قرأت كتيبا صغيرا من مطبوعات لهيئة العامة السورية للكتاب عن:الشعر والتصوف للدكتور وفيق سليطين لايتجاوز 96 صفحة:
وهو موضوع جديد وعميق الغور عالجه على طريقة ابن عربي الفلسفية بجدارة وقوة.
أقدم ملخصا عنه لأهميته في علم الشعر وأهميته للباحثين:
يقول فيه:
إذا كان الشعر هو الكشف عن عالم يظل أبدا في حاجة إلى الكشف,فمن خلال هذا المنطلق نفهم سر العلاقة بين الشعر والتصوف.
فهي ردم ينطوي على الحفر وحفر يتظاهر بالردم.
ومما يقرن الشعر بالتصوف ,على العموم,هو أن كلا منهما مأخوذ بهاجس العمق وارتياد المجهول.
ومن هنا كانت المعرفة لزيمة الحيرة إذ تتكشف عن حقيقة كونها دهشة وتوترا وانخطافا.
اللاذقية في 12-6-2008
الفصل الاول:اللغة بين الشعر والتصوف:
ليست اللغة هنا مجرد وسيلة في إطار هذا التوجه الذي يصل بين الشعر والتصوف.اللغة شرط بناء التجربة وأداة تحققها,وطريقة وعيها بذاتها في تميزها وخصوصيتها.
إن علاقة الصوفية باللغة تبقى محكومة بمفارقة أساسية لاسبيل إلى تجاوزها ,ذلك أن اللغة بخصوص هذه التجربة تتبدى شرطا وعائقا في آن واحد معا.
*******
ان الشعر في بعض تعريفاته الممكنة هو لغة ثانية داخل اللغة الأولى,لغة تتعين في مستوى آخر مختلف,إذ تنحرف عن المعيار وتنحرف به,لتنتج شرطها الخاص وقولها المختلف ,الذي يفتح في لغة الوضع أبعادا أخرى تخترق قواعد الاستقرار ,وسنن التواصل ,وطرائق التدليل وضروب الإحالة المباشرة.
هي لغة تغوص على ما وراء المكشوف والمتملك ,وتضرب في لجة المجهول وعمقه الذي يند عن الامتلاك.
إن قصور اللغة الوضعية عن الوفاء بحق التجربة جعل كلا من الشعر والتصوف ينفرد بلغة خاصة تقوم على الإشارة لا العبارة ,وعلى الرمز لا المباشرة.
هي قوة الغبش الإيحائية!!
يميز المتصوفة بين مصطلحي "الإشارة"و"العبارة" فالإشارة مجرد إيحاء بالمعنى دون تعيين وتحديد.أما العبار فهي تحديد للمعنى يجعله مغلقا ونهائيا ,الأمر الذي يتعارض مع حقيقة الكلام الإلهي الذي تتعدد مستويات الدلالة فيه.
وهذا التمييز يتأس على التمييز الذي يؤكده المتصوفة بين المعنى الظاهر للخطاب الإلهي ودلالته الباطنة.فالظاهر هو مايدل عليه الخطاب بدلالة اللغة الوضعية في بعدها الإنساني ,في حين أن الباطن هو المستوى الأعمق ,مستوى اللغة الإلهية المشار إليها بطريقة لاتنكشف إلا لصاحب التجربة الصوفية.
هي فرادة الحدس التي تجمع بين الشاعر والصوفي .
وكما تكتسب اللغة في التجربة الصوفية أبعادا إشارية ورمزية,يختزن الشعر في لغته طاقة من العمق والكثافة.
يتبع