السادة الخطباء والوعاظ..يرحى الانتباه للسياق
أحمد أبورتيمة
abu-rtema@hotmail.com
أستمع أحياناً لفريق من الخطباء والوعاظ يحثون الناس على الصبر على انقطاع الكهرباء والمياه في الحر الشديد وتبشيرهم بأن هذا الانقطاع يضاعف من أجر الصائم، أو يحثونهم على الصبر على جور الحكام ويحدثونهم عن فضائل الصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله.
الصبر معنى إيجابي لكن حين يطرح في سياقه الصحيح فلا يكون إضفاءً للشرعية على أوضاع خاطئة هي صناعة بشرية ويمكن تصحيحها بجهد بشري كذلك بالبحث عن أسبابها وتحديد المسئول عنها..
الرضا بقضاء الله لا يعني السكوت على الأخطاء وانتظار الفرج من الله لأن هذا السكوت عجز وخطيئة يؤثم صاحبها ولا يثاب عليها إنما الرضا هو طاقة روحية تعين الإنسان على تحمل المشقة التي يلاقيها في طريق الجهاد من أجل تغيير الواقع الخاطئ..
الصبر لا يعني شرعنة الأوضاع القائمة وغض الطرف عن المتسبب بها -لأن هناك رباً يحاسب- بل تعني السعي الحثيث لتغيير هذه الأوضاع، أي أنه ليس بديلاً عن العمل بل هو دافع لمضاعفة هذا العمل..
حتى الحديث عن الجنة ونعيمها وحورها يمكن أن يطرح في سياق سلبي حين يكون دعوةً انسحابيةً من الحياة وتعبيراً عن اليأس من تحقيق العدل والرخاء على هذه الأرض التي استخلفنا الله فيها فيعوض الإنسان هذا اليأس بالهروب إلى عالم من الأحلام الجميلة..
السياق الصحيح للحديث عن الجنة هو أن يكون هذا الحديث مستفزاً للمؤمن لمضاعفة جهوده في تغيير الأوضاع وتحقيق رسالة الإسلام المتمثلة في الرحمة للعالمين وإقامة القسط والعدل بين الناس، وهذا المنهج نجده في القرآن إذ إنه يربط الحديث عن نعيم الآخرة بالعمل في الدنيا "جزاءً بما كانوا يعملون"..
نفس الكلام يقال في كثير من المواضيع الدينية مثل التوكل على الله، والدعاء، وطاعة أولي الأمر وغيرها من مواضيع إن انتزعت من سياقها الصحيح شوهت معنى الدين ونزعت منه حقيقته العملية والثورية ودجنته بما يخدم أهواء السلطان..
دخل مسئول رفيع ذات مرة أحد المساجد فإذا بالخطيب ينزل من على المنبر ويقدم هذا المسئول الرفيع ليخطب بالنيابة عنه معللاً ذلك بأن الإسلام يحثنا على احترام كبار القوم وتبجيلهم..
فعلة هذا الخطيب هي مثال على تحريف الكلم عن مواضعه واستحضار المعاني الدينية في غير سياقها الصحيح فتتولد نسخة مشوهة من الدين، ولو فقه هذا الخطيب حقيقة الدين لعلم أن المقال المناسب في هذا المقام هو إيصال صوت المظلومين من عامة الشعب الذين لا يستطيعون الوصول إلى المسئول، والحديث بلسانهم وتبني مطالبهم العادلة، أما الحديث عن التبجيل والاحترام فله موضع آخر يحبذ ألا يكون المسئول حاضراً فيه تجنباً للوقوع في النفاق..
إن استحضار السياق الصحيح للمعاني الدينية والانتباه إلى أن لكل مقام مقال ضروري حتى لا يتحول الدين من كونه طاقةً روحيةً تنشط الروح إلى أفيون يخدر الشعوب ويشرعن الاستبداد والفساد..
إننا بحاجة إلى ثورة تجديدية في فهم ديننا
والله أعلم..