رحمك الله ابا مصطفى ................. ستبقى دوماا بالقلب ..................................

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي











في الذكرى الرابعة لرحيله :
مقالة عن استاذي الشاعر الدكتور علاء المعاضيدي( رحمه الله ) ، كنت قد نشرتها في ذكراه الاولى

في الذكرى الرابعة لرحيله :
مقالة عن استاذي الشاعر الدكتور علاء المعاضيدي( رحمه الله ) ، كنت قد نشرتها في ذكراه الاولى .
مرت بصمت الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الدكتور علاء المعاضيدي صمت لم يقطعه إلا همس هذه الذكرى في قلوب أهله ، وزملائه ، وأصدقائه ، وتلامذته ، ومحبيه ، بل في قلب كل من عرف هذا الإنسان الشاعر، ففي كل مكان حلَّ فيه كانت له بصمة ، بعلمه ، وتواضعه ، ودماثة أخلاقه ، وشخصيته الأريحية الشفافة في أقوالها وأفعالها ، هذه الشخصية التي تكسر الحواجز وتطوي المسافات مع المقابل حتى لتشعر انك أمام صديق يشاركك الأفراح و يقاسمك الهموم والأحزان على الرغم مما يحمله منها ، كان مبهراً في سعة أخلاقه ، وحلمه ، وعلمه ، وطبعه الشاعري الذي يكاد يذوب رقَّةً وعذوبةً في كل ما يقوله وما يفعله . هو الدكتور علاء الدين إبراهيم المعاضيدي شاعر وناقد عراقي من مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار من مواليد عام 1964م ، أكمل دراسته الثانوية في مدينة الفلوجة ، بدأ رحلته الشعرية مبكراً في هذه المرحلة متأثِّراً بأخيه الشاعر حاتم المعاضيدي الذي كان له فضل أسهم في صقل موهبة علاء الشعرية ، وقد شارك بعدة مهرجانات شعرية تكللت بفوزه بالجائزة الأولى في المهرجان القطري للشعر الذي أقيم في بغداد في بداية الثمانينات ، ومن ثمَّ انتقل إلى بغداد طالباً في قسم اللغة العربية / كلية التربية –ابن رشد- جامعة بغداد ، ليتخرَّج منها في العام 1988 ،وليُنتدب بعدها مدرِّساً للغة العربية ، ومن ثمَّ عاد الى مقاعد الدراسة طالباً للماجستير ، ليحصل على هذه الشهادة بدرجة امتياز عام 1992 عن رسالته الموسومة ( البناء الشعري عند الفرزدق ) ، وبعد ذلك حصل على شهادة الدكتوراه في البلاغة و النقد الأدبي من جامعة بغداد كلية التربية ـ ابن رشد عام 1996 بتقدير امتياز أيضا عن أطروحته الموسومة ( الشعرية العربية بين عامود الشعر والحداثة ). كان رئيساً لاتحاد الأدباء في محافظة الانبار ، وكان ينتمي إلى الجيل التسعيني الذي تميَّز بإحياء القصيدة العامودية مع المزاوجة بين أصالة القديم وحداثة الحديث ، والاتكاء على الموروث العربي كأهم مرجع للنص الشعري الحديث وكان يكتب أيضا في الأشكال الشعرية الأخرى ، فنراه مثلاً يكتب الشعر الشعبي في قصيدته ( حلمك علي ) :
حلمك عَلَيْ ... يا حزن

حلمك علي ... يا ليلْ
لا صبري ، ذاك الصبر
ولا حيلي ، ذاك الحيلْ
طالت عَلَيْ غربتي
وراواني عمري الويلْ
تشرَّفت به جامعة الانبار وتشرَّف بالتدريس فيها استاذاً لمادة النقد الأدبي الحديث بقسم اللغة العربية في كلية التربية إلى ان غادر العراق مرتحلاً عنه في العام 2001 . غادره وهو يحمل همومه ، وعاد محمولاً إليه ، فكان محطته الأولى والأخيرة ، فكأنه كان على موعد مع الغربة التي طالما احسَّ بها حتى وهو في بلده قبل ان يرتحل عنه . يقول الشاعر علاء المعاضيدي في قصيدة نشرها في مجلة الفلوجة الأدبية الصادرة عن منتدى الفلوجة الأدبي في العام 1996 عندما كان رئيساً له :
أين ذنبي لكي أظلَّ وحيداً ؟
فأعاني من وحشتي ما أعاني

غربة كل عمرنا وضياع
وانتظار للحظة من أمان ِ

بقي هاجس الغربة مرافقاً للمعاضيدي طوال حياته متشظيِّاً على صفحات أشعاره بين السطور ، وطيَّات الحروف حتى قيل عنه ( شهيد الغربة ) . يقول من قصيدة بعنوان ( ظمأ الجرار ) ارتجالية إلى عيون الدكتور حامد الراوي :
ماذا إذا ظمئت جراركْ ؟! ومضى ولم يرجع قطاركْ

