر للصلاة....ثم بعد قليل، يأتي ليخبرني الخبر الصاعقة.....فلانة...وفلانة..وفلان والأبناء....لقوا حتفهم في حادث في السعودية في طريقهم إلى بيت الله الحرام....!
لم أصدق....كيف!
بالأمس كانوا هنا يرتادون هذه الحياة الصاخبة....جميعهم قتلوا في هذا الحادث!!!
كيف يستطيع المرء أن يتحمل خبراً كهذا...ظللنا مشدوهين غير مصدقين...إنا لله وإنا إليه راجعون!
أحقاً ماتت هذه المرأة الطيبة؟؟!
أحقاً لن يراها الناس مرة أخرى؟؟؟
من للمسجد ورعايته بعدك؟؟!!!
أحقاً فرغ مكانك في هذا المسجد عند قيام رمضان!!!
أحقاً لن يروك مرة أخرى..!
أنت هناك معهم..تتنزل عليك رحائم ربك الواسع المغفرة...ونحن هنا مع أبنائك و زوجك..توزع عليهم الدنيا صحافاً من حزن...أنتم هناك تحت الثرى أيتها القبور الخمسة...تهنئون بإذن الله بغيث منهمر من الرحمات!!
ونحن هنا تنهمر على الخدود الدموع لتحفر فيها أخاديد من الذكرى التي لن تهدأ...!
ماذا أقول..إنا لله وإنا إليه راجعون....أنا أعلم أنني لم أترجم شيئاً مما في القلوب..ولكنها الحروف هكذا كتبت..
احمة الله عليكم...رحمة الله عليكم وبركاته...والسلام عليكم يوم حييتم..ويوم متم..ويوم تبعثون....إن شاء الله
أنتم السابقون..وإنا إن شاء الله بكم لا حقون!!!
منقول
عبد الرحمن الجمعان