الخروج من الجاهلية الأخلاقيةلا أعتقد أنه سيكون بمقدور الاسلام السياسي – حال اكتمال قيام دولته، وهو ما أتوقع حدوثه – قيادة مجتمعاتنا بسهولة إلى خارج حدود الجاهلية الأخلاقية، ربما لانحشار مُنظريه في خبراتهم الدعوية الكلاسيكية، فضلا عن قناعتهم الراسخة بامكانية استنساخ بعض اللحظات المضيئة في تاريخ حضارتنا الاسلامية، دون الأخذ في الاعتبار تعقد وتشابك اللحظة الراهنة.
حازم خيري
الاسلام السياسي شريك – دون وعي على الأرجح – لدولة العسكر في الوصول بمجتمعاتنا إلى الجاهلية الأخلاقية. ففي الوقت الذى حكم فيه العسكر مجتمعاتنا بالحديد والنار لعقود عديدة، كان الاسلام السياسي هو الخصم الطامح إلى والعامل على تحرير المجتمع من نير العسكر واقامة دولة الاسلام السياسي. في ظل تغييب كارثي للأوجه الأخرى لحضارتنا.
الاسلام السياسي واجه في رحلة نضاله – والتى لا تخلو من روعة -، دولة العسكر بديماجوجيتها ومغازلتها لأدنى ما في الشعوب من غرائز، ومن ثم وجد نفسه مُقيدا في مساعيه الثورية، بالتركيز على حيوات ظاهرة مضللة، يعلم انها كذلك، وهو ما استراحت إليه شعوبنا وأكسب دعوته أرضية واسعة.. مجتمعاتنا وظفت دولة العسكر والاسلام السياسي بعبقرية..
العسكر هم السيادة الصلبة وسلطة الأمر الواقع، والاسلاميون هم قاطرة السيادة الناعمة، يبارك رموزهم – في ثقة وقوة – تمزق مواطنيهم بين حياتين، احداهما مُستترة والأخرى علنية، في مواجهة عشوائية وفهلوة العسكر. فضلا عن تبشيرهم بحتمية اصلاح "الظاهر" لـ "الباطن"!
أكسب هذا الاسلاميين بالطبع شعبية – كما أسلفت -، غير انها شعبية مُترهلة هشة، نظرا لعدم استنادها لبنية تحتية أخلاقية صلبة، تضرب بجذورها في أعماق الضمير البشري.
الطريف، بل لنقل الكارثة، أن ما اجتهد الاسلاميون طيلة عقود في تصديره إلى المجتمع، وما احتفوا به من حيوات ظاهرة مُغلفة برقائق التدين، سُرعان ما ارتد إلى الاسلام السياسي نفسه، فنال على ما يبدو من بنيته التحتية وكوادره. تلك هي محنة الاسلام السياسي.
الاسلاميون ليسوا بمعزل عن جاهلية مجتمعاتنا الاخلاقية، وإن زعموا خلاف ذلك، فهم تحت وطأة القهر العسكرى والحرص على استمالة الشعوب لجانبهم، هادنوا مجتمعاتهم ورضوا من ابنائها العيش في حياتين، القشور الأخلاقية، وهو ما انتهى بالجميع إلى جاهلية أخلاقية.