ماذا إذا نسي الفرات وعوده ، ونأت دياركْ
ماذا إذا قدَّت قميصك غربة ، وبكى إزاركْ
هذه الغربة التي كانت ممزوجة باللوعة ، والأسى ، والحنين إلى الأهل والوطن ترنو إلى الأحلام المتشظية ، وكتاب العمر الجميل المشيَّع بالدموع :
لستُ ضيفاً هنا وان كان أهلي
حيث (بغداد) تقتلُ الآن قتلا

حيث يبكي (الفرات) حلماً تشظَّى
و(الزرازير) تشربُ الشهد دُفلى

حيث يُطوى كتاب عمر جميل
شيَّعته الدموع فصلاً ففصلا

فالأحلام ضائعة والعمر يطوى ، والخريف يهمي على شجرته بالجور والأسى ، وفي كل يوم كربلاء تثور عليها وتبقى تثور حتى تُنهي هذه الأحلام :
كم آه ..يا هذه الخريف إلى متى؟
تهمي على شجري أسىً وتجورُ

كم(كربلاءات) على أحلامنا
ثارت، وأخرى غيرها ستثورُ

هذه الأحلام على بساطتها ، بل هي ابسط من ان تكون أحلاما ، لكن المعاضيدي صيَّرها كذلك ، لأنها أحلام مسروقة :
يا حلمي المسروق ، نصف(مخدَّة)
يكفي ، ونصف(صريفة) و(حصير)

وظلال(نخل سماوة)، وربابة
أوتارها (الزابان) و (الخابور)

ما دار في خلدي ثراء باذخ
وطني هواك (خورنق) و(سدير)

لملم بنيك ، وعد إليك فربَّما
يمحو جراحك ذنبك المغفور

اما المحطة الثانية في حياة المعاضيدي كانت محطة قصيرة نسبياً من خلال عمله كأستاذ مشارك في الكلية العربية الجامعية في إمارة عجمان الإماراتية لتبدأ بعد ذلك المحطة الثالثة في حياته منذ العام 2002 إذ عمل أستاذاً مساعداً للنقد الأدبي والبلاغة بكلية التربية / جامعة الحديدة في مدينة زبيد في محافظة الحديدة اليمنية.. وشغل منصب رئيس قسم الدراسات العربية فيها حتى وفاته.. سحر ألباب طلابه بأسلوبه وشاعريته .. وتأثر به كثير منهم … عشق تهامة وزبيد عشقاً كبيراً .. وتغنى بها في قصائده .. حتى كان يقال عنه ( عراقي من اليمن ) فكانت لهذه المحطة بصمة واضحة في شعره:
سلمت ( زبيد ) يمين من
سمّاك بغداد اليمن

يا أخت صنعاء التي
كبرت على كل المحن

الشمس فاكهة الشتاء
و أنت فاكهة الزمن

أوجد الشاعر علاء المعاضيدي لنفسه حضوراً فاعلاً في المشهد الثقافي في محافظة الحديدة من خلال قصائده الشعرية وأبحاثه الأكاديمية ومشاركاته في الفعاليات الثقافية فقد كان يرى أن وجوده في اليمن هو تواصل مع وجوده في العراق ومشاركته على الساحة الثقافية اليمنية جزء من مشاركته في الساحة الثقافية العربية .كانت استضافة الحديدة لاحتفالات الجمهورية اليمنية بالعيد الوطني السادس عشر عام 2006م محطة مهمة عرف الناس في الحديدة خلالها الدكتور علاء المعاضيدي معرفة قوية إذ شارك في كتابة الأوبريت العربي الرائع ( يمن العُرب ) الذي أداه الفنانون : عبدالله رشاد و لطفي بوشناق و علي الحجار وإيهاب توفيق و أروى ورويدا رياض وفؤاد الكبسي .. نشر الدكتور علاء المعاضيدي عدداً من الدراسات والبحوث النقدية والمجاميع الشعرية منها :
1- البناء الشعري عند الفرزدق ـ دراسة نقدية 2- الشعرية العربية بين العمود و الحداثة ـ دراسة نقدية
3- ثنائية الحياة والموت في شعر بدر شاكر السياب ـ نقد 4- في اللغة الشعرية ، الشعرية و الفكر ـ نقد
5- الغموض و اللغة الشعرية / البناء و الهدم ـ نقد 6- التناص مع الشخصية التراثية عبر آليات الحوار
والاستدعاء والإشارة في شعر البردوني ـ نقد
7- شعر الحداثة الشعرية العربية و إشكالية التوصيل ـ نقد 8- الواقعية وسؤال الالتزام في شعر عبدالله محمد
عطية ـ نقد
9- مرايا بيجان ـ شعر 10- فراغات ـ شعر 11- قصائد متفائلة ـ شعر 12- غيمة من رماد ـ شعر
13- مرايا عيون بلقيس ـ شعر ، وهذا هو ديوانه الخامس والأخير صدر عن منتدى الدهني للثقافة والفنون في محافظة الحديدة ، وهو الإصدار الأول لهذا المنتدى . تعددت أغراضه ومواضيعه بين اليمن والعراق والألم الذي يكتنف الشاعر بعيدا عن وطنه والمرأة كوجود وعلاقة إنسانية ، وقد كتب هذه القصائد في مدة زمنية امتدت من 1996 الى 2009 ، ولكن اليمن كان لها نصيب الأسد ، وقد صدَّر الديوان بثلاثة أبيات يقول فيها :
يا مرايا عيون بلقيس رفقاً
ليس عدلاً ان يصبح الماء رملا

