ياسمين الممشى
هكذا كنا نطلق عليه ..كان يتوسط أرض الديار و حوضين كبيرين مستطيلين زرعا بشتى الزهور الدمشقية العريقة شمشير و بنفسج و دادا و ضراير و مكحلة و قرنفل و منثور و جوري أحمر و مطبّقة شامية بيضاء اللون و زهرية الحواف .. و ثمة زهرة يسمونها الشب الظريف بلون وردي و لون أبيض و ميزتها أنها تضم بتلاتها في النهار و تفردها ليلا و كأنها شاب أشقر لا يقوى على الوقوف في حر الشمس..
في الحوضين ثمة أشجار مثمرة أكي دنيا و كرز و مشمش و ليمون و نارنج و كانت جدتي تقول دوما " فاكهة الديار تطول الأعمار " و كانت تعمد إلى شجرة الأكي دنيا فتختار لنا أنضجها ثم ترصها في طبق تقدمه لنا في المساءات الربيعية الدافئة و تجتني ثمار النارنج لتصنع منه مربى مميز بنكهة الشام..
في أحد الحوضين زرع جدي لسبب ما نخلة كبيرة و لم تثمر مرة واحدة بالرغم من انتظاره طوال عمره لهذا الحدث المهم و كان يخبرنا أنها ستثمر يوما ما .. و في يوم رحيله الأخير وقف مقابل تلك النخلة يرامقها بشغف و يرجوها أن لا تخيب رجاءه حتى في غيابه .. و كانت النخلة وفية له بقدر ما زرع فيها من محبة و إيمان .. أثمرت أخيرا وسط دهشة الجميع و كانت مناسبة احتفالية ضخمة لكن جدتي أعلنت أنها تخشى أن ثمرها قد يكون غير صالح للاستهلاك البشري فاكتفينا بالتقاط الصور بالقرب من جذع النخلة ..
في الممشى بحرة صغيرة تتوسطه و يعرش على السقّالة الخشبية شجرة ياسمين كبيرة ترخي جدائلها عليه بالكامل و تملأ برائحتها المكان .. متعتنا الجميلة تحت ضوء قمر دمشقي كانت أن نصنع أطواقا من الياسمين نحيط بها عنق جدتي و خالتي فيما الراديو يصدح بأغنية لأم كلثوم ..
و الياسمين كان على نوعين .. ياسمين بلدي أبيض ببتلاته الخمس و رائحته المميزة و ياسمين عراتلي و لونه أصفر برائحة عبقة تختلف عن الياسمين البلدي و للعراتلي شعبية في البيت الدمشقي و تقول عنه جدتي " عينه قوية " أي أنه لا يحترق في شمس الصيف اللاهبة و لا يذبل و رائحته تخترق النوافذ و الأبواب .