القدس وجاثوم الأمة
محمد اسحق الريفي
يرتكب العدو الصهيوني في القدس المغتصبة مذبحة ضد الوجود العربي والإسلامي الفلسطيني، وضد الهوية العربية والإسلامية للقدس، من أجل تحويلها إلى عاصمة أبدية للدولة اليهودية التي يسعى لإقامتها في فلسطين. وأمتنا على دراية بمخططات العدو وإجراءاته التي تستهدف القدس وهويتها ومقدساتها، وإن كانت هذه الدراية تنقصها المواكبة للحدث، ولكن أمتنا غير قادرة على منع العدو من مواصلة إجراءاته في القدس، فهي مصابة بمرض الجاثوم.
ومرض الجاثوم، ويسمى أيضاً شلل النوم، يصيب النائم عندما يستيقظ وعيه أثناء مرحلة "النوم الحالم"، وهي مرحلة تكون فيها حركة العين سريعة، ولكن الأعصاب تكون نائمة ولا تستطيع نقل إشارات الدماغ إلى العضلات، فتصاب العضلات بشلل مؤقت، ويشعر المريض نتيجة عن ذلك أن شيئاً ثقيلاً يجثم على صدره، وأنه في حالة نزع وموت، فيهمّ بالحركة، ولكنه لا يستطيع تحريك أي من أطرافه ولا حتى أصابعه أو شفتيه. ويحاول البكاء أو الصراخ لطلب المساعدة، فلا يستطيع. ويظل ممدداً مستسلماً لما يجثم على صدره وجسده. وتستمر هذه الحالة من عدة ثوان إلى دقائق قليلة، وتنتابه خلالها هلوسة سمعية وبصرية تزيد من خوفه واضطرابه. وبعد ذلك إما يغرق الإنسان في النوم، وإما يستيقظ مذعوراً.
من منا لا يعي مخططات العدو الصهيوني واليهودي ضد الوجود العربي والإسلامي في القدس المغتصبة، ومن منا لا تتمزق أنياط قلبه حزناً وغضباً على ما تتعرض له القدس وأبناء شعبنا المقدسيين من مذبحة صهيونية مخطط لها بعناية كبيرة، ولكن من منا يستطيع ردع العدو وإجباره على وقف حربه على القدس؟
إذن هناك وعي بالأخطار والنيران الصهيونية واليهودية التي تحاصر القدس من كل جانب وتتقدم نحوه بسرعة، لتأتي على الوجود العربي والإسلامي فيها، وإن كان هذا الوعي متأخراً كثيراً عن الأحداث الميدانية، ومفتقراً إلى التفاصيل الدقيقة لمخططات العدو بعيدة الأمد التي تهدف إلى تهويدها عن بكرة أبيها. ولكن في المقابل، لا يوجد عمل عربي وإسلامي قادر على حماية القدس والفلسطينيين المقدسيين، ولا يوجد عمل شعبي أو رسمي يتناسب مع مستوى الحدث والأخطار التي تهدد القدس والوجود العربي والإسلامي فيها، ولا يوجد أي جهد عربي وإسلامي يستطيع ردع العدو أو على الأقل كبح جماحه الشريرة لبعض الوقت. ويرجع ذلك إلى أن أمتنا مصابة بالجاثوم، فقواها الشعبية والرسمية، وهي التي تقابل عضلات الشخص المصاب بالجاثوم، مشلولة، ولذا فالأمة بالنسبة للقدس غير قادرة على التحرك ولا حتى العمل في الميادين الإعلامية والسياسية والقانونية والعسكرية لطلب المساعدة من أجل إنقاذ القدس.
أما الأعصاب، فهي القيادة وبرامجها وخططها وفعالياتها، فهي نائمة، أو غير موجودة، أو غير قادرة على الدفاع عن القدس. وهنا أستثني من هذا المرض الذي يشل حركة الأمة أهلنا في القدس والداخل الفلسطيني المحتل منذ 1948، وعلى رأسهم الشيخ المجاهد رائد صلاح، فهؤلاء الفلسطينيين يتعرضون إلى الأخطار الصهيونية واليهودية ذاتها التي يتعرض لها القدس، وجودهم في الداخل الفلسطيني مهدد، وهم بحاجة إلى مساعدة الأمة وحراكها وجهادها ضد كيان الغطرسة والعدوان الذي يجثم على صدر أمتنا ويهدد وجودها.
نحن بحاجة إلى قيادة قادرة على تحريك القوى الشعبية في العالمين العربي والإسلامي باتجاه نصرة القدس وإنقاذها من براثن العدو الصهيوني والعصابات اليهودية المتطرفة، ولا بد من الارتقاء بمستوى خوفنا على مستقبل القدس إلى مستوى فاعل ومؤثر ورادع للعدو. أما إذا حصرنا أنفسنا في دائرة التوعية، مع أننا ضعفاء في هذا المضمار، وبقينا هناك نراوح في مكاننا دون الانتقال إلى مرحلة العمل والفعاليات، فإننا نكون قد غرقنا في النوم واستسلمنا للجاثوم، وربما أصابتنا نوبات من الهلوسة الفكرية تجعل بأسنا بيننا شديد، فيجد العدو فرصة سانحة للمضي في عمليات النهب والتهجير والتهويد.
ونظرة واعية إلى محاولات حملة شريان الحياة لكسر حصار غزة، والتي تكللت بالنجاح في ميدان المواجهة الإعلامية والرأي العام مع العدو الصهيوني، قد تفتح لنا آفاقاً واسعة للعمل في ميادين عديدة لمواجهة العدو فيما يتعلق بالصراع على القدس العربية.
متى يأتي اليوم الذي نرى فيه العرب والمسلمين يتدفقون من كل مكان في العالم ويزحفون من الأراضي الأردنية متقدمين إلى القدس لتطهيرها من العصابات الصهيونية واليهودية!
12/7/2010