ربَّما كنتُ آخر الناس حبَّاُ
بَيْدَ اني بأول الحبِّ أولى

كلهم قدَّموا لعينيك كُحلاً
بَيْدَ اني قدَّمتُ عينيَّ كُحلا

وقد كتب الإهداء لهذا الديوان من المحطة الأخيرة في حياته وهو على فراش المرض من مستشفى الحسين الأردني في عمان ( اليمن .. ارضاً وانسانا وحضارة .. إلى عيون بلقيس ، ذكرى أزمنة لن تغيب عن الذاكرة ... اهدي هذا الديوان آملاً ان يكون عند حسن الظن .. محبتي للجميع ) .
المحطة الأخيرة ابتدأت في شهر شباط 2010م حين وصل الى العاصمة الأردنية عمان للعلاج في مدينة الحسين الطبية ، لينتهي الصراع الأخير في حياته بالانتقال إلى جوار ربه مساء يوم الأربعاء 2 حزيران 2010م ، ليوارى جثمانه الطاهر الثرى يوم الخميس 3 حزيران 2010م في مقبرة المعاضيدي بالفلوجة في العراق .
كان الموت حاضراً في أدبيات المعاضيدي فنراه يقول في رثاء الشاعر حسين غالب العلي:
خذاني صوب ركنكما بعيداً
فداعي الموت مثلكما دعاني

فشمَّر ملبِّياً لهذه الدعوة ، كتب وهو على فراش المرض لطلبته الذين غمروه بمحبَّتهم :
ماذا تريدون منِّي ؟ أدعو لكم ؟ ام اغنِّي؟

خذوا هواكم وعودا... كفُّوا اذى الحبِّ عنِّي
أنهاركم في فؤادي اعشاشكم فوق غصني
لا تهجروها فيبلى قلبي ويزداد حزني
عودوا ولو بعد حين لا تخلفوا حسن ظنّيِي
وقال أبياتا يشوبها هاجس الوداع وقلق اللحظة :
على قلقٍ أقول لكم وداعا
واسكبُ ادمع الفرح التياعا

على قلقٍ ، أقول لكم سلاماً
وارفع كي اودِّعكم ذراعا

وافتح ألف نافذة بقلبي
وازرع كل نافذة شراعا

لقد كنتم أحب إليَّ منِّي
وها انا بعدكم صرحٌ تداعى

وقال مبتهلاً لرحمة الله وعفوه :
تُزيل عن الروح أدواءها لك الحمد يا رب يا ذا الجلال

بلى أيقظ الصبر افياءها وراحت تلملم أشياءها
ارى خلف هذا الضباب الكثيف
شموساً تعلق أضواءها
وأبصر خلف رماد الحروف
قصائد تبعث أصداءها
ومن مقطوعته الابتهالية:
لك الحمد
تنفض عن ريشنا
ثرثرات الغبار
وتمنحنا العافية
رحمة وسعت كل شيء
أدعو الله ان يتغمَّده برحمته التي وسعت كل شيء رحمك الله يا ابا مصطفى طبت حيَّاً وميِّتاً ، وأتمنى على كل من له علاقة بالمشهد الثقافي في هذا البلد ان تكون له اليد البيضاء في تكريم المبدعين هؤلاء ، فهم ينتظرون من يسأل عنهم:
وأعود اسأل من تُرى منكم غداً
عنِّي وعن هذي المحبة يسألُ ؟

ولا يتركوه كما يقول المعاضيدي عن نفسه :
ملقى على طرقات مكَّة
أستجيرُ ولا أُجارُ

كان المعاضيدي حاضراً في قلوب الكثيرين وأرجو أن يبقى كذلك . رثاه كثير من الشعراء بادمع حرَّى ، كالشاعر الدكتور وليد الصراف :
رحلت إلى السما والليل ساج
لتصبح في كواكبها شهابا

والشاعر علي الانباري :
منذ عشر وأنت تمضي فرارا
عن بلاد باتت جحيماً ونارا

لم تجد في رحابها مستقرَّاً
فقضى حلمك الجميل انتحارا