دراسة حول الجرائم المرتكبة باسم الشرف
بقلم: المحامية عليا نظام الدين كانت القوانين القديمة الموغلة في القدم تتشدد في عقوبة الزنى إلى أبعد حدود الشدة،و القسوة, ولكن على الزوجة دون الزوج فكان الموت أو التعذيب البدني البالغ منتهاه هو ما ينتظرها إذا زنت, وكان ينظر إلى جريمتها هذه على أنها كبرى الجرائم بينما كان الزوج ينجو من كل عقاب إذا زنى,
وإلى جانب هذه العقوبات الجنائية القاسية وضع المشرعون القدامى عقوبات مدنية بها يمكن للزوج المخدوع أن ينفصل عن زوجته الخائنة، واختلفت نظرة الشعوب إلى هذه الجريمة تحت تأثير عاملين:
1- اختلاف الأفكار التي بنيت عليها الحياة الزوجية.
2- نظام الأسرة والفكرة التي بني عليها الزواج فسواء اعتبرنا الزواج مقررا لحق ملكية الزوج على زوجته أو اعتبرناه ارتباطاً إلهياً مقدساً أو أخيراً عقداً مدنياً.ففي هذه الحالات جميعها لن يكون عقاب هذه الجريمة واحداً.و إن معرفة السياسة العقابية لجريمة الزنى يفرض علينا أن نبحث في أمرين:
أحدهما يتعلق ببيان ضرورة العقاب على الزنى, والثاني بيان ما إذا كان من المناسب أن تكون هناك تفرقة بين الرجل والمرأة في مقدار العقوبة, وشروطها أم أنه يجب إقرار المساواة بينهما كما جاء في أحكام الشريعة الإسلامية.
إن السياسة الجنائية التي تقرر عقوبة للزنى تتوقف على المبادئ الأساسية الخلقية السائدة في الزمان والمكان وليس من الممكن القول بمبدأ مطلق في صددها،ومن هنا ظهر في التشريع رأيين الأول ينادي بضرورة العفو, والآخر بضرورة العقاب
- الرأي الأول:عدم العقاب فذهب البعض إلى القول بأن العقوبة المسلطة على الزاني أو الزانية لا موجب لتقريرها أصلا لأنها تكون من الناحية العملية غير عادلة سواء جعلت الدعوى في جريمة الزنى بيد سلطة الاتهام أو بيد المجني عليه ففي الحالة الأولى يترتب على تدخل سلطة الاتهام ضرر يفوق الضرر الناتج من الجريمة وهو إثارة الفضيحة وفي الحالة الثانية يكون تحريك الدعوى متروكا لهوى الزوج الذي يفسح له المجال التلاعب أو التعسف. فكانت وجهة نظر أصحاب هذا الرأي وهو عدم العقاب أنه متى حدث الزنى من جانب الزوجة استحال محو أثره سواء بعقاب أو بغير عقاب.
- الرأي الثاني: إن الاعتبارات التي اعتمد عليها الرأي السابق القائل بعدم العقاب على الزنى لا تنفي وجه المصلحة في وضع عقوبة تهدد من يرتكب هذه الجريمة سواء كان رجل أو امرأة بصرف النظر عن قيمة هذه العقوبة وأثرها.
ويخلص أصحاب هذه الرأي إلى القول بضرورة توقيع العقاب على الزنى لأن تقرير العقاب أجدى على كل حال من تركه بغير عقاب, فالعقوبة بصفة عامة تلعب دورا هاما إذا تضع أمام الدافع إلى الجريمة أيا كانت مانعا منها هو التوجس من أذى العقاب المقرر لها فالعقاب ضرورة فرضت نفسها واستمدت جذورها من عادات وتقاليد وقيم الشعوب التي كانت
ثمرة من ثمار الديانات السماوية وعلى أي حال العقاب مقرراً في قانوننا الوضعي, والشريعة الإسلامية.
- وتثير جرائم القتل بدافع شريف جدلا ًرفيع المستوى الآن فبينما تمنح المجتمعات المحلية وخصوصاً الشرقية منها العذر المخفف لمرتكبي هذه الجرائم نظرا لارتباطها بدافع الشرف الذي صنفت مقترنة به.
- دعونا ننطلق بداية من موقف القانون والشرع في سوريا - تحديدا- من جرائم القتل بدافع شريف وبعدها نعرج على موقف المجتمع والدين المناهضين لمثل هذه الجرائم ضمن ظروف وشروط محددة ما هي هذه الظروف ؟ وما تلك الشروط ؟
نفهمها من سياف الحوادث التالية:
1- كان الزوج يشك بزوجته وفي أحد الأيام اتصل بها من مكان عمله وأعلمها بأنه مسافر في مهمة طارئة ولن يعود قبل يومين ونحو العاشرة ليلا ًمن نفس اليوم حضر الزوج إلى منزله ليداهم زوجته وعشيقها في غرفة نومه فأطلق عليهما النار وتوفيت زوجته على الفور ونقل العشيق إلى المشفى. بينما سلم الزوج نفسه للشرطة بعد أن هتف لحماته متشفيا وطلب منها أن تحضر الطبل والزمر لتزف ابنتها في فضيحتها من المشفى بعد أن فارقت الحياة.
2- وفي حادثة أخرى عاد الزوج متأخرا إلى منزله وعندما دخل غرفة نومه فوجئ بزوجته م
عشيقها فأقفل عليهما الباب ثم أحضر الجيران وأحد رجال الدين شهودا ليطلق امرأته ويتزوج من امرأة أخرى بمنتهى الهدوء والروية.
3- وفي واقعتنا الثالثة أن أحد الرجال من ذوي السمعة الحسنة وذو مركز اجتماعي مرموق فوجئ بزوجته مع أحد أصدقائه في غرفة نومه فتمالك أعصابه وقال مخاطبا زوجته بعد أن هرب العشيق البسي ثيابك وخذي أغراضك واذهبي إلى بيت أهلك ولا تعودي إلى بيتي مطلقا ولو تدخل أهل الخير وإن عدت سوف تموتين.. وفعلا ًو رغم تدخل أهل الخير والمساعي التي بذلت لإصلاح ذات البين رفضت الزوجة العودة إلى منزل زوجها ولم يعلم أحد سبب طلاق زوجها لها لأنه رفض حتى مجرد التشهير بها إلى أن تزوجت مطلقته من عشيقها والذي وجدها ذات يوم مع شخص آخر في غرفة نومه فقتلهما معاً ولما سمع
الزوج أي زوج المغدورة السابق بالجريمة قال: الحمد لله الذي وهبني نعمة العقل وأبعد عني شر الابتلاء بها.
- فمن خلال سرد هذه الأحداث نرى أنه هنالك اختلاف في سلوك الناس وتباين في ردود أفعالهم ودرجة إدراكهم ووعيهم ومسؤوليتهم بمواجهة جرائم الشرف.
- ولقد صدر مؤخراً عن محكمة الجنايات الأولى بدمشق عدة أحكام مختلفة في جرائم قتل بدافع الشرف نختار من بينها هاتين القضيتين:
1- في هذه القضية نرى أن- ح- هي المطلقة بعد إنجاب طفلين من مطلقها- س- وتعيش مع ذويها وقد خطبت لابن خالتها وقد خرجت ذات يوم من منزل ذويها لإيداع مبلغ من المال في المصرف إلا أنها تعرضت للاختطاف تحت تهديد السلاح من قبل المدعو - ن- الذي تبين فيما بعد لشقيقها - أ- أنها كانت على علاقة مع المذكور - ن – وقد سبق أن رفضت العائلة طلبه بخطبتها لسوء سمعته وفساد أخلاق زوجته أبيه التي تعمل مع ابنتها في كازينو وفي حقيقة الأمر تم عقد قران - ح – على المدعو - ن- أمام المحكمة الشرعية وتمت تسوية النزاع بين الأشقاء داخل القصر العدلي على أن يتم الإعداد لمراسم الزواج في حفل زفاف رسمي يحفظ ماء الوجه للجميع أمام الأهل والأقارب والجوار... وتم اللقاء مع- ن - وزوجته -ح- في مجلس صلح علني بحضور ذويها وبالفعل التقى مجلس العائلتين في منزل شقيقها الذي دخل المطبخ لإعداد الشاي ثم خرج مشهراً مسدسه على الجميع وطلب منهم مغادرة الدار ثم أطلق النار على شقيقته التي فارقت الحياة فوراً والتحقيقات الجارية أسفرت عن اتهام شقيق المغدورة بقتلها وباعتراف الصريح الذي دفع بقاضي الإحالة اتهام المجني بجناية القتل تحت تأثير ثورة الغضب الشديد ومحاكمته أمام محكمة الجنايات فأصدرت هيئة محكمة الجنايات الأولى بدمشق قرارها المتضمن: تبديل الفاعلية الجرمية للمتهم من جناية القتل قصداً إلى جناية القتل بدافع شريف ومعاقبته بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة ست سنوات.ولقد رتب القانون السوري (مادة 548) عذراً محلا ًخاصاً بجرائم القتل والإيذاء يتناول"من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو على إيذاء أحدهما بغير عمد " ونص القانون السوري يتناول:
أ- الزنى أو الجماع الفعلي ب-القتل الواقع على الزوجة أو غيرها من الإناث اللواتي حدد هن القانون (الأصول والفروع والأخوات ) أما قيام الزوجة بقتل زوجها الذي فاجأته في حالة الزنى فلا يشكل عذرا قانونيا ولعل العلة في قصر النص المذكور على زنى أو جماع الإناث دون الذكور يمكن في التضييق التقليدي على حرية المرأة وخضوعها إلى سلطة الزوج في القانون الروماني وغيره من الشرائع القديمة بالإضافة إلى خطر فعل المرأة على النسب إذ تلحق ابن الزنى بزوجها على خلاف ما يجري بالنسبة لزنا الزوج, ومهما يكن من أمر فليس في تفريق معاملة المرأة عن الرجل ما يبرره منطقياً باعتبار خطورة الإهانة وتأثيرها الفعلي على رضا القاتل لا تقل بالنسبة للأنثى عما هي عليه بالنسبة للذكر.
2- وفي قضية أخرى أقدم الحدث – س- (الجارية محاكمته أمام محكمة جناية الأحداث ) على خنق شقيقته - ن – 13 سنة بتحريض من شقيقه الأكبر – ر- 23سنة. بعد أن تغيبت عن المنزل طيلة النهار وفي المساء علم أن شقيقته في منزل جارتهم الداعرة التي غررت بها وقدمتها لعدد من الشبان، ومن بينهم ابنها..وباعتراف – ن- أمام شقيقها الأكبر (كونها يتيمة الأبوين) طلب من شقيقه الحدث – س- قتلها ووعده بإخراجه من السجن بعد شهر نظراً لحداثة سنة.. أحضر – س- كبلاً كهربائياً من مروحة وقيد شقيقته على السرير ثم خنقها بعدما خرج شقيقه الأكبر إلى الشرفة..و بالتحقيقات الجارية اعترف الشقيق الأكبر –ر- بتحريض شقيقه الحدث –س- على قتل شقيقته –ن – فأصدر السيد قاضي الإحالة بدمشق قراراً تضمن:
اتهام المدعى عليه – ر- بجناية التدخل بالقتل القصد لشقيقته بدافع شريف ومحاكمته أمام محكمة الجنايات وبناء عليه قررت هيئة محكمة الجنايات الأولى بدمشق بالاتفاق:
- إدانة المتهم – ر- بجناية التدخل بالقتل قصداً بدافع شريف لشقيقته المغدورة –ن- ومعاقبته لأجل ذلك بالأشغال الشاقة مدة 15 سنة ومن هنا نتساءل عن عقوبة الجارة الداعرة وهي برأينا أنها المجرم الحقيقي الذي يجب أن يناله القضاء ولم نسمع في سياق هذا الحكم شيئاً يمسها لا من قريب ولا من بعيد نظراً لعدم وجود ادعاء بحقها من أشقاء المغدورة.
أما توسع القانون السوري في تطبيق العذر المحل على الفعل الواقع على الأصول والفروع والأخوات وشريكهن يعود إلى تقاليدنا الاجتماعية الراسخة وما ورثناه من قانون الجزاء العثماني بهذا الصدد. ومهما كان تعلق المجتمع بالأخلاق العامة فإن إعفاء الفاعل من العقاب في هذه الحالات يؤدي إلى تستر القتلة بالدفاع عن الشرف والأخلاق ولا شك أن الإبقاء على نصوص كهذه في تشريعنا لا يأتلف والتطور الاجتماعي بل إنه يشجع على الإجرام في معظم الحالات.و كذلك الأعذار المخففة التي ترد على جرائم القتل والإيذاء بصورة خاصة وهي حالة مفاجأة الزوجة أو غيرها من المحارم في حالة مريبة مع آخر م /548 /فقرة 2 إذا لم تكن الزوجة أو القريبة التي فاجأها القاتل في حالة الزنا أو الجماع الفعلي بل في حالة مريبة استفاد القاتل من العذر المخفف فقط وليس من العذر المحل ويعود لقضاة الموضوع تقدير توفر شروط الحالة المريبة.
و لا يخفى ما يثيره تطبيق النص المذكور في بلادنا على جرائم القتل خاصة من إفراط في التساهل إذ تتسامح المحاكم في منحه لقتلة يتبجحون بالشرف العائلي لإرواء روح التحكم في ذويهم.
- فيما سبق وضحنا عقوبة جريمة الزنى في القانون الوضعي وفيما سيأتي سنبين عقوبة هذه الجريمة في الشريعة الإسلامية لنوضح أنه هنالك فارق أساسي هو أن العقوبة المفروضة في الشريعة الإسلامية إنما هي عقوبة فرضها الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وقدر مكنونات النفس البشرية وقدر لها حدودها لذلك فهي عقوبة مقدرة تقديراً لا يقبل تعديل فهي حد من حدود الله صالح للتطبيق على البشر كافة في كل زمان ومكان أما عقوبة القانون الوضعي, فهي من صنع البشر فقد بعدت عن الكمال, وافتقدت العدالة،والمساواة, وكانت عرضة للتغيير والتبديل في كل زمان ومكان.
و لقد تقدرت عقوبة الزنى بنص قراني شأنه في ذلك شأن كافة الحدود في الشريعة الإسلامية ويجمع الفقهاء على أساس هذه الحدود وهو النصوص لأنها حدود الله تعالى أقامها في المجتمع فاصلة بين الفضيلة والرذيلة وبين الصلاح والفساد فهي شريعة جاءت لإصلاح الناس لا لمسايرتهم في أهوائهم وشهواتهم.
- فقد جاء في قوله تعالى في آية 2 من سورة النور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).
- فنرى من خلال هذه الآية الكريمة أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في عقوبة الزنى في الشريعة الإسلامية فالإسلام جاء شديداً في تحريم الزنى على كل من الرجل والمرأة لأنها جريمة أخلاقية واجتماعية خاصة عندما تتضمن خيانة زوجية وذلك حرصاً على استقرار الأسرة ورعاية لحقوق الأبناء
- وكذلك في آية 15 من سورة النساء ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهم الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً), أي أن الشريعة الإسلامية لم تنص على قتل الزانية زوجة أو أم أو أخت لكن نص على حبسهن في البيوت ومنعهن من مخالطة الناس حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً أي طريقاً للخروج منها وذلك كان بداية الإسلام لكن بعد ذلك جعل لهن سبيلاً وهو عقوبة الجلد كما ورد في سورة النور.
- ومن خلال ما ذكرناه سابقاً في التشريع السوري نرى أن العذر المحل أو المخفف قد أعطي للزوج فقط دون الزوجة ونحن لا نرى مبرر لهذه التفرقة فلماذا تحرم المرأة الزوجة من التمتع بهذا العذر إذا فاجأت زوجها بامرأة أليست هذه اكبر صدمة تصيبها في حياتها؟ أليس هذا أكبر اعتداء يصيب كرامتها وعزة نفسها؟ ثم أليست هي بعد ذلك بشراً لها شعورها الذي جرح وإحساسها الذي أهين فلماذا نحرمها من هذا العذر؟.
أخيراً وبعد هذه الدراسة ندعو إلى إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات لأنها في مضمونها وإعطائها الأعذار المحلة للجرم فهي تدعو إلى القتل وانتشار الجريمة في المجتمعات والتي ترتكب في غالب الأحيان للتخلص من أمور أخرى كالإرث مثلا ومن قتل نفس كأنما قتل الناس جميعاً وجزائه جهنم....
المحامية عليا نظام الدين - دراسة حول الجرائم المرتكبة باسم الشرف
2006-03-19
المصدر
http://www.awrdsy.org/index.php?option=com_content&task=view&id=19&Itemi d